ألغاز تاريخية

من هم الهكسوس؟

هناك تشابه كبير بين تاريخ الهكسوس وقصة بني اسرائيل

بقلم : أبو ميثم العنسي – اليمن
[email protected]

ما أجمل قراءة التاريخ و أن تستحضر أحداثه و كأنك كنت جزء من ذلك التاريخ ، و ما أروع أن تمر أمام ناظريك تلك الأحداث فتحللها و تحاول الوصول إلى مضامين الأحداث و مسبباتها و نتائجها ، مُغرمٌ أنا بتاريخ الدول القديمة ، سومر و بابل في الهلال الخصيب بالعراق و دولة مصر القديمة التي امتدت من فلسطين و لبنان شرقاً و حتى منابع نهر النيل ، و دولة سبأ و معين و حمير و أوسان و قتبان في اليمن ، و غيرها من الدول القديمة في شتى بلاد الأرض كفارس و الإغريق و بلاد الهند و الصين.

و قد لا أخفيكم أمراً أني قارئ أفصل بين التاريخ العلمي القائم على ما وصلنا من نقوش و آثار من تلك الحضارات و بين التاريخ الديني المذكور في الكتب السماوية الثلاثة التوراة و الإنجيل و القرآن الكريم و أعتبر التاريخ الديني كقرائن للتاريخ العلمي و ليس كأدلة ثابتة ، كونه لم يصلنا أي قصص للأنبياء و الرسل عبر النقوش و الآثار ، إلا ما ثبت من قصة رسول الله عيسى عليه السلام و رسولنا الكريم محمد بن عبدالله صلوات الله عليه و سلامه عليه ، كونهما حديثان تاريخياً.

إذن فلنبدأ في موضوع المقال (من هم الهكسوس؟) ، و كيف أثارت قراءتي لتاريخ الهكسوس و تشابهها بقصة بني إسرائيل الفضول عندي لكتابة هذا المقال ، و سأبدأ بالرواية الدينية لقصة بني إسرائيل و من ثم بالرواية التاريخية للهكسوس الذين حكموا مصر لمدة مائة عام ، ثم سأجعل للقارئ الكريم الحكم بين تشابه الروايتين بين القصتين ، و هل كان بنو إسرائيل هم في الواقع  الهكسوس “الحكام الرعاة” ؟

الرواية الدينية لقصة بني إسرائيل

blank
قصة النبي يوسف تكاد تكون معرفة للجميع وتبدأ بغدر اخوته به

من منا لا يعرف قصة نبي الله يوسف إبن نبي الله يعقوب ، و قصة رؤياه في منامه التي رواها لأبيه بأن الشمس و القمر و إحدى عشر كوكباً  يسجدون له ، فقال له أبيه : يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيحقدون عليك و تحمل قلوبهم البغضاء لك فيكيدون لك مكيدة قد تتسبب في مقتلك أو ضياعك ، و بالفعل فإن إخوة يوسف لم يكونوا يحبوه لِما يشاهدوا من حب والده اللامتناهي له و تفضيله عليهم ، لذا فقد أضمروا له السوء للتخلص منه ، فراودا عنه أباه بأن يخرجوه معهم للعب و الصيد فوافق أبيهم على مضض و أخذ منهم موثقاً بحمايته من أي سوء قد يصيبه ، و لكنهم لم يوفوا بعهدهم فأرادوا قتله لولا أخاهم الأكبر الذي أشار عليهم برميه في البئر و عدم قتله ، ففعلوا ذلك.

و جاء تجار القافلة الذين أخرجوا يوسف من البئر و أخذوه معهم إلى مصر و باعوه بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودات لعزيز مصر و وزيرها و مدبر أمورها ، و عزيز مصر كان كما اليوم كمنصب رئيس الوزراء ، و لا أريد الخوض أكثر في قصة يوسف عليه السلام ، لئلا أحيد عن الموضوع الرئيسي.

لقد تسلسلت الأحداث بيوسف حتى سُجن بمكيدة زوجة العزيز المعروفة لمدة يقال أنها سبع سنوات إلى عشر سنوات ، و لم يكن خروجه إلا بسبب قدرته على تفسير رؤيا الملك التي عجز عن تفسيرها كل مفسرو الأحلام بمصر ، و التي كان تفسيرها هو حدوث طفرة في زراعة القمح (و الحبوب كالحنطة و الشعير التي أدخلها يوسف إلى مصر) و إنتاج كميات كبيرة منها خلال السبع السنوات القادمة ، و التي ستعقبها سبع سنوات من المجاعة ، و أن الفائض يجب أن يتم تخزينه في سنبله في مخازن عملاقة ليتم الإستفادة منه في فترة المجاعة ، و طلب من ملك مصر أن يجعله وزيراً على خزائن الغلال ، و قد وقعت الأحداث كما وصفها يوسف تماماً ، فأدار الأزمة بمنتهى الحكمة و التدبير الإقتصادي المحكم حتى مرت المجاعة بمصر و حتى البلاد المجاورة في سلام.

و حدث ما حدث بينه و بين إخوته حين جاءوا مع البدو ليحصلوا على حصصٍ من الحبوب و الغلال بعد أن انتشرت المجاعة في صحراء النقب التي كانوا يعيشون فيها و يرعون فيها أغناهم ، و قد استطاع يوسف بعون من الله أن يعلمهم درساً ويؤدبهم على ما ارتكبوه في حقه حين فرطوا به و رموه بالبئر ، و يستطيع يوسف أن يحضر أباه و أسرته ليعيشوا معه في مصر ، و في إحتفال شعب مصر الكبير بنجاح يوسف بإخراجهم من المجاعة ، صعد يوسف مع أبيه و أسرته إلى العرش و سجد الجميع ليوسف و كان ذلك تفسير رؤياه من قبل ، قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

هل انتهت القصة هكذا و عاش بنو إسرائيل في مصر كعامة الشعب ، أم أنهم بالفعل قد استطاعوا أن يمسكوا بزمام الأمور و سيطروا على حكم مصر القديمة؟

قد تكون الفترات و الأحداث التي مرت ببني إسرائيل منذ صعود يوسف للعرش إلى ظهور موسى عليه السلام فيها بعض اللبس و لم تتضح بشكل كامل ، لكن مما لا يدع للشك مجال في أن بني إسرائيل أصبحوا ملوكاً لمصر هو قول موسى عليه السلام لبني إسرائيل في قوله تعالى ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ ).

blank
وصول النبي يوسف الى مصر وصعوده فيها كان ممهدا لقدوم بني اسرائيل

نعم ، لقد كان بنو إسرائيل ملوكاً على حكم مصر لفترة من الزمن تجاوزت المائة عام ، و لكن الظاهر أن ليس كل المصريين كانوا طائعين لحكم الرعاة الأجانب ، و معنى كلمة (رعاة) هي بالفعل تعني رعاة الأغنام الذين جاءوا من صحراء النقب ، و لا أدري كم ملكاً من بني إسرائيل قد حكموا مصرا بعد يوسف عليه السلام ، و لا أدعي معرفتي كيف كانت فترة حكمهم ، غير أني أكاد أجزم من قراءتي للتاريخ أن الملوك الأوائل حكموا مصر بالعدل و الرحمة ، بينما يجيء الملوك الآخرين ليفسدوا كل ما عمله الأولون ، فينتشر الظلم و يكون همهم الأوحد جمع الأموال ، و قد يكون قارون من سلالة آخر ملوك بني إسرائيل الذين باعوا حتى أبناء شعبهم لأجل الذهب و رغد الدنيا و تآمروا مع أعداءهم للوصول لذلك.

إذن انتهى حكم بني إسرائيل على يد فرعون ظالم و طاغية استطاع أن يقضي على مملكتهم و يقتل رجالهم و يستحي نساءهم ، و حكم مصر معتبراً من كانوا ملوك الأمس مجرد خدماً له و كمواطنين من الدرجة السفلى ، فحتى لو قتل قبطيٌ إسرائيلياً فهو لا يؤاخذ على فعلته ، و ظل بني إسرائيل في حكم الفرعون ردحاً من الزمن ، فيها تنبأ بعض المتنبؤون أن ملك بني إسرائيل سيعود مجدداً على يد طفل يولد في ليلة معينة ، فأمر ذلك الفرعون بقتل جميع الأطفال المولودين في تلك الليلة ، لكن وحي الله تعالى لأم موسى بأن تجعله في صندوق و تقذفه في اليم أنقذ الطفل الوليد من القتل ، بل و جعل موسى يصل إلى يد من أراد قتله فيُجبر على تربيته و الإعتناء به حتى كبر و اشتد عوده ، و أعطاه الله قوة الجسم التي استطاع في غضون ثوانٍ أن يصرع رجلاً قبطياً و يرديه قتيلاً ، فلما علم الفرعون بذلك أمر بقتله ، فما كان من موسى إلا أن يهرب إلى سيناء ، و في سيناء عاش عشر سنوات مع زوجته ، و عند عودته إلى مصر و مروره بجبل حوريب أو الطور أوحى له الله عز و جل بالذهاب إلى فرعون ليدعوه للإيمان و أن يسمح له بأخذ شعب بني إسرائيل إلى فلسطين و أن لا يمنعهم ، و أعطاه من المعجزات ما يدعم حجته بها أمام فرعون ، و لكن رغم ذلك لم يؤمن فرعون بل تكبر و تجبر و أراد قتل موسى و القضاء على شعبه لولا الآيات العشر كالدم و الجراد و الضفادع و القمل و التي كانت تأتي لتمنع فرعون من التجرؤ على فعل ذلك.

و في ليلة أمر موسى شعبه للهروب من مصر و أخذهم في إتجاه سيناء ، فلحق به فرعون و جنوده ليتخلصوا من أولئك الفارين ، و حدثت المعجزة بشق البحر و هروب بني إسرائيل ، و لحاق فرعون و جنودهم بهم و الذين أغرقهم الله ، و قذفت جثة فرعون للساحل بعد موته و تعهد الله بحفظها كما هي لا تتغير ، متحدياً بذلك أعظم المحنطين في مصر ، و أن اليوم الذي ستكشف فيه مومياء فرعون سيأتي و سينبهر العالم بقدرة الله و معجزته بحفظ جثمان فرعون ، قال تعالى (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ).

الرواية التاريخية للهكسوس

blank
كانت الخيل والعربة الحربية هي التي رجحت كفة الهكسوس على المصريين القدماء في ساحة الحرب وهي اساليب ومعدات حربية لم يعرفها المصريون القدماء قبل الهكسوس

تعني كلمة الهكسوس  “حكام الأرض الأجانب” و اللفظ لم يكن مصرياً بل أغريقياً (HqA(w)-xAswt) و باللغة المصرية القديمة (حقاو خاسوت) ، و هم من الشعوب السامية (العبيرو) ، (ألا تذكركم كلمة العبيرو بلفظ العبريين) ، لا أحد يعرف متى دخلوا بالضبط إلى مصر ، ذلك أن جزء كبير من آثارهم قد تم تدميرها على يد المصريين من مملكة طيبة الجنوبية ، و تذكر النقوش المصرية القديمة  أن الحقاو خاسوت هم قبائل بدوية تسمى الشاسو جاءت من صحراء النقب بفلسطين ، صحيح أن هناك دراسات تربطهم بالعموريين و الحيثيين و القبائل الهندو-أوروبية مستدلةً بذلك على إدخالهم القوس المركب و العجلات البحرية ، لكن ما يدحض ذلك أن الهكسوس قد دخلوا في معارك مع العموريين في فلسطين ، و قد يكون دخولهم في تلك الحروب هي في الفترة بعد طردهم من مصر على يد الملك أحمس الأول مؤسس الأسرة الثامنة عشر من ملوك مصر القدامى.

كان ملوك الهكسوس ضمن الأسرة الخامسة عشر ، و لكن الدراسات تشير إلى عدم وجود ترابط دموي بين الملوك الأوائل و اللاحقين ، و أن الفاصل هو الملك خيان و الذي مات و لم يرث إبنه الحكم رغم أنه كان يفترض أن يكون ولي عهده ، ويلخص العالم الدنماركي (Kim Ryholt) الوضع المعقد في دراسته التي أجراها عام 1997 على الفترة الانتقالية الثانية بقوله “لا توجد إلا مؤشرات غامضة على أصل الأسرة الخامسة عشر” ويضيف أن العدد القليل من أسماء الأسرة الخامسة عشر الباقية هي “قليلة للغاية بحيث لا تعطي استنتاج عام” عن خلفية أصول الهكسوس وعلاوة على ذلك يؤكد (Ryholt) على أن: كما نفتقر إلى أي مؤشرات إيجابية تفيد بصلات نسب دموية بين أياً من حكام الأسرة الخامسة عشر، وبالتالي فيمكننا التعامل مع أسرة ذات أصول عرقية مختلطة.

blank
نقش فرعوني من الاسرة الثانية عشر يظهر لنا كيف صور المصريون القدماء شكل الاقوام السامية القادمة من الشام .. على الاغلب كنعانيون او عموريون .. لاحظ لباسهم وشكلهم مختلف تماما عن المصريين القدماء .. ويعتقد العلماء ان هؤلاء هم اجداد الهكسوس

لقد سيطرت مملكة الهكسوس في شرق الدلتا ومصر الوسطى وكانت حدودها محدودة، فلم تتوسع إلى داخل مصر العليا التي كانت تحت سيطرة حكام البيت الطيبي بإستثناء فترة وجيزة تُقدر بحوالي ثلاثة أعوام في نهاية فترة ولاية خيان وبداية أبوفيس. وأقام هكسوس الأسرة الخامسة عشر عاصمتهم ومقر حكومتهم في أفاريس.

إذن كان الفاصل بين العرقيتين هما الملكان خيان (الإسم المعرب للملك خيان هو الريان و هو الملك الذي كان في أيام نبي الله يوسف) و أبوفيس الأول (أليس إسم أبوفيس يشمل كل حروف إسم نبي الله (يوسف)) ، و من الغريب أن شعب مصر كان يعتبر أبوفيس الملك المؤيد بالزلازل و العواصف ، فما الذي جعل المصريين يعتقدون بتأييد الإله لأبوفيس ؟ كما أن الإيمان بالبعث و الحساب بعد الموت  دخلت في قصة الإله رع و أوزوريس بعد هذه الفترة و لم تكن موجودة من قبل.

و لننظر إلى أسماء ملوك الهكسوس بعد أبوفيس الأول و لنقارنها بأسماء بني إسرائيل :

الملك بنيم سكا : و يعني الملك بنيامين
الملك ياكوب حار : و يعني الملك يعقوب حار (و ليس هو نبي الله بل هو ملك هكسوسي تطابق إسمه معه ، و من الطبيعي أن يظل الإسم جزءا من تراث بنو إسرائيل).
الملك عاوسر رع : و يعني الملك عازر
الملك خامودي : و يعني الملك عامودي (و هو آخر ملوك الهكسوس قبل سقوط مملكتهم بيد مملكة طيبة على يد أحمس الأول).

إذن هل لاحظتم الأسماء و تشابهها مع أسماء بني إسرائيل ؟؟

سيسألني البعض : كيف تدعي ذلك و من المعروف أن الهكسوس عبدوا إله الشر (ست) ؟ و السؤال : و هل عبدوا حقاٌ الإله ست ؟

blank
اتخذ الهكسوس من ست .. اله العواصف والصحراء ربا لهم – ربما بعد ان دمجوه مع الههم بعل – ولهذا يعتبر المصريون القدماء ست الها للاجانب .. وست يعتبر رمزا للشر وقصته مشهورة مع اوزوريس حبيب المصريين ومخلصهم الابدي

و الجواب : لقد اعتبر العلماء أن استخدام ملوك الأسرة الخامسة عشر المتزايد للجعارين واتباعهم بعض أشكال الفنون المصرية وانتشار ذلك على نطاق واسع مؤشراً على أنهم  أصبحوا مصريين بشكل تدريجي واستخدم الهكسوس الألقاب المصرية المرتبطة تقليدياً بالملكية المصرية واتخذوا المعبود المصري ست ليمثل معبودهم الخاص ، أما المصريين فنظروا إلى الهكسوس على أنهم “غزاة” ليسوا مصريين ، وعندما تم طردهم في نهاية المطاف من مصر ، فقد تم محو كل آثار احتلالهم ، لم يتبقى روايات تسجل تاريخ هذه الفترة من وجهة نظر الهكسوس سوى نقوش قليلة تظهرهم بملابس مميزة و بشرة سمراء ، وما تبقى فقط هي روايات المصريين الأصليين الذين طردوا المحتلين ، وفي هذه الحالة فإن حكام الأسرة الثامنة عشر كانوا هم الخلف المباشر للأسرة الطيبية السابعة عشر ،  فالأسرة السابعة عشر هي من بدأت وقادت حرباً مستمرة ضد الهكسوس.
ويرى البعض أن ملوك طيبة الوطنيين كان لديهم حافزا لشيطنة الحكام الآسيويين في الشمال وذلك يعلل تدمير آثارهم ، فعالم مثل John A. Wilson وجد أن وصف الهكسوس بالحكام الأجانب الزنادقة المتغلبين له ما يدعمه من مصادر أخرى ، و يعني ذلك أن وصف الهكسوس بأنهم عبدوا الاله (ست) كان مقصود لتشويه سمعتهم و تاريخهم ، تماماً كما تفعل بعض المذاهب الدينية في إطلاق الإشاعات على المذاهب المنافسة لتبرر النيل منها و الهجوم على أتباعها و روادها.

إذن فلنعد إلىالأحداث التاريخية

blank
مومياء سقنن رع .. لاحظ الجروح الغائرة على وجهه .. يعتقد انه قتل بضربات فأس خلال معركة ضد الهكسوس .. لكن المصريون القدماء تمكنوا بالنهاية من الانتصار على الهكسوس وانهاء وجودهم ومسح اي ذكر لهم من سجلات مصر القديمة

كما قلت سابقاً أن الهكسوس كانوا على صلات دبلوماسية مع دولة طيبة جنوب مصر حتى قام الملك أبوفيس الثاني بإرسال رسالة إلى الملك سقنن رع ملك طيبة يأمره فيها بترك رياضة صيد حيوان فرس النهر بالحراب ، كون أن ضجيجها يصل إلى أفاريس عاصمة الهكسوس فيمنعه من النوم ، و هو ما أزعج الملك سقنن رع و استغل الفرصة في إتهام الهكسوس بعبادة إله الشر (ست) الذي كان يتم تمثيله برجل و جزءاً منه فرس النهر ، و ما زاد الأمر بلة هو قبض الملك سقنن رع على رسولين من الملك أبوفيس الثاني أرسلهما لملك النوبة ليعينه على حرب مملكة طيبة ، فقام الملك سقنن رع بمهاجمة أفاريس عاصمة الهكسوس حيث لقي مصرعه بجرح غائر في رأسه ، و لا زالت مومياءه محفوظة و واضحٌ فيها الجرح الغائر في جمجمته.

أتي بعد سقنن رع إبنه كامس و الذي وجه للهكسوس ضربات قوية قبل أن يقتل هو أيضاً و كوالده على يد الهكسوس ، ثم جاء بعده أخاه أحمس الأول و الذي استطاع تدمير دولة الهكسوس و اقتحمها و قتل رجالها و سبى نساءها و جعل من نجى من الهكسوس عبيداً له ، بل وصفهم بالمجذومين أي المجانين و القذرين  “و ليس المقصود به مرض الجذام” و أنما تحقيرا لهم و إهانةً لهم.

blank
الى اليمين مومياء احمس الاول .. الى اليسار مومياء رمسيس الثاني .. كلاهما مرشح ليكون فرعون موسى

و حسب الرواية ظل الهكسوس على هذا الحال حتى ظهر منهم رجل وُصف في مصر بالمهرطق و قاد 80 ألف هكسوسي ( و بعض المصادر 450 ألف هكسوسي ) و توجه بهم إلى سيناء ثم فلسطين ، حيث لحق بهم أحمس الأول و قاتلهم حتى قضى عليهم ، و لكني أجزم أنه الفرعون الذي قُضي عليه و غرق بالبحر مع جيشه ، و يقال أنه مومياءه وجدت و لكني عند بحثي عنها وجدت أن وجود مومياءه غير معروفة المكان ، و إحتمال وجودها في مكانين مختلفين ، في الدير البحري و في أبيدوس ، أي أنها لم تُكتشف يقيناً حتى اليوم.

الجمع بين الرواية الدينية و الرواية التاريخية

blank
هل حقا استولى الهكسوس على مصر عن طريق الحرب ام ان صعودهم الى رأس السلطة تم من الداخل .. قصة النبي يوسف شاهد على انه ممكن لاجنبي ان يترقى الى اعلى المناصب في مصر القديمة .. وما المانع في ان يصبح فرعونا؟!

إذن كما قرأنا سابقاً ، فالهكسوس هم من الشاسو العبريين الذي عاشوا في صحراء النقب كرعاة غنم ، و بدأ حكمهم تسللاً و ليس حرباً ، على أيديهم دخلت زراعة الحنطة و الشعير الذي أدخلها نبي الله يوسف في الزراعة ، بدأ حكمهم بعد موت الملك خيان (الريان) و الذي نقل الملك لأبوفيس الأول (يوسف) رغم وجود إبن و ولي عهد له ، و بدأ حكمهم بالتسامح و العدل سيطرتهم على بلاد الدلتا و بناءهم لعاصمتهم أوفاريس ، في العهود الأخيرة صعد ملوكٌ طغاة منهم و فرضوا الضرائب المجحفة ، و حاولوا تدمير دولة طيبة جنوب مصر أيام الملك سقنن رع الذي دخل في حروب حتى قُتل ، ثم واصل الملك كامس الحرب فقُتل هو أيضاً ، و جاء بعد الملك أحمس الأول الذي لقب نفسه بملك القوة ، و دمر مملكة الهكسوس و فعل فيهم نفس الأعمال التي وصفت في الكتب السماوية من قتل للرجال و استحياء للنساء و جعلهم عبيداً لهم ، بعد ذلك جاء الرجل الموصوف بالمهرطق الذي خرج على حكم أحمس الأول و قاد شعب الهكسوس إلى فلسطين.
و كما لاحظتم أسماء ملوك الهكسوس أبوفيس و بنيامين و يعقوب حار و عازر و عامودي.

في الأخير أدع لكم أعزائي القراء الكرام الحكم على الروايتين الدينية و التاريخية و أوجه التشابه بينهما.

اسأل الله أن يتقبل صيامكم و صلاتكم و أعمالكم الصالحة في هذا الشهر الفضيل ، و كل عام و أنتم إلى الله أقرب.

المصدر
الشاسو الهكسوس حكام آسيويين حكموا مصرSources and parallels of the Exodus
guest
73 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى