أدب الرعب والعام

معاقل الجان

بقلم : عطعوط – اليمن
[email protected]

رعى الله من قرأ واثاب من علق
واحسن الى من نشر ودقق ..
وسلم من سلم الناس لسانه ويده …ِ
وغفر لمن سمى واستسمى وعلى النبي صلى…

أستند على ظهره،
فشاهد صور تمر امامه،
كما يمر شريط الاخبار.

استمر على هذا المنوال،
عدة ايام، وليال.

طلب من اخته، الصغرى،
البقاء، معاه،
ليرى إن كانت، ترى مايراه.
عمد الى النور فأطفأه،

عفراء: لماذا أطفأت النور ياعساف؟
ألا تعلم إني من الظلام اخاف!.

– إنظري نحو الجدار،
هل تشاهدين، ما اشاهد، بإستمرار؟

-تريد إخافتي ياعساف!
لم أشاهد سوى أنوار السيارات،
تخترق الشرفات.

خرجت دون إنتظار،
افشت الى والديها ماصار.
فتبين لهما، بوضوح تام،
سر بقاء عساف في الظلام.
سألا عساف؟
فرد: ارى ذلك منذ عدة سنوات،
صور بشر، وسباع،
وأشلاء، وقلاع،

اعطياه كاميرا دجتل،
وطلبا منه تصوير ما يحصل،
إلا ان التصوير باء بالفشل.

ذات ليلة،

شاهد ضمن الصورالعابرة،
مشهد مُبارزة،
فأجتز احدهم رآس الاخر،
فسمع إرتطامه حينما خر.

فُزع عساف، ولع النور،
فشاهد الرآس المبتور،
في ارض الغرفة يدور.

ثم هبط صاحب الرآس،
انحنى آخِذاً لرآسه بيده،
فوضعه على جسده،

ثم توارى في الجدار.
أرتعب عساف،
فصاح وأستجار.

حضر الجميع، إليه،
وجدوه مغشيآ عليه.

أيقضوه بعد أن رشوه،
أصاب صوته بحة، تلتها كُحة،
لم يستطع النطق بجملة.

ذهبوا به إلى طبيب أعصاب.
رد:إنه مصاب بحالة إكتئاب،
ومايراه محض خيال،
لما قرأه في كتب التاريخ،
من حروب وسجال.

أكمل عساف الثانوية،
فالتحق لاداء الخدمة، في القوات البحرية.
استمر يرى ذلك، في الخيمة، أثناء فترة تدريبة.
تفوق عساف،
في الغوص في ألأعماق،
وقوارب السباق.
فكان إسمه لامع، ونجمه ساطع.
أُعجبت به بثينة، أشد العجب،
فكانت ترافقه أينما ذهب.

وتعبيراً عن الود القائم،
تبادلا الوشم على المعاصم.

في إحد الدورات:

عاد الفريق من الغاطس،
تفقده القائد وجده ناقص.

نادى الرقيب بالأسماء،
من سجل الدفاتر،
لم يكن عساف حاضر.

أُعلن ألإستنفار،
تم البحث  في كل مسار.
مرت نصف ساعة،
عاد الفريق للغوص في الاعماق،
جرى البحث عن عساف، على اوسع نطاق.
أحتار القائد
فقال :  وقت إنبوب ألأُكسجين فات،
إذا كان لايزال تحت الموج، فقد مات.

فجأة، ظهر عساف،
على سطح البحر طافِ.

أنشرح القائد معطيآ أمر ألإنصراف،
دخل الجميع العنابر.

صال عساف وجال في البراق،
فاردآ ذراعيه، على اوسع نطاق،
أمطر زملائه، تقبيل وعناق.

بعد أن هدأ وأستقر،
امسك بذراعيه قائد المقر،
سأله بإستلطاف:
ماذا جرى ياعساف؟
أرآك،
بوجه بشوش، براق!.
رد: ايها القائد ايها الرفاق،
اثناء غوصي في ألأعماق.

شاهدت،
في مرج البحر مدينة،
خلف زجاج شفاف،
تزخر بكل صنوف الزينة،
تشع بكل ألأطياف.

تحفُها حدائق، وجنان،
لا تغلي فيها قدور،
ولا يتصاعد فيها دخان.

بقيت مذهول،
حاولت جاهدآ الدخول،
بئت بالفشل،
هذا كُلما حصل.

ألتف الجميع حوله،
منصتين لقوله،
وبعد أن أتم،
أنهالة عليه المواعظ والحِكم.
ضحك الكُل بإستخفاف،
متسأئلين ماذا حل بعساف؟
إلا إن عساف ظل على إصراره،
لم تتغير أقواله.

دنت منه بثينة،
هامسة في إذنه.
في الغطسة القادمة،
سوف اكن لك ملازمة.

عند وصولهما المكان،
أشار عساف لبثينة، بالبنان،
وهو يلامس صخر،
يتخلله إخدود.

فلوحت لهُ بالجحود،
وطلبت منه الصعود.

وعند وصولهما المقر،
سأل القائد بثينة،
عن فحوى الخبر.
فقالت:
كل ما لمسته صخر جلمود،
بعدها عاودنا الصعود:

لم يسمح له قائده،
بالغوص مرة ثانية،
بعد أن  شاع خبره،
أنه أضحى فاقداً لعقله.

أقتصر دوره على حراسة المقر.
أضطرب، تعكر، تكدر،
وكلما لمح غواص ظهر،
هرع إليه.
سائلأ بصوت زاج:
هل عثرت على مدينة الزجاج؟
-تصرفاته لم تعد تحتمل،
صدر قرار فصله من العمل.

عاد إلى منزله، حزين،
كثير الآهات وألآنيين.

كل ما حمله
بذلة غوص، أخفاها،
لشدة تعلقه بها.

أعترى بثينة حزن وغم،
فعساف فارسها الملهم.

لم يمكث عساف لدى أهله،
بل ذهب إلى أحد أصدقائه.
في مرفأ صيد،
فعمل صياد عدة سنين،
تزوره بثينة،
من حين إلى حين.

انتاب عساف الحنين،
لماضيه الدفين،
فنوى الغوص.

أوصل القارب إلى ألأعماق،
وترك عليه إثنين رفاق.
ارتدى البذلة فغاص،
فعثر على المدينة،
فلصق على زجاجها، كالزينة.

بينما هوا شارد،
في ما يشاهد:

تقدمت نحوه فتاة، جميلة،
خارجة من أحد قصور المدينة. وضعت راحة كفها
على الزجاج.
مكتوب فيها:

ألباب خلف صخرة،
في جوف كهف الكفرة،
تحفة من ألتحف،
منحوت عليها،
صورة كف.

علقة هذه العبارة في ذهنه،
فصعد في وقته وحينه.

انطلق في الفيافي والقفار،
تاركآ صيد البحار.

أستمر بالبحث، عن الباب،
بين التلال، والهضاب.
جاب القرى، وألأرياف،
سائلآ:
من سمع، من رأى، من شاف.

لم يدع بائع جوال، و لا راع حلال،
ولا متقطع، ولا سارق، ولا نشال،
إلا وجه له السؤال.
سأل: كبار ألإناث و ألذكور،
عن الكهف المذكور.

بعد ان كل ومل،
قعد قُرب جدول.

خلع فأغتسل وبعد أن أكمل،
لمح ، كهف، في منعطف.
قصده،
وجد في جوفه، رسمة كف.

شاهدها معلقة كالميدالية،
وهي في حركة خيالية،
تلوح بالترحيب و التحية،
غضة، طرية،
ليست جماد، بل حية.

أستقام أمامها مبهوت،
لم يتراجع ولم يفوت.

فجأة، دار الكف كما يدور الباب،
فظهر خلفها سرداب.
تتداخل فيه الاضواء،
كأنها نجوم السماء.
– دخلت لا أُبالي،
قُرعت الاجراس،
نادى مناد، أيها الحراس،
دخل غريب المدينة،
عليكم بالقبض عليه،
في وقته وحينه.

ظهر أمامي، مخلوق فضيع،
حملني بين ذراعيه كالرضيع.

يمشي على قدم،
تقطر عينيه دم.
تتدلى من شفتيه، مخالب،
لا حاجب له، ولا شارب.

سالته: من تكون؟،
رد: أناء حارس السرداب.
كيف فتحت الباب؟،

– غشاني نعاس،
ففقدت الحواس.

أستيقظت،
فإذ أناء على سرير،
ديباجته حرير.
في غرفة زجاج،
سقفها عاج.

شاهدت المدينة، حولي قصور، وأبراج،
مشيدة من زجاج.

سكانها
يسرحون، ويمرحون،
يخيل انهم في الفضاء يسبحون.

يحضنها البحر بظلماته،
تداعب زجاجها أسماكه.

فنويت أن أطوف،
هممت بالوقوف،

فظهرت تلك الفتاة.

فقالت: لفيت، سعيت، وإليٌ آتيت،
ليس لك مني مناص،
فلست أول ولا آخر من غاص.

قلت: من انت ايها الحسناء؟
لم افهم لكلامك معنى.
لماذا جسدك شديد اللمعان؟
هل انت جنية من الجان؟

ردت: أنت من عليً جان،
لامفر لك بعد الآن!

– اخبريني، كيف، حدث ذلك؟
إن كنتِ متأكدة من صحة اقوالك:

ردت: في وقت من ألأوقات،
قبل عشر سنوات.

كنت على هيئة حمامة،
من الحمام الزاجل،
أتنقل على سطوح المنازل.

حطيت على شرفة بيت،
فإذا بك أتيت،
وبقوسك رميت.

ففقأت عيني،
وحين أصبتني،
شكوتك لأبي.
فلم يكن لك مناص، من إجراء القصاص.

اُستُبدلت،
احد عينيك بعيني،
فصار لك عين إنسي،
و عين جني.

ها أنت ترانا، ونراك،
ألم يكن هذا مُبتغاك!.

رد: الآن اتيتِ بالحقيقة،
فقد عشت حينها لحظات عصيبة،
شعرت بشرارة، كبرق راغ،
اخترق عيني، وسكن الدماغ.

وقتها خضعت لعلاج البصر، بعد ان اختل عندي النظر،
ومن حينها وأناء أرى ما لم يراه البشر.

مخلوقات متداخلة،
وأجسام متطايرة.
زادت معاناتي،
أنعزلت العالم، بقيت في غرفتي.

أراى أن الوقت قدحان،
ليعد كِلانا كما كان.

دعيني أعيش عالمي،
وعيشي أنت عالمك.

ردت:
ما حدث صدر فيه حكم بات،
قضت به محكمة الجنايات.

لولا ذلك، لم تكن لتفوز،
في العثور على الكنوز.

قلت: واين أنا من ذا و ذلك ؟
لم أرى سوى الرعب والهلاك.

ألآن عليك أن تخبريني,
أين نحن ومن تكوني؟

ردت: نحن في مملكة من ممالك الجان.
لم يدخلها  قبلك سوى إنسي،
وأنت الثاني.
و ألأول لم يختلف عليه إثنان.

هل ترى المعلقين،
علي الزجاج ملتصقين،
مصفدين مقيدين؟.

إنهم  جن، غواصة، متمردة، عتاة،
كُل منهم يعاقب بما أقترفت يداه.
فهذا سجن عقاب،
لامخرج لهم ولا باب.

سألتها: آأنت ! من وقفت، خلف الزجاج الوضاح، على كفك الإيضاح؟.
ردت: نعم، رآيتك محتار، فدليتك على المسار.
وكان ذلك لك، بمثابة إختبار.
قلت: دعينا نلف، على حافة المدينة،
نستمتع بمنظر البحر،
وأسراره الدفينة.

مشيت خلفها، كان بصري يخترق جسدها.
فأرى ألأشياء من خلالها،
كإنها ظل، لا دم، و لا لحم، لها.

شاهدت ظلمة ألأمواج،
واضعاً كفي على الزجاج.

فإذا بحوت مهول آتِ،
سابحآ بمحاذاتي.

فجأة أتجه نحوي،
فاتح فمه يريد التهامي.

تراجعت للخلف بإنزعاج،
خشيت ان يخترق الزجاج.

إلا أنه أرتطم،
فتحطمة أسنانه،
فغير مساره.
كنت أرى سكان الدور، ليس عليهم حجاب مستور.

يلامسنا رذاذ الهواء،
الناتج عن نوافير الماء.

إنها مدينة مترامية ألأطراف،
والجن فيها طوائف وأصناف.

إلا أنها خالية من كل الكائنات،
من زواحف، وطيور، و حيوانات.

استمرينا في العبور،
في ممرات القصور.

أنتهينا إلى باب مسدود،
تحرسه إثنين إسود.

تقدمت الفتاة
فوضعت خرزة في فم ألأول،
وألقت بالثانية في إذن ألآخر.

فأنفتح الباب وأندحر.

دخلنا فإذا بباب مؤصد
يحرسه عبد أسود.
وقفنا في محاذاة ركبته،
فارع الطول، وجهه في صدره.

أنحنى فأخذ الفتاة، بقاع كفه،
ورفعها إلى مستوى فمه.

تبادل الحديث معها، ثم أعادها،
فصرخ بصوت شديد،
فآنفتح الباب الحديد.

دخلنا فإذا بناء امام ملك على رآسه تاج.

فقالت: إحن رآسك أنت أمام ملك مملكة الزجاج.

قال الملك: إبنتي صفصاف،
آهذا غريق،
هل ظل الطريق،
ام وقع في ضيق؟.

ردت: بل أنا من أحضرته كي تقتص لي منه.

هذا الإنسي مسيء،
قذفني بحصى مسنون،
أفقدني إحد العيون.

رد: آلم نقتص لك في حينه،
وأعطيناك احد عيونه!
لماذا عدت لتحضرينه؟

قالت: هو من أصر،
على طلب، إعادة النظر،
في حكمك الذي صدر.

فقد لحق به ضرر،
لم يعد يميز بين الجن والبشر.

قال: وما هو طلبه الآن؟
ردت: إعادة ما كان إلى ما كان،
ونقض حكم تبادل الاعيان.

– طلب من الحاجب إحضار الملفات.
ثم قال: اضحى الحكم بات،
وميعاد الطعن فيه فات.

سنعطيه تعويض يقتات،
إذهبي به الى احد الخِزانات،
فليحمل ما استطاع من ذهب، ومجوهرات،
ثلاثة أحمال،
في اوقات متفرقات.

أوصلته المخزن في حينه،
فحمل ما خف وزنه وغلا ثمنه.

اقتادته صفصاف نحو السرداب،
كي تدله على الباب،
فشاهد عدة ابواب.

فسألها: آي باب من ألأبواب يمكنني منه الذهاب؟
ردت: هذا السرداب ذو الباب ألأصغر،
يذهب بك الى قاع الهرم ألأكبر.
بينما ذك المنحوت،
يوصلك إلى عين جالوت.
اما ثالث الإثنان،
فيؤدي إلى مملكة الرمال، و كهف الجن في عُمان.

و لكي تعبر الى نهاية المسار،
لابد ان يساعدك جني سيار.

-عندها حضر المارد إياه،
حمله بما حواه.

فوجد نفسه بلمح البصر،
في الكهف المنتظر.
وبحوزته،
سبائك ذهب،
ولؤلؤ، و جواهر،
لا أول لها و لا آخر.

وضعها في غار،
لا يُرشد إليه مسار.

ثم  عاد عساف من جديد،
كي يحضر المزيد و المزيد.

كانت بثينة تقتفي أثره،
وتتبع خبره.
يشاركها في ذلك صديقه الصياد،
معاد.
عثرا على قبعته،
في منحدر جبل،
بين الكهف والجدول.

استمرا باحثين، مجدين،
من حين الى حين.

تتبعة بثينة خُطاه و مساره،
فأوصلتها إلى المغارة.

فصاحت : هلم هلم يا معاد، نلنا المراد.
اقبل  هرولة، حاملآ في يده معوله،
جثى على ركبتيه، يقلب الكنز بين كفيه، لم يصدق ما تراه عينيه.
قالت : هذا ملك عساف، هذه طاقيته، وآثار اقدامه.
رد: كلا: بل هو لنا، نحن من عليه عثرنا.
قالت: تريث يامعاد، ربما عاد،
ما تقوله، ليس فيه إنصاف،
ألم نأت اساسآ للبحث عن عساف؟
رد: دعك من هذا وذاك،
إن لم تأخذي النصف راغبة،
أخذت أنا الكُل عنوة.
– رآت بثينة، معاد، جاد، غضبه زاد.
فدارت، عازمة الخروج من المغارة.
على أمل ان ترى عساف قادم،
فيثنى معاد عما هو عليه عازم.

– باغتها
تخلص منها دون إنتظار،
ثم أخذ كلما صعد به عساف،
ولاذ بالفرار.

بعد ان ضربها بالمعول خلف رآسها،
سقطت مغشيآ عليها.

صعد عساف بحمله الثاني.

فوجد بثينة في المغارة،
وهي في أشر حالة. ممسكة بيدها للقبعة.
وضع ما على كاهله من أحمال،
أنطلق الى الجدول بإستعجال.
أحضر حفنة ماء، نضح وجهها،
ثم وضع رآسها، على ركبتيه،
ففتحت عيناها.
هم بتقبيلها،

وقبل أن تلامس شفتاه، شفتيها،
ركلته   صفصاف باحد قدميها، ركلة،
انتشلته من موضعه، فهوى مرتطماً في الزاوية،
– ثم اقتربت منه، نظرت اليه بغضب،
تكاد عيناها تقدح لهب.
فقالت: إعلم انك لي، دون غيري،
شاركتني بصري، فلن تغيب عن نظري.
إن أطعتني، نجوت،
وإن عصيتني، غدوت.

-أظهر الخضوع التام،
وتوسل إليها بطيب الكلام.
أن تساعده في علاج بثينة،
وإستعادة المسروقات الثمينة.
فقالت: عفوت عنك زلتك،
سوف احقق مطلبك،

– أستعادة بثينة وعيها،
فشرحت، لعساف ما حل بها،

كان عساف، يرى صفصاف نصب عينه،
بينما لم تكن تراها بثينة.
فأشارت صفصاف  لعساف بطرفها،
موحية له اللحاق بها.
حمل عساف وبثينة،
ما صعد به.

دخلا إلى كهف الكفرة، طلبآ للراحة،
فتوارت صفصاف في الصخر وساحت.

قالت بثينة: مالي آراك شارد البصر هل رآيت في الكهف شيء يذكر؟

بقي صامت بشكل لافت.

عادت فقالت: عساف
إن كنت تسمعني،

اصدقني القول، فقد اصابني عليك الهول،
اين كان غيابك؟
ولماذا مُزقت ثيابك؟
من وهبك و أعطاك حتى اغناك؟
هل قابلت ملك من الملوك؟
ام قمت بسرقة احد البنوك؟

– بعد أن سمع الخبر دار،
نحو  الكف بالسبابة أشار.
فقال: هل تشاهدي، ذلك الكف المعلق؟
هو من فتح الباب، وأغلق.

نظرة بعيون دعجى، تشبه عيون المها.
فقالت: كلا! لم ارى.

قال: خلف هذا الكف باب،
يليه سرداب، الى مدينة،
فيها مالذ وطاب.

-تقدمت بخُطى، خفاف،
علٌِها تجد ما يشير إليه عساف.

ثم قالت محاورة ذاتها:
بعد أن مشطت الجدار، بأناملها.

– أضحى عساف فاقد لصوابه،
والبقاء جواره،
هو ألإنتحار بذاته.

فقالت: الآن انتصف النهار، و عائلتي في الانتظار.

في هذه الاثناء،
تراكمت السُحب،
فأمطرت السماء.
– هرع الى الكهف، قطيع أغنام،
خلفها راع، على الباب استقام.

على كتفه وعاء، و في قبضته عصا،

أنذهل أشد الذهول،
فما يراه غير معقول.

فقال بصوت مسموع:
إسترنا، يا إله السماء،
رجل يختل بإمرآة حسناء.

شكلكم غريب، و أمركم مريب.
ثم صرخ، يا شيخ شكيب:
إنه كفر بواح، في كهف من كهوف الضياح.
ثم تابع الصياح.
-همس عساف في إذن بثينة، أن تخفي المجوهرات الثمينة،
كي لا تقع عليها عينه.
-اخذتها و تدحرجت، خبأتها خلف الصخور المبعثرة،
بينما ظل عساف امامه، واقف يلهيه،
بعد أن اتمت بثينة، عادت، فحاولت ان تغريه، وعن موقفه تثنيه.
فقالت بصوت يشوبه الحنان:
من يكون شكيب الذي تعنيه؟
رد متلعثم: إنه شيخ العشرة.
– ولماذا تناديه؟
– يعود اليه الامر وتدبيره.
قالت بإستعطاف، و إستلطاف
واضعت كفها على بطنها:
أشعر جوع شديد، وضمأ،
هل لك أن تحتلب لنا:
أجتاحته الشفقة، فخلع طوق الدلو عن عنقه،
فشرع في حلب الشاة، تلو الشاة،
و طرف عيناه قفاه.
تهامسا بالهروب، عندما كان مشغول.
فحال بينهم وبين ذلك، غزارة الامطار، وتدفق السيول.
قال عساف بصوت خافت:
الحل ان نكتفه، ثم نغادر من هنا، حين تقلع السماء.
ردت: دعناء نشرب اللبن الآن،
ربما يكن موقفه قد لان،
إن بقي مصر، كما كان،
حينها يكون لنا معه شأن.
-حضر بالحليب بدلوه، ثم أخرج رغيف خبز، من تحت معطفه.
فهشمه، هشم شديد، صنع منه ثريد.
قدمه إليهم، بوجه بشوش،
فوجداه لذيذ، فمشوه، مشوش.
سألته بثينة: ماهو إسمك؟
رد: لبيب.
-هل انت متزوج؟
-بأعز حبيب.
-هل لديك اولاد؟
-راشد و رشيد.
-آلايزال والديك احياء؟
-مقعدين، للموت ناظرين.
– إن كنت بحاجة للمال، نعطيك في الحال!.
بشرط، أن تكف عناء أذاك، وألا تخبر عنا سواك.
رد: اتيتم امر معيب، ولابد ان تمثلوا بين يدي شكيب.
قال عساف: ما كان حكمه،
على من قبلنا،
فيمن شابه حاله حالنا.
رد: يجتز قضيب الذكر من منبته،
ويخيط رحم الانثى بعد جرحه،

قالت بثينة بفزع: ياللهول، ماهذا القول، كيف بالبول؟.
لن يعد للحياة معنى،
إني افضل الفنا.
-إعفنا يالبيب، سنعطيك حتى نغنيك!
رد: سوف أشفع لكم لدى السمسار، ان يحد الشفرة، ويحمي النار.
– هذا مهين، ونحن لم نأت فعل مشين،
آلا يطلب شكيب، الأدلة، و البراهين؟
رد: هو لا يطلب سوى أمرين:
ألأول: وجود ذكر وإنثى في خلاء،
الثاني: أن يكونا بالغا راشدا،
عدا ذلك ليس له معنى.

كف المطر، احست بثينة بالخطر،
انتزعت خمارها، دارة من خلفه،
فلفت به حول عنقه،
بطحته على ظهره،
بينما جثى عساف على صدره.

تمكنوا من شد وثاقه وتكميم فمه.
فإذا بإثنين ملثمين، باب الكهف واقفين، إليهم ناظرين، لسيوفهم شاهرين.

سألاهما: ماذا جنى حتى تعاقبوه،
هيا إتركوه.
امتثلوا مطيعين، فكُوه في الحين.

ظل الراعي متصلب، ساكن الجفون، و الشفاه،
بعد ان لمح من يقف قفاه.

تعجبت بثينة، وعساف، لِما راؤه،
فأيقظوه، ورفعوه، حتى اقعدوه.
فقال احدهم: من هؤلاء يا لبيب؟
رد: وجدتهم هنا بحال مريب،
عندما عزمت على إيصالهم لشكيب. قامو بهذا الفعل المعيب.

ردا: لاشأن لنا بهذا، آتنا مبتغانا.
قال الراع: اوصلوهم لشيخ العشيرة، ان رغبتم،
وبعد ان تعودوا لكم ضعف ما طلبتم.
ردا: أنت تعلم،
إنا سرق، نقتات على اللحم والمرق.
تريد ان ينقض علينا شيخ العشيرة،
فتخلص انت منا على هذه الوتيرة.
بل اذهب بهم انت، ونحن باقون، لغنمك راعون، للنار موقدون.

رد: بشرط، ان ترافقوني،
انهم طغاة، بغاة، يشدون الوثاق، ويكممون الافواه.

صار الامر كما يريد لبيب،
فأوصلهم إلى شكيب.

كان صيتهم قد شاع، وخبرهم ذاع،
انهم بغاة، طغاة، عثر عليهم راع من الرُعاة.

سأل شكيب، عساف، في بداية المطاف:
ما هو إسمك
رد:عساف.
اخبرنا يا عساف بإسهاب قبل ان يحل عليك العذاب:
ما هو عملك وبلدك وسبب مجئك؟
اجاب: فأوفى وأجمل، بكل ما حصل.
ساد الهرج، والمرج، بين الحاضرين، بعد ان سمعوا الهرج.

متمتمين، مهمهمين، كهف، كف، مدينة زجاج،
هذا معتوه، بل، مخبول، ماذا يقول؟.

وانت اخبرينا بأمرك؟
ردت: أنا بثينة،… اتيت خلفه، للبحث عنه،
برفقة معاد زميله.

في المغارة،
عثرنا على جواهر.

حينها غدر بي الغدار،
اخذ ما عثرنا عليه، ولاذ بالفرار.

وها هو آثار الفأس على الرآس.
التفت الشيخ نحو عساف فقال:
سنرسل إثنين خياله، الى كهف الكفرة.
فإن عثروا، على الكف، معلقة،
نلت منا التصديق والثقة.

ذهبا فعادا في الحال،
نافيين صحة ما قال.

طلب عساف،
الذهاب بنفسه،
في نهاية المطاف.

برفقة إثنين من الاشهاد،
قائلآ: إن لم اعثر عليها،
عدت إلى الجلاد.
وافق الشيخ
فذهبوا،
استقاموا باب كهف الكفرة.
فأشار عليهم عساف
قائلآ: ها هي اليد معلقة،
نظر كِلاهما الى الاخر، نظرة إستنكار،
فلم يروا شيء مما ذكر وصار.

طلبوا منه، ان يدخل، يحضرها، ليروها.
مشى نحو جوف الكهف، يتبختر،
وبقي الحراس مصوبين خلفه النظر.

فتوارى، و ذاب، في صخرة، صماء،
كما يتلاشى بخار الماء.

فزعوا لِما رأؤا
دخلوا الكهف، فتشوا.
الى الشيخ عادوا،
وهم يرتجفون،
اخبروه بما رأؤا،
فأمتطى خيله، وذهب الى الكهف بنفسه.
لم يعثر على شيء يُذكر،
فقال : إنهم من الجن، ليس من البشر.
غادروا المكان بحذر.

عادوا الى بثينة،
ولسانها قُبب، من حكم شكيب المرتقب.

لم ترى برفقتهم عساف.
فقالت: آتوني بجثته،
لن أخشاكم لن أخاف.
نظر نحوها شكيب،
فقال: إخلوا سبيلها،
تلحق بعشيقها،
فكلاهما جن في نهاية المطاف.
فكوها مسرعين ، وعنها مبتعدين،
لحقت بشكيب،
ففر منها،
وتحصن خلف لهب.
وكل من أقبلت نحوه هرب،
لم يتضح لها السبب.
عثرت على الراع، يذود شاته،
تعلقت في ترقوته.

:اين عساف آتني به.
رد: دخل الكهف فأندثر،
ولم يعثر له على آثر.
– إن كنت تريد النجاة، أوصلني الكهف إياه.
رد: أليس للجان، قدرة،
على معرفة آي مكان.

رغم ذلك، سوف أدلك،
كي تقيني شرك.
أقتربا من الكهف، وقف بعيد، بعد أن شعر بخوف شديد.
فطفق راكبآ، على حماره،
عائداً نحو داره.

دخلت الكهف بثينة،
مكلومة، حزينة.
أخذت، الكنز المدفون،
عادة إلى أهلها متخفية، عن العيون.
تترقب أخبار، عن عساف،
من سمع، من شاف،
أنقطعت أخباره، طال غيابه.
تنكرت بلبس غير معتاد،
ذهبت لزيارة، معاد.
سألت عنه قُبطان المراكب،
فرد احداهم بتعجب:
ترك صيد البحار، فصار من كبار التجار.

إليك عنوان متجره،
إن كنتِ مجدة في طلبه.

بعد عدة ايام، عثرت عليه.
فإذ هو بيه من البهوات،
له مدير مشتروات،
كل اوقاته مشغول،
لا إحسان، لاترجي.
كلماته محصورة،
بين ألأمر، والنهي، والتحدي.

كانت بثينة، في ابهى حلة،
ظهرت بمظهر سيدة ثرية.
دارت في المتجر، تتبختر،
كي تلفت النظر.
-لمحها معاد داخلة من الباب،
هرع اليها تاركاً درج الحساب.
أستمر يشرح ويمدح، كل ألأصناف،
بكلام رقيق وإستلطاف.
وقبل خروجها من المتجر،
غمزت بطرف أحور،
ملمحة بالعودة، وقت آخر.
باعت بثينة بعض المجوهرات، اشترت احد العمارات.
احضرت عائلتها فتركوا سكن الحارات.
فتحت معمل خياطة،
فكانت صاحبة ريادة.
ضل حقدها يتنامى بإزداد.
للإنتقام، من معاد.
إلا انها فضلت التريث وقت كاف،
عل و عسى  يظهر عساف.
كانت تزور عائلة عساف،
بين الفينة والاخرى.
وتعطيهم ما يحتاجون من مالها،
دون ان تكشف عن هويتها.

أما ما كان من أمر عساف:
بعد فراره، من شكيب، بحضور الحشد المهيب.
وقف امام الكف، ففُتح السرداب،
التقاه العبد المهول التقطه كالذباب.
القاه أمام المخازن،
فحضر الخازن.
نظر في أمره
فقال: دورك لم يحن يا غُلام،
عليك العودة بعد عام.
– احتار اين سيقضي هذه المدة
وما الذي سيحل ببثينة.
بلغ مسامع إبنت ملك الجان، صفصاف،
حضور ألإنسي عساف.
باشرته بالضيافة، شارحة لوالدها محاسن عساف وأوصافه.
فأجلسه مجالس الجان،
وقربه من الخدم وألأعوان.

هامت صفصاف بعساف
عشقاً وغرام،
فلازمته على الدوام.

عرضت على والدها، تزويجها بعساف،
فأرتعب عساف، وتملص وخاف.
وتحت التهديد، خضع في نهاية المطاف.
إلا أنه وضع شرط، واف، كاف،
وهو إستعادة عينه، قبل الزفاف.

نال مراده وعادة عينه الى سابق عهده.

عُقد قران
عساف بصفصاف،
وإقيم حفل زفاف.
حضرته المردة، والجن، الغواصة.
رقصت بنات الجان، على الدفوف،
بلبس وجمال فائق غير مالوف.

فُتحت للضيوف المطاعم،
فتكومت العظام والجماجم،
وأُطلق سراح المسجونيين، في القماقم.
قضى عساف مع صفصاف عام،
بعيدآ عن الضجيج والزحام،
على مرتبة ساج، وكرسي زجاج.

كان عساف قوي البنية، مفتول العضلات،
يمارس الرياضة في أغلب ألأوقات.

ببنما كانت صفصاف، نحيلة، خفيفة، تهفُها الرياح، كحبات الرمال.
إلا أن التكافؤ بينهما على السرير،
كان صفر على الشمال.
حيث كانت صفصاف تنخُله كالغربال،
فسرعان ما ينهار ويتوقف عن النزال.
فيشعر بغثيان، ويستعر بدنه غليان.
فيحاول الإنسحاب، في الغالب،
فلايقوى
على ألإفلات، عن المخالب.

فيبقي مقيد، مغلوب على أمره،
منتظر متى يُفك أسره.

أضحت حياته جحيم،
بين السين، والجيم.

تذكر عساف بثينة وما حل بها،
فعزم على إنقاذها.

فقال: يا صفصاف جسمك نحيف، ووزنك خفيف.
إن أتيت معي لأهلي،
وأكلت رغيف دقيق البر ألأحمر، المغموس بسمن البقر.
ومضغت لحم الضان المشوي،
وشربت عسل النحل الصافي.

عندها ستتغير أحولك،
ويتضاعف جمالك،
بعد أن يزداد وزنك،
ويكسو اللحم جسدك.

دعك من العظام، والجماجم،
وروث البهائم،
ليس فيهن غدق، ولا قطرة مرق،
ولا يسدين رمق.
ردت: فطنت قولك، وفهمت قصدك.

جذبك الى بثينة الشوق،
وتريد الافلات عن الطوق.

حِملك الاخير سبائك ذهب،
سوف أرافقك إن كنت ترغب.

– حمل حمله، ونوى الخروج من وكره،
وصفصاف تلازمه، تحركه وسكونه.

وفي نهاية السرداب،
استوقفهما حارس الباب.

بعد ان قرأ السطور،
أذن لعساف بالعبور.

همت صفصاف باللحاق،
فصدها مارد لا يطاق.

نشب قتال ضار، تطايرت الشرار،
تحولت صفصاف الى كتلة نار،
تصاعدت دخان،
ثم آلت إلى رماد،
فتخلص من شرها العباد.

خرج عساف منتصر، مستبشر،
فشاهد في احد زوايا الكهف،
نار تستعر.
خاف أن تُعاد الكرة الأؤلى،
فذهب نحو الزاوية الاخرى.

فتش على المجوهرات، التي دفنها، فلم يعثر على شيء منها.

فدفن ما حمل من  الذهب،
ونحو النار اقترب.
بعد ان ترقب  لساعات،
فلم يلمح،  ذاهب، و لا آت.

وجد عليها قدر يغلي، بلحم الضان،
فاخرج ، الرآس، و هبرتان.

ثم اختفى خلف صخرة،
فآكل فسد رمقه.

حينها آتى إثنين، إحداهما، يحمل بيديه قرب.
بينما يحمل الاخر على ظهره كوم حطب.
جلسا حول القدر، احيوا النار،
وبقيا يتبادلان، الاحاديث، والاخبار.

فقال الاول: لابد ان نتخلص من الكلب العقور،
الم ترى، كيف كان يلف ويدور،
أثناء سرقتنا كبش منصور.
كاد ان يكشفنا.
قال الاخر:
ساعدني على انزال القدر،
فقد آستوى ما فيه،
وحط ما تبقى من اللحم،
على الوقيد نشويه.

لكن: لاتقرب الرآس، فهو لي دون نقاش.
فمخ الكباش علاج، الرجفة، والرعاش.
رد: ولي الكبد، فحسب ما أعلم،
أنها تزيل البلغم،
وتعوض فقر الدم.
– صاح الأول رافعآ للفأس عندما لم يجد الرآس: سرقتني
رد: إلق ما تبقى من المرق، لعله لصق بقاع القدر، او أحترق.
– لا أثر للرآس على الاطلاق.
احتدم النقاش.
– الم اكن لك في الذهاب والاياب مرافق.
فكيف تقول عني سارق:
إن هذا الكهف، تسكنه الجن، والهوام،
آتذكر ما حدث فيه قبل عام.
الم ننقذ لبيب، من محاولة خنقه، من قبل إمرآة، ورجل غريب.

تبين انه جني، عاشق، إسمه عساف،
دخل هذا الكهف، واختفى في نهاية المطاف.
بينما معشوقته بثينة، تاهت في وقته وحينه.
فقال الاخر: الآن اقتنعت بالحقيقة.
انهم موجودون ويقاسمونا السريقة.
سنغادر المكان، لن نأكل مع الجان.
جمعا اللحم الى القدر واطفأء اللهب.
حمله احداهما، بينما حمل الاخر القرب.
همو بالخروج.
لم يتمالك عساف نفسه،
فكاد العطش ان يفتك به.

انتفض قائم، صرخ وبيديه صفق،
قائلاٌ:
توقفوا الى اين ايها السرق.
ردوا بصوت واحد: عساف!
رد: نعم انا
– ماذا تريد مناء دعنا؟
-لابد من ايصالكم، الى شيخ الجن،
ليصدر حكمه، فيكم البين.
– خذ ما بحوزتنا، واطلق سراحنا.
لم نقم بجناية، غير ما جنينا.

رد: ألم تقلقوا الرقاد، وتسرقوا العباد،
طغيانكم، وفسادكم زاد.
قالوا: ما هو حكم شيخ الجان بمن سبق وآتى بمثل ما آتينا.
رد: يقطع اليد، ويبتر اللسان،
ويجتز الصيوان.
قالوا: رضينا بعدلك،
نفذ فينا حكمك،
لاتصلنا لشيخك.
رد:
لابد من كيكم بالنار،
ليستقر في اذهانكم،
ما جرى وصار،
وتتعهدوا بعدم التكرار.

تقدم وضع الفأس على الوقيد،
ونفخ عليه نفخ شديد.
فوسمهم، في الانوف،
وسم ظاهر، لا يستره ساتر.
ففروا مسرعين،
للحم والقرب تاركين.

فأكل وشرب واستمتع،
ومع شروق الشمس هرع.

همه انصب،
على كيفية بيع الذهب،
وبعد ان تحقق له ما طلب.

شرع في تحقيق امنياته،
فقد عشق البحر واهواله.

فاشترى المراكب، والقوارب،
وقام بإصلاح ما كان خارب.

وجمع الصيادين، من الشتات،
واعطى عمل، لمن اراد ان يقتات.

فأسس شركة صيد عملاقة،
تنامت أرباحه، من خلالها وفاقة.

بحث عن معاد، في أرجاء البلاد.
وتحرى عن بثينة، في الريف والمدينة.
كان قد وجد عائلته، عند عودته،
في رغد عيش.
فقال: لم يكن هذا حالكم، عند التحاقي بالجيش.

كانت عفراء قد التحقت، بآحد الجامعات،
وزُرعت لعيني والدها عدسات.

فقال: سؤالي لكم،
أن تخبروني،
كيف تبدلت احوالكم؟

صار لكم خدم وبوابين،
بل اضحى دارنا قبلة للمتسولين.

في الاثناء أتت عفراء،
فشرحت له كلما جرى.

بعد أن بشت، بعساف، أيما بشوش.
فقالت:
اتتنا قبل عامين آنسة،
تبدُ من الحياة يائسة.
على زندها، وشم منقوش،
رشيقة القد، مسلهمة الرموش.

عليك سألت بإلحاح،
أستضفناها حتى الصباح.

أستيقظت، فغادرت، في الحال،
تاركة، على السرير، مبلغ كبير من المال.
لم تترك.
لإسم لها ولا عنوان،
هذا ما جري وكان.

ومن يومها،
ونحن كما ترى،
في نعيم وثرا.

– تيقن عساف
إنها بثينة،
إنشرح صدره
كونها حية،

صال وجال كلاعب فاز،
فأنزل إعلان في التلفاز.

عن قيام شركة عساف الأهلية،
بإنشاء كلية ألأحياء البحرية.

موضحآ في الإعلان،
المقر والعنوان.

التقطت بثينة، الخبر المُشاع،
فباتت تنتظر الشُعاع.

كان لقاء غير معهود،
بين فاقد ومفقود.

توافد الجموع،
على مقر المشروع.

طال العناق،
فضاق الخناق.

التجمع زاد،
كلآ يريد الفوز بالمزاد.

فصاح عساف بأعلا صوت،
هاهي بثينة نجت من الموت.

تم تأجيل المزاد،
الدعوة عامة لمن اراد.

حضور زفاف،
بثينة وعساف.

زُفت الزفوف، ودُقت الدفوف،
كان فرح بهيج، غير مألوف.

بعد إنقضى
شهر العسل،
فُتحت المظاريف على عجل.

رست المناقصة،
فكانت المفاجأة.

فمن فاز بالمزاد، كان معاد.

أجتاح بثينة إرتجاف،
وتصلب جسد عساف.

انفردوا، للتشاور، خلف ساتر.

ليس حول المزاد، بل حول معاد.

لم يكن لهم حياله، طريق،
فما قام به، غير قابل للتحقيق.

ففضلوا البقاء، صامتين،
يترقبوه، من حين، إلى حين.

فكان العمل لا يحتمل، ولا يطاق،
استمر في الغش، على قدم وساق.

كان تغاضي عساف، وبثينة، مقصود،
فغضوا الطرف.
فأنهمك في الغش، الى ابعد الحدود.

وبعد ان أكمل، حضر لتسليم العمل،
واستلام بقية المتحصل.

فاحضر عساف، كبار المهندسين المعماريين،
ونخبة المستشارين.

وبعد الفحص، في القواعد والاساسات،
تم تطبيق معايير المقاييس والمواصفات.
تبين الغش الكبير،
واحتمال تهدم المبنى، بعد عامين على ابعد تقدير.
وجهت لمعاد تهمة الخيانة،
وصدر قرار بحبسه، ومصادرة امواله،
واسترداد مبلغ الضمانة،
فسقط في شر اعماله.

فزارته بثينة، في سجنه،
فقال: الم تموتين في المغارة!
ردت: انقذني عساف في نهاية المطاف.
سبحان مغير الاحوال،
اين ما اخذته من اموال،
الم تؤل الى الزوال؟

عاش عساف و بثينة،
بسعادة وطمأنينة.

موفرين الآف الفرص، لليد العاملة،
مساهمين، في النهضة العلمية، والأعمال الخيرية.
وفي آخر ايامه،
ارتدى عساف بذلة الغوص المحتفظ بها طيلة حياته.
وارتدت بثينه بذلة مماثلة،
غاصا في الاعماق،
بعد ان ازداد لديهما الاشتياق،
للنظر الى مدينة الزجاج.
لم يعثرا لها على آثر،
وكل ما شاهداه كان حجر.

ذاع صيت الكهف، وانتشر،
فأمتنع عن دخوله، رُعاة الاغنام، والبقر.
انتهى ومن يحب النبي صلى…

تحياتي لمن قرأ وشكري لمن علق ، وعرفاني لمن نشر ودقق،
و دمتم مسرورين مستورين ميسورين بإذن الله.

الفهد

اليمن . للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى