أدب الرعب والعام

ممنوع دخول البشر !

بقلم : رفعت خالد المزوضي – المغرب
للتواصل : [email protected]

ممنوع دخول البشر !
أنا الآن أبحرُ في البحر الأزرق.. “الفيسبوك”

– 1 –

ألقيتُ بثقلي فوق الكرسيّ الدوّار ، و قد وضعتُ قدح القهوة بجانب لوحة المفاتيح..
هي جلستي الليلية المعتادة أمام شاشة الحاسوب ، بعد الفراغ من العشاء الأسَريّ البسيط ، و بعد كلامٍ يسيرٍ نتجاذب أطرافه حول مكان المخيم القادم ، أو تداعيات القصف على سوريا ! أو لغز اختفاء صندوق النفايات من مكانه برأس الحي ، أو ارتفاع سعر البصل و علاقته بالربيع العربي.. أو أيّ موضوع آخر من وحي الساعة أو إلهام الملل . 

بعدها أصعد الدّرج بحماس إلى الطابق الثاني ، حيث بيتي العزيز و حاسوبي الحبيب ، و ليلةٍ أخرى من الليالي الطويلة المفعمة بالمحادثات الممتعة ، و اللقطات المضحكة ، و الأخبار الغريبة ، و الفضائح المريبة .. و هلمّ جراً .

أما البيتُ فمبعثر غاية البعثرة ، يُذكرني – دوماً – بالأطلال كلما ألقيتُ عليه أول نظرة ، كما تذكرني كلمةُ (الأطلال) به إذا سمعتها أول مرة . 
ربما لو دخل عليّ الآن مجنون ليلى لدمعت عيناه ، وجلسَ على كومة من ثيابي يبثّ هواه لليلاه ، و ينشد بيتاً خالداً يذكرُ فيه كلمة (أطلال) !

حاولتْ أمي – و بعدها أختي – فهم هندسة بيتي ، وسط كل هذه الفوضى و لكن كان ذلك بلاجدوى ، حاولتا العثور على حلّ جذري لترتيب ملابسي و جواربي و دفاتري ، و لكن هيهات ، فما كانت محاولاتهما إلا (كناطحٍ صخرةً يوماً ليُوهنها ، فلم يضرها و أوهن قرنه الوعلُ) !

و أما هذا الحاسوب الذي أجلسُ أمامه الآن ، و أكتبُ عليه ما تقرأون ، فأمره عجيب لا ينقضي منه العجب.. فلكأني به يختزل أكثر دنيانا وراء شاشته ، يمتصّها امتصاصاً من الهواء ، و يشربها من الحيطان فتسري منه في الأمعاء.. أو يلتقطها من الأثير لاقطٌ مثبّت بداخله ، كأن داخله بسعة السماء ! و تأتي أنتَ لتُلقي بجسمك عبر الشاشة ، و تسبحُ هنا و هناك بلاقيد كالحوت في البحر.. أو تُطلّ على هذا البلد أو ذاك من مكانك ، كأنما تطلّ من شرفة برجٍ عاجيٍّ ، ثم إذا ما سئمت أو أضجرك المنظر ، غلّقت النافذة ، و قصدت شرفةً أخرى . 

أو تراك تُبحر بسرعة البرق تحت المحيطات ، كأنما أنت عِفريت أزرق ! فتصل الطرف الآخر من العالم قبل أن يرتدّ إصبعك من لوح المفاتيح !
ألم أقل أن أمره عجيب هذا الحاسوب لا ينقضي منه العجب ؟ المصيبة أنه يتغلغل في عروقنا مثل أيّ عقارٍ مخدرٍ ، حتى تحسّ بوخز الوحدة فجأةً إذا ما انقطعت الشبكة ، أو ذهب نور الكهرباء ، أو نسي أبوك تسديد ثمن فاتورةِ الشهر.. فتوشك حينها أن تشدّ شعر رأسك ، و تلطم خدّك ، و تشقّ جيبك لما تذكر أن الأمر يلزمه يومان أو ثلاثة أيام على الأقل حتى يرحمك من بيدهم هذا السحر الثمين ، فيمدّونك بخيطٍ واحدٍ منه ، يربطك من جديد بتلك الشبكة الضخمة للعنكبوت العملاق الذي يقف فوق الكرة الأرضية ، و كل رجل من أرجله غائصةٌ في أحد محيطاتها !

الشبكة العنكبوتية.. يا لها من كارثة ! لم أعد أذكر إن كنتُ ألمس دفاتري أو كتبي المدرسية مذ عرفتها !
لو قيل لي أن هذه الشبكة اللعينة إنما ابتكرها من ابتكرها لتشتيت أذهان العالم ، و تحويلهم إلى مجموعة من البدينين الحمقى ، الذين لا يكفّون طوال الوقت عن التحديق بسكون في الشاشات الوهّاجة ، وأفواههم تسيل باللعاب.. لو قيل لي هذا لصدقته فوراً ، و لانبريتُ أصفّق لقائله بإعجاب !

* * *

أنا الآن أبحرُ في البحر الأزرق.. (الفيسبوك) ، فثمة بحرٌ أحمر و آخر أزرق كما تعلمون !
هناك من اقترح عليّ صفحة شبابية مغربية على هذا الفيسبوك ، مختصة بالأسفار و المخيمات الجماعية ، فكرتها أعجبتني بعض الإعجاب ، و هي تتلخص في مجموعة من الاقتراحات ، يقترحها الشباب المشارك حول أماكن بديعة في المغرب للزيارة و التخييم ، مع نبذة عن نشاطات هذه المخيّمات المقترحة و برامجها ، فيتم التصويت عليها من طرف الزوار مدةً من الزمان ، قبل أن يُعلن مديرُ الصفحة عن نتيجة التصويت على رأس كلّ ثلاثة أشهرٍ على التقريب ، ثم يُنتخَب المشاركون حسب العدد المسموح ، و أسبقية التعليقات و ما شابه ذلك من القوانين..

هذه الصفحة سمّاها صاحبها finn ، و معناها (أين؟) بالدّارجة المغربية.. لذلك ما عليّ – كما أخبرني ياسين – إلا أن أكتب هذا الاسم بعد علامة (السلاش) في نهاية عنوان الفيسبوك..
www . facebook . com/finn
جميل ، فلننتظر تحميل الصفحة إذا..

يبدو أن الأمر طال أكثر من المعتاد.. فلأتأكد من وجود ارتباط بالشبكة أصلاً .. لا تقولوا أن الشهر انقضى و أبي قد نسي..
كلا ، ها هي ذي الشبكة تعمل بكفاءةٍ عالية ، ما المشكل هنا ؟ لعلها الألسنة الكثيرة التي أفتحها بالمتصفح هي من أبطأت الأداء ، فلأغلقها جميعاً ، فلا حاجة لي بها ، إذ لم يبق إلا هذه الصفحة أنظر فيها ثم أقوم لأنام فقد جاوز الوقت منتصف الليل .

وأخيراً فُتحت الصفحة العنيدة ، و لكن..
ما هذا ؟؟

* * *

– 2 –

غريب !.. أيّ صفحة هذه ؟
الغلاف العلوي به صورة هي أشبه شيء بتلك اللوحات (السوريالية) التي لها ألف معنى ، وليس لها – إن شئت – أيّ معنى ! و في ركن الغلاف حروف غريبة ، ليست صينية و لا أمهرية و لا مسمارية.. حروف عجيبة ، المفروض أنها عنوان الصفحة !
هل يعبث بي ياسين ؟ ألم يقل أنها صفحةٌ بإشرافه ، و دعاني لأشارك في المخيم القادم الذي اختاره سلفاً ليكون في منطقة (أزيلال) حيث شلالات (أوزود) الشهيرة ، و هو يتظاهر أمام الآخرين باحترام قوانين التصويت التي كتبها !

قال أني سأجد منشوراً مثبتاً ، و ما عليّ إلا أن أسجِّل إعجاباً بالصفحة أولاً ، ثم بالمنشور إياه ، و لا بأس من تعليقٍ متحمّسٍ أبدي فيه رغبتي المجنونة في المشاركة..
و لكن هذه الصفحة العجيبة التي أمامي الآن هي أبعد ما تكون عن صفحة رحلات.. فإما أنه يعبث بي ، و أنا لا أحب المزاح الذي يضيع وقتي سُدى.. و إما أن هناك خطأ ما ، لم أتبينهُ بعد .

ثم ما هذه اللغة التي يكتب بها القوم تعليقاتهم ؟ حروف لاتينية ، و لكن الكلمات المكتوبة بها يصعب نطقها.. ما هي azzezdfst ؟ كيف تُنطق أصلاً ؟
أما الصور الشخصية للمعلقين ، فكل صورةٍ منها عليها رمزٌ غريب .. نجوم خماسية ، قرون ، أظفار.. ذكرتني برموز عبدة الشيطان عياذاً بالله .

الصور في المنشورات رديئة الجودة بدورها و غير واضحة المعالم ، و السواد بها كثيفٌ لا يترك إلا أنصاف أشياءٍ ظاهرةٍ بالرمادي وٌالأزرق الكئيب ، فلا تدري أي شيء تكون.. أشياءٌ كثيفةٌ مشعثة كأنها الشعر ، و أشياءٌ طويلةٌ مقوسةٌ قد تكون منجلاً أو هي ظفر !
تباً .. كأنهم التقطوا هذه الصور بالآلات الحاسبة لو كان هذا ممكناً !

أي جنون ؟

عيل صبري آخر الأمر ، فأغلقت المتصفح بنقرةٍ عصبيةٍ ، ثم أغلقت الحاسوب تبعاً ، و بلا تردد .. و قمتُ في قفزة واحدة أقصد إلى سريري الدافئ لأنهي الليلة عند هذا الحد .

* * *

ما أسرع انقضاء الزمن !.. لم أكد أحسّ بأحداث اليوم و هي تمرّ عليّ مرّ السحاب .. إفطارٌ على عجل ، ثم درسٌ و ما فيه من تكرار و ملل ، ثم عودةٌ للدار و غذاء بالبطاطس و البصل ، ثم قيلولةٌ قصيرة الأجل ، فرياضةٌ – بعدها – لتمرين العضل، فدوشٌ بعد الرياضة ثم بعد الدوش حلقةٌ من ذاك (الأنيمي) المسلسل.. و ها أنذا أمام شاشة الحاسوب من جديد أحملق في وجل !

أحملق في شعار (الويندوز) يتوهّج و ينطفئ بهدوءٍ كأنه يتنفس.. ثم تظهر عبارة الترحيب المعهودة.. ترحيبٌ على عتبة المجرة الرقمية !
ثوانٍ أخرى من الترقب ، أرمق فيها تلك الكريات الصغيرة تطوف في دوامةٍ أبديةٍ ، تطلب المزيد من الصبر و ضبط النفس .. ثم يظهر سطح مكتبي أخيراً .

أنا عاشقٌ للخضرة و مناظر الطبيعة المنعشة ، لذا لن تجد غيرها على الخلفية..
فلننقر هنا فوق اختصار (كروم) ، متصفّح الإنترنت الشهير.. لحظات حتى يتحمّل آخر لسانٍ كنتُ أفتحه ، إذ أنّي أفعّل خاصية تذكر الصفحات المفتوحة أخيراً .. ماذا كانت هذه الصفحة يا ترى ؟

الصفحة الفيسبوكية الغريبة إياها.. تذكرتُ الآن ، كنتُ البارحة في مزاجٍ متعكرٍ قليلاً ، فلم أتحمّل النظر فيها طويلاً ، و لم ألتق ياسين اليوم في الثانوية لأخبره أن دعابته لم تكن مضحكةً ألبتَّة . 
أما اليوم فأنا نشطٌ بعض النشاط ، ربما بفعل حصة الرياضة التي حظيت بها ، ناهيك عن أن مزاجي رائقٌ – أغلب الوقت – للتحقيقات و البحوث غير المدرسية .

فلنبدأ بهذا المنشور الأول ، دعنا ننسخه هكذا.. و الآن فلنحمله إلى (كوكل ترانسلايت) ، ذاك اللغوي الأمريكي العجوز الذي يدّعي معرفة أكثر لغات الأرض ، لنسأله عن هذه اللغة العجيبة ما تكون !

* * *

أذكر ذلك الأستاذ الحكيم في سنوات الإعدادية ، أستاذ (التربية الفنية).. و لا أدري لم يُدرّس الأساتذة الحكماء دائماً مواداً غريبةً !
كان الأستاذ العياشي يومها يحدثنا عن موضوع إدمان الإنترنت ، فسكت ساعة يقلّب النظر فينا و يحكّ لحيته بهدوءٍ و ثقةٍ ساحرة ، تلك الثقة التي لا تدري كيف كسبها ! كأنما يملك زمام الوقت ، كأنما هو يعرف ما ينبغي عمله في كل ثانية .. بل لكأنما قد عاش هذه الحياة من قبل ، و هو الآن يعيد (اللقطات) ليس إلا !

نظر الأستاذ العياشي لي – بالذات – و هو يقول بصوته الرخيم :
– هذا الزمان.. ما أعجب هذا الزمان ! أرأيتم كيف صار كل شيءٍ في هذا الزمان بالجملة ؟ كل شيء.. المشاعر ، العلوم ، الموت.. ماذا تفعل بخزانٍ من البطاطس أنت ؟ قل لي ؟ تبيعه ، تأكله ، تحرسه ، تخبئه ؟.. لن تعرف ، أو ستحير طويلاً قبل أن تعرف ، و لكن إذا أعطيتك ثلاث بطاطات ، ستعرف فوراً مصيرها.. رقائق مملحّة مقلية ، أو قطع مسلوقة شهية.. أليس كذلك ؟

ضحكنا بحماس ، و نحن ننقل أبصارنا في أوجه بعضنا ، و قد أعجبنا التشبيه.. و تمنى كل واحد منا أن تطول الحصة للأبد !
و لكن صوته الطاغي سرعان ما قاطعنا ، لتكف الجلبة فجأة :
– ماذا تفعلون بملايير المعلومات ؟ بل كيف تتخلصون منها ، و هي تصبّ في رؤوسكم كل لحظة و في كل مكان ؟ هذا هو السؤال الأهم الآن.. كيف تتخلصون منها ؟ لا كيف تستزيدون..
سعل.. و نقل خطواته ببطء في المكان ، و هو يتكلم كأنما يكلم نفسه :
– إن الإنسان كائنٌ لزج ، إن صح التعبير.. لا يمكن ألا تعلق به المشاهد و المعلومات كيفما كان نوعها ، و بخاصةٍ أنتم الشباب..
هنا جال ببصره في الوجوه كأنما يبحث عن أحد ، قبل أن يستطرد :

– قولوا لي بالله عليكم من تمكّن منكم من ترشيد استعمال هذه الشبكة المخيفة يوماً ؟ من تمكن من حبس هذا الشلال الهادر ؟ من غربل هذا الزخم من المعلومات ، حتى لم يصل إلى عقله إلا كل نافع مفيد ؟
تردد صدى أسئلته بين جدران القسم ، و كان رجع الصدى أبلغ من الأسئلة !
– أقول لكم يا أبنائي ، تخلصوا من هذا الوباء متى ما استطعتم ، أخرجوه من بيوتكم ، أقول لكم : احذروا اليوتيوب ، و فرّوا من الفيسبوك !

* * *

– 3 –

” فرّوا من الفيسبوك ! “
تذكرتُ هذه العبارة فابتسمت ، و أنا أنظر لصفحة موقع (كوكل ترانسلايت)..
ألصقتُ في المربع اليسار ذلك المنشور الذي كنت استنسخته من الصفحة المريبة ، و اخترتُ خاصية التحديد التلقائي للغة .. سيفكر مستر (ترانسلايت) قليلاً ثم يخبرني اسم هذه اللغة العجيبة..

في الانتظار اخترت اللغة العربية في ثاني إطار ، ذاك الذي يخرج فيه النص المترجم.. مع ما في هذه الترجمة من ركاكة ، إذ أنك تجد في الغالب شيئاً من قبيل : (دخول انتظار مدرسي جميل !) .
انتظرتُ حتى تعب عمودي الفقري فوخزني محتجاً ، فأرخيتُ ظهري على مسند الكرسي و مددت يديّ لأسرح مفاصلي تسريحاً ..

بعد لحظات – و كما توقعت بالضبط – طالعتني نافذة إخبارية مكتوب عليها (معذرة إليكم ، لم نتمكن من تحديد اللغة !).. لأول مرة أثبتُّ عجزك يا مستر (ترانسلايت) !
حسنٌ لعلها لغة غير مكتوبة بحروفها الأصلية ! فلأنس الأمر..

عدتُ للصفحة المشؤومة، و طفقتُ أحكّ ذقني حائراً .. أرمق تلك المنشورات و التعليقات الغريبة عليها ، و بملل حركت رأس الفأرة و نقرت على رأسها فوق أحد الإطارات المخصصة للتعليق ، ثم انتقلت أصابعي بآلية إلى لوح المفاتيح لأكتب بالإنجليزية نصاً قصيراً مفاده : (مرحباً بكم ، أنا شابٌ من المغرب ، هلَّا أخبرني أحدكم عن هذه الصفحة ، و عن لغتكم التي بها تكتبون ؟ )
ثم ضغطتُ زر الإدخال لأرسل التعليق..

* * *

الواقع أوسع من الخيال..
قالها لي أخي الأصغر يوماً في إحدى حواراتنا الفلسفية ، ليتركني أياماً أتأمل فيما قال ، و لأجد – آخر الأمر – حقاً ما قال ، على نقيض ما أوهمني عقلي عند أول نظرة عجلى..
لو أخبرك أحدهم أنه التقى شخصاً له نفس اسمه و كنيته في قاعة انتظارٍ عند طبيب أسنان ، لصدقته ، و لو بعد حين من الاستغراب و الإنكار .. و لكنك إذا ما قرأتها في قصة أو رواية ، لمططت شفتيك مستاءً من هذه (الصدفة المستحيلة) !

ذلك لأن الواقع يفرض عليك الأمر فرضاً محتوماً ، أما في الخيال ، فأنت تقدّم سوء الظن على حسنه ، و تفضل التكذيب على التصديق..

لو خرج عليك الآن كلب أسود مزمجر من نافذة بيتك الذي في الطابق الثاني.. لصدقت طبعاً ، و خارت قواك تماماً تحت حتمية هذه الواقعة الرهيبة.. و لكنك لن تتحمل قراءة هذا المشهد السخيف في إحدى القصص المملة..

الواقع أوسع و أغرب من الخيال.. صدقت يا أخي العزيز .

* * *

ماذا لو أخبرتك مثلاً أني بعدما ضغطتُ زر الإرسال بدقيقة – أو دون الدقيقة – وقع أغرب ما يمكن أن يقع ؟

صورة تحمل تموقعي الجغرافي برزت فجأة أعلى الصفحة !.. في البداية لم أفهم طبعاً ، و قربت وجهي من الشاشة ببلاهة أمعن النظر في الصورة ، ثمة دائرة حمراء حول بقعة من الخريطة ، ثم اتّضح لي بعد التدقيق أن الدائرة تطوق منزلاً ما.. هل هذا حيي الذي أقطنه ؟
هل هذا منزلي ؟؟
و قبل أن أفهم أكثر.. برز منشورٌ جديدٌ فوق الصورة ، و كان عبارة إنجليزية بحروف لاتينية كبيرة تقول كأنها تصرخ في وجهي : (ممنوع دخول البشر ! و من دخل منهم سيطاله العقاب المعلوم ) !
العقاب المعلوم ؟.. هل هذه خدعةٌ ما ؟

أعرف هذه الخدع المتقنة لخبراء الحاسوب و أولئك القراصنة الخبثاء.. لكني بدأتُ أشعر بعدم ارتياح حقيقي..
ثم ماذا لو أخبرتك – كذلك – أن في اللحظة التالية ، و قبل أن أغلق صفحة الفيسبوك التي وتّرت أعصابي ، سمعتُ صوت ارتطامٍ قويٍّ لباب غرفةٍ من غرف الطابق السفلي ، تلاه صراخٌ مروّعٌ لأمي ؟!

في هذه اللحظة بالذات وقف شعر رأسي ، و تجمدت عيناي على الشاشة.. ليس بسبب ارتطام الباب المخيف ، و لا بسبب صرخة أمي المدويّة.. بل لأني اكتشفتُ السبب الذي أدخلني الصفحة بالخطأ !
تذكرون أن الصفحة كان اسمها (finn) ؟ متى كتبتُ حرف J بدل F ؟.. متى كتبتُ (jinn) ؟
هل تفكرون الآن فيما أفكر ؟!

انتهى
رفعت خالد المزوضي 
10/10/ 2016

ملاحظة :
القصة منشورة سابقا في مدونة للكاتب  

تاريخ النشر : 2017-04-07

guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى