أدب الرعب والعام

مرايا الظلام – قصة قصيرة

بقلم : محمد عوني – مصر

م أحظ من قبل بجرأة النظر إلى مرآة و كأنني أعاني من الأسبكتروفوبيا
م أحظ من قبل بجرأة النظر إلى مرآة و كأنني أعاني من الأسبكتروفوبيا

 
كانت ليلة صاخبة ، ممتعة ، لعب ، ضحك و نساء ، أكلنا حد التخمة و شربنا حتى الثمالة ، عدت إلى منزلي مترنحاً ممسكاً بزجاجه من الخمر أرتشف ما تبقي منها ، القيت جسدي المتعفن على الأريكة ، نهضت و كأنني أبحث عن شيء مفقود ، أمسكت بورقه صغيرة لا أعلم ماذا كُتب فيها ، وضعتها على التلفاز ثم توجهت إلى الشرفة ، صوت مبحوح يناديني : أرواحكم لي ، هذه لعنتي عليكم ، ابتسمت و كأنني المنتصر ثم القيت بنفسي خارجاً .

استيقظت في فزع ، يبدو أنني غفوت قليلاً ، كابوس مخيف ، تجولت في أرجاء المنزل : ما هذا ؟ لا أتذكر وجود تلك المرآة من قبل ، و متى كان يعنيني وجود أي شيء ؟  لم أحظ من قبل بجرأة النظر إلى مرآة و كأنني أعاني من الأسبكتروفوبيا ، لم أدرى يوماً لماذا ؟ أهو خوفي من مواجهة نفسي على حالتها المزرية تلك ، أم أنها تلك الهالة الغامضة التي دائماً ما تحيط بالمرايا و كأنني في لحظة ما عند نظري إليها لن أرى وجهى ، بل وجه شيطاني القبيح الذى ما عاد يتركني و لو للحظة ، و كأنني حين أرى وجهى على هذه الحالة سأرى ابتسامته تتسع من خلفي زهياً بانتصاره الذى حققه معي ، لكنني وقفت أتأملها قليلاً ، تبدو غريبة بعض الشيء ، أتتحرك هي أم أعجز أنا عن الثبات أمامها ؟ صدقاً ارتبكت قليلاً و بالرغم من ذلك اقتربت منها ، بدأت تتموج و كأنها مصنوعة من ماء ، لم أتراجع عند رؤيتي لهذا التموج ، مددت يدي أتحسسها و ما إن لمستها حتى ظهر بداخلها وجه مظلم ، انتزعني الفزع من سكري ، لم أستطع سحب يدي مرة أخرى ، شيء ما جذبني داخلها بقوة ، وجدتني أهوي بشده إلى الأسفل ، أصابني الدوار و ارتطمت بالأرض ، وقفت محاولاً الحفاظ على توازني ، اتكأت على حائط ملطخاً بالطين مبللاً بالماء ، تقيأت حتى سالت دموعي .

ليل معتم ، تهطل الأمطار بغزارة ، تتناوب غيوم الشتاء السوداء على القمر ، نادراً ما تنحسر عنه لينير الطريق في خجل ، فتاة صغيرة ملابسها قديمة الطراز تركض سريعاً ، مرت من خلالي ، تنظر خلفها في هلع ، تتعثر في الوحل ، يطاردها فارس في متوسط العمر يشبهني قليلاً ، ممسكاً بسكين صغير و يتدلى على جانبه سيف معلقاً بخصره ، امسك بها بعنف ، قيدها ، حملها على حصانه و انطلق بها إلى حظيرة بالجوار ، القى بها بجوار رجل مقيد تبدو عليه أثار تعذيب ، مزق ملابسها ، قاومت صفعها بقوة ، صرخ فيه الرجل قائلاً ” أرجوك لا تفعل ذلك أنها أبنتي ، أبنه أخيك ” ، رد عليه في قسوة ” بل سأفعلها و أمام عينيك ” ، و شرع في الاعتداء عليها وسط صرخاتها و توسلات أبيها ، و ما إن فرغ منها و مع سقوط آخر قطرة من لعابه فاضت روحها ، صرخ الرجل المقيد كثيراً ” لماذا فعلت ذلك ؟  هل قبلت عرض العجوز البشع ؟ ” رد الفارس قائلاً ” نعم ، قبلت ، لم تكن أنت بالجرأة لفعل ذلك ، فعلتها أنا و وهبته روحي مقابل الدنيا ، السلطة و المال و كان قتل جميع أفراد عائلتي بقسوة قبل منتصف الليل هو علامة قبول عرضه ، هذا ما طلب مني ” أخرج الفارس سرة كبيرة من الذهب و هو يكمل حديثه ” أنظر ماذا أعطاني ، لم أكن يوماً بهذا الثراء ، سأحكم الجميع ” ، صاح به الرجل قائلاً ” أنت غبي ، أعماك الطمع و الغرور ، ستنقلب اللعنة عليك ، أنسيت ما قال ؟ يجب أن تقتل جميع أفراد عائلتك و إلا لُعن نسلك ، أنسيت أن ولدك لم يعد من سفره بعد ، كيف ستقتله ؟ سُيلعن أبنك أيضاً و سيكبر ليرى عائلته و يقتلهم جميعاً إلا ولد له و سيتكرر الأمر أيضاً و سيتكرر و يتكرر و لن يتوقف ” ، امسك به الفارس ضارباً رأسه بحجر قائلاً ” ألا تستطيع البقاء صامتاً ، تبا لك و لأبيك و أمك ، يجب أن تلحق بهم ، أنت مخطئ ستكون لي الدنيا ” مات الرجل أيضاً ، وقفت أمام الفارس صارخاً ” لماذا فعلت كل هذا ، هم أهل بيتك ؟ ” يبدو أنه لا يسمعني و لا يراني ، لكنه بدأ في الصراخ ، خرج من الحظيرة و كأنه يتبع شخص ما ، جثى على ركبتيه صارخاً قائلاً ” لا ، أين تذهب ؟ لقد فعلت ما أمرتني فأين ما وعدتني ؟ “.

دوى الرعد بشدة بينما تكفل البرق بإضاءة ظلمة الليل ، أغمضت عيني من شدة الضوء ، تلاشى صوت الفارس تدريجياً ، فتحت عيناي و قد أختفى كل شيء ، ها أنا ذا مرة أخرى أمام تلك المرآة التي رأيت بداخلها حقيقتي و أما أنا عليه سوداء مظلمة و لم يكن ذلك الوجه المخيف إلا حقيقه ما أنا عليه ، لكن لن تكون نهايتي كمن سبقوني يجب أن ينتهي الأمر ، أنا الحد الذي لن يتمكن شيطان دنيانا من تجاوزه ، جلست ممسكاً بورقة و قلم و بدأت في الكتابة : ” إلى من سيجد تلك الورقة عليك سلام روحك ، أما بعد : فأنا الشخص الذي أنتمي لعائلة ملعونة  باعت أرواحها لشيطان النفس و الهوى مقابل انتصار دنيوي ، غرتهم نفوسهم الضعيفة و استسلموا و سلموا لها فحلت عليهم اللعنة .

اليك يا من تقرأ الأن ، إذا نظرت يوماً للمرآة فاعلم أنك لا تنظر إلى هيئتك فقط و لكنك ترى جوهرك أيضاً ، نفسك و ما هي عليه من ضعف أو قوة ، من ذل أو عز ، من شر أو خير ، فإذا لم تجد ما يسرك عليك العمل على نفسك قليلاً ، هي تستحق هذا ، تستحق الأفضل و لا يستحق روحك أحد غيرك .
تذكر دائماً : ما النفس الضعيفة إلا إرادة ضعيفة ، فلتتحل بالعزيمة و الإيمان يا هذا و لا تغرنك دنياك و ما تشتهي نفسك فهما طريق الجحيم و فيهما هلاك النفس .

إمضاء الملعون الأخير ” بعد أن انتهيت أمسكت بالمقعد الذي كنت عليه و بكل ما أوتيت من قوة حطمت تلك المرآه اللعينة ، وضعت الورقة على التلفاز ثم توجهت إلى الشرفة ، ارتقيت فوق السور ، ابتسمت فرحاً بزهوه النصر أو كما بدا لي أنه كان نصر ، هممت بإلقاء نفسي فسمعت ذلك الصوت الذي أتاني في أحلامي ” أرواحكم لي ، أنت ملكي كما كان أجدادك و كما سيكون أحفادك ” ابتسمت و نظرت خلفي ، لم أتمكن من رؤيته ، ألقيت نفسي للوراء ، كنت أتهاوى بشدة و أنا أنظر إلى شرفتي ، ظهر لي أخيراً ، كان ينظر إلي في هلع و هو يصرخ بدون صوت ، ملامحه بشعه للغاية ، أهذا القبيح الذي امتلكنا ؟ لا ، لم يعد كذلك ، أغمضت عيناي ، أغمضتهما للأبد.
 
النهاية …….

تاريخ النشر : 2020-01-30

guest
8 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى