أدب الرعب والعام

من السجن – الجزء الأول

بقلم : أبو الحسن ماجد – العراق

من السجن - الجزء الأول
ها هي تأت وكالعادة بملابسها السوداء يا لروعه المنظر!

 يا إلهي لقد خرجت من السجن وعدت إلى الحرية من جديد ! لا أعلم أين سأتجه كل ما أملكه قد ضاع وأنتهى و أضحيت لوحدي مع القليل من المال ما يكفي لأسبوع ، ولكن هذه المرة مع مهمة إن أنجزتها قد تتغير كل حياتي

مهمتي أن أسافر إلى بغداد كي أوصل رسالة إيهاب إلى زوجته ، أخبرها أن زوجها مشتاق لها كثيراً ويريد رؤيتها ، هو الآن في سجن الجهاد في محافظة ميسان جنوب العراق ، سأتجه إلى مرآب السيارات وانطلق نحو بغداد و هناك سأترجل في النهضة وبعدها إلى الأعظمية حيث تسكن زوجة إيهاب تلك المسماة ياسمين لم أكن أعلم أن تلك المهمة ستغير مجرى حياتي إلى الأبد.

ها أنا جالس في السيارة الطريق طويل فهو يمر بثلاث محافظات حتى أصل إلى العاصمة ، و من عادتي إذا كان الطريق بهذا الطول فأنا أغفو دون أن أشعر ، ولكن مرض اضطراب النوم كان يحول دون ذلك .
اسمي خليل من محافظة ميسان جنوب العراق و عمري خمسة وعشرون سنة ، شاب موسيقي فاشل بكل المقاييس و دخلت السجن قبل عامين بتهمة بيع المخدرات ، هناك في السجن تعرفت على شاب أسمه إيهاب من محافظة بغداد متهم بتهريب النفط والسيارات واستيراد السلاح وكذلك بجريمة قتل تاجر

حينما تعرفت عليه كان قد دخل السجن قبل ستة أشهر والتحقيق لا يزال جاري في قضية قتل التاجر فهو متهم فيها مع مجموعة من الشباب ، خلال صداقتي به التي دامت قرابة مدة دخولي السجن وهي عامين ، كان يحكي لي عن تجاربه مع الخيانة وحبيباته المتعددات وأنه خان زوجته البغدادية كثيراً وكذلك عن التجارة والكثير من الأمور ، وقبل خروجي من السجن أوصاني بأن أنقل رسالته إلى زوجته البغدادية ياسمين تلك الفتاة الثرية ، فوعدته أن أنقل رسالته إليها مقابل أن ينتشلني من حياة البؤس والشقاء ، ودعته وخرجت ولا يزال التحقيق جاري بجرائمه .

ها أنا أصل إلى بغداد ، ترجلت من السيارة ورحت أطالع الناس النازلين فأنا لم أزور بغداد من قبل وكل شيء غريب حولي ، لا اعرف أي شخص ولا أدل أي أحد ، مشيت نحو الشارع لأستقل سيارة أجره تنقلني إلى وجهتي منطقة الأعظمية حيث ياسمين ، بالمناسبة ليس لدي صوره لها بل أعرف أسمها وعشيرتها وأوصافها وكذلك أعرف محال الصالون التي تمتلكها تحت أسم عروس المدن ، أوقفت إحدى سيارات الأجرة.

– السلام عليكم .

– و عليكم السلام

– هل بإمكانك أخذي إلى الأعظمية؟

– أوه مشوارك بعيد !

– كم يبعد؟

– ساعة ، أضف لها زحمة الطرق يصبح عدنا ساعة ونصف.

– ساعة ونصف والليل قد حل ، قلت.

– لا عليك أوصلني فقط قبل أن يجن علي الليل.

– يبدو أنك من الجنوب ؟

– نعم ، أنا من ميسان.

– هيا أركب سأوصلك .

ركبت مع السائق واتجهت إلى الأعظمية

، بعد ساعة تقريباً نزلت بفلكه تتوسط أربعة شوارع رئيسية ، هذه هي منطقة ياسمين إذاً 

لقد جن علي الليل ولا مأوى لي الأن ولم أعثر على ياسمين فالأعظمية كبيرة و ليست كما ظننت ، كنت قد استأجرت غرفة في زقاق 60 بمنطقة الكاظمية القريبة من جسر الأئمة الموّصل بمنطقة الأعظمية ، مر يومان منذ مجيئي إلى بغداد ، في اليوم الأول كنت مرهقاً ولم أبحث فبقيت ماكثاً في الغرفة وفي اليوم الثاني نزلت أبحث ولكن مقاهي العاصمة ومناطقها الجميلة جعل من مهمة بحثي صعبة قليلاً.

ها هو اليوم الثالث يشارف على الانتهاء و كان الوقت غروباً والمآذن بدأت بالتكبير ولم أجد ياسمين ولا يزال صديقي إيهاب على أمل لن أخيب ظنه أبداً سأجدها و أصطحبها إليه ، فبينما كنت أسير في شارع الأعظمية الرئيسي الحاوي على الكثير من الأسواق والمولات الرائعة والمزهوّة دائماً لمحت سلسلة من محلات تبدو وكأنها صالونات تجميل لوجود عرائس وصور عارضات أزياء تغلّف أوجه المحال ، عبرت الشارع وتوجهت نحوها وقرأت صالونات عروس المدن وكان أسم الكوافيرة ياسمين كرم عبد مكتوباً تحت أسم المحال ، لقد وجدت ضالتي بعد الكثير من السؤال

 بقيت جالساً على المصطبة أمام المحل أراقب علها تخرج ، و بعد مدة خرجت أمرأة في قمة الأنوثة والجمال ، اقتربت أكثر منها قبل ركوبها السيارة وبالفعل استطعت أن ألمح ملامحها وهي نفس الملامح التي وصفها لي إيهاب بدون شك أنها هي.

عدت إلى غرفتي وأنا أفكر بهذا الجمال وكيف لذلك الصعلوك إيهاب أن يخون مثل هذه المرأة الرائعة ! تباً له قاسي القلب.

أسبوع يمر وأنا أراقب هذه المرأة ، ومن مراقبتي لها عرفت أين تسكن ، لقد كانت تسكن بفيلا كبيرة تحتوي على حدائق كثيرة  كانت تحيط بالفيلا وكذلك سيارتها الفارهة التي كانت تدخل في باحة الفيلا ، أنه يوم الجمعة لقد دخلت ياسمين السوبر ماركت وهذه فرصتي كي أوصل لها رسالة إيهاب ، توجهت نحو السوبر ماركت ورحت أتسوق لكي أتقرب منها ، و في لحظة وجدت نفسي بقربها حقيقة أنعقد لساني وطار تفكيري ، لقد سرحت بجمالها لدرجة أني قد صدمتها بسلة التسوق .

– أعتذر سيدتي .

– لا ، لا داعي للاعتذار.

لتلك الملامح العجيبة استسلمت ونسيت أمر إيهاب ثم قالت وهي تبتسم :

– يبدو أنك غريباً عن هنا .

تعجبت أنا كيف لهذه المرأة أن تكلم رجلاً غريباً بهذه الطريقة ، لم أك اعلم أن مجتمع بغداد منفتح كثيراً

فقلت : نعم سيدتي ، أنا من ميسان.

– أنت من الجنوب إذا ؟ ربما بعثك الله لي.

تعجبت و قلت : عفواً ماذا تفضلتِ ؟

– أنت من الجنوب و أكيد أنت تعرف بالفلاحة فحدائق منزلي تحتاج إلى فلاح وليس لدي الوقت للبحث ، يا الله جيد أني التقيتك.

لم أكن أعرف سبب اندفاع هذه المرأة نحوي بهذه الطريقة المفاجئة ! الحقيقة ليس كل أبناء الجنوب فلاحين بل أبناء الأرياف هم من يمتهنون مهنة الزراعة والفلاحة ولكني كذلك لدي خبرة لابأس بها بالزراعة ، وكذلك استغليت الفرصة لكي أتقرب منها وأخبرها عن إيهاب أم أنني نسيت إيهاب ؟ فقلت :

نعم أنا أعرف الزراعة ويسعني أن أهتم بحدائق منزلكِ.

فقالت وقد ارتسمت البسمة على وجهها وكأنها وجدت شيئاً نادراً: شكراً لك و دعنا نلتقي .

أعطتني عنوان منزلها وكتبت أسمها تحت العنوان ثم مضت راحلة وتركتني سارحاً مذهولاً فلم أشعر بنفسي أنساناً إلا بهذه اللحظات.

مضت عدة أيام وأنا أعمل بحدائق منزل ياسمين الفارهة ، خلال المدة التي عملت فيها و إلى الأن لم أستطع أن أحدثها بموضوع إيهاب ، بكل صراحة تملكتني هذه الفتاة خلال مدة وجيزة ، كانت تجلس بقربي حينما كنت أسقي الحديقة نتحدث في أمور الحياة ، لم أتخيل كيف لإيهاب أن يفكر بغيرها ، أصبحت علاقتي بها أقوى كما أنها كانت تعطيني مبلغاً جيداً مقابل خدماتي.

ها هي تأتي إلي مثل كل صباح.

– مرحباً

– أهلاً ست ياسمين ، صباح الخير.

صباح الخير خليل : أرى أن الحدائق مزهرة اليوم !

– نعم ، لقد ازدهرت حينما أتيتِ صدّقيني.

تضحك بشدة وتظهر أسنانها البيضاء الرائعة ، ثم تردف وهي تمشي أمامي عارية القدمين فوق العشب الرطب المبتل .

– ربما تسأل يـا خليل لماذا لم أتزوج بعد ؟!

هنا انصدمتُ من سؤالها فعلى حد علمي وهذا ما جئت من أجله بأنها متزوجة وذلك السجين إيهاب هو زوجها .

فقلت : أعتقد أن هذا من خصوصياتك ولا أريد أن أنتهك تلك الخصوصيات.

جلست على قدميها قرب السنديان وبدأت تلمس ورد الجوري بلطف وتقول:

أتعرف يا خليل ، لقد أرتاح قلبي لك سبحان الله سيماهم في وجوههم قد تنصدم إذا قلت لك بأنني ليس لدي أصدقاء أو صديقات ، أقاربي لا يسألون علي لأنني ثرية وبرأيهم أنا لا أحتاج لأحد.

بعد كلامها عني أصابتني فرحه عارمة ولكني كتمتها في نفسي وقلت لها : و لكن أين والدك و والدتك؟

تتغير تعابير وجهها و أصبحت حزينة و قالت :

لقد ماتا بذلك اليوم المشؤوم ، كنا قد أمضينا العطلة الصيفية في أربيل أنا وأمي وأبي ، لم يكن لدي إخوان أو أخوات ، وفي طريق عودتنا إلى بغداد فبينما كان والدي يقود سيارته ليلاً إذ به يغفوا ثم ما أن انتبه إلى نفسه حتى اصطدمت سياراتنا بصهريج كان محملاً بالنفط ، كنت أنا نائمه في المقاعد الخلفية للسيارة حينما شعرت بصدمه قوية وبعدها أغمضت عيناي ولم استيقظ إلا بعد أربعة أيام وأنا في مستشفى مدينة الطب.

– أنا أسف وحمداً لله على سلامتك.

بعدما صحوت من الغيبوبة سألت : ما الذي حدث لي و لوالدي ؟ قالوا : أنهم قد ماتوا متأثرين بجراحهم ، أما أنا فقد نجوت بأعجوبة ، لكم تمنيت أن أموت معهم فالحياة بعدهم أصبحت كئيبة جداً رغم إنني قد ورثت عنهم ثروه تكفيني لمدى الحياة.

– منذ متى كان هذا الحادث ؟

– منذ اربع سنوات.

بعدما حكت لي قصتها عرفت سبب حزنها و لباسها الأسود.

ثم قالت : لم تكن حدائق الفيلا بهذا الجمال منذ أن رحل والدي فهو كان مهتماً بها جيداً ، لقد جعلتها مزهوة من جديد وبدأت أشعر بالرحة حينما أدخلها ، شكراً لك من كل قلبي فلم أشعر بالسعادة إلا منذ مجيئك .

عندها قامت من مكانها منتفضه وراحت تركض على أطراف أصابع قدميها كراقصة بالية وبدأت بركل مياه النافورة وقد غمرتها السعادة وأنا أشهادها بشرود كمشاهدتي طفلة فرحة .

ثم دنت مني وقالت : ربما بعثك الله لي.

ما أروع ليالي العاصمة أنا الأن أتمشى وأفكر بياسمين هذا المرأة الغامضة ، لا زلت أتسأل من يكن إيهاب هذا إن لم يكن زوجها ؟ بدأت الحيرة تعتريني بين إيهاب وياسمين ، مرت ثلاث أشهر منذ خروجي من السجن وإيهاب لا يزال على أمل ، يجب أن أذهب إليه و لكن ماذا سأقول له؟

في الصباح كنت منهكاً بزراعة النخيل في حدائق فيلا ياسمين فقد سبحت بعرقي إذا أن درجة الحرارة بلغت خمس وأربعين درجة بالإضافة إلى تفكيري الدائم بمصيري المجهول القادم ، تدخل علي ياسمين وهي ضجرة و كئيبة قليلاً وكانت تحمل بيدها كتاب موسيقى ، تركت ما بيدي من منجل ومسحاة و رحت نحوها مبتسماً و قلت : صباح الخير .

– صباح الخير

– ما بك ؟ أرى أنك منزعجة.

تشير نحوي بكتاب الموسيقى فقلت: ما هذا ، هل هو كتاب تتعلمين منه الموسيقى ؟

– نعم ولقد تعبت وأنا أحاول أن أتعرف على مكان النوتات في الألة

– وما هي تلك الألة ؟.

– البيانو.

لقد شعرت بالارتياح فأنا عازف جيد و سبق لي وأن عملت موسيقى بالأفراح الشعبية في مدينتي.

– سأعلمك أنا إذا أردتي ذلك.

من دون مقدمات تأخذ بيدي وتركض بي نحو الفيلا ولأول مرة أكون داخل ذلك القصر الكبير ، حينما كنت في وسط الصالة التي كانت يتوسطها البيانو الكبير ، أصابني الذهول من كل شيء يزين الفيلا حيث المزهريات العملاقة واللون الذهبي الذي كان يطغى على أثاث الفيلا ، جلسنا على مقعد البيانو وقالت :

– هيا أعزف لي شيئاً .

نظرت إلى أصابعي المتسخة وقارنتها بأصابع البيانو البيضاء اللماعة ورحت أعزف لها ضوء القمر لبيتهوفن ، و لأنني لم أعزف منذ زمن وكذلك لاشتياقي للبيانو رحت أعزف بكل احترافيه حتى شعرت بأن ياسمين قد وضعت رأسها فوق كتفي ، عندها انتهيت من عزف السيمفونية رفعت ياسمين رأسها وبدأت بالتصفيق لي وقربت شفاهها من شفاهي وبدأت استنشق زفيرها عندها أدرت وجهي ، وقمت من مكاني فقد ارتبكت فلم يسبق لي وأن اقتربت من فتاة لهذا الحد.

فقلت : كيف كان أدائي ؟

– رائع ومذهل .

– بإمكاني أن أعلمك عزف هذه المقطوعة شيئاً فشيئاً.

– لقد ملأت حدائق زهور وأسمعت حياتي موسيقى أنا ممتنة لك .

– بأماكننا أن نضع البيانو وسط الحديقة ، أنتِ تعزفين وأنا أزرع وأسمع .

– حسناً ولكن ما رأيك غداً أن نذهب بجولة ؟

– إلى أين ؟

– لا عليك ، الساعة الخامسة عصراً عليك التواجد هنا.

– حسناً اذاً.

لقد لبست أجمل ما أملك فاليوم سيكون مميز حقاً ، أنا منتظر ياسمين بباب الفيلا اليوم يجب أن أعرف من هو إيهاب هذا ، ها هي تأت وكالعادة بملابسها السوداء يا لروعه المنظر!.

– هل تأخرت عليك؟

– لا أبداً ، على فكره اللون الأسود يليق بك.

– هل قرأت هذه الرواية؟

– أي رواية؟

– أنسى الأمر وتعال نركب السيارة.

ها نحن نجلس أخيراً لنتناول الطعام في هذا المطعم الجميل مطعم الفراشة أنه صغير وهادئ ، كما أن أصوات نهر الفرات تزيده عذوبة وليله الأسود المرصع بالنجوم والمتوهج بالقمر جعل من هذه الليلة عظيمة جداً ، لا ألوم فيروز حينما غنت لبغداد وسأترحم لأم كلثوم كذلك لقد قضينا هذه العصرية نتجول حول مناطق بغداد الرائعة من شارع المتنبي إلى سوق الغزل فساحة كهرمانة وساحة التحرير ونصبها العظيم وكذلك دلتني ياسمين على أقاربها الساكنين في مختلف المناطق ، ولان جاء الطعام اأنه السمك المسقوف ، الأكلة التي يشتهر بها العراقيين

ثم سألت ياسمين : منذ مده قد قلت لي قد أتساءل حول ما إذا كنت قد تزوجتي من قبل ، و حقيقة أنا أريد جواباً حول هذا الموضوع.

– الجواب هو إنني لم أعثر بعد على شخص الذي يحتويني وأطمئن بجانبه.

تتحول فرحتي وراحتي الداخلية إلى قلق وحيرة وترجع صوره إيهاب ببالي.

– ولم تجدي حتى شخصاً تحبيه يعني ، أقصد أنك قد تكوني أحببتي شخصاً ولكن الظروف حالت بينكما فافترقتما ولم تريا بعضكم أبداً.

– لا أبداً لم يكن هناك من أحد ولكني ربما وجدته ، وقد نظرت بعيناي نظرات قصد.

أنهينا طعامنا و قومنا ، وبما أنني رجل جنوبي دفعت حساب الأكل ، الساعة الثانية عشر ليلاً ينتهي مشوارنا وها أنا عائد إلى بيتي بعد أن أوصلت ياسمين إلى الفيلا ولكي أبرأ ذمتي يجب أن أذهب غداً للسجن ﻷخبر إيهاب.

أنا الآن أمام سجن الجهاد في محافظة ميسان محافظتي التي نسيت أيامي التعيسة بها ، جلبت معي بعض الملابس وشيء من الأكل ، كانت حجتي بالذهاب إلى ميسان هي لزيارة بعض الأصدقاء ، لكن ياسمين أصرت علي أن تأتي معي لزيارة الأهوار ومناطق الريف المتواجدة في ميسان ، إلا أني أبيت ذلك بحجة مجتمعي العشائري وكذلك وعدتها بأن أحضرها إلى هنا بغير ظروف وغير وقت

دخلت السجن وبقيت أنتظر إيهاب بغرفة الانتظار وبعد مدة ها هو يظهر أمامي ، ما أن رأني حتى راح يهرول نحوي وكأنه رأى أحد أقاربه والدموع تملأ عيناه ، أقترب مني وعانقني بقوة وبدوري عانقته كذلك .

– خمسة أشهر مرت يا خليل.

– نعم إيهاب ، ولكني لم أنساك مطلقاً.

– ها بشّر ، هل وجدت ضالتك ؟

– هاك خذ بعض الطعام والملابس تفيدك فالشتاء قادم.

يأخذ الملابس والأكل ويضعها جانباً.

– خليل أخبرني يا رفيق هل عثرت على ياسمين ، هل وجدتها ؟

– حقيقةً لم أعثر عليها.

هنا تتغيرت تعابير وجهه نحو الاستغراب ، حاولت أن أخفي خوفي منه ، ثم قال : اللعنة لا يمكن لها أن تسافر لأي بلد فهي لديها رهبة من السفر منذ حادث والديها.

لم يعد بأماكني التحمل أكثر فهو يعرف حادث أهلها بينما قالت هي أنها لم تتزوج ولم تعرف أحد ، إذاً كيف يعرفها هو؟

– إيهاب هل أنت متأكد من أسمها وعنوانها و ما تملك ؟

– خليل هي زوجتي أهناك شخص لا يعرف زوجته ؟!

عندها قمت من مكاني بعد أن عجزت عن التفكير وقلت : حسناً إيهاب سأبحث عليها من جديد في كل المناطق وبأذن الله سأعثر عليها .

يمسكني من ساعدي ويقول : خليل يجب أن تعثر عليها قبل أن تكتمل خيوط الجريمة ، أريد رؤيتها ولو لمرة واحدة.

– هل مازال التحقيق جار في قضية قتل التاجر؟

–  نعم ، و ربما سيكتمل التحقيق وسأُعدم ، أريد رؤيتها يا خليل قبل ذلك اليوم ، لقد اشتقت إليها كثيراً ، وبدأ يجهش بالبكاء

خرجت من السجن مرتبك ، هل لاحظ إيهاب علامات القلق والخوف البادية على وجهي أم أني نجحت بإخفاء ما بداخلي ؟.

لا أعرف ما الذي وضعت نفسي فيه ، هل على أن أهرب و لن أعود أم أكمل الطريق ؟ و كل ما أفكر فيه هو ياسمين ، ولكن لا أعرف أي ياسمين ، هل زوجة إيهاب أم تلك …..

رجعت إلى بغداد حيث أسكن في الكاظمية قريباً من ياسمين ولا أعلم كيف أتصرف مع هذه المرأة التي وجدت نفسي مقيداً بها دون إرادتي ؟ أفكر دائماً هل أفاتحها بموضوع إيهاب ؟ ولكنها سبق وأخبرتني بأنها لا تعرف أحداً ولم تتزوج أو تعشق ، أخاف أن تبتعد عني إذا ألحيت عليها .

في الصباح كنت كعادتي في الحديقة اسقي وردها وأزهارها التي ربطتني بياسمين أكثر، في هذه الأثناء سمعت أصوات خطى أقدام ناعمة ، رفعت رأسي والتفت لأرى ، أنها ياسمين تطالعني بابتسامة خفيفة وغريبة ، عيناها تقول شيء بدأت أشك بكل حركه تفعلها ياسمين ، اقتربت منها فقالت بلهجة رومانسية وهي تضع يدها على صدري .

– خليل.

– نعم.

– لم يعد بأماكننا أن نخفي مشاعرنا أكثر.

– لم أعد أستطيع أن أخفي مشاعري أمامك كل خلجاتي مكشوفه لك.

ثم تطرح علي فكرة لم تكن لتخطر على بالي أبداً ، قالت وقد اتكأت على الحائط .

– خليل لم لا نسافر ؟

– ماذا نسافر ، لماذا ؟.

– نخرج من هذا البلد إلى الأمان ربما هناك سنحسن من حالنا.

– أين سنسافر؟

– قرطاج في تونس.

– قرطاج ! لماذا قرطاج؟.

– في قرطاج تعيش خالتي .

– لماذا ياسمين ، هل هناك من أمر تودين أخباري به؟.

تبدأ عليها علامات التردد والقلق وبابتسامة خجلة : لا ، لا يوجد أي شيء.

أمسكت يدها ولأول مرة أقبلها على رأسها.

– قولي ياسمين أخبرني أزيحي ما على صدرك .

– لدي ما أخبرك به ولكن عدني بأن لا تتركني أبداً.

في هذه اللحظة لم يعد بأماكني الوقوف على أقدامي وأنا أترقب ماذا سنقول ياسمين.

– خليل لقد كنت على علاقه بشخص.

– ماذا ، من يكون هذا ؟!

– أسمه إيهاب ولكن…

يُتبع ……

 

تاريخ النشر : 2018-07-03

guest
26 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى