أدب الرعب والعام

مِشط آسية

بقلم : عطعوط – اليمن

خرج السباح من الماء و أرتدى ثيابه ثم مشى على استعجال
خرج السباح من الماء و أرتدى ثيابه ثم مشى على استعجال

أثناء تفقدها لشقتها قالت في حوار مع ذاتها : الشيء الجميل في هذه الشقة هي هذه البلكونة
، إنها رائعة و نسيمها مشبع ببخار الماء ، سأجلس على هذا المقعد واستمتع بالنظر إلى النهر ، كم هو جميل زرقة الماء تعكس لون السماء ! تتخلله بعض الأسماك الصغيرة  و مجاميع من البط تطفو على سطحه.

الساعة الأن العاشرة صباحاً ، الأطفال في مدارسهم والعمال في أعمالهم ، لا أحد و هذا سبب هدوء النهر ، عدى هذا الشخص الذي يقف على حافة النهر ، أنه يخلع ثيابه ، بدأ يسبح ، من أين أتى ؟ لم الحظة قادم من أي طريق ،  بمفرده سأنتظر أشاهد ، هذا غريب أنه يقطع النهر ذهاباً و إياباً دون توقف.

ها هو غاص في عمق النهر ، ماذا يحدث ؟ مضت خمس دقائق و لم يظهر ، عشر دقائق ، عشرون ، أين ذهب ، هل غرق ؟ هل أصرخ ، و لكن لمن ؟ يا إلهي ، أين اختفت ثيابه ؟ لا أثر لها في الموضع الذي خلعها فيه ، إن شكله يشبه زوجي مراد تماماً ، لكن ما الذي سياتي بمراد في وقت مثل هذا من العمل و هو لا يأتي إلا في نهاية عطلة الأسبوع لبعد المسافة و زحمة المواصلات و ليس لديه سيارة ؟.

لقد حشرت نفسي بما لا يعنيني ، الأفضل أن أدخل و أنسى ما حدث ، سوف اتصل بمراد و أخبره بما حدث في النهر ، لا ، لا سيقول ما شأنك بذلك ، سأطوف في الشقة و أجري عليها بعض الترتيبات ، هذا المطبخ أفضل من السابق بكثير ، أدراج و رفوف واسعة و نظيفة تتسع لكل آواني الطهي. و تهوية شفط روائح الطبخ إلى الخارج ، هذا جيد ، كذلك هذا الصالون واسع بكنبات مريحة و شاشة تلفاز ، و ثلاجة تبريد ، أنه رائع ، و ثلاث غرف بالإضافة لوجود حمامين أثنين ، عكس ما كنا عليه بالشقة الضيقة السابقة ، يعني عندما نفكر أن ننجب أولاد لا توجد أي مشكلة فلدينا متسع ، سأعود إلى البلكونة ربما تكن فرق الإنقاذ قد حضرت لإخراج الغريق.

ماذا أرى ، إنه يسبح و يتجه نحو ثيابه ، ها هي في موضعها ، أنه هو نفسه و ليس شخص آخر ، هل كان طوال هذه المدة تحت الماء ؟ غير معقول ! بدأ يرتدي ثيابه ، ليس لديه أي متعلقات ، أنه يمشي باتجاه الحاجز الإسمنتي ، كيف سيصعد و ليس فيه درج و لا سلالم ، ماذا حدث ؟ لقد دخل في الجدار و اختف ، سأدلك عيناي بيدي كي أرى جيداً ، لم يعد للشخص أثر ، كيف دخل في هذه الخرسانة ؟ لا يوجد فتحة فيها و فوقها مباني شاهقة ، ربما يوجد باب أو نفق ، سأذهب غداً و أنظر ، سأجلس لأشاهد المباراة فقد أقترب موعد انطلاق التصفيات ، رن الجرس ، أهلاً ، هل أتيتي بالجبن إلى جانب اللبن ؟.

 – نعم ، ولكن سيرتفع الثمن.
– لا عليك ، خذي.
– انتظري ؟.
– ما أسمك ؟ .
– فردوس ، و ينادوني دوسي ، و أنتِ يا سيدتي ما أسمك ؟.
– فريال.
أخبريني يا دوسي ، هذا النهر ،  هل يقوم أحد في السباحة فيه ؟.
– لا يا سيدتي ، الحكومة منعت السباحة فيه لسبب لا أعلمه ، و إن حدث و سبح فيه أحد تعاقبه بالحبس و الغرامة ، لا تفكري في السباحة فيه.
– رافقتك السلامة ، أذهبي.

هكذا بدأت فريال حياتها في الشقة الجديدة بعد أن تركة الشقة القديمة ، بسبب ذلك القط الأسود الذي كان يظهر في المطبخ بين الحين والأخر بمنظرة المخيف ، خصوصاً ليلاً ، فقد كانت فريال تُحكم أغلاق المطبخ والنوافذ و لا تدع أي ثقب كي لا يدخل منه القط ، و لكن دون جدوى ، فبمجرد أن تفتح باب المطبخ تشاهد هذا القط داخل المطبخ فيخرج مسرعاً من الباب ، و سبب لها رعب و قلق ، فبدأ مراد بالبحث عن شقة و بعد جهد وعناء عثر على هذه الشقة في موقع جميل وعلى نهر و في الدور الثاني ، إلا أنها بعيدة جداً عن مقر عمله و تبعد مسافة أربعين كيلو متر ، فكان مراد يأتي إلى البيت الخميس ظهراً و يذهب السبت صباحاً.
باتت فريال ليلتها و خيالها يسبح مع من كان على النهر يسبح ، دارت في رأسها عدة أسئلة لم تجد لها إجابة.

استيقظت الصباح و نزلت السوق ، أحضرت متطلبات المطبخ ، اقتربت الساعة من التاسعة والنصف ، غادرت الشقة و في السلالم صادفت دوسي آتيه باللبن ، فعادت معها إلى الشقة و أدخلتها ، كانت دوسي مستعجلة لتوزيع بقية اللبن للشقق الأخرى ، طلبت منها فريال الانتظار بإلحاح حتى تحضر لها كوباً من الشاي ، أحضرت الشاي و فتحت البلكونة و قالت : تفضلي يا دوسي نشرب الشاي في البلكونة و نستمتع بمنظر النهر ، وافقت دوسي و جلست إلى جوارها و أخذت في ارتشاف كوب الشاي.

فقالت فريال : انظري يا دوسي هدوء النهر .
كانت فريال قد شاهدت الشخص بعد أن خلع ثيابه و بدأ السباحة في النهر.
فقالت: ألم تخبريني يا دوسي أن السباحة في هذا المكان من النهر ممنوعة من الحكومة ؟.
 قالت : نعم ممنوع ، و لا أحد يقوم بالسباحة هنا.
استغربت فريال فقالت : و هذا الذي تشاهدين الأن على النهر ماذا يكون ؟.
قالت: إنها البط و بعض الطيور دائماً تعوم ، أستأذنك يا سيدتي ، شكراً على الشاي ، نلتقي .
– سنخرج مع بعض .

خرجت فريال ، و عند باب العمارة فارقتها دوسي و دخلت العمارة المجاورة ، بينما توجهت فريال إلى شاطئ النهر المجاور لترى المكان الذي دخل فيه الشخص بعد أن خرج من النهر ، وصلت فاستقامة ممسكة على قضبان كرونيش مطل على النهر ، فشاهدت الشخص لا يزال يعوم ، فنظرت إلى المكان الذي دخل فيه فوجدته خرسانة إسمنتية صماء ملساء لا توجد فيها أي فتحة ، التفتت إلى بائع متجول فاشترت بعض علك اللبان و أخذت تلوك فيها و هي مستقيمة في نفس المكان ، خرج السباح من الماء  و أرتدى ثيابه ثم مشى على استعجال ،  لكنه لم يأتي إلى نفس المكان  بل توجه إلى الخرسانة التي تحت العمارة التي تسكن فيها فريال ، فدخل في الحائط ، أيقنت فريال أن ما تراه ليس بشر ، و قررت أن تتخذ مزيد من الحذر.

و عند عودتها اشترت قفل و أقفلت باب البلوكنة و وضعت لاصق عاكس على زجاج الشباك حتى لا ترى النهر ، أجرت مكالمة هاتفيه بمراد و أخبرها بأنه على ما يرام و أنه سياتي غداً الخميس ، في المساء شعرت بتوتر و قلق ، قلبت قنوات التلفاز ، حاولت حل بعض الألغاز في مجلة ، و لكن دون جدوى فقد سيطرت عليها الوسواس ، من يكون هذا السباح  صاحب البذلة الزرقاء و القميص الأبيض و ربطة العنق الحمراء ؟

إن هذه البذلة هي نفس البذلة التي يرتديها زوجي مراد ، تذكرت جارتها جيهان الذي تسكن مع بناتها الشقة المجاورة بينما زوجها هاجر للاغتراب ، فاتصلت بها و طلبت منها الحضور مع بناتها لتناول العشاء ، أجابت جيهان الدعوة فحضرت مع بناتها مسرعة ، شعرت فريال عند حضورهن بالأمان ، فذهبت إلى المطبخ مع جيهان بينما بقين البنات يشاهدن مسلسل ، أثناء طهي الطعام تبادلت فريال مع جيهان الكلام ، فأخبرتها بما يساورها من قلق  بسبب ما تراه على النهر و ما كانت تعانيه في الشقة السابقة بسبب القط.

 
فأخبرتها جيهان بأن لهذا الموضع من النهر ارتباط بما حدث لجنود فرعون و هامان ، عندما غرقوا أثناء تعقبهم نبي الله موسى و قومه ، و أن هناك أخبار تتناقلها الأجيال مفادها أن روح فرعون الشريرة تغوص في أعماق النهر تبحث عن جنوده ، و أنه يظهر لمن يراه دون سواه ، و البعض يقول أن سيدنا يوسف عليه السلام دُفن في قاع النهر ، و أن أرواح إخوته تحوم في النهر تبحث عنه لطلب سماحة من الجرم الذي اقترفوه بإلقائه في البئر عندما كان طفلاً ، والله أعلم .

سمعت فريال ما قالت جيهان فأفلتت من يدها أدوات الطهي ، فقد حصلت على جواب السؤال ، فطلبت منها جيهان أن تخبرها عند مشاهدته كي تحضر لرؤيته وهو يسبح ، بعد تناول العشاء أقترب موعد النوم ، فطلبت فريال من جيهان أن تبات معها أو تبقي احدى بناتها لتأنس وحدتها ، باتت جيهان إلى جانب فريال ، فحكت لها قصص و روايات للجن والجنيات العاشقات و كيف يُكتب على من بُلي بأسواء خاتمة  من مس و جنان وعلل الأبدان ، فزاد توتر فريال فكانت قاب قوسين من الجنان ، بعد تناول طعام الفطار و مع اقتراب الساعة العاشرة طلبت جيهان من فريال أن تفتح البلكونة فهي مشتاقة لرؤية الروح الفرعونية ، جلست جيهان محدقة تنتظر لحظة ظهوره ، و لكنها لم تشاهده .

نادت فريال و طلبت منها الحضور لترى ما إذا كان موجود على النهر ؟.
حضرت فقالت: ها هو بالقرب من القارب ، لقد غاص تحت القارب ، آلا ترينه ؟.
قالت جيهان : كلا ، أنا لم أراه .
ذهبت جيهان فأحضرت بناتها الثلاث لمشاهدة النهر و لم تخبرهن بالشخص .
– قُلن النهر جميل و القارب والبط عليه و أسماك الوزف ، لو كان العوم فيه مسموح لنزلنا فيه نغوص.

تبادلت فريال و جيهان النظرات و رآين أنه من الأنسب عدم إخبار البنات ،  في الظهر حضر مراد حسب المعتاد ، فقضى مع فريال ليلتان من أجمل الليالي ، لم تخبره بما جرى ، فقد خشيت أن يتهمها بالجنون ، ففضلت الاستمرار في الكتمان ، أستمر مراد في عمله فني لحام ، بدخل يكفيه و يدخر جزء منه ، تجاهلت فريال وجود البلكونة فلم تعد تعنيها بعد أن أقفلتها بل تجاهلت وجود النهر برمته ، و ذات يوم أتت اليها جيهان فطلبت منها فتح البلكونة .

 فقالت فريال : مفتاحها ضاع و لم نعد نحتاج اليها.
فسألتها : هل ما زلت ترى ذلك الشخص في النهر؟.
قالت : لم يعد يهمني ذلك ، و قد تركت النظر للنهر بالمرة.
قالت:  أن البنات قد سبقنني إلى سطح العمارة فأتيت لأخذك كي نصعد و نشاهد المسابقة. 
– مسابقة ماذا يا جيهان ؟.
– مسابقة رياضة القوارب ستنطلق العاشرة في النهر.
أقنعتها بالصعود فصعدت معها ، فكانت أغلب نساء العمارة قد صعدن إلى السطح ، بدأت فعاليات السباق بتواجد قوارب الإشارة الصفراء على جانبي النهر ، تعمدت فريال البقاء في الجانب الأخر لسطح العمارة كي لا تنظر إلى النهر إلا عند مرور قوارب السباق ، و عند سماعها التصفيق والصياح أطلت على النهر ، فكان الرياضيين على القوارب في سباق مع الزمن من يسبق الأخرين كي يحرز المركز الأول. بدأت فريال بالاستمتاع و تفاعلت ، اقتربت القوارب من محاذاة الموضع الذي يخلع فيه الشخص ثيابه و ينزل النهر ، جأءة لمحت فريال هذا الشخص في نفس المكان  و بنفس الملابس و قد خلعها مستعجل و نزل في النهر و سبح بموازاة القوارب ، فتمنت فريال أن يصدمه قارب من القوارب ، فركزت نظرها عليه ، بحثت جيهان عنها فاتت و وقفت إلى جانبها و همست في إذنها : هل ظهر ذلك الشخص ؟.

قالت : نعم ، انظري ها هو بين القاربين المتقدمين. ، يا إلهي إن القارب عبر على جسده و لم يتأثر .
قالت جيهان : لم أراه البته .

أخرجت فريال كاميرا فيديو رقمية و قامت بتصوير السباق ، و كانت تصوب الكاميرا نحو الموضع الذي يتواجد فيه و وضعتها على أعلى رقم تكبير و تقريب ، غاب المتسابقون عن الأنظار فعادت فريال إلى الشقة مستعجلة ، فقامت باستعراض ما صورته ، فلم تجد لهذا الشخص أي أثر في المقطع رغم وضوح التصوير ، فتجاهلت الأمر و لم تعيره اهتمام  ، شعرت فريال بملل و فراغ فعرضت على مراد أن يسمح لها بالنزول و البحث عن عمل ، و بعد جهد وافق على مضض ، فهي ليست بحاجة للعمل طالما كل شيء لديها موفر ،

طافت على المحلات فعثرت على عمل في محل خياطة ، عملت عدة أيام ثم تركت العمل فيه بعد أن لاحظة إتيان بعض مرتاديه من الشباب أمور مخلة بالآداب ، عاد لها الفراغ والملل فبحثت عن عمل من جديد ، فعثرت على عمل لدى سيدة فاضلة في حمامات سُخنة خاصة بالنساء قريبة من العمارة التي فيها شقتها ، فكان العمل فيها مقسم على نوبتين ، الأولى تبدأ من العاشرة صباحاً إلى الثانية ظهراً ، و الثانية تبدأ من الخامسة عصراً إلى التاسعة مساء.

فكان دوام فريال الفترة المسائية يقتصر على الجلوس على مقعد و أمامها درج في مدخل الحمامات تقوم باستلام الرسوم و تدوين الحسابات و مراقبة النساء الداخلات والخارجات ، بينما تتولى منظفة تنظيف و كنس الحمامات ، فكان عمل مريح ليس فيه عناء ، أحست فريال بسعادة واستعاد جسمها حيويته و نشاطه ، بعد أن اختلطت مع النساء صغار وكبار من مختلف الأعمار تبادلهن الابتسامات وتشاركهن الضحكات ، فأغلب النساء اللواتي يرتدن الحمامات يكن شغوفات مرحات .
2
 
في الأسبوع الثاني من العمل في يوم الاثنين بالتحديد ، اقتربت الساعة من التاسعة مساء فاقترب موعد إغلاق المحل ، نادت على المنظفة كنسة و شطبت و على باب الحمامات تنحت منتظرة فريال تغلق درج الحساب ، و بعد أن تخرج تقوم بإغلاق الباب ، في هذه الأثناء لمحت فريال في قاعت الحمامات أمرأة ترتدي ثياب زرقاء و هي تخلع ثيابها ثم دخلت تستحم ، فنادتها فريال قائلة : يا ست أستحمي بعجل ، سنغلق المحل.

ثم نادت المنظفة : لماذا سمحتي لها بالدخول ؟.
لم تجيب المنظفة ربما لم تسمع كونها على عتبة الباب من الخارج.

خرجت المرأة من الحمام و ارتدت ثيابها على مراء من فريال ثم مشت نحو الحائط و ليس نحو الباب ، ظنت فريال أنها نست بعض متعلقاتها في الحمام ، فانتظرت عودتها و لكنها لم تعود ، نادت و كررت و لم يجيبها أحد ، أمرت المنظفة بالدخول إلى الحمامات لإخراجها ، فدخلة و بحثت في كل أرجاء الحمامات فلم تعثر على أحد ، أغلقت فريال الدرج و دخلت و ففتشت الحمامات بدقة فلم تعثر على أحد ، فاستغربت ! ثم أغلقت الحمامات و سلّمت المحصول ، و إلى شقتها عادت و باتت ليلتها مهمومة مغمومة ، فهي لم تلاحظ المرأة لحظة دخولها و لا لحظة خروجها و إنما شاهدتها أثناء خلع و ارتداء ثيابها ، كتمت الأمر و حاولت كتمانه حتى عن نفسها ،

أستمرت في عملها مرحة مسرورة ، و ذات ليلة و قبل أن تقوم بإغلاق المحل شاهدة تلك المرأة بذاتها و هي تخلع ثيابها و تدخل الحمام ، قالت في نفسها : إنها نفس اللحظة والتوقيت و اليوم نفسه ، الاثنين و نفس الملابس الزرقاء ، فانتظرت لحظة ارتدائها الثياب فتقدمة إلى جوارها ، فرأت فيها ما ليس له وجود عند نظيراتها من النساء

، طول غير مألوف في أصابع اليدين و الساعدين ، و نحافة بالغة في الساقين ، و انبعاج و زرقة في العينين كأنها قعر سماء ، استمرت في ارتداء ثيابها و كأنها لم تراها أو تحس بوجودها ، أتمت فمشت نحو الحائط فدخلت فيه واختفت ، أحست فريال برعب شديد ، فنادت عليها المنظفة : يا ستي لماذا أنتِ واقفة ؟ عن ماذا تبحثين ؟ ، لم ترد ، فاقتربت منها فلمستها ففزعت كأنها صحت من منام .

– ماذا بكِ ؟.
– لا شيء ، شعرت بدوار في رأسي و قد
زال ، الأن أنا بخير.

كتمت الأمر عن المنظفة فأغلقت المحل  وسلمت الحصة و عادت إلى الشقة ، فخلت بنفسها و قامت برسم خطة للمرة القادمة ، قامت بتدوين أسماء النساء اللاتي يدخلن الحمام  و من خرجت أشارت أمام أسمها خروج ، و في نفس التوقيت ظهرت هذه المرأة.
فاطلعت فريال على السجل فوجدت جميع النساء اللاتي دخلن قد تم التأشير أمام أسمائهن خروج ، و لم يبقى داخل الحمامات أحد ، فنادت على المنظفة : هل بقي داخل الحمامات أحد؟.

قالت : لا يوجد أحد ، كانت فريال تشاهد المرآة بينما المنظفة لا تراها.
عرفت فريال أنها ليست من جنس البشر و أنها تظهر لها دون غيرها ، و لها ارتباط بالشخص الذي يسبح في النهر ، فقررت عدم التعرض لها أو الكلام عنها.

و أثناء عودتها مرت على أمرأة عجوز مسنة عمرها قد تجاوز المئة و قد اعتادت أن تمر عليها في الذهاب والإياب فتطلِع على احتياجاتها بغرض كسب الأجر و الثواب ، فطلبت منها أن تصحبها إلى الشقة كي تأنسها من الوحشة ، لم تمانع العجوز فذهبت معها ، فأكرمتها و أجلستها على الكنبة و استمعت اليها بإنصات عما حدث و يحدث في الأزقة والشوارع و الحارات والمحلات.

ثم قالت : و أنت يا أبنتي أين تعملي ؟.
فأخبرتها بأنها عملها في الحمامات المجاورة لدكانها.
فقالت : أعلمي يا أبنتي فريال أنها توجد أمرأة صالحة تظهر في الحمامات ، و أنها لا تظهر إلا على الصالحين ، و إن من رآها حلت عليه البركة إلى يوم الدين ، و إن من كانت تراها و لم تكتم يقومون مُلاك الحمامات بتغييرها من عملها كي لا تتشوه سمعة الحمامات فيعزف الناس عن ارتياده ، و يُقال فيما يُقال من أخبار تناقلتها الأجيال : أن روح آسية زوجت فرعون تأتي كل يوم اثنين فتغتسل من ذنب فرعون في تلك الحمامات .

و أن آسية استقامت واقفة في نفس المكان الذي بنية عليه الحمامات و كانت تدافع عن موسى و قومه و تظلل فرعون و جنوده ، و تقول : لم يمر موسى و قومه من هذ الطريق ، تريد أن تدفع جنود فرعون بعيداً عن إلحاق الأذى بموسى و قومه ، شعرة فريال ببعض الطمأنينة بعد سماع هذا الحديث.

أستمرت فريال بالعمل فكانت لا تغلق المحل يوم الاثنين إلا بعد أن ترى تلك المرآة تغادر الحمام عبر الجدار ، تضاعف دخل الحمام بعد أن تضاعف عدد مرتاديه من النساء فتضاعف أجر فريال ، فاشترت سيارة و عرضت على مراد استخدامها في ذهابه و إيابه بسبب طول مشواره فأبى ، فاشترى سيارة خاصة به ، تحسنت ظروفهم المادية ، فتشاورا فيما بينهما فأستقر رأيهما على أن وقت الإنجاب قد حان .
 
3
 
في احدى النوبات بينما كانت فريال تستعد لإغلاق الحمامات بعد أن رأت المرآة ترتدي الثياب وهي تنظر إليها ، فأشارت اليها أن تأتي اليها ، فنهضت من على الدرج و اقتربت منها يعتريها خوف شديد ، فوقفت على بُعد خطوات ، فقالت : تفضلي ،  و مدت  يدها اليها و فيها مشط شعر : خذي هذا المشط ، احتفظي به ، حتى اذا وقعت في ضائقة  أو محنة ما عليك إلا أن تمشطي فيه شعرك فتفرج ضائقتك و تزول محنتك و ينجلي كربك ، و أحذري أن يقع بيد غيرك.

أخذته و وضعته في حقيبتها ، ثم رفعت رأسها فلم تجد المرأة أمامها ، كتمت سرها و عادت إلى شقتها و نظرة إلى المشط فوجدته مشط صغير ذهبي فيه خمس أسنان فقط ، مقوس كالخنجر بلون أصفر ، فأخفته بين الثياب في قعر الدولاب ، في الصباح فتحة الدولاب : يا إلهي ما الذي أرى ! لقد أصبحت جميع ثيابي زرقاء عدى فردة الحذاء ، حتى حقيبة الكتف و مناديل الكف .

ارتدت أحد الفساتين و ذهبت للعمل ، فكانت في قمة الجمال والروعة ، فانهالت عليها أسئلة النساء : بكم ، من أين ؟ دلينا على العنوان ؟.

احتارت فريال و بحثت عن جواب ، فقالت: إنه هديه أتت به صديقة من دولة أجنبية.
في نهاية الدوام ظهرة المرأة في الحمام و نظرة إلى فريال فتبسمت ، لقد كان ما ترتديه هو نسخة طبق الأصل من فستانها.

أتت المنظفة و بيدها دعوة أعطتها فريال ، قرأت المكتوب و إذا بها دعوة من صاحبة المحل تدعو فيها فريال لحضور حفلة خطوبة أبنتها ريتاج على رجل الأعمال بُرهان ، الساعة العاشرة مساء الإثنين في كبرية الأعراس.

كانت المرأة لا تزال واقفة فأشارت بيدها لفريال بعدم إجابة الدعوة ثم اختفت.
فهمت فريال الإشارة لكنها أضمرت في صدرها الذهاب والمخالفة ، اشترت هدية ثمينة و عند الحضور كان قد سبقها معظم المدعوون فكانت القاعة شبة ممتلئة  و أنوار الزينة تومض .
وعند دخولها سطعت الأضواء وتركزت حول فريال يمينها و الشمال ، فحُدقت صوبها أعين الحاضرين فظهرت فريدة مميزة غريبة ، عم الصمت على القاعة فتقدمت نحو العرسان مرتدية فستانها الأزرق شديد اللمعان ،

 فقبلت ريتاج بحرارة و سلمتها هدية مختارة  و منحتها برهان شبه ابتسامة ، ثم استدارت و على أحد الكراسي قعدت ، فدوت القاعة بتصفيق ، تناول الحضور الشراب ، اشتغلت الموسيقى و بدأ الحاضرون بالتوافد إلى مكان الرقص ، وجدت فريال نفسها على الطاولة بمفردها ، فهي أتت الفرح لوحدها لم تأتي بحبيبها كالباقيات ، شعرت ببعض الخجل من نظرات البعض ، فلمحت على مدخل القاعة رجل داخل بمفردة و اقترب ،  يا إلهي أنه الشخص الذي يسبح في النهر ! لا ، لا يمكن شبهه ، خالجت فريال الأفكار .

 تقدم و صافح العرسان و قدم هديتين و باقتي ورد ، ثم عاد و جلس على نفس الطاولة مقابل فريال ، نظرة اليه فريال بذهول فهو يرتدي نفس البذلة الزرقاء و ربطة العنق الحمراء ، إن لون ما يرتديه هو نفس لون ما ارتديه ! سيظن الحاضرون إنه حبيبي  ، أنا فعلاً في موقف محرج.

حضرت والدت ريتاج و بيدها كأسان من الشراب.
فقالت : أخيراً حضر حبيبك يا فريال .
انعدم لدى فريال الجواب ، استقام و أشار بيده إلى القاعة و قال : هل تسمحي يا فريال ؟.
و بدون شعور وقفت فأمسك بيدي و طوق كتفي باليد الأخرى و إلى القاعة وصلنا ، بدأنا الرقص ، نظر الجميع الينا بانبهار ، وضعت رأسي على كتفه كي أخفي وجهي عن نظرات الأخرين.

همس في إذني : لماذا أنتِ بمفردك ، أين حبيبك ؟.
قلت : زوجي بالعمل و لم تأتيه دعوة ، و أنت أين حبيبتك ؟.
قال : لا حبيبة لي بعينها ، كل النساء تعشقني.
أحسست أن جسده خاوي فلا نبض فيه و ليس له وزن يُذكر ، فقد داس على قدمي فلم أحس بقدمه إلا كورقة سقطت من شجرة.

اشتد الرقص والصخب ، فانسحبت من بين ذراعيه و جلست على الطاولة .
فوقف وسط الحفل و أخرج من جيبه ثلاث رزم فلوس و نثرها على رؤوس الحاضرين الذين تهافتوا لالتقاطها هاتفين : تسلم يا باشا .
عاد و جلس على الطاولة أمامي ، فقال : خذي هذه الرزمة لكِ لأنك لم تلتقطي ما وقع حولك.

– شكراً ، لست بحاجة إليها ، فنهضت و غادرت الحفل قبل نهايته.
لحقتني أُم ريتاج إلى نهاية الممر : لماذا تتركين الحفل ، هل أغضبك أحد ؟.
قلت لها : نعم ، تضايقت من تصرفات الرجل صاحب الرزم.
– أليس هو زوجك يا فريال ؟ .
– لا ، أنا لا أعرفه إلا هذ المساء .

كذلك أنا ظننته زوجك ولم أرسل له دعوه ، ربما برهان دعاه ، سأسأله عنه.
عادت والدت ريتاج إلى الحفل و تحركت أنا بسيارتي نحو شقتي .
رن الهاتف ، إنها أم ريتاج ، نعم .
– عُدت فلم أجد ذلك الرجل على الطاولة و لا بين الحاضرين ، سألت برهان إن كان يعرفه ؟ قال : لا ، و لم يكن ضمن المدعوين .

استغربت و استمريت في السير ، كان الوقت منتصف الليل ، أخذت تقاطع يمين نحو الشارع الذي فيه العمارة التي شقتي فيها ، فظهر من ظل الإنارة فجأة ذات الشخص قطع الخط مسرع ، دُست بريك الفرامل دون جدوى ، فدهسته و لم أتوقف إلا بعد عدة أمتار ، ركنت السيارة على الرصيف فنزلت مرعوبة و اتجهت نحو مكان الحادث كي أرى ما حل به ، كانت قد ركنت خلفي مباشرة سيارة نزل سائقها.

قال وهو غاضب : كيف تقفين وسط الخط فجأة ؟ كنت ستسببين بحادث .
قُلت : هل صدمته أنت أيضاً ، أين هو ؟.
و سرت إلى الخط و بحثت عن الشخص فلم أجد له أثر .
لحقني السائق و قال : عن ماذا تبحثين ؟.
قلت : شخص صدمته في هذا المكان يلبس بدلة زرقاء.

نظر اليا … ثم اخرج الهاتف واتصل بالشرطة… فقال هناء سيارة تقودها أمرآة واقفه في التقاطع تدعي انها صدمة شخص بينما لم نرى احد في الشارع وهي بمفردها ويبدوا انها فاقده صوابها… صرخت في وجهه وقلت ماذا فعلت…. قال عملت الذي عليا والباقي عليهم … لا تغادري المكان رقمك معاهم…. فذهب … وبقيت محتارة….

تذكرت المشط … بسرعة ركبت السيارة واتجهت الى الشقة ادخلت السيارة القراش وصعدت وفي منتصف الدرج سمعت صوت سيارة النجدة… دخلت فتحت دولاب الثياب
أخذت المشط بسرعة و مشطت شعري فأنكسر أحد أسنان المشط  ، فرن جرس الباب و فتحت فإذا بشرطي يقف و بيده حقيبتي ، فقال : تفضلي ، هذه الحقيبة وقعت من سيارتك أثناء مرورك في التقاطع.

كان وصلنا بلاغ بوقوع حادث فتبين أنها حقيبتك التي وقعت على الخط و لم نجد أي شخص مصدوم ، أخذت الحقيبة و أنا متصلبة لم اقوى على الرد بأي كلمة و اكتفيت بهز راسي تعبيراً عن شكري ، ما هذا الذي جرى لي ؟ جلست على الكنبة مرهقة مستغرقة الخيال و المشط بيدي ، قمت فأعدته إلى موضعه في الدولاب بين الثياب ، لقد كان هو الذي أخرجني من مأزقي ، ثم نزلت إلى المراب أتفقد السيارة ، فوجدت الحقيبة بداخلها ،  ما هذا ، أيعقل ما يحصل ، ربما أتوني بحقيبة ليست حقيبتي .

أخذت الحقيبة و أغلقت السيارة و صعدت أول درج ، رن الهاتف ، إنه مراد ، سألني : هل عدت من الحفل ؟ قلت : نعم ، فقال : الحمد لله ، تصبحي على خير ، أنت من أهله .
 فتحت باب الشقة فشاهدت مراد يجلس على الكنبة في الصالون ، دُخت فوقعت على الأرض مغشي علي ، مع أذان الفجر صحوت و وجدت نفسي ممددة على سريري متجردة من ثيابي ، شعرت أني عدت من عالم آخر غير عالمي.

بحركة بطيئة اتجهت نحو مفتاح النور فضغطته ، ولعت الغرفة ، كنت أشعر بتعب و ثقل في الحركة ، خجلت من وضعي الذي أنا فيه ، فاقتربت من السرير وارتديت ملابسي الموضوعة عليه.

ناديت : يا مراد هل أنت في الحمام ؟.
وجدت باب الشقة مقفل ، لم أجد أي أثر لمراد يدل على تواجده .
أخذت الهاتف و أتصلت على مراد عدة مرات و لكنه لم يرد.
دخلت الحمام و استحميت لعلي استفيق  ، استعدت بعض نشاطي و بحثت عن الحقيبة الآخر فلم أجدها .

مع الساعة الثامنة رن الهاتف ، أجبت ، إنه مراد : – لماذا أتصلتي وقت الفجر؟.
قُلت : أنا مخاصماك يا مراد ، كيف تأتي منتصف الليل و تذهب قبل الفجر دون أن تيقظني أعطيك فطارك ، ما الذي جرى لك ؟.
قال : سلامة عقلك ، ماذا تقولين ؟ أنا لم أتي اليك ، هل أنت بخير ؟.
فتداركت الموقف و قلت : كان ذلك حلم حلمته … و كتمت الأمر.
في يوم الجمعة ذهبنا نزهة إلى الأهرامات حسب رغبة مراد بسيارته و التقطنا صور أمام التماثيل .

دخل مراد الهرم الأكبر و بقيت أنا في الخارج ، بعد دقائق خرج مراد فمشيت خلفه ، فتخطى منتزه الألعاب و أقترب من الخلاء و لم يلتفت ، و قفت وقلت : إلى أين أنت ذاهب ؟ فلم يرد . فتلاشى فجأة و أختفى ، ارتعبت وعدت إلى الخلف ، فإذا بمراد يقف على باب الهرم يتلفت باحثاً عني .

قبضت على ذراعة و طلبت منه العودة ، أوصلني إلى باب العمارة و ذهب لزيارة بعض أقربائه ، دخلت الشقة فوجدت القط الأسود متربع على السرير ، فتحت دولاب الثياب و أخذت المشط فمشطت شعري فوقعت سن من أسنان المشط على الأرض بعد أن أنكسر ، فصاح القط و وقف على قدميه فتحول إلى دخان أبيض ما لبث أن تلاشى و أختفى .

مرت ثلاثة شهور على حملي وأنا مستمرة بعملي ، امتنعت عن قيادة سيارتي  بعد حادث الصدام الوهمي ، و في احدى الليال عدت من العمل فدخلت المطبخ لتحضير وجبة العشاء ، خرجت من المطبخ فتفاجأت بمراد يجلس في الصالون ! رن الجرس فتحت فإذا بجيهان تطلب بعض السُكر ، عدت إلى المطبخ فأحضرت سكر و أعطيتها و أغلقت الباب.

التفت إلى الصالون فلم أجد مراد ، دخلت غرفة النوم فوجدته مستلقي على السرير ، رن الجوال و ظهر على الشاشة اتصال من مراد ، ضغطت على زر مشغول ، فتحت الدولاب بسرعة ، أخذت المشط والتفت اليه و مشطت ، مباشرة أنكسر سن المشط ، فصاح بعد أن صعقه برق فاختفى .

لم أعد المشط إلى موضعه بل وضعته في الحقيبة ، فعاد لون كل فستان إلى سابق عهده .
في اليوم التالي فتحة البلكونة و نظرت إلى النهر فلم أجد الشخص الذي كان يسبح .
4

أقترب موعد ولادة فريال ، حضرت والدتها فأقامت معها ، أنجبت بنت أسمتها آسية ، بعد الولادة بفترة أتت إليها صاحبة الحمامات فأخبرتها بحدوث بعض الإشكالات في العمل بسبب وجود جثة احدى الفتيات في مرحاض أحد الحمامات ، و أقنعتها بالعودة للعمل و إيداع أبنتها في دار الحضانة.

انتهت الشرطة من التحقيقات و تبين أن صاحبة الجثة هي احدى المنظفات ، و بعد التشريح تبين أن سبب الوفاة بسبب صعقة كهربائية لم يتضح مصدرها ، تم إعادة فتح الحمامات واستمرت فريال في العمل .

فظهرت المرآة في ساحة الحمامات مساء الإثنين و أشارت بيدها إلى فريال بالحضور ، فاقتربت منها و رأت المشط مكسور الأسنان في يدها و قالت : كيف وصل اليك و هو في حقيبتي ؟.

فحكت لها قصة المنظفة بأنها سرقت المشط من حقيبتها أثناء زيارتها لها عند الولادة و كانت قد عرضته على أحد صاغة الذهب و نوت بيعة ، فكان جزائها إزهاق روحها و استعادة المشط منها ، خديه ، منذ هذه اللحظة صار ملكك بالمناصفة مع آسية ، مدت يدها فأخذته و أرادت شكرها و لكنها أختفت ، تذكرت فريال زيارة المنظفة لها و تركيز نظراتها على موضع حقيبتها ، و أثناء عودتها عرضت المشط على محل مجوهرات وطلبت فحصة ، فانذهل الصائغ و قال : هذا غير معقول ، إنه من الذهب الخالص و ثمنه باهض ، و عليه نقش تمثال أبو الهول ، يشير إلى العهد الفرعوني ، من أين و كيف حصلتِ عليه ؟.

أخذت فريال المشط وانصرفت مسرعة ، و مشت طريق متخفية خوفاً من تعرضها للسرقة.
كانت فريال تزور آسية كل خميس و جمعة برفقة مراد ، و بعد أن اطمئنت عليها قادت سيارتها في كل مشاويرها ، و عندما ظهرت المرأة تقدمت فريال نحوها مسرعة و قالت : انتظري من فضلك ، اخبريني عن قصة القط الذي كان يعترضني و الشخص الذي ظهر على سريري و على النهر يسبح ؟.

قالت : القط هو ذلك الطفل الذي أزهقتي حياته بمجرد ولادتك له و أدعيت أنه وُلد ميت ،
والشخص الذي رأيته يسبح و بات معك على السرير ، هو الطالب الجامعي الذي هام بك
و أظهرتي له حبك وعندما تقدم لخطبتك أهنتيه في منزلك و غيرت رأيك و تنكرتي لكل وعودك ،  فصُدم و حزن  و في أحد الأيام القى بنفسه في النهر و أنتحر ، و عندما نلتي قسطاً من الرُعب و أظهرتي توبتك و حسن نيتك و كتمتي أمري خلصتك مما تعاني ، فمنحتك مشطي الفرعوني ، ابتسمت فريال و قالت: ممكن أبيع المشط و أستفيد من ثمنه ؟.
قالت: نعم ، هو لك و لآسية.

– و لكن من أنت ؟ اختفت دون أن تجيبها.
أغلقت فريال الحمام و ذهبت لتسليم المحصول ،
فوجدت صاحبة المحل في أشر حال ، استحكم فيها مرض الرجفان ، فأخبرت فريال بعزمها بيع المحل لحاجتها للمال لكي تسافر إلى الخارج للعلاج ، و أن عليها القيام بالبحث عن مشتري .

كانت فريال قد أحست بحب و تعلق بالمحل  فحز عليها تركة و فراقه.
فقالت : و بكم تريدي بيعه ؟.
حددت لها الثمن ، فتذكرت المشط ذو الثمن الباهض ، فطلبت من مراد أن يرافقها و عرضت المشط على أكبر المحلات ، ففاق ثمنه ثمن الحمامات بكثير ، فاشترت الحمامات باسمها و أسم آسية ، و منذ ذلك الوقت لم تعد تظهر عليها المرأة في ساحة الحمامات ، فعاشت مع آسية عيشةٌ راضية ، بعد أن درت عليها الحمامات ربح وفير ، فاشترت أرض و بنت عليها عمارة و دار لرعاية الأيتام ، و تمنت من الله حسن الختام.
النهاية …..

رعى الله من قرأ و أثاب من علق ، و أحسن إلى من نشر و دقق ، و سلم من سلم الناس لسانه و يده ، و غفر لمن سمى و أستسمى و على النبي صلى.

  

تاريخ النشر : 2021-01-24

الفهد

اليمن . للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
27 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى