أدب الرعب والعام

من المذنب – الجزء الأول

بقلم : Ramy – Syria

من المذنب - الجزء الأول
لقد انتهت حياتي قبل أن تبتدي .. ومات الخير بي قبل أن يولد

تلك الفتاة الجميلة ، ناصعة البياض ، ممتلئة الخدود ، ذات الروح النقية
ذات الأخلاق الرفيعة .. والكبرياء العالي
إنها من هتكت سكينتي .. وأباحت مشاعري ، فأصبحت عيوني تفضح حقيقتي وتشنجات جسدي تحكي عن ما بداخلي ..

ذنبها الوحيد أنها كانت غير عادية .. اختلافها عن غيرها كان سبب أسر روحي داخل روحها ، لماذا ؟ .. لماذا تمردتِ على قريناتك .. لماذا اخترتِ الانفراد بالجمال لما انحرفتِ عن السكة وصنعتِ سكتك الخاصة ..

لم يعد هذا الكلام يجدي نفعاً ، فموتي لن يضفي على القصة أية إثارة .. يبدو أن صلواتي لم تكن بالشكل المطلوب أو ربما كان هذا خطئي منذ البداية .. فمحاربتي للقدر لم تكن بالمعركة التي يمكن الفوز فيها

ها أنا أحمَل على الأكتاف لأذهب إلى المكان الذي أستحق أن أكون فيه ، أتمنى أن لا يلفظني قبري ، أتمنى أن تتوقف أمي عن البكاء .. أنا أسف يا أمي …

أنا أسف لأني لم أكن كما تريدين ، أنا أسف لعدم إسعادك بتخرجي من الجامعة
أنا أسف لأن الجامعة التي أردتني أن أرتادها كانت بداية النهاية بالنسبة لي

ها أنا ذا .. إني ذلك الطالب المتفوق ، أدخل جامعتي الجديدة وتكاد الأرض لا تسعني من الفرحة ، اليوم هو اليوم الأول ستكون أولى محاضراتي ..
دخل جميع الطلاب إلى القاعة وجلست في المنتصف تقريباً بمكان أستطيع سماع الدكتور بوضوح .. بدأت المحاضرة

إني وكما كنت في أشد تركيزي .. و أدون كل تساؤلاتي وأسئلتي لأستفسر عنها في نهاية المحاضرة فلم أكن ذاك الشخص الذي يقف ويتكلم وسط الحشود ،،
وبعد نهاية المحاضرة أسرعت إلى الدكتور لأطرح عليه بعض الأسئلة .. ولكن هناك من سبقني إليه .. وقفت أنتظر دوري بمسافة قريبة .. وبعد أن حان دوري ..
طرحت اسئلتي على الدكتور ، فقال لي أسأل زميلتك التي سبقتك فلقد طرحت نفس الأسئلة ..

لكن أين هي زميلتي ، لقد ذهبت ! حسنا يبدو أن الدكتور لا يمتلك الكثير من الوقت للإجابة على سؤالي .. أو ربما لأني لست تلك الفتاة الجميلة .. لا بأس سأحتفظ بأسئلتي لوقت لاحق

خرجت للاستراحة في حديقة الجامعة وأثناء جلوسي لفتت أنظاري تلك الفتاة الجميلة التي كانت تجلس وصديقاتها يتبادلن الضحكات .. كن يضحكن جميعاً .. لكنها وحدها التي كانت ضحكتها كما لو أنها ترسل إشارات لقلبي بالركوع أمام رقتها وجمالها .. ما تلك الابتسامة وما تلك الفتاة ، يا لها من ساحرة بحق

توالت الأيام ..
وكلما توالت ازدت عشقاً لتلك الأنثى أزدت عشقا لكمالها ولحضورها ، تلك التي جمعت بين الجرأة والأدب ، بين الثقة والأخلاق
لا أعلم إن كان كلامي سيفيها حقها .. لكنها لم تكن فتاة عادية ..

استمريت طوال السنة الأولى وأنا أراقبها من بعيد .. لم أحصل على فرصة أستطيع اغتنامها ، كما أني لا أملك الجرأة للدخول في حوار أعلم فيه بأن كلماتي لن تسعفني
.. لاحظ أصدقائي كما هي ارتباكي عند وجودها .. لاحظوا تشتت جسدي ، وضياع كلماتي ، لاحظت بأني أهرب بعيوني كلما أتت .. رغبتي في الخروج من مكان هي فيه ليست أنقص من رغبتي بقضاء الوقت بقربها .. لست ضعيف ولكنه الحب .. إحساسي بخطوة قد تكون نهاية شيء بنيت عليه الكثير لن تكون بخطوة يسيرة

أختلطت مشاعري بين الرهبة من جمالها وعلوها وبين الشوق لعينيها والحب الذي لا يمكن كبحه و محيه .. هل أبادر ؟ هل ستقبل التكلم معي ؟ هل سأتقبل رفضها ؟ فليساعدني الله على تخطي هذا الأمر أيا تكن نهايته …
ها أنا في السنة الثانية لم تشرق أيامي بعد .. بل هي في غروب مستمر ، ويكاد الكسوف أن يطل بوجهه ..

**

لننتقل للطرف الآخر .. لنوجه الصورة إلى تلك الفتاة الجميلة .. ولكن لنعد بالزمن بعض الشيء

الفتاة : أمي أرجوك اشتري لي تلك الحقيبة أريد أن أبدأ الجامعة بكامل أناقتي
الأم : حسنا ، أقترح أن تبدئيها بكامل دراستك ، ولنجعل الحقيبة لوقت آخر .. إلا أن أردت تخفيف مصروفك ، بالإضافة إلى أن الناس لن يحكموا عليك من حقيبتك
الفتاة : أمي ، إنها المرحلة الجامعية والأشخاص بذاك المكان دائماً ما يحكمون عليك من شكلك ، والأشياء الأخرى تأتي لاحقاً ..
الأم : حسنا ، يكفي سأشتريها لك ..
الفتاة : هذه هي أمي الجميلة التي أعرفها

ها أنا أدخل جامعتي الجديدة .. يتملكني شعور بالرهبة والسعادة معا ، من المعروف عني أني سريعة الاندماج مع محيطي .. وإن ثقتي بنفسي عالية 
وها هي المحاضرة الأولى على وشك البدء ، دخلنا القاعة ويبدو أن هناك من سبقني إلى المقاعد الأولى المكان الذي لطالما كنت أجلس فيه .. لا بأس ، سأتراجع للخلف بعض الشيء ..
ثم ألقيت نظرة سريعة على وجوه من حولي فبدا لي أنهم أناس جيدون .. ثم أتى الدكتور وبدأت المحاضرة
وأثناء هذا الوقت حملت في رأسي الكثير من المعلومات التي أنهكت عقلي ..
وبعد انتهاء المحاضرة .. خرجت للاستراحة ولم أرغب بالجلوس وحدي .. ووجدت بعض الفتيات اللاتي كانوا معي في المحاضرة وانضممت إليهم وكانوا لطفاء ..
وأثناء جلوسي لمحت ذاك الشاب الذي كان يسترق النظرات إلي بين الحين والآخر ..
رغم إن الأمر لم يعنيني في البداية ، إلا أن بقاءه في مخيلتي أستمر طويلاً 
ومع مرور الأيام .. وبعد ان أصبحنا زملاء ودار بيننا الكثير من الأحاديث لفترة .. ثم توقف التواصل نهائياً 

بالرغم من أننا لم نتكلم سوى بضعة مرات .. إلا إنها كانت كافية لجعلي أعجب به ، تمايل جسده ، نظراته الثابتة ، حضوره القوي .. جميعها صفات لم تكن بالعظيمة ولا الخارقة ولكن أصبحت بعيوني كذلك عندما خرجت منه ..

ولكن حيرتي هل يشعر بي كما أشعر به .. هل يشعر بغيرتي عند كلامه مع غيري
لم أكن بالفتاة التي تبادر في مواقف كهذه .. ولا أعلم إن كانت تصرفاتي كافية ليشعر بأني أنتظره 

استمرت الأيام في المضي ولم يتغير شيء .. انقضت السنة الأولى ، ودخلنا في السنة الثانية .. ولازلت أراقبه من بعيد .. التهمه بعيوني ، أعانقه بروحي
أما هو فاكتفى برمي السلام كالعادة
اكتفى بالأبتسامة التي لم تعد كافية بالنسبة لي

والسنة الثانية حملت أحداث جديدة .. لاحظت أن أحد الشبان .. يرتبك عند رؤيتي ، يظهر عليه التوتر كلما رآني ، ينظر إلي نظرات لا أفهمها .. ويهرب بعيونه عندما أنظر إليه وبالمصادفة إن هذا الشاب هو صديق ذاك الشاب الذي أحبه
ما قصته !! هل يمكن أنه يكن لي المشاعر .. هل هو من كان سبب عدم تكلم صديقه معي .. تصرفاته غير طبيعية .. أتمنى أن لا يكون الأمر كما يبدو
سأختلق معه بعض الأحاديث اليوم لعله يتشجع ويحدثني عن مشاعره إن كانت كما أشعر .. وبعدها أوقفه هو وعواطفه عند حده

**

لنعد بالصورة لذاك الشاب وبمثل هذا الوقت
اليوم كان مختلف عن سابقيه ..لقد أطالت النظر إلي ..نظرت في عيوني .. وارتسمت ابتسامة ملائكية على وجهها .. كانت تبدو وكأنها تناديني .. يا له من أمر غريب .. ماذا حصل !! هل من الممكن أنها تعجب بي كما أعجب بها .. هل حلمي على وشك التحقق

لم تنتهي الأحداث الغريبة لهذا اليوم ، بل وجلست بقربي أثناء المحاضرة .. واستمرت بإلقاء النظرات .. وسألتني بعض الأسئلة حول المحاضرة .. لكن أين أنا من هذه الأسئلة ، أين أنا منها .. لا أعلم ما الذي قلته لها ، لكن أعلم أنه بدا علي الارتباك.. وأعلم أن مشاعري فاضت حتى رأتها بأم عينها ..

بعد أنتهاء المحاضرة ، حاولت أن أفهم ما الذي حدث لبضع ثوان لكن بالثوان التي تلتها رميت عقلي .. ومضيت بروحي التي أُشبِعت من عشقها .. وسرت باتجاهها بخطوات متشنجة إلى أن وصلت لمكان جلوسها على أحد مقاعد حديقة الجامعة ، فرأتني ونظرت لي نظرة لم أفهمها .. نظرة أرهبتني بعض الشيء .. لم تكن كنظراتها قبل قليل .. لكن جمعت قوتي وبدأت بالكلام .. فقلت لها مرحباً .. كيف الحال
فقالت : لا بأس
بدت وكأنها تعلم ما أريد قوله .. فقلت لها : هناك شيء أريدك أن تعلميه

في تلك اللحظة رأيت شيء لم أره من قبل .. لم أتوقع أن أره منها.. خرقت كبريائي بتلك النظرة المتكبرة .. وقالت : تكلم
فقلت لها : أريد أن أخبرك إني أفكر بك طوال الوقت .. إنك تسكنين خيالي منذ ان رأيتك .. لقد أحببتك منذ السنة الأولى .. عشقت تفاصيلك .. لا أظن أنني قادر على الحياة بدونك وإني سا … قاطعتني
حسناً هذا يكفي .. يبدو أنك تماديت في عواطفك ، سأخبرك بشيء .. انا لا أظن أننا مناسبين لبعضنا .. كما أني لا أفكر بالارتباط .. أريد منك أن تنسى الأمر نهائياً ولا تفكر به حتى مجرد تفكير .. وختمت ، أتمنى أن تتعامل مع الأمر برجولة ولا تزعجني به مرة أخرى ..

وحملت أغراضها وذهبت …
ذهبت وتركت خلفها كم هائل من الخراب .. تركت خلفها حطام لا يمكن إصلاحه .. تركت خلفها خطيئتي الكبرى وهي الحب ..
هل من متبرع لجمع أشلائي المتناثرة داخل جسدي ..

أتيت في يوم آخر ونفسي غير نفسي .. وروحي غير التي كانت .. أتخذت قراري بإنكار قلبي ، نعم .. فالحياة قبلها لم تكن سيئة .. ولا يمكن لفتاة أن تدمرني فأنا أصلب من ذلك .. سأستمر في حياتي ولكن لن أنسى ، لن أنسى أني أحببت ذات مرة …

دخلت القاعة والمحاضرة على وشك البدء ..
كانت جالسة وسط صديقاتها كما العادة أما أنا فجلست بمكاني وأنا أشعر بنظراتها التي كانت تكويني وتكوي روحي من الداخل ..

خرجنا للاستراحة .. وفي أجواء من الفكاهة والضحك بين أصدقائي .. مرت هي وصديقاتها من أمامنا .. فقام صديقي بالمزاح معهم .. فرأيتها تضحك بشدة ورأيت السرور يغمرها لمجرد أنه تكلم معهم .. فلم تكن كلماته تستدعي كل هذه الابتسامة العريضة والنظرات العميقة.. وبعد أن رحلوا وضعت يدي على كتف صديقي وقلت له يبدو أنك معجب بإحداهم .. فعاد بظهره للخلف وقال وما الفائدة إن كان مجرد صرخة في الفراغ لا معنى له ولا نهاية ..
فابتسمت وقلت له حسناً أنت معجب بإحداهم ولكن من هي …
فقال لا أحد .. فقلت له إني أنا أيضاً معجب بواحدة منهم .. فأخبرني لأخبرك ودعنا نساعد بعضنا ..
كنت أتمنى أن تؤخذ روحي ولا أسمعه ينطق باسمها .. ولكن هذا ما فعله ..
وسرعان ما حاولت صده عنها
فقلت له إنها غير مناسبة وتبدو إنسانة واقعية جداً ومملة وتريد زوج لا حبيب
تبحث عن رجل يفوقك بعشرة أعوام مكتمل الرجولة لديه مال وبيت وعمل ..
هذه ما أراه فيها يا صديقي .. فقال لي لقد حطمتني يا رجل .. فأبتسمت ووضعت يدي حول كتفيه وهناك دمعة على وشك السقوط من عيني ..

لم أدخر جهداً لأحول بينهم .. رغم يقيني أنها تبادله بعض هذا الشعور .. إلا أني لم أتحمل وجود الفتاة الوحيدة التي أحببتها بجانب أعز صديق لي ..
أنا آسف يا رفيق دربي .. أنا آسف لأني لم أخبرك بحبي لها منذ البداية .. أنا أسف لأني لن أسمح بحصول هذا ..

**

في أحد الأيام ..
أثناء جلوسي في المنزل يرن هاتفي .. إنه رقم غريب ، ” مرحباً “
.. سمعت صوتاً هز كياني .. إنه صوتها الذي يكاد لا يفارق خيالي ..
فقالت هل عرفتني
فقلت نعم عرفتك
فقالت أريد أن أراك لأمر هام جداً
فأجبتها أن بماذا يتعلق هذا الأمر الهام جداً
فقالت سأخبرك عندما أراك
أجبت .. حسناً سأراك ..
فقالت حسناً إذاً
فقلت لها لحظة قبل أن تغلقي الهاتف أريدك أن تعلمي شيء
قالت ما هو
فقلت لها .. أن الهواء الذي تخرجيه وأنت تتنفسين إنه يختلف عن غيره فهو يترك كل بقاع الأرض ويأتي إلي لأتنفسه من جديد ليمدني بالحياة فهو يعلم إني لا أستطيع العيش بدونه ..

استمر الصمت على الهاتف فهي لم ترد فقلت لها حسناً سأراك والآن وداعاً ..

يا ترى ما الذي تريده .. كم أخشى أن يكون الأمر كما أظن .. ولكن لو كان كذلك لألغت اللقاء بعد جملتي الأخيرة ،
ليكتب الله الخير بإذنه

وصلت قبل الوقت بحوالي العشر دقائق .. استمريت بالمشي حول الحديقة وأنا أفكر وعقلي مشوش ومرهق .. أخرجت علبة السجائر من جيبي وانتزعت منها واحدة وارتشفتها حتى أرتوى عقلي ..
ها هي قادمة من بعيد .. لن أفسر تعابير وجهها فلم يعد الأمر يهمني .. لا يهمني سوى ما تنطق به وليس ما أشعر به

هي .. مرحباً
أنا .. ما الأمر الهام
هي .. لماذا تتكلم معي بهذه الطريقة
أنا بصوت ناعم .. ما الأمر الهام
هي : أريد أن أخبرك أن صديقتي معجبة بك وتريد التحدث معك ..
أنا : ههه
هي : ما المضحك ؟
أنا : المضحك هو أنك تريدين التخلص مني و تريدين تدمير العائق المغروس بينك وبين ما تريدين ..
هي : ماذا تقصد ؟
أنا : ما أقصده هو أن ما تخططين له لن يحصل .. وإن حصل فسيكون بنهاية مأساوية مؤلمة للجميع ..
هي : يا لك من مجنون .. ما هذا الذي تتفوه به ..أنا لست فقط لا أحبك بل أنا أمقتك ، أمقتك بشدة .. أصبحت أكره الجامعة لوجودك فيها .
أنا : هل تكرهيني كل هذا الكره .. هل تتمنين موتي ؟
هي : أتمنى عدم وجودك في حياتي
أنا : هل تكرهيني بمدى حبي لك
هي : أنت لا تحبني ، أنت مريض وتحتاج لمعالجة نفسية .. كيف تقبل على نفسك أن تحب فتاة لا تحبك ..
أنا : حسنا ، سأرحل من أمامك .. كما أني سأحاول تجنبك ، فلقد قررت نسيانك سابقاً .. ولكنك أنت من كلمتني وطلبتي لقائي ، لكن أقسم لكِ
أقسم بمن كتب على القلوب أن لا تلتقي .. أقسم بمن ربط قلبي بك ، وربط قلبك بغيري ..
إن شعرت أنك تقتربين من صديقي بشتى الطرق .. فسأطفئ النور الضئيل المتبقي داخلي .. وسأنزع النور من قلبيكما .. سأجعلها سوداء حالكة .. سأجبرها أن تدفن وهي فوق التراب …

ومعلومة أخيرة لأجلك .. هو معجب بك أيضاً …

مضيت إلى المنزل وأنا مسلوخ العاطفة .. تجردت من كياني .. هذا ليس ما أتمناه
ما قصة هذا القلب الذي ابتليت به .. هو لايزال يعشقها بعد كل شيء .. ما الذي يراه فيها .. ولن يراه بغيرها.. ما الشيء المميز بها الذي لن يجده بباقي النساء..
إنها أجمل ما رأت عيني والأكمل بين النساء
أتمنى لو إني قطعة قماش في منزلها .. أتمنى لو إني لوحة معلقة على الحائط داخل غرفتها .. أصبحت متيم بها .. قد أكون مجنون .. لكني مجنون بها ..

**

في اليوم التالي ..

أتيت إلى الجامعة متأخر على غير العادة .. وأثناء ذهابي إلى المحاضرة وفي غياب وعيي وتشتت تفكيري أصطدمت بأحد الشبان فسقطت حزمة أوراق من يديه .. فقلت له أعتذر لم أنتبه .. فقال لي إن كانت عيناك لا تساعداك على الرؤية فدعني أقوم باقتلاعها .. ما رأيك ؟ ..
فأستدرت إليه وقلت له هيا اقتلعهم ..
فاقترب مني وقال أرحل قبل أن أجعلك أضحوكة الجامعة ..
تملكني شعور لا يوصف من الغضب .. شعرت بأني بركان جاهز للانفجار .. قلت له هل تعلم أن الأمر لم يكن يستحق ذلك .. أمسكت أحد الأقلام من الأرض وقلت له تفضل … فمد يده إلي فسحبت يدي وأخذت القلم وغرسته بيده واستمريت بالضغط حتى جعلتها حفرة دم .. لا أعرف ما حصل لي لكن ما أعرفه أني خرجت مسرعاً من الجامعة وهربت إلى مكان لم أكن أظن أن أحد سيجدني فيه ..

جلست وحيداً في خرابة منزل قديم أفكر في ما فعلت ولما فعلت جلست أفكر ماذا حصل لي وما هذا البؤس الذي وصلت له .. ما الذي جعلني مجرم وبدأت دمعاتي بالسقوط .. يا الله ساعدني .. كيف سأكفر عن ذنبي لك .. كيف سأكفر عن ذنبي لعائلتي وأصدقائي وللأنثى التي دمرتني
أقسم يا رب إن تجاوزت هذه المحنة فسأصبح إنسان جديد سأهتم بدراستي بالدرجة الأولى وسأطيع أبي وأمي ولن أحزنهما مرة أخرى .. سأعود إليك يا ربي وسأنسى تلك الفتاة التي كانت السبب الرئيسي فيما وصلت إليه .. لكني سأنساها سأفعل ما كان يجب علي فعله منذ اللحظة الأولى .. فالدنيا مليئة بالأشخاص والحب سيأتي لوحده مع الزمن .. فالحب الذي تركض إليه ظناً منك إنه حباً هو ليس كذالك بل هو سراب .. الحب يأتي باحثاً عنك .. الحب يأتي دون مجهود منك للحصول عليه .. هو أنقى من نحقد بسببه أو نؤذي أحد بسببه الحب أسمى شعور بالكون .. ولا يكون الحب حقيقي .. إذ لم يكن نقيا من الشوائب الإنسانية والغرائز الشهوانية .. لكن أقسم إني سأبدأ حياة جديدة .. لابد أن أدفع تمن فعلتي مهما يكن .. 

لحظة ! هناك صوت قادم فصرخت من هناك .. فإذا بصديقي الوحيد الذي يعرف بهذا المكان الصديق الأغلى الذي كنت سأخسره بسبب تلك الفتاة .. فقال لي وهو قادم باتجاهي أيها الأحمق ماذا فعلت ولما فعلت ذلك .. ولكني لم أجبه الكلام بل رددت عليه بالدموع وأخذته بين يدي وحضنته وأنا أذرف الدموع .. وقلت له أنا آسف يا صديقي أنا آسف لكل شيء… هناك الكثير من الأمور التي أريد أن أكلمك عنها لكن ليس الآن وقتها .. أريد مساعدتك فيما أنا فيه.. فقال أنتظر هنا لنرى ما الذي يمكن أن نفعله ليخف الحكم عليك .. فهو كان يريد أذيتك ولكنك دافعت عن نفسك ومن غير عمد أظهرت هذه الردة الفعل .. والآن أبقى هنا وسأذهب لنرى ماذا سنفعل .. فقلت له حسنا يا صديقي ولكن أخبر أهلي بأني أسف على كل شيء وقل لهم أن يسامحوني .. فنظر إلي وقال حسنا سأخبرهم ولكن أياك أن تغادر هذا المكان .. وداعاً .. وداعاً

جلست أتذكر ما مررت به وكم ظلمت نفسي والناس حولي من أجل مشاعر مبالغ فيها من أجل حب أعمى .. بل هو لا يستحق أن أسميه حب بل هو عبارة عن كبوى وخطأ منذ البداية .. أنا لم أقدر قيمة نفسي .. لقد رميت نفسي أمامها ولم أكترث لحالي .. أنا واثق أني مع الأيام سأحيي قلبي من جديد .. لكن لماذا لم تسمع مني بعض الشيء .. لماذا لم تعطني فرصة حتى لأعبر عن نفسي لها .. لماذا هذه الردة الفعل القاسية .. أنا مستاء لما حصل لي بسببها .. ههه على الأقل لم أخسر صديقي بسببها ..

ثم بدأت أسمع أصوات مرة أخرى . ظننت للوهلة الأولى إنه صديقي .. لكن لم يكن هو بل كان عناصر الأمن هم القادمين ..
وبلحظات كان حولي خمس رجال أمن يطالبوني برفع يداي .. أما أنا فلقد ابتسمت لثانية ثم رفعت يداي وكبلوني بالأصغاد ووضعوني داخل السيارة وتوجهوا بي إلى سجن المدينة المركزي كما أن رحلة الطريق لم تخلو من الشتائم والضرب والتخويف بأني سأندم على يوم ولادتي .. لكن لا بأس فهناك أمر أكبر يشغل بالي ..
خيانة الشخص الوحيد الذي أستأمنته على روحي .. لقد باعني ، لقد انتهت حياتي قبل أن تبتدي .. ومات الخير بي قبل أن يولد ..

يتبع في الجزء الثاني والأخير ..

 

تاريخ النشر : 2018-12-24

Ramy

سوريا
guest
16 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى