أدب الرعب والعام

معاناة مراهقة

بقلم : مريم عبدالله – السعودية
للتواصل : [email protected]

علامات وجهها كانت هادئة لكنها تكتسي بالحزن والاكتئاب

دموع .. وحدة

دفنت وجهي في وسادتي والدموع قد بللتها بالكامل ، أخرج جميع أحزاني وهمومي يومياً ، فعندما يحين موعد نوم البشر يكون موعد بكائي قد بدأ ، لا أعلم سبباً محدداً لبكائي هذا ، لكن ما أعرفه أن الجميع يكرهونني ولا يهتمون بي ، هل أنا كريهة لتلك الدرجة ؟ لماذا ولدت والجميع يكرهني ؟ من المستحيل بالنسبة لي أن أصدق شخصاً قال أنه يحبني ، سأعتبره أكبر كاذب في الدنيا .

 جميع من يتصنعون صداقتي – جميعهم بلا استثناء – يفعلون ذلك لأنني أنتمي لعائلة مرموقة وثرية ، حتى أقرب الناس لي ، نعم إنه والدي ، لقد كان قاسياً لدرجة لا توصف ، كنا ننال نصيبنا أنا وأمي يومياً من الضرب والشتم و الحرمان ، مع أنني ابنته الوحيدة التي من المفترض أن يعاملها بحنان و حب ، لكنه كان عكس ذلك تماماً ، قد أقول فقط أن أمي هي الوحيدة التي تعاملني بود لكن هذا لا يكفي  .

***
سمعت صوت صراخ وشتم صادر من غرفتهما ، لكني لم ألتفت لذلك مطلقا ؛ لقد تعودت على هذه المشاكل التي أصبحت من روتيني اليومي ، والدي يحاول افتعال المشاكل يومياً مع والدتي لأتفه سبب أو بلا سبب ، قبل فترة كنت أشك أن والدي يتعاطى المخدرات ، فقد رأيته في ذلك اليوم عندما دخلت غرفته ، وما إن رآني حتى بان القلق على وجهه ورأيته يحاول إخفاء شيء ما ..

لم ألمح سوى بعض أقراص الحبوب الغريبة وبالطبع لن يتركني أتأملها وكأنني أتأمل طبيعة خلابة فصرخ بصوته المرعب وهم ليضربني وهددني بأني لو لم أخرج فسوف أندم على خروجي لهذه الحياة ، بالفعل أنا نادمة على خروجي لهذا البؤس ، أيسمون هذا ” القرف ” بالحياة !! لقد حرمت منذ صغري من عطف أبي علي كبقية البشر ، لكن على الأقل فهناك أمي التي تحاول أن تعوضني ولو بأقل شيء .

***
ارتميت في حضن سريري و أدخلت يدي أسفل وسادتي و أخرجت منها روايتي التي عشقتها منذ أن رأيتها لأول مرة ، أغلقت ضوء الغرفة و قمت بإشعال ضوء خافت جدا بالكاد يمكنني من القراءة ؛ فأنا لا أحب سوى الهدوء ، و أكره جميع الأشياء الصاخبة ، تنهدت تنهيدة طويلة , كانت كافية لتعبر عن مشاعري المحترقة .

***
أنهيت قراءة الرواية التي لا طالما أحببتها أكثر من غيرها .. لمجرد أن بطل الرواية كانت حياته مشابهة لحياتي بقدر كبير ، باستثناء تلك الأحداث المرعبة التي تمر بحياته من طرف العالم الآخر ، آآه كم أحبهم وأحب كل ما يتعلق بهم ، ربما تهمس لنفسك وتقول بأني مجنونة ، لكنها الحقيقة البائسة  .

أفضل أن أعيش مع الأرواح والعفاريت على أن أعيش مع من لا يشعرون بوجودي أصلا ، لماذا الجميع هنا يتصف بالأنانية ؟ ربما لو عشت بينهم أكثر فسأصاب بالجنون .

***
لا أعلم هل أنا المتشائمة هنا أم أن الحياة تتشاءم بي ؟ أينما ذهبت أرى العيون تنظر لي بقرف ، إناثا وذكورا ، أشعر بالجنون كلما جاءت كلمة ذكور على لساني ، كم أكرههم هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم اسما بلا معنى ، إنهم لا يعرفون شيئا من معاناة الإناث ، أو بالأصح معاناتي كفتاة ، الأنثى مقيدة بقوانين كثيرة لا معنى ولا فائدة لها مطلقا .

 المرأة يجب أن تطيل شعرها لأنه يعتبر جمالا لها كما يقولون  ولا تستمتع باللعب والقفز والمرح بعد أن تبلغ سن المراهقة ، أما الذكور فهم حتى لو تجاوز عمرهم الستين تجدهم يقفزون كأنهم قرود لا تعرف سوى القفز والأكل والنوم ، دعوني أكمل فقط ، والأنثى لا تتمتع بالحرية بسببهم ، وإلى مالا نهاية ..

لو لم يكن هؤلاء القرود موجودون على الأرض لتمتعنا بحياة أفضل ، وعلى الأقل لن نتزوج ونشم رائحة البصل يوميا ، لا أدري إلى متى سيهتمون بالمستقبل هكذا و كأنهم خالدون مخلدون ولن تنتهي حياتهم ( كلها يومين و عالقبر ) كم أبغضهم هؤلاء الذكو … لا بل القرود  .

***

المكان : غرفة لجين .
الزمان : الساعة 11 صباحاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ أنا أتفهمك يا عزيزتي جيدا ، لكنك تقولين أنك لا تجدين من يحبك والجميع يكرهك وهذا ليس صحيحا يا حنين .
ترد حنين بحزن  :
ـ لا يا عزيزتي لجين كل هذا صحيح أنتِ فقط تري ..
قاطعتها لجين بغضب  :
ـ لا ليس صحيحا ، أنتي المتشائمة هنا ، لا تنظرين لأي شيء بتفاؤل مطلقا .
ـ صمت …
ـ صدقيني هناك من يحبك ويتمنى لك الخير لكنك لا تفهمين .. حنيين هااي لا تغلقي الخط ..حني..
طوط .. طوط .. طوط ( صوت إغلاق الخط )
لجين تحادث نفسها بعصبية  :
ـ ما الحل مع هذه الحنين .. إنها غبييية .
لجين : فتاة جميلة الملامح ، قصيرة ، تحب صديقتها حنين وتساندها دائما وتقدم لها العون ، تدرس مع حنين في نفس الصف ، عمرها 15 سنة .

***
تنهمر الثلوج لتغطي وجهها الذي لا يمر وقت دون أن تغرقه الدموع .. هي تخبر نفسها أنها فترة و تمر .. لا تعلم لم هي مكتئبة .. لا تستطيع أن تتخيل أن أحدا يحبها .. بل ربما تكرهه لو علمت .. لأنها لا تستطيع تصديق ذلك .

***

كانت جالسة في مقعدها بهدوء تنتظر معلمة العلوم لتدخل وتشرح درسها الممل ومن ثم تغادر .. علامات وجهها كانت هادئة لكنها تكتسي بالحزن والاكتئاب ، كأنها تضع قناع الهدوء هذا مؤقتا ، لكن حزنها كان يفضحها ، و فجأة يقطع شرودها صوت أحد زميلاتها وهي تقول بسخرية للطالبات  :

ـ بنات ، ما رأيكن أن نحمل القليل من أحزان حنين يبدو أنها ثقيلة جدا عليها .
ما أن انتهت من كلامها حتى ضج الفصل بالضحك .. لكنه سرعان ما تبدل جو الضحك هذا بجو الخوف والهدوء القاتل ، وتوجهت جميع الأنظار إلى حنين وبالضبط عينيها ونظرتها المرعبة لزميلتها مها التي سخرت منها .. تتجمد مها في مكانها .. وانعقد لسانها ولم تستطع نطق حرف واحد .. بعد رؤيتها لعيني حنين التي يكاد أن لا يكون بها سوى البياض التام …

تبدل جو الخوف هذا بعد أن دخلت عليهم أستاذتهم اللطيفة وهي تقول بمرح :
ـ هيا يا صغيراتي ألن نبدأ درسنا ؟
لم يكن هذا الكلام مناسبا حينها .. لكن الطالبات اعتدلن في جلستهن وبعضهن يرتجف من الخوف بشكل واضح ومثير للشك ..

***

لا أعلم لم اليوم فقط شعرت بسعادة ؟ لكنني رأيت الجميع بلا استثناء ، يجهزون أغراضهم للرحلة المدرسية والابتسامة لا تفارقهم .. ربما هي فرصة لكي ابتسم ولو لدقيقة ..
يأتي صوت مها ليقطع أفكاري بوقاحة  :
ـ هل ستأتي صاحبة الأحزان معنا أيضا ؟
كاد الجميع يضحك ، لكنهم نظروا إلي وكأنهم ينتظرون مني فعل شيء .. لكني قمت بتجاهلها وكأنها ذبابة مزعجة .. على ما يبدوا أني سأسكت هذه الثرثارة للأبد .

***
أخفيت وجهي بعيدا عن العالم الخارجي .. لا أريد أن يرى أحد وجهي وهو في تلك الحالة المزرية .. كان وجهي مليئا بالخطوط المبللة التي أفسرها على أنها دموع حزن .. لقد تلقيت صدمة عنيفة من والداي حينما أخبرتهم عن حلمي وحبي للكتابة وأريتهم واحدة من رواياتي التي كتبتها ، ليقول لي والدي وبكل قسوة  :

ـ لستِ أنتِ الوحيدة التي تحلمين بأن تصبحي أديبة مشهورة هناك الكثير غيرك كانوا يحلمون مثلك وأنا منهم ، لكن عندما كبرت قليلا اكتشفت أني كنت أحلم فقط .
لتضيف أمي على كلامه  :
ـ صحيح ، إذن أنتي تعتقدين بأنك قد تصبحين كاتبة مشهورة وهذا مستحييل .
قلت بغضب وأنا أغادر الغرفة  :
ـ إنه ذنبي أنا بأن أخبركم بما أتطلع إليه .. وداعا .
وأغلقت الباب خلفي بقوة لدرجة أنه كاد أن ينكسر ثم ارتميت على سريري لأبحر في شلالات دموعي المحترقة .. ربما تمنيت حينها أن أختفي من هذا العالم القاسي .

***
لماذا يفكر الجميع بهذه الطريقة ؟ لماذا يعتقدون أنه من المستحيل أن يخرج لهم كاتب أو كاتبة بمستوى أجاثا كريستي أو نجيب محفوظ وغيرهم من الأدباء الذين حققوا نجاحا باهرا .
إنهم مجرد بشر مثلنا ، لا يفضلوننا بشيء .. أريدك أن تتذكر يا أبي كل ما قلته لي عندما .. لا أدري بصراحة عندما ماذا ، لكن عندما أكبر أريدك أن تتذكر هذه الكلمات جيدا .. ولا أريد المزيد من الإحباطات  .

انتهت  .

أسئلة للقارئ :

س1 : هل القصة ممتعة ؟
س2 : هل أسلوب القصة جيد ؟
س3 : هل أسلوب كتابة القصة يعطيك انطباعا بأن الكاتب جيد في الكتابة ؟
س4 : ما سلبيات القصة ؟
س5 : ما إيجابيات القصة ؟

القصة منشورة في منتدى خارجي لنفس الكاتبة ..

تاريخ النشر : 2016-04-15

مريم عبدالله

السعودية
guest
71 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى