أدب الرعب والعام

موت عادي

بقلم : عمر – المغرب
للتواصل : [email protected]

موت عادي
رمال .. لا أرى شيئاً غير الرمال

رمال .. لا أرى شيئاً غير الرمال ، كل ما يظهر في الأفق البعيد للصحراء هو اللون الأصفر المميز للكثبان الرملية التي تملأ الصحراء

الإنسان لا يعرف قيمة الشيء إلا إذا فقده .. هذا ما فكر فيه عمر .. و كل ما يريده ، ما قد يعطي أي شييء مقابله .. هو رشفة ماء فقط .. رشفة صغيرة من أجل إخماد نار العطش التي تلهب جوفه ، و تطغى على إدراكه و حواسه .. أحلامه كلها متعلقة بالمياه .. شلال ، ماء ، نهر ، بحر ، صنبور ، مطر .. لكن لا صنبور و لا أنهار و لا مطر في الصحراء .. فقط شمس حارقة تشبه نار الجحيم .

عمر ضائع في الصحراء لمدة لا تزيد عن اليوم ، في البداية و قبل أن يدرك أنه ضائع ، كان ما يزال يتحلى ببعض الأمل و الإيمان ” أنا لم أته ، من المستحيل أن أضيع ” لا يزال يعتقد أنه يعرف طريق العودة ، فمشى و مشى لكنه لم يهتدي إلى السبيل فاستسلم و ارتاح قليلاً ..

منذ مدة شاهد أفلاماً عن الضياع ، و سمع قصصاً عن المعاناة من الموت عطشاً في الحروب و المجاعات .. لكنه لا يمكن أن يضيع ، كلنا يعتقد أن ما يصيب الآخرين لا يمكن أن يصيبنا ، إنه تفاؤل أعمى ، و خداع للذات ، ربما نوع الغرور .. جميعنا مغرورون بعض الشيء ، لذلك لا نستعد لما يصيبنا .

بعد أن أدرك أنه لا يعرف طريق العودة ، شجع نفسه ثم ابستم بتفاؤل .. لم يفقد الأمل بعد ، إنه غائب منذ مدة قصيرة ربما ، و في أية لحظة سيعثر عليه أصدقاؤه ” هناك أناس يبحثون عني ” هذا ما فكر فيه .. انتظر و انتظر لكن لا شيء ، جاء الليل غلبه النوم فنام بعمق ..

في اليوم التالي فهم أنه مفقود ، و أنه و على الأغلب لن يتم العثور عليه ، فقد الأمل ثم بكى و بكى حتى أدرك أن بكاءه لم يفده في شيء .. فاشتد به الغضب ، ضرب الأرض بيديه ، سب كل من يعرف ، ثم دعا الله .. المثير للسخرية في الأمر هو أن عمر لم يصلي لله منذ سنوات ، لكن و في عز المحنة استنجد به و دعاه دعاءً صافياً نابعاً من القلب !! عجيب أمر الإنسان .. فهو واحد من أكثر الكائنات أنانية و حباً للذات ، لا يعرف الحب أو العطف أو الكرم إلا عندما تسوء أوضاعه ، فينتظر من الآخرين أن يساعدوه رغم أنه لم يساعد شخصاً في حياته ..

اشتد به العطش فلم يكن يعي ما يفعله ، استنفد آخر ما تبقى لديه من طاقة في ثورة غضبه ، ثم استلقى و تقبّل مصيره ..

لا أحد منكم يدرك ماهية الموت البطيء ، الشعور الشديد بالعطش ، عدم القدرة على النوم ، كل ما يحس به هو الألم ، أراد الانتحار لكن ذلك مستحيل ، كيف سيفعل ذلك ؟! زادت حدة الشمس فخلع ملابسه و استلقى ..

في الواقع النهايات السعيدة نادرة الحدوث ..

في اليوم الثالث مات عمر بعد معاناةٍ لا يتصورها إنسان ، معاناةٍ تشبه معاناة الحب ، من الصعب أن تعرف الحب لكن من السهل أن تعيشه و تفهمه .. لذلك إن لم تمت عطشاً في الصحراء فأنت لن تفهم يوماً ما مر به عمر من معاناة .. الجن العفاريت هراء .. الرعب الحقيقي هو أن تموت غرقاً أو عطشاً أو جوعاً .. هو عندما تشعر باليأس و تعرف أنك ميت لا محالة ، لكن لا شيء بوسعك فعله .. عندما يصبح الموت رحمةً لك .

تاريخ النشر : 2017-01-12

عمر

المغرب
guest
13 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى