أدب الرعب والعام

ملخص حياتي

بقلم : لولوكاتي – الشرق الاوسط

ملخص حياتي
لم اكن اصدق ان هذا كله حقيقي … ظننت لوهلة بأنني احلم

هذا ملخص حياتي .. و ذكرياتي التي لن تنمحو ابداً .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
انا (إينانا) .. ذات ال25 سنة … توفي ابي منذ ان كنت صغيرة .. فقط بقينا انا و امي المصابة بمرض السرطان …. احاول بشتى الطرق ان اوفر العلاج لأمي و أن أحاول ان ادفع قسط جامعتي بالعمل في محل لبيع الملابس في المول … حياتي كانت تعيسة اكثر من اللازم … انا احب أمي جداً و لا اريد رؤيتها تتعذب و تتلوى من شدة الألم بعد العلاج الكيميائي .

أما يوسف … الشاب الوحيد الذي أخرجني من ظلمات حياتي … هو ليس فقط زوجي … بل حبيبي و صديقي و سندي في هذه الحياة الصعبة …. عندما تقدم لي (كنت في ال21 من العمر و يوسف في ال23) كنت احاول بشتى الطرق ان أصده … لأنني لا أريد ان اجعل شاباً مثقفاً و عاقلاً مثله بأن يقع هو أيضاً في تلك الكآبة التي أعيش فيها … إلا انه استطاع بعبقريته الفذة و اسلوبه الفريد جداً من نوعه ان يخرجني من تلك التعاسة التي كنت فيها ..

اتذكر المرة الاولى التي رآني فيها … لم يُزل عينيه من علي … بل و ظل يلاحقني و يحاول ان يكتشف كل شيء عن حياتي الغامضة … و كأنني لغز يحاول حله … إلى ان جاء ذلك اليوم .. كانت السماء حالكة و النجوم تلمع و البدر ينير كل ما على الأرض … إقترب مني يوسف و علامات التردد بادية و بشكل واضح على وجهه … أسرعت خطاي نحو المنزل ، إلا أنه استوقفني و قال بالحرف الواحد : إسمك (إينانا) أليس كذلك ؟؟ .. حسناً إينانا .. انا كنت اريد ان أحدثك في موضوع .. انا ، انا .. انا حقا أحبك … و قلت في نفسي بدل ان أظل ألاحقك ، سأعترف لك بهذا الشيء.

أصبحت أرتجف بقوة .. و الدموع تتساقط من عيني .. ركضت و بأقصى ما عندي من قوة نحو المنزل و انا اسمع كلماته (إينانا ، انا اسف لم اقصد ازعاجك ) كان يحاول ان يعتذر و يجعلني اهدأ .. إلا أنني كالمجنونة بدأت اركض بهستيرية نحو البيت …
في اليوم التالي و في نفسي الوقت .. جاء إلي يوسف مرة أخرى .. و احضر لي وردة حمراء تعبيراً عن إعتذاره لما حصل البارحة ..

قال بإرتباك : آسف عما حصل البارحة … انا حقاً آسف .. لم أكن اعرف بأنكِ ستغضبين لهذه الدرجة … كنت حقاً اريد ان أقول لك مافي قلبي … انا فعلاً أحبـ…
قاطعته بنبرة غاضبة : كُف عن تلك المشاعر المزيفة .. لا أعلم كم عدد الفتيات اللاتي أخبرتهن نفس هذا الكلام … انا أعرف من مثلك تماماً .. و أعرف تماماً غايتك من هذه الكلمات التافهة .. قابلت من مثلك كثيراً .. تظنون و بكل سهولة ووردة حمراء و بعض الكلام المعسول سوف تجذبونني ؟؟ … للأسف انا أختلف عنهم .. لذلك لا تحاول معي أبداً.
قال و بتحدي واضح : أتظنين انني من نفس تلك الفئة من الشباب … الذين يغرون الفتيات بهذه الأشياء و سرعان ما يركلوهن في الشارع بقلب مكسور و شرف ضائع ؟؟ … اخطأت .. بل اخطأت كثيراً .. و ان كنت لا تصدقين حبي .. فاستعدي غداً .. سآتي لأخطبك .. و سأتزوجك في نفس اليوم ان كنتي مازلت تشكين بيّ … و صحيح .. انتي الفتاة الأولى التي أحبها .. لم اكترث للفتيات يوماً .. فقط انتي.

ذهب و مازالت الوردة الحمراء في يده ..
عدت إلى البيت .. كانت امي نائمة … غطيتها .. و ذهبت لأستلقي على سريري .. هل حقاً انه مختلف عنهم ؟؟ … إنه يمزح بالتأكيد .. لن يأتي لخطبتي .. من سيتزوج فتاة بتعاستي و كآبتي .. من يريد ان يلقي بنفسه إلى الهاوية ؟ …

قمت من على سريري بروية … إتجهت إلى مرآتي المهمشة .. حدقت بنفسي مطولاً … لأول مرة اكتشف كم انني متعبة .. عيناي الملونتان قد زال بريقهما .. ووجهي شاحب .. كيف استطاع ان يحبني بكل هذا التعب و الشحوب ؟ .. لكن (اينانا) ألا تخافين الله ؟؟ .. كيف ستأخذين شاب بذكاءه و ووسامته و حبه للحياة و السعادة .. إلى عالمك المظلم .. الكئيب و التعيس .. صحيح ان كل المواصفات التي توجد في فارس احلامي موجودة فيه .. إلا انني اشعر بأنني محرمة عليه …

جاء اليوم الموعود و المنتظر أخذت أمي إلى المستشفى و عدنا سوياً .. استلقت أمي في فراشها و أنا ذهبت إلى الجامعة .. ثم اتيت بكم هائل من التعب .. بدأت أطبخ الطعام و أكلت انا و امي … ثم استحممت .. استلقيت بجانب أمي .. اريد ان أشكي لها كل مافي قلبي كالعادة .. فجأة رن الجرس .. لا احد يأتي إلى بيتنا عادةً … اتجهت إلى الباب بخطى ثقيلة .. كان قلبي ينبض بقوة .. فتحت الباب .. يا إلهي .. إنه يوسف برفقة أمه … إنه حقاً أتى لخطبتي … أدخلته البيت و انا انظر إليه بنظرات تحمل بداخلها ألف سؤال .. وهو يبتسم بطريقة لطيفة و كأن إبتسامته جواب لجميع اسألتي ..
توجه هو ووالدته إلى أمي .. قال لها بلطف .. خالتي أريد ان اطلب يد ابنتك منك … انا يوسف .. عمري 23 .. انا ادرس كطبيب جراحي .. اتمنى ان تكوني موافقة بأن اكون زوج إبنتك ..
 لأول مرة أجد أمي فرحة بالشاب الذي يتقدم لزواجي … ثم انصرف هو و أمه .. اتجهت إلي أمي .. قالت لي : يا إبنتي اشعر بان هذا الشاب يناسبك جداً … هذا شعور الأم … هل انتي موافقة عليه؟
اجبت : امي حبيبتي .. ان كنت تجدين بان هذا مناسب لي فإنني موافقة ..
و في اليوم التالي اعلن يوسف خطوبتنا … بلسانه الطليق و قلبه الطيب استطاع ان يجلبني مرة أخرى إلى الحياة … و كأنني أولد من جديد عندما أنظر إلى عينيه … مرحباً (ايني) “”كما يحب ان يناديني”” … أغلقي عينيك .. لقد جلبت لك هدية ستحبينها بالتأكيد ..
– يوسف .. ارني ما لديك
يوسف : اغلقي عينيك أولاً.
– لن أغلقها يا يوسف .
يوسف : أيتها الشقية .. يعني لن تسمعي الكلام ؟ .. حسنا سوف اغلق عينيك بنفسي ..
– بسرعة يا (يوسفا) انا متشوقة
يوسف : حسنا (ايني) هيا افتحي عينيك .
فتحت عيناي و كانت مجوعة من الكتب التي كنت اريد قرائتها مرصوصة امامي … ارتميت في احضان يوسف لا إراديا .. و شكرته جداً على هذه الهدية الرائعة.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

“”بعد شهرين””
الأربعاء ال24 من شهر أكتوبر … كان أجمل يوم في حياتي … إنه يوم زفافنا … أنا و يوسف … لا يهمني لا فستان العروس ولا المهر ولا الذهب ولا حفلة العرس الضخمة … ما يهمني الآن أنني سأرى يوسف بكل لحظة من حياتي … و سنقرأ الكتب معاً … و ننجب طفلاً صغيراً نسميه (عمر) كما يحب يوسف … و في لحظات الشتاء .. سوف نشرب سوياً كوب من الشوكولاتة الساخنة و نستمتع بمشاهدة هطول الأمطار الغزيرة في بلادنا العزيزة .. و ان نشغل فيلماً في برودة الشتاء و نجلس امام المدفأة نشاهد الفيلم سوياً.

كل هذه الأحلام بنيتها بينما انا و يوسف نتجه إلى بيتنا الجديد .. البيت الذي سنكون فيه أسرة و سنبدأ حياة جديدة … نعم ذهبنا إلى البيت .. و قرأ لي يوسف جزء من كتابه المفضل … لم اكن اصدق ان هذا كله حقيقي … ظننت لوهلة بأنني احلم .. ولكنه واقع .. و ما اجمل هذا الواقع!

زوج رائع و حماة طيبة و لينة … كل شيء مثالي جداً .. ثقلت جفوني و نمت .. في الصباح الباكر … استيقظت انا و يوسف و ذهبت كي أعد لكلينا كوب من القهوة الساخنة … اتجهت الى المطبخ .. بينما يوسف يجلس بالقرب مني على طاولة الطعام و يقرأ كتاباً ..
(المكتبة العالمية) هكذا أُسمي يوسف .. لأنه قرأ جميع الكتب الموجودة في العالم تقريباً … كلما سالته عن كتاب يعرفه .. ههههه (يوسفا) الخاص بي ….

فجأة شعرت بألم حاد في منطقة الرحم … لدرجة انني وقعت أرضاً و بدأت أبكي و انا أتلوى من الألم … هرع يوسف إلي .. و أخذني إلى المستشفى بأسرع وقت … الغريب ليس في الألم المفاجئ .. بل في قول الطبيب .. لا يوجد شيء .. نعم .. لا توجد أي مشكلة في الرحم و سبب الألم مجهول … قال الطبيب بإستغراب ان عادة من لديهم مشاكل في منطقة الرحم يصيبهم هذا النوع من الألم .. إلا انك لا تعانين من شيء .. كل شيء تمام و طبيعي ..
عدت إلى المنزل و انا مستغربة جداً من هذا الأمر الذي وقع فجأة … اخذني يوسف الى فراشي و طلب مني ان ارتاح و احاول تدفئة نفسي في هذا الشتاء القارس لأنه من الممكن ان هذا الألم حصل لانك بردت البارحة … إلا انني لم ابرد .. نعم .. كانت البيت دافئ جداً … كان يوسف يحاول طمئنتي بأي طريقة … و استسلمت للنوم ..
(خمس سنوات ايتها الحقيرة … خمس سنوات .. خمس سنوات … خمس سنوات … خمس سنوات .. )
استيقظت من نومي فزعة .. كنت اصرخ من شدة الخوف كالمجنونة … احتضنني يوسف و قال لي بصوت دافئ : ماذا بك يا حبيبتي ؟ .. ماذا بك يا اينانا .
– يو.. يوسف .. يوسف .. المرأة المخيفة .. المرأة المخيفة .. سوف .. سوف تقتلني .. كانت تقول لي خمس سنوات .. انا خائفة .. انا.. ان.. انا خائفة جداً .
– لا تخافي يا عزيزتي كان مجرد كابوس .. انا هنا بجانبك.. و لن يستطيع احد اذيتك أبداً … أووه لا .. ان حرارتك مرتفعة .. ساحاول وضع الكمادات على جبينك كي تنخفض قليلاً .. ربما ترين الكوابيس بسبب حرارتك المرتفعة .. حسنا ارتاحي الآن .

كانت الدموع تتساقط من عيناي لا إرادياً … كانت تلك المرأة حقيقية جداً … حمداً لله ان يوسف بجانبي .

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

مرت خمس سنوات على زواجنا .. انها اجمل خمس سنوات في حياتي .. يوسف اجمل شيء حصل في حياتي .. هو من ساندني بعد وفاة أمي الحبيبة بمرض السرطان .. هو دائماً بجانبي .. لم و لن اجد شخصاً بطيبته ووفاءه … حتى بالرغم من انني عقيمة (لا انجب أطفالاً ) إلا انه لا يفكر ولو للحظة بان يبتعد عني او يتزوج علي كما تقول له أمه … إنه حقا شخص مثالي .. (لا مشكلة لدي ان لم ننجب اطفالا .. انا لا اريد غيرك … اما اطفالي سيكونون منك او لن انجب اطفالاً ابداً ) هذا ما يقوله لي عندما تزعجني امه بكلماتها الجارحة .
حتى انه يمنعني ان آخذ الأدوية لكي احاول معالجة مشكلة العقم .. لأنه يعرف بأن الأدوية القوية بشكل عام تسبب لي التعب و الإرهاق .. انني حقاً محظوظة بوجود شخص كيوسف في حياتي …

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

– هل من الضروري ان تذهب ؟
قالها يوسف وهو مشغول بقراءة كتابه : نعم يا حبيبتي .. فهذا عمل. 
– ولكن لا اريد ان اظل وحدي في البيت .. خاصة في هذا الجو الممطر (قلتها بصوت منخفض ناظرة نحو النافذة)
– اينانا .. عزيزتي .. سأسافر هذه الليلة فقط .. و غداً ساعود إليكي كما كل يوم .. اريدك ان تهتمي بنفسك حسناً عزيزتي ؟ .
نظرت بنظرة حزينة الى يوسف و انا ارتشف فنجان قهوتي ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

السماء سوداء مائلة إلى البرتقالية … و المطر يهطل بشدة … فتحت عيناي بثقل .. الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل .. و البيت هادء كهدوء المقابر … لا أشعر سوى بيد يوسف و هي تحط فوق كتفاي .. هناك شيء غريب حيال يوسف هذه المرة … انه درجة حرارة جسمه منخفضة جداً .. لا أعلم … شعرت بالإرتباك … اتجهت إلى المطبخ لأشرب كأس ماء… مهلاً ! … هل هذا ظل امرأة ؟
: من هناك ؟؟ … جاوبني ؟؟ … يا إلهي يجب ان أوقظ يوسف ..
: أيتها التافهة … مرت خمس سنوات و حان الوقت ..
: م…ماذا ؟؟ … من هناك … يووووسف !!!!! .. يو.. اوه لا لا لا … يوسف ليس في البيت ..إذن من كان ذلك الشخص ؟
فجأة احسست بيد تمسك معصمي .

صرخت باعلى صوتي … استيقظت و انا في السرير .. جلست و انا اتصبب عرقاً .. الحمدلله كان كابوساً … ولكني اشعر بألم شديد في معصمي .. اووه لا .. هذه طبعة يد على معصمي .. ولكن .. كيف حصل هذا ؟؟ ..
غطيت نفسي ببطانية بهدوء و نمت نوماً عميقاً 

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

: عزيزتي .. انا اتيت .. لقد اشتقت إليكي كثيراً .. (همس يوسف في اذني )
استيقظت على وقع كلماته ..
: يوسف … لقد اشتقت إليك كثيراً … ارجوك لا تذهب مرة أُخرى .. لا اريد ان ابقى لوحدي (قلتها و الدمع من عيني يسقط لا إرادياً)
: هاقد عدت .. و لن اتركك مرة اخرى .. هيا استيقظي يا حبيبتي .. اشتقت الى الحديث معك ..

حضرت كوبين من القهوة لكلينا .. و بدء يوسف بالتكلم عن العملية التي أجراها البارحة ..
: لقد كانت أصعب عملية .. يا ويلي هههه … إستمرينا انا و الأطباء في الجراحة لمدة 10 ساعات تخيلي !!! … قال لي محـ…. اينانا ؟؟ .. هل انتي بخير عزيزتي ؟؟ .. لماذا تبدين مرتبكة و شاحبة .. هل انتي مريضة ؟؟
: لا عزيزي .. انا بخير
: هل انتي متأكدة ؟؟ ..
: نعم
أعطني كوبك لانظفه ..
: ايني .. بعد ان انتهيتِ سنذهب لزيارة امي … يقولون ان اخــ ..
: اكمل حديثك يوسف !! .. ما بك ؟
: اخي جاءه مولود .. زوجته انجبت طفلاً (قالها وهو ينظر إلى الأرض)
: يا إلهي يوسف … لماذا تعاملني بهذه الطريقة ؟؟ ..اعرف انك لا تريد جرح مشاعري .. ولكن ان لا انجب اطفالاً لا يعني انني لا اريد ان ينجب احداً طفلاً .. يوسف لا تتحمل هذا العبئ .. اعرف جيداً كم تحب الأطفال ولكنك لا تريد إظهار ذلك كي لا تجعلني أشعر بعيبي … تزوج امرأة أخرى .. انا لا اريد رؤيتك تنحرج بسببي عند عائلتك .. عندما نذهب إلى هناك .. اعرف ان امك ستحرجك مرة أخرى أمام الموجودين .. ( أنت لست رجلاً .. يا حسرتي .. سوف اموت و لن ارى اولاد يوسف يلعبون من حولي ) ..هذا ما تقوله دائماً.. لا اريد ان تسمع كلاماً قاسياً بسببي. (قلتها و انا اجهش بالبكاء)
: كيف تتجرأين ؟؟ .. لماذا لا تفهمينني .. قلت لك لا اريد اطفالاً إلا منك .. انا أعنيها حقاً .. ولا يهمني كلام أمي او أي احد … انت تكفينني .. هل تحبينني ؟؟ … إذن لا تتفوهي بهذا الكلام مرة أُخرى … انا لم اشعر بسعادة و راحة بال مع اي احد مثلك .. انتي عالمي الخاص .. الذي الجأ اليه كلما ضاقت بي الدنيا .. انتي ملجأي .. كم اشعر بالأمان كلما نمت بجانبك و كلما مسحتي على شعري كيف أغفو … انا احبك حقاً اينانا .. انتي لم تجلبي لي سوى السعادة … و أيضاً لا اريدك ان تقولي انه لديكِ عيب .. لو حقاً كان فيكي عيب .. لما استطعتِ ان تضفي الكمال إلى حياتي بهذا الشكل المذهل .. هيا تجهزي … و ان لم تريدي زيارة أمي فلا بأس سأذهب وحدي ..
: لا أنا آتية .
فجأة شعرت بدوار و غثيان شديد .. وقعت ارضاً و اخذني يوسف إلى المستشفى .

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

الطبيب : مبروك … انتي حامل .
يوسف : ماذا ؟؟!! … ولكنها عقيمة !!
الطبيب : هل انتي متأكدة بانك عقيمة ؟؟
: نعم يا دكتور .. نحن متزوجون من خمس سنوات و لم ننجب طفلا .
الطبيب : هل تستخدمون العلاجات ؟
: لا ..
الطبيب : هذا أمر عجيب .. حسنا سأتأكد مرة أخرى … انا متأكد بأنك حامل .. وفي الشهر الثاني ..
يوسف : ماذا ؟ .. الشهر الثاني ؟؟
الطبيب : نعم … مبروك
يوسف : شكراً جزيلاً ..

لم أرى يوسف بهذه الفرحة من قبل .. احتضنني بشدة .. كم كانت فرحتي و فرحته كبيرة .
اتجهنا الى بيت والدته لنزور أخاه و ايضا لنخبر والدته بالخبر ..
والدة يوسف : ما بك تمشي فرحاً هكذا ؟؟ .. مبسوط بعقم زوجتك ؟؟ … ان كنت مكانك لما ضحكت ابداً ..
يوسف : امي ألن تكفي عن هذا الكلام المزعج ؟؟ .. ما بك انا إبنك ؟؟ .. (عبرنا يا مدمرنا) ههههههه … عموماً لدي لك خبر مفرح جداً ؟؟
والدة يوسف : امممم.. ستتحدث مرة اخرى عن عملك و إنجازاتك في المستشفى … أما في البيت فلا توجد أي إنجازات ..
يوسف : أمي كفي عن هذا و دعيني أكمل كلامي … امي احزري ماذا ؟! … لقد عدنا من المشفى للتو .. و قال لنا الطبيب ان اينانا حامل .. و في الشهر الثاني ايضاً ..
والدة يوسف : هل تمزح يا بني ؟؟ … و اخيراً تحقق حلمي تعالي يا اينانا تعالي لابارك لك يا ابنتي .
دخلت حماتي الى الصالة و قالت الخبر المفرح لجميع الموجودات من السيدات … و انتشرت في المنزل اصوات التهليل و الزغاريد … زاد الفرح فرحين (كما قالت حماتي) ..

اجلسوني النساء بينهن و بدأن بنصيحتي ..
•يا بنتي لا تتعبي نفسك ابداً … ولا تحملي الأشياء الثقيلة ..
• لا تأكلي الأكلات الدهنية و اهتمي بصحتك ..
كان كل كلامهم كالصدى اما اذني .. ما يهمني هو اننا سننشئ عائلة صغيرة اخيراً .. انا و يوسف و ابني الحبيب (عمر) .

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

مرت السبعة شهور … كالحلم تماماً … لا اصدق .. هل هذا حلم أم حقيقة ..اليوم هو اليوم الذي كنت انتظره … انا و يوسف .. إنه متحمس و ايضاً مرتبك ….
: كوني قوية … نحن الآن على حافة حلمنا .. سيأتي عمر أخيراً .. و سنعود إلى بيتنا الحبيب مع فرد جديد … أحبك (قالها و هو يهمس في اذني .. و انا في غرفة الولادة )
شعرت بنعاس .. و تأثير المخدر قد بدأ … ثقل جفناي .. و غطيت في الظلام
لم اشعر سوى ببكاء طفل … إنه عمر … استطيع ان اشعر به … في هذا الظلام الدامس .. يختفي صوته تدريجاً .. انا لا أشعر بنفسي …

~~~~~~~~~~~~~~~~~

عم مرة اخرى صوت الزغاريد و المباركات .. فتحت عيناي بثقل شديد .. كان كل شيء مشوشاً .. يصبح واضحاً شيء فشيء … رأيت حماتي بمقربة من رأسي : الف الف الف مبروك لي و لك … لقد رزقت بولد .. ما شاء الله .. كالملاك … انه يشبه أبوه ..
: شكرا أمي (هكذا انادي حماتي) .. اين يوسف ؟
والدة يوسف : انه في الغرفة المجاورة هل اناديه ؟
: نعم من فضلك ..
جاء يوسف و في يديه الطفل .. جلس بجانبي .. و خرجت حماتي من الغرفة …
يوسف : ألا تريدين ان تقابلي عمر ؟؟ ..
: بلى اعطني إياه .. انه إبني فقط ههههه
يوسف : حسناً خذيه .. ولكن هو إبني ايضاً ههههه .
امسكت بـعمر .. وضعته على حضني و بكيت بهدوء .. احتضنني يوسف و شعرت بدموعه تتساقط على كتفي … ما أجمل هذه اللحظة .. اللحظة التي انتظرناها لخمس سنوات كاملة …

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

“بعد سنتين”

لم اجد يوسف بهذه السعادة طوال حياتي .. يدخل البيت فيلعب مع عمر فوراً .. ينام عمر في احضانه .. و يحكي له الحكايات .. و كأن عمر قد اضفى الكمال و السعادة في عائلتنا الصغيرة .

فتحت عيناي … أين انا ؟؟ … هل هذا سجن ؟؟؟ …. ضربت قضبان السجن بيدي … لماذا انا هنا ؟!!!
اخرجوووني … يوسف … يوسف .
: هدوء .. الآن سنجلب لك يوسف ..
: أرجوك يا حضرة الشرطي .. اجلب لي يوسف ..
: سيد يوسف .. لقد استفاقت زوجتك .. و ناديتك كما قلت لي .
يوسف : شكراً يا حضرة الشرطي .
اقترب مني يوسف و في عينيه نظرة اشمئزاز و قرف و كره لم اجدها في عينيه طوال حياتي لأي احد ..
يوسف : كيف استطعتِ فعل هذا ؟؟ .. لا أصدق بأنني احببت امرأة مثلك .. أيتها السافلة !! (قالها يوسف و دموعه تسبقه في الكلام )
: يوسف .. حبيبي
يوسف : لست حبيبك أيتها الحقيرة !!
: يوسف .. ماذا دهاك ؟؟ .. انت حبيبي .. و زوجي و صديقي و رفيقي .. لماذا انا هنا .. و اين ابني عمر ؟؟ ..
يوسف : ايتها الحقيرة التافهة .. و تمثلين بإنكِ لا تعرفين شيء ؟؟ .. لم اتوقعك بهذه الحقارة يا اينانا …يا للخيبة احببت شيطانا مثلك .. و كنت اظنك ملاك من عند الله ..
: يوسف انا لا افهم شيئاً .. لماذا تنعتني بهذه الصفات ؟؟
يوسف : لا تحاولي إنكار انك قمت بجريمة قتل.. ولا تحاولي التمثيل كي تنالي البراءة .. كيف طاوعك قلبك ان تقتلي ملاكي الصغير ؟ .. كيف طاوعك قلبك ان تقتلي طفلك و فلذة كبدك؟ .. ألستِ بشرا ؟؟ .. أليس لديكِ قلب ؟؟ .. لقد قتلت عمر و قتلتي روحي معه .. لماذا ؟؟ … أليس ابنك ؟؟ .. انتظرت عمر بفارغ الصبر لتزهقي روحه الطاهرة في النهاية ؟؟ … اكرهك .. اكرهك .. و اتمنى لو كنتِ متِّ قبل ان تقومي بفعلتك هذه .. على الأقل كنت سأتقبل الصدمة اكثر … لا يمكنني ان استوعب ان حب حياتي و ام طفلي .. قد قتلت عمر بيديها ..
: انت تكذب .. انت هو الكذاب .. و المخادع .. انا لا يمكنني ان اؤذي طفلي بشيء .. اجلب لي عمر .. ولا تحاول اخذه بعيداً .. إنه طفلي !!! (قلتها و انا انتحب)
يوسف : كفاكِ كذباً و تمثيلاً .. (قالها و هو يصرخ .. ثم استدار و مضى في طريقه)

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

” بعد ثلاث شهور”

بينما انا اقبع في زنزانتي .. احاول استيعاب هذه المصيبة .. لمحت فتاة تدخل إلى زنزانتي .. إنها (روزالين) إبنة خالة يوسف ..
اتجهت الي .. ثم جلست متربعة أمامي
روزالين : يا مسكينة .. انت تقبعين هنا بدون اي ذنب .. لاخبرك سراً .. انا من قتلته … ولكن بيديك ..
: قتلتي من ؟
روزالين : عمر .. إبنك .
: كيف قتلتيه أيتها الحقيرة ؟!!
روزالين : هشششش .. إخفضي صوتك .. ان سمعك احد .. سوف تدخلين في متاهة لن تستطيعي الخروج منها ..
: لمَ قتلتيه ؟ … ما الذي فعلته لك ؟؟
روزالين : حسنا .. انتي لم تفعلي شيئا .. ولكنك انجبتي عبئاً إضافياً .. (اقتربت مني بطريقة مخيفة ) انظري ايتها الحقيرة .. لا يمكنني تحمل فكرة ان يكون قلب يوسف ملك لشخص اخر .. انا احبه منذ طفولتي .. و يجب علي انا ان انجب طفله .. و ان اعيش معه … انتي دخلتي حياته .. و اصبحتي عقبة أمام طريقي إلى قلبه .. هو أحبك بجنون و لم يكن يرى غيرك في هذا الكون .. لقد اعميتيه بكل معنى الكلمة .. و كنت أحتاج شيئاً كي اجعله يمقتك .. و عمر كان الحل الأنسب .. هل اقول لكِ المزيد من التفاصيل ؟؟ … حسناً .. عندما تزوجتما و علمت بزواجكما . بكيت بكاء شديد .. و قررت الذهاب إلى ساحر.. كي يعلمني السحر .. صحيح انني كنت اتردد .. إلا انني لم اعرف ان نتائج هذا السحر ستكون مُرضية جداً … قمت بسحركِ كي تصبحي عقيمة .. و ظننت بان يوسف سيكرهكِ بمجرد أنك اصبحت عقيمة .. اظن انكِ شعرتِ بألم في رحمك صحيح ؟؟ .. هذا كان مفعول السحر … ولكنه لم يكرهك .. فقمت بفك السحر و عمل سحر آخر كي تصبحي حاملاً بعد خمس سنوات من العقم .. و اصبحتِ حاملاً بـعمر .. فقمت بعمل سحر آخر لك كي تقتليه .. و الآن اتت نتائج السحر و يوسف يكرهك .. بل و هدية أيضاً .. ستقبعين وراء القضبان أيضاً .. بدون ذنب .. ولكن هذا هو جزاء من يأخذ مني يوسف ..
: سأخبر يوسف بهذا ..
روزالين : و هل تظنينه سيأتي ؟؟ .. يا مسكينة .. عموماً .. سآتي لزيارتك يومياً كي تخبريني كيف اجعل يوسف يحبني .. لأنكِ خبرة .. ههههه .. عموماً إلى اللقاء .

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

لا أعلم ماذا أفعل كي تظهر الحقيقة …. لا أعرف الجواب ..
طلبت من الشرطي ان يركب كاميرات مراقبة حساسة للصوت في زنزانتي بحجة (انني اخاف ان يهجم علي احد السجناء) .. و وضع كاميرات المراقبة مثلما طلبت ..
استغرق من الوقت 4 أيام لتركيبها .. و استغرق الكثير من الوقت لأحاول إخفاءها … 
طلبت من روزالين ان تشرح لي مرة أخرى عن جريمتها الشنعاء .. و هذه المرة أضافت شيئاً جديداً (لقد حاولت تسميم عمر قبلاً .. و شرحت عملية القتل بالتفصيل الممل ) و هكذا اصبح لدي دليل كي اعطيه للمحكمة و تثبت برائتي .. و في جلسة المحاكمة طلبت من الشرطي تشغيل فيديوهات زنزانتي .. و بالضبط الشريط الثالث .. و رأى الجميع جريمة روزالين … و أُثبتت برائتي ..

كان يوسف يعض أصابعه ندماً و حاول بشتى الطرق ان يُرجعني إلى حياته .. ولكنني أبيت .. لا أريد ان اتذكر شيئاً من ذكرياتي معه .. اريد ان أولد من جديد و أواصل حياتي بشكل طبيعي .. اعلم ان البعد عن يوسف و نسيان كل شيء متعلق به صعب كالجحيم .. ولكنني اريد ان امضي بحياتي متناسية ما حدث .. لا استطيع تحمل انني قتلت طفلي .. حتى و إن كان تحت تأثير السحر … انا آسفة يا عمر .. انا آسفة يا يوسف .. ادركت الآن كم كنت على صواب ، انا حقاً محرمة عليك.

–النهاية.

تاريخ النشر : 2018-08-06

guest
51 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى