أشباح و ارواح

موت النفس و خروج الروح

بقلم : أبو ميثم العنسي – اليمن
للتواصل : [email protected]

الموت هو خروج الروح من الجسد
الموت هو خروج الروح من الجسد

الموت ذلك القدر المحتوم الذي يُشعرُنا بالرهبةِ و الخوف رغم أنه مصيرُنا الذي لا مفر منه ، نعم شئنا أم أبينا سنموت يوماً ما و كأننا لم نكن سوى ديدانٌ زمنية كما وصفنا العالم إينشتاين ، و كما خلقنا القدير من تراب سنصير يوماً مجرد غبار يُنفض من على صفحات التاريخ . يا له من قدر و يا لها من نهاية نصل إليها بعد حياة حافلة بالأحداث و الوقائع و الآمال و النجاح و الفشل ، لنصل إلى نهاية مسرحية الحياة .

دينياً يُعرّف الموت أنه خروج الروح من الجسد و إنتقالها من الحياة الدنيا إلى حياة البرزخ ، و عليه يفنى الجسد و تنعدم فيه مظاهر الحياة .
أما طبياً فقد أخذ تفسير الموت يختلف نتيجة التقدم العلمي و الطبي ، ففي البداية كان تعريف الموت هو توقف قلب الإنسان عن النبض و الذي يعقبه إنعدام العلامات الحيوية من تنفس و ضغط للدم و توقف للدورة الدموية ، لكن مع التقدم الطبي و تطوير آليات الإنعاش القلبي و الرئوي لم يعد توقف القلب عن العمل هو التعريف الدقيق للموت ، و أصبح المفهوم الجديد للموت هو توقف الدماغ عن العمل و إنعدام المؤشرات العصبية منه و الذي أخذ مصطلح ( الموت الدماغي ).

صور اشخاص قبل الموت وبعده مباشرة
هل الموت مخيف؟ .. صور لاشخاص قبيل وبعد موتهم مباشرة .. يبدو انهم مجرد نائمون ومرتاحون!

و لكن على ما يبدو أن الموت يأبى أن نجد له تعريفاً فيجعلنا نقف عاجزين عن فهم كنهه كما نحن عاجزين عن إيقافه ، فقد نشرت مجلة نيوز ويك الأمريكية بحثاً خلُص إلى أن الإدراك و الوعي لا ينعدم تماماً بعد الموت ، و يقول عن ذلك رئيس أبحاث العناية المكثفة و الإنعاش بجامعة نيويورك د. سام بارنيا أن هناك مراكز في الدماغ تزداد نشاطاً بعد الموت بشكل غير إعتيادي ، و ان ذلك يختلف من شخص لآخر ، فالبعض استمرت تلك المراكز الدماغية في العمل لساعات قبل موتها نهائيا ، و آخرون استمرت لدقائق قبل ان تنتهي و تموت ، و يقول كذلك ان هذه المراكز لم تتوقف في وقت واحد ، بل ماتت بالتدريج حتى إنعدم نشاطها بشكل كامل .

و يذكر كذلك أستاذ علم الأحياء الدقيقة في جامعة واشنطن د. بيتر نوبل أن العلماء الذين يجرون اختبارات على الجثث البشرية وجدوا جينات تنشط بعد موت الجسد من حينٍ لآخر ، وقد أجرى د. نوبل وأطباء آخرون دراسة عميقة عام 2017م  اكتشفوا فيها أن أكثر من (1063) جيناً تبقى في حالة نشاط بعد الموت ، وما يثير الدهشة وفقاً لكلامه أن النشاط لم يكن يتبدد  بل أخذ في الإرتفاع طوال مدة المراقبة .

يذكر كذلك د. بارنيا كثيراً من التجارب الغريبة التي واجهها في أقسام العناية المركزة ، لأشخاص كانوا يخبروه انهم كانوا يشاهدونه أثناء إنعاشه القلبي و الرئوي لهم من أحد زوايا الغرفة أو من سقفها و كانوا دقيقين في رواياتهم بشكل لا يصدق عن تصرفات و أحاديث الأطباء و الممرضين وقتها ، و كأنهم كانوا معهم و مدركين لكل شيء .

blank
هناك قصص كثيرة عن خروج الروح من الجسد وعودتها اليه .. خصوصا في المستشفيات

نحن كذلك كثيراً ما نقرأ في تجارب غريبة في موقع كابوس لأشخاص يروون عن تجاربهم بعد توقف قلوبهم عن النبض و إجراء الإنعاش القلبي لهم ، و أنهم كانوا يشاهدون كل ما كان يجري حينها ، و كذلك تجارب أخرى لأشخاص كانوا في نومهم يشاهدون أجسادهم و من حولهم من الأقارب و يصفون كل ما كان يجري رغم نومهم في سباتٍ عميق .
و كم من قصص واقعية سمعنا عنها جميعاً و عاش أحداثها البعض منّا عن أناس ماتوا دماغياً و أعلن عن وفاتهم ثم عادوا إلى الحياة قبل أن يتم دفنهم أو حتى بعد دفنهم ، فتجدهم يقفون و ينفضون التراب عن أكفانهم .

لا أدري إذا كان بمقدوري تفسير ذلك ، إلا أني وجدت أن الأديان السماوية تُجمع على الفرق بين معنى النفس و الروح ، فالقرآن الكريم مثلاً يصف الموت بخروج النفس عن الجسد ، و يصنف الموت كأصغر و أكبر ، فالموت الأصغر هو خروج النفس عن الجسد أثناء النوم ثم عودتها بالصحيان ، بينما الموت الأكبر هو الذي تخرج النفس عن الجسد لكنها لا تعود ، بل تظل مرافقة للجسد و تسير بجانب الجسد حتى تدخل معها القبر . قال الله تعالى : {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى‏}‏ .

و النفس في القرآن الكريم هي ما يجري عليها الموت و القتل و حتى العذاب . {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموْتِ} { أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} { مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } .

بينما نجد الروح لا تُذكر إلا بالقداسة و التنزيه عن كل الصغائر و النقائص ، و هي ما كرم الله بها آدم و ذريته من بعده و كانت سبباً لأمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم .
قال تعالى :{ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } .

إذن يتضح ان النفس هي ذات الإنسان و هي ما يقع عليها الموت و يقع عليها العذاب في القيامة ، بينما الروح هي السبب في حياة الإنسان .
و يمكننا أن نقول أن جسد الإنسان يحمل النفس و الروح معاً ، و أن خروج النفس من الجسد هو السبب الأول في الموت سواءً كان أصغر ( النوم ) أو أكبر ( الموت الحقيقي ) ، بينما تبقى الروح في الجسد و لا يتحقق خروجها إلا بالموت الحقيقي .

blank
النفس تخرج من الجسد بينما تظل الروح قابعة في الجسد لفترة اطول

إذن قد يفسر ذلك ما خلصت إليه الأبحاث المذكورة آنفاً في مجلة نيوز ويك و يفسر سبب رؤية الأشخاص الذين يتوقف قلوبهم لكل ما يحصل أثناء إنعاشهم القلبي الرئوي ، و رؤية النائمين لما يجري حولهم أو حتى ما يجري بعيداً عنهم ، فالنفس تخرج من الجسد بينما تظل الروح قابعة في الجسد . و قد تظل الروح كامنة فترة أطول في الجسد حتى بعد حدوث الموت الحقيقي ، و يحدث أحياناً تفعليها في الجسد بأمر من الله و عودة النفس بسبب ذلك التفعيل و هذا ما قد يفسر عودة بعض الأشخاص للحياة بعد موتهم دماغياً .

قد يكون ذلك تفسيراً منطقياً ، و لكنه كذلك سيثير الخوف و القلق لدى القارئين و خاصة أولئك الذين يعانون من الخوف من الدفن حياً ( Taphophobia ) ، فكم هو الوقت الذي نستطيع أن نحكم يقيناً بأن الشخص قد مات فعلياً و لا خوف من عودته للحياة بعد دفنه في قبره . يقال أن جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة كان يخاف من دفنه حياً بعد موته ، و أوصى أن يظل جثمانه 12 يوماً قبل أن يتم دفنه .

مصادر :

الوعي بعد الوفاة السريرية اكبر دراسة علمية نشرت حتى الان

تاريخ النشر : 2020-01-25

guest
70 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى