تجارب ومواقف غريبة

من جعبة جدتي (3) واقعية

بقلم : Lost soul – ليبيا

من جعبة جدتي (3) واقعية
كانت الحمامة الرمادية تنتفض لتطير ولكنها لم تستطيع

 جلست جدتي ذات – يوم رحمها الله – و نادت علينا ، عرفنا أنه حان وقت قصة الليلة ، كانت ليلة هادئة ، والكل يركز على جدتي ، وعلى ما سيخرج من تلك الجعبة .

قالت : إن ما سأقصه عليكم لم يحدث معي و إنما حدث مع أخي الصغير سالم ، وكان ذلك منذ مدة ، حسناً.

أنها ليست قصة مرعبة و إنما غاية في الغرابة ، كان ذلك الوقت الكل يسعى و يرعى لأجل لقمة العيش ، أي نزرع لنحصد و نأكل و نبيع ، و لأجل ذلك على كان على أحد إخوتي مساعدة أبي في جر العربة ذات الحصان المحملة بالمحاصيل الجاهزة للبيع ، و بثمن قليل يكفي لشراء بذور الزراعة ، و كانت العملة آنذاك نقدية أي حديد

 و في يوم من أيام التعب أشار أبي على سالم أن يقوم بجر عربة الحصان وبيع المحصول للتجار الذين يتجمعون وسط القرية ، فهو موسم البيع والشراء ، أحياناً نشتري خرفان وأحياناً أخرى نشتري الدجاج

كان أخي سالم يحب تربية الحمام الزاجل ، فكان يقضي معظم وقته في مجالسته وإطعامه ، وهو في طريق العودة و بعد أن باع نصف المحصول واستبدال بعضه بالبيض ، رأى حمامة واقعة بجانب الطريق ، نظر إليها وتوقف ، و نزل من العربة و توجه إلى تلك الحمامة الرمادية التي كانت تنتفض لتطير ولكنها لم تستطيع ، ولحب سالم للحمام وجد نفسه ممسكاً بها بين يديه بحنان ، رأى جناحها فوجده مصاباً

 وضع سالم الحمامة في العربة متأسفاً على حالها فهو من عشقه لتلك المخلوقات لم يشأ أن يتركها مرمية تنتفض و كأن الكهرباء قد مستها ، عاد سالم وبفخر مد النقود لأبي و شكره أبي وشجعه على أن يستلم من الأن فصاعداً جر العربة وبيع المحاصيل ، عاد إلى العربة و أخذ بين يديه الحمامة المسكينة ، و أراها لأمي وأبي و إلينا جميعاً ، شعرنا بالأسف على حالها ، أخذها سالم و وضعها في صندوق و داوى جرحها ولف عليه قطعة قماش ، و بدأ بإطعامها بيديه

 مرت بضعة أيام وعندما شُفيت الحمامة و بدأت في التحليق ، لاحظ سالم فيها بعض الأمور العجيبة ، قال لنا : إن الحمام لا يرى في الليل ، ولكن هذه الحمامة قادرة على الطيران ليلاً والرؤية أيضاً ، كما أن باقي الحمام يخاف منها ولا يقترب منها ، حتى أثناء تناول الطعام ، قالت له أمي أن يضعها في صندوق ويتركها حيث وجدها ، وافق أبي على قرار أمي وقال له : لقد فعلت معها خيراً ، لذا دعها لحالها وخذها ، فلربما كان لها شأناً لا نعرفه .

أخذها سالم و بحزن لأنه أعتاد عليها ، و وضعها في مكانها وفتح الصندوق وغادر عائداً إلى البيت ، و كان شيئاً في قلبه يقنعه أنه قد فعل الصواب ، تلك الليلة أتذكر أننا تناولنا العشاء و أوينا إلى النوم ، فنحن كنا ننام لنصحى باكراً عندما يصيح ديكنا

 استيقظنا وتناولنا طعام الفطور وناديت على سالم ولكن لم أجده في فراشه ، ذهبت كي اسقي الزرع فوجدته جالساً سارحاً ، سألته : ما بك ؟ ، قال لي : إنه رأى حلماً غريباً ، قلت له : أروي لي حلمك ، قال لي : إني كنت أسير بين أشجار عملاقه و لا أكاد أرى نهايتها ، و بينما كنت أسير وقفت أمامي فتاة في غاية الجمال والروعة ، كانت ترتدي قطعة من القماش الذي لا أعرف ما لونه فقد كان غريباً ، و كان شعرها كسواد ليلة بدون قمر ولا نجوم ، و كانت جميلة جمال أخاذ ، اقتربت و وضعت بين يدي ورقة شجر غريبة  و قبّلت جبيني ، ثم قالت لي : شكراً لأنك اهتممت بي ، اذهب وأنا لن أجدك أبداً ، هكذا كان حلمي ولا أعرف من هي ، هل لها علاقه بتلك الحمامة الغريبة أم هي نفسها تلك الحمامة ، وما تلك الورقة التي اختفت بين يدي؟.

ومنذ ذلك اليوم كان سالم كل يوم يذهب إلى ذلك المكان الذي ترك فيه الحمامة ، كان يتمنى أن يجدها أو يراها ، لم يشعر بالذنب و إنما شعر أن تلك الفتاة هي الحمامة ، لربما كانت جنية من الأساس فلا أحد يعلم ، وعاد أخي وأصبح يعمل مع أبي ، ومع الأيام تطورت مهارته و أخذ يشارك الكثير من التجار ويبيع ويشتري وأصبح حاله أحسن و أفضل مع الأيام

 نلتقي معكم في قصة جديدة ، انتظروني قريباً.

تاريخ النشر : 2018-10-23

guest
16 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى