موت النفس و خروج الروح
الموت هو خروج الروح من الجسد |
دينياً يُعرّف الموت أنه خروج الروح من الجسد و إنتقالها من الحياة الدنيا إلى حياة البرزخ ، و عليه يفنى الجسد و تنعدم فيه مظاهر الحياة .
أما طبياً فقد أخذ تفسير الموت يختلف نتيجة التقدم العلمي و الطبي ، ففي البداية كان تعريف الموت هو توقف قلب الإنسان عن النبض و الذي يعقبه إنعدام العلامات الحيوية من تنفس و ضغط للدم و توقف للدورة الدموية ، لكن مع التقدم الطبي و تطوير آليات الإنعاش القلبي و الرئوي لم يعد توقف القلب عن العمل هو التعريف الدقيق للموت ، و أصبح المفهوم الجديد للموت هو توقف الدماغ عن العمل و إنعدام المؤشرات العصبية منه و الذي أخذ مصطلح ( الموت الدماغي ).
هل الموت مخيف؟ .. صور لاشخاص قبيل وبعد موتهم مباشرة .. يبدو انهم مجرد نائمون ومرتاحون! |
و لكن على ما يبدو أن الموت يأبى أن نجد له تعريفاً فيجعلنا نقف عاجزين عن فهم كنهه كما نحن عاجزين عن إيقافه ، فقد نشرت مجلة نيوز ويك الأمريكية بحثاً خلُص إلى أن الإدراك و الوعي لا ينعدم تماماً بعد الموت ، و يقول عن ذلك رئيس أبحاث العناية المكثفة و الإنعاش بجامعة نيويورك د. سام بارنيا أن هناك مراكز في الدماغ تزداد نشاطاً بعد الموت بشكل غير إعتيادي ، و ان ذلك يختلف من شخص لآخر ، فالبعض استمرت تلك المراكز الدماغية في العمل لساعات قبل موتها نهائيا ، و آخرون استمرت لدقائق قبل ان تنتهي و تموت ، و يقول كذلك ان هذه المراكز لم تتوقف في وقت واحد ، بل ماتت بالتدريج حتى إنعدم نشاطها بشكل كامل .
و يذكر كذلك أستاذ علم الأحياء الدقيقة في جامعة واشنطن د. بيتر نوبل أن العلماء الذين يجرون اختبارات على الجثث البشرية وجدوا جينات تنشط بعد موت الجسد من حينٍ لآخر ، وقد أجرى د. نوبل وأطباء آخرون دراسة عميقة عام 2017م اكتشفوا فيها أن أكثر من (1063) جيناً تبقى في حالة نشاط بعد الموت ، وما يثير الدهشة وفقاً لكلامه أن النشاط لم يكن يتبدد بل أخذ في الإرتفاع طوال مدة المراقبة .
يذكر كذلك د. بارنيا كثيراً من التجارب الغريبة التي واجهها في أقسام العناية المركزة ، لأشخاص كانوا يخبروه انهم كانوا يشاهدونه أثناء إنعاشه القلبي و الرئوي لهم من أحد زوايا الغرفة أو من سقفها و كانوا دقيقين في رواياتهم بشكل لا يصدق عن تصرفات و أحاديث الأطباء و الممرضين وقتها ، و كأنهم كانوا معهم و مدركين لكل شيء .
هناك قصص كثيرة عن خروج الروح من الجسد وعودتها اليه .. خصوصا في المستشفيات |
نحن كذلك كثيراً ما نقرأ في تجارب غريبة في موقع كابوس لأشخاص يروون عن تجاربهم بعد توقف قلوبهم عن النبض و إجراء الإنعاش القلبي لهم ، و أنهم كانوا يشاهدون كل ما كان يجري حينها ، و كذلك تجارب أخرى لأشخاص كانوا في نومهم يشاهدون أجسادهم و من حولهم من الأقارب و يصفون كل ما كان يجري رغم نومهم في سباتٍ عميق .
و كم من قصص واقعية سمعنا عنها جميعاً و عاش أحداثها البعض منّا عن أناس ماتوا دماغياً و أعلن عن وفاتهم ثم عادوا إلى الحياة قبل أن يتم دفنهم أو حتى بعد دفنهم ، فتجدهم يقفون و ينفضون التراب عن أكفانهم .
لا أدري إذا كان بمقدوري تفسير ذلك ، إلا أني وجدت أن الأديان السماوية تُجمع على الفرق بين معنى النفس و الروح ، فالقرآن الكريم مثلاً يصف الموت بخروج النفس عن الجسد ، و يصنف الموت كأصغر و أكبر ، فالموت الأصغر هو خروج النفس عن الجسد أثناء النوم ثم عودتها بالصحيان ، بينما الموت الأكبر هو الذي تخرج النفس عن الجسد لكنها لا تعود ، بل تظل مرافقة للجسد و تسير بجانب الجسد حتى تدخل معها القبر . قال الله تعالى : {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى} .
و النفس في القرآن الكريم هي ما يجري عليها الموت و القتل و حتى العذاب . {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموْتِ} { أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} { مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } .
بينما نجد الروح لا تُذكر إلا بالقداسة و التنزيه عن كل الصغائر و النقائص ، و هي ما كرم الله بها آدم و ذريته من بعده و كانت سبباً لأمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم .
قال تعالى :{ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } .
إذن يتضح ان النفس هي ذات الإنسان و هي ما يقع عليها الموت و يقع عليها العذاب في القيامة ، بينما الروح هي السبب في حياة الإنسان .
و يمكننا أن نقول أن جسد الإنسان يحمل النفس و الروح معاً ، و أن خروج النفس من الجسد هو السبب الأول في الموت سواءً كان أصغر ( النوم ) أو أكبر ( الموت الحقيقي ) ، بينما تبقى الروح في الجسد و لا يتحقق خروجها إلا بالموت الحقيقي .
النفس تخرج من الجسد بينما تظل الروح قابعة في الجسد لفترة اطول |
إذن قد يفسر ذلك ما خلصت إليه الأبحاث المذكورة آنفاً في مجلة نيوز ويك و يفسر سبب رؤية الأشخاص الذين يتوقف قلوبهم لكل ما يحصل أثناء إنعاشهم القلبي الرئوي ، و رؤية النائمين لما يجري حولهم أو حتى ما يجري بعيداً عنهم ، فالنفس تخرج من الجسد بينما تظل الروح قابعة في الجسد . و قد تظل الروح كامنة فترة أطول في الجسد حتى بعد حدوث الموت الحقيقي ، و يحدث أحياناً تفعليها في الجسد بأمر من الله و عودة النفس بسبب ذلك التفعيل و هذا ما قد يفسر عودة بعض الأشخاص للحياة بعد موتهم دماغياً .
قد يكون ذلك تفسيراً منطقياً ، و لكنه كذلك سيثير الخوف و القلق لدى القارئين و خاصة أولئك الذين يعانون من الخوف من الدفن حياً ( Taphophobia ) ، فكم هو الوقت الذي نستطيع أن نحكم يقيناً بأن الشخص قد مات فعلياً و لا خوف من عودته للحياة بعد دفنه في قبره . يقال أن جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة كان يخاف من دفنه حياً بعد موته ، و أوصى أن يظل جثمانه 12 يوماً قبل أن يتم دفنه .
مصادر :
تاريخ النشر : 2020-01-25