أدب الرعب والعام

نيران صديقة – الجزء الثاني

بقلم : وفاء سليمان – الجزائر

إن أردت أن تبقى ابنتك على قيد الحياة جهز المبلغ وانتظر اتصالي

وفجأة رن هاتف مارك المحمول ليجد أنه رقم مجهول ، كان سيغلق الهاتف لكن جايمس صاح به:

-أجب على المكالمة ربما للأمر علاقة بخطف الفتاة.

ضغط مارك زر الإجابة وإذا بصوت جهوري يتحدث:

– سيد مارك مضى زمن طويل.

وضع الهاتف على صوت المكبر بعد أن أشار له إدوارد بذلك وأجاب:

-من ؟ من أنت؟.

– لا أظنك تنسى الشخص الذي غير مجرى حياتك.

– لم أعرفك؟

فضحك ضحكة ساخرة وأضاف:

سأساعدك قليلاً ، قبل ست سنوات على الساحل عندما مات الكثير مع الأسف.

هل حللت اللغز؟.

نظر جايمس ومارك لبعضهما بصدمة و سرى الرعب بجسد مارك وصاح مذعوراً:

“الحوت”!

– جيد ، تلميذ شاطر ، أتعرف أنني لم أصدق عندما علمت أنك الحارس الشخصي لهدفي التالي ، سرّني أن أقابل مجدداً أصدقاء الماضي واعذرني لم أقصد أن يصيبك رجالي كان خطأ منهم ، اطمئن لقد عاقبتهم.

مارك مقاطعاً :

-أين الفتاة وماذا تريد؟.

-الفتاة بخير ، لست غبياً لأقضي على ذلك الجمال الفاتن ، أما ماذا أريد فأظنك تعلم؟

صاح توماس قائلاً:

-إن آذيت ابنتي فصدقني لن أرحمك.

هدأه جايمس وأومأ لمارك أن يكمل.

– لم أفهم؟ ماذا تريد؟ سأله مارك.

– سأضطر للشرح ، كم أكره هذه المهمة ، لا بأس لأجلك فقط ، أجاب “الحوت” ثم تابع قائلاً:

– للأسف كما يعلم الجميع أحكم أمن السواحل حماية جميع المرافئ والموانئ وأصبحت البواخر والسفن لا تمر إلا بإجراءات مشددة مما جعل تجارتي تكسد وبالتالي تضعف مصادر دخلي لذا فطلباتي كثيرة بعَدد أعضاء جسم الفتاة الصغيرة.

قهقه بصوت عال ثم أضاف:

كلما أنجزت لي مطلبا كلما حافظت على عضو من أعضائها والعكس ، برأيي أنك فهمت هذه المرة.

كاد أن يغمي على السيد توماس من هول الصدمة فأجلسه إدوارد على كرسي فيم تمالك مارك نفسه وأجاب بجدية:

-ما مطالبك ؟ فقط دع الفتاة وشأنها.

-ليس الآن ، اليوم فقط لتجديد عهد الصداقة القديم ،انتظر اتصالي غداً.

وأقفل سماعة الهاتف بعد أن أطلق ضحكة طويلة.

-إدوارد : حاول رجالي تتبع مصدر المكالمة ، لكن لا جدوى.

-جايمس : اللعنة ، يا له من وغد ! فقط لو استطعنا القضاء عليه سابقاً.

-سيد توماس ، تمالك نفسك لقد وعدتك.

واسى مارك توماس والتفت لإدوارد قائلاً:

– ماذا علينا أن نفعل ؟

– سننتظر مكالمته التالية ، لا حل آخر.

في الغد.

– مارك : ماذا تريد ؟

-واضح أنك مستعجل ، هذا ما أحبه فيك.

اسمع هناك شحنة من البضائع ستأتي عبر ميناء المدينة غداً ، ستتعرض كالعادة للتفتيش ، أريدها أن تمر و تستلم البضائع من الداخل دون أي مشاكل.

– وبعدها ستطلق سراح كارلا ؟ سأل توماس.

– بالعادة لا أحب التكرار ، أجاب “الحوت” وأضاف:

لا ، القائمة طويلة يا صاحبي ، إليك رقم الشحنة الآن ، ثم أغلق الخط..

سجل إدوارد الرقم وأعطاه لرجاله للاستقصاء عنها ، ثم قال لتوماس:

-هل تستطيع ذلك؟

-بصراحة أجل ، فصلاحياتي تؤهلني لذلك ، أجاب بتردد ثم أردف :

ولكن لم أرتكب خطأ خلال مسيرتي المهنية قط ، كيف…

قاطعه إدوارد:

– ما من خيار آخر ، إنه خطير ،سيؤذي ابنتك.

بعد يومين كانت المهمة قد نُفذت ودخلت الشحنة إلى البلاد دون أن يعلم أحد ماهية محتواها.

– وماذا الآن ؟ ، سأل توماس الحوت.

– تحرص على أن تصل البضاعة إلى الحدود وتتخطاها بكل سهولة ، ثم وجه كلامه لمارك :

-لم أسمع صوتك اليوم يا صديقي ، أتعلم ؟ المهمة الأخيرة ستكون تحديدا لك.

-أريد التأكد من أن الفتاة على قيد الحياة وإلا لن ننفذ لك شيئاً آخر ، قال مارك بغضب.

– طلباتك أوامر ، أجابه “الحوت” باستهزاء ، وبعد لحظات سمع الجميع صوت كارلا تطلب النجدة على الهاتف.

-عزيزتي ، هل أنت بخير؟ ، سأل توماس.

-كارلا…!!!!!

صاحت كاترين بعد أن فاجأت الجميع بحضورها فتوماس كان يتعمد إبعادها عن اجتماعاتهم كي لا تتعب نفسيتها أكثر.

-أمي .. أمي.. أخرجيني من هنا ، علا صوت كارلا ثم أغلق الخط.

بعد فترة داخل شقة مارك.

– لابد من إيقافه عند حده ، إنه يتلاعب بنا كالدمى , إننا نخرق الكثير من القوانين ونعرض الكثيرين للخطر بسببه ، صاح مارك بحنق.

– سيقتل الفتاة أنت تعلم ذلك ،لم يتبق سوى مهمة واحدة ، علينا أن نصبر ، أجابه جايمس مهدئاً.

وتابع قائلاً:

-أتعلم ، هناك شيء يريبني بالمسمى ، إدوارد كيف لمحقق له وزنه بالداخلية أن لا يعلم مصدر تلك الاتصالات , ولم يمسك ولو طرف خيط واحد يقودنا لمكان الفتاة.

– أتقصد أنه ربما يكون متواطئا مع “الحوت”..!!

– أتذكر منذ سنوات عندما حقق معنا ؟ انتبهت ساعتها إلى أنه كان ملماً بجميع التفاصيل حتى قبل أن نتكلم ، لكنني عزوت الأمر لسرعة بديهته وذكائه ، أما الآن فالشكوك تراودني حوله ، لا أجزم بشيء لكن الأمر مريب.

– حقاً ؟! كنت مرتاعاً مما حصل و ساعتها لم أنتبه.

سكت قليلاً ثم قال :

دع الأمر لي ، سأضعه تحت المراقبة.

حل يوم المهمة الأخيرة ، اجتمع الجميع منتظرين اتصال “الحوت” ترافقهم كاترين ، عندما رن هاتف مارك .

– أحسنتم جميعاً لقد نفذتم أوامري بحذافيرها ، سيد مارك وأخيراً سأتشرف بمقابلتك وجهاً لوجه.

– ما الذي تريده الآن؟.

– أريدك أن تأتيني ومعك مائة مليون أورو عداً ونقداً ، إن أحضرتها تركت الفتاة وهذا وعد مني أنا ، والحوت لا يخلف وعداً.

بدت على الجميع علامات الذهول ، فصاح توماس قائلاً :

– أنت تهذي ! من أين سآتي لك بهذا المبلغ من المال؟! إنني لا أملك نصفه حتى.

– لا شأن لي ، إن أردت أن تبقى ابنتك على قيد الحياة جهز المبلغ وانتظر اتصالي بعد أسبوع ، أظنه كافيا لك.

أمام مركز الشرطة..

– مارك ، أرى أنك هنا ! لم أتوقع يوماً أنك ستعود لهذا المكان من جديد ! لماذا أتيت..؟..

– أهلا جايمس ، أردت التأكد من شيء فقط ، ماذا أتى بك أنت ؟

– زيارة صديق ، تعلم أنه حتى لو تركت الشرطة فأن لي أصدقاء كثر هنا ، أجاب بابتسامة خفيفة ثم أضاف :

– عن ماذا أسفرت مراقبة إدوارد؟.

– لا شيء مهم ، لم أتأكد بعد ، أنا ذاهب لمنزل السيد توماس هل نذهب سوياً ؟

– ليس الأن ، ربما مساءً ، أبلغني آخر الأخبار ، إلى اللقاء.

كان مارك وتوماس يتحدثان حين دخلت كاترين.

– سأخرج لبعض الوقت ، قالت كاترين لزوجها.

– الوضع خطير وابنتك مخطوفة ، إلى أين؟.

– أمر مهم علي إنجازه ، إلى اللّقاء ، سأعود بسرعة.

تتبعها مارك بنظراته حتى توارت عن الأنظار ثم التفت للسيد توماس وقال :

– أتعني أنك جمعت المبلغ ؟.

-أجل ، رهنت جميع أملاكي وأملاك زوجتي و أخذت قروضاً من البنوك واستدنت من بعض الأصدقاء.

– جيد ، فحياة ابنتك أهم كما تعلم.

بعد يومين.

حضر الجميع لمنزل توماس الذي جهز حقائباً بالمبلغ ترقباً لاتصال “الحوت”.

رن هاتف مارك..

– سيد مارك ، أتعلم مدى حزني لأنه اليوم الأخير ، كنت قد بدأت أستمتع بهذه اللعبة ، دعنا من هذا الآن ، هل المبلغ جاهز..؟

– جاهز ، ولكن كيف لي أن أتأكد بأن كارلا لا زالت حية ؟

– لا خيار أمامك سوى الوثوق بكلامي ، والآن مكان تسليم المبلغ عند الميناء ، منتصف الليل ، وأخبر صديقك الشرطي أن الشرطة غير مرحب بها هناك ، ستأتي وحدك دون رفقة…وإلا…….

– حسناً ، سآتي لوحدي ، المهم أن تفي بوعدك.

– إدوارد بقلق : على ضوء الخيارات المتاحة لا حل أمامنا إلا أن نذعن له لأجل سلامة الفتاة.

نظر إليه جايمس بغيظ ثم وجه كلامه إلى مارك :

– هل أنت واثق من أنك تستطيع فعل ذلك وحدك ؟

– أجل ، اطمئن يا صديقي ، سأكون حذراً ثم تمتم قائلاً :

– الآن فقط بدأت اللّعبة….

وصل إلى المكان المتفق عليه قبل الموعد المحدد بنصف ساعة , كان الجو هادئاً والسكون مخيم على رصيف الميناء ، ترجل من السيارة تاركاً الحقائب داخلها و راح يتأمل منظر البحر آخذاً أنفاساً عميقة و مطوّلة يفكر ما إذا كان بإمكانه مواجهة ما هو قادم بعد قليل.

وفجأة أحس بالهواء يثقل من حوله ، نظر خلفه فإذا بعدّة سيارات تدخل الرصيف ، وماهي إلا لحظات حتى أحاطت به وفُتحت أبوابها ونزل منها العديد من الرجال المسلحين والتفوا حوله ، وبعد أن فتشوه وتأكدوا من أنه غير مسلح ، أومأ أحدهم لآخر و فُتح باب إحدى السيارات فترجل وصاح بهم قائلاً :

– أخفضوا أسلحتكم ، وخطى باتجاه مارك ، كان رجلاً ضخماً خشن الملامح بمنتصف العمر.

– جميل أن نلتقي ثانية ، فمع الأسف لقاؤنا الأول كان قصيراً للغاية.

رمقه مارك بنظرة استهتار ثم رد :

-أين الفتاة ؟

– موجودة ، أين المال؟

– جاهز ، لكن دعني أراها أولاً.

أنزلها أحد رجاله من السيارة ، كانت مكممه الفم ، مربوطة اليدين و علامات الخوف بادية على وجهها.

– في الصندوق الخلفي للسيارة ، قال مارك بعد أن تأكد من أن الفتاة هي نفسها كارلا..

توجه رجلان وفتحا الصندوق حيث وجدا العديد من الحقائب ، فتحا أول حقيبة وأخذا رزمة من المال وأعطياها للحوت الذي أخذها وتفحصها.

– الفتاة ، علا صوت مارك..

– دعني أتأكد من أن المبلغ كامل أولاً ، رد بابتسامة ماكرة.

كان الرجال يتأكدون من قيمة المبلغ حين توجه مارك بسؤاله للحوت :

– لماذا اخترت هذا التوقيت بالذات؟

– ماذا تقصد ؟ وعلَت وجهه علامات استغراب !

-لمّ ابنة السيد توماس تحديداً ؟

– إلى ما ترمي ؟

– لنكن واضحين ، كلانا يعلم أنني والفتاة لن نخرج من هنا أحياء ، من الأفضل أن نتكلم بصراحة ، ما رأيك أن تقوم بدعوة ذلك الشخص الماكث بالداخل ، من العيب أن لا يشاركنا الحديث.

امتقع وجه “الحوت” وازدرد ريقه و تلعثم ، وقبل أن ينطق بحرف صاح مارك بنبرة تهكمية :

– سيد توماس ، هلاَّ تفضلت.

نزل من السيارة وعلامات الدهشة تعلو محياه و هو يسأل نفسه كيف كُشف سرّه.

– “الحوت الحقيقي” !..حقا إنك ممثل بارع ! هتف مارك.

نظر إليه بشزر وسأل :

– كيف عرفت بالأمر ؟!

– بعض من الذكاء والكثير من الملاحظة ، لست غبياً كما تعلم ، كل تلك الترهات التي تروي قصص شرفك وأخلاقك لا تفلح معي ، صمت قليلاً واسترسل بكلامه :

في الحقيقة شككت بكل من حولي و كنت أنت الأول ، إصرارك على إبعاد زوجتك عن الأحداث ، برودة أعصابك ، وأحيانا انفعالاتك المصطنعة ، أتعلم أن عندي موهبة قراءة الوجوه.

كنت تقوم بأعمالك الغير مشروعة من خلال هذا الرجل و وضعته بالواجهة ، في حين بقيت خلف الستار تدّعي الالتزام والأمانة ؟

قرب موعد تقاعدك فأردت أن تغتنم ما تبقى لك من الوقت في جمع ثروة تنهي بها مسيرتك تحت غطاء حماية ابنتك لكي لا تثير الشكوك فلفقت رسائل التهديد.

– لا أظن أنه بقراءة الوجوه حصلت على كل هذه المعلومات ، رد توماس بخبث.

– بالفعل ، القليل من المعلومات عن خلفيتك أكدّت شكوكي ، لم تك شيئاً قبل أن تتزوج بكاترين ابنة أحد أكبر المسؤولين و رجال الأعمال بالبلاد ، هي من رفعتك إلى القمة وجعلت منك ما أنتَ عليه اليوم.

علِمت أنها على علاقة بآخر منذ سنوات وأن كارلا ليست ابنتك ، خفت من توابع ذلك عليك في زعزعة الاسم المزيف الذي بنيته ، فكرت أنها إذا طلبت الطلاق فستضيع من يدك ثروة فحبكت كل هذه الخطة.

واستخدمتني و جايمس فقط لتضفي بعض البهارات عليها ، لا أنكر أنني لم أكن متأكداً من النتائج التي وصلت إليها ولكنني قطعت الشك باليقين بعد أن علمت أنك حجزت تذكرة لتسافر إلى الخارج.

– بالفعل إنك أذكى مما تصورت ، ولكن فات الأوان على ذلك ، ستموت أنت وهي هنا ويموت السر معكم ، وأطلق ضحكة ساخرة ثم أمر جميع رجاله بالتجهز للرحيل.

– ليس بعد ، الشرطة تحيط بنا من كل الجهات ، أنتم محاصرون ، الآن فقط اعترفت بمدى ذكائي وهل من الذكاء أن آتي لوحدي ؟ ورمقه بنظرة تحد وتابع :

إدوارد يعلم بكل شيء.

– أيها الوضيع ، ورفع سلاحه وأطلق على مارك رصاصة تفاداها بسرعة.

أشهر الجميع أسلحتهم و في نفس الوقت وصلت سيارات الشرطة ، استغل مارك تشتت انتباههم وركض مسرعاً والتف حول السيارات وحل وثاق كارلا ثم اختبأ معها خلف أحدها.

– هل أنتِ بخير؟

– أومأت بإيجاب.

أتشبك الطرفان واستمر تبادل الرصاص لفترة قبل أن يفلح رجال الشرطة في القبض على توماس والحوت المزيف ، وقُتل العديد من رجالهم وإجبار الباقين على الاستسلام.

بعد فترة ، بشقة مارك.

– إدوارد : كيف علمت بذلك ؟

– مارك : لفت كلام جايمس نظري ، كان يشك بك لسبب أو لآخر فوضعتك تحت المراقبة وعرفت بمقابلتك لكاترين سراً ، وبقليل من الجهد ربطت الخيوط ببعضها.

– جايمس : يا لي من أحمق ! ظننته متواطئاً مع الحوت فاتضح أنه والد الفتاة.

ضحك إدوارد قليلاً ثم قال لمارك بجدية :

– كانت تشك بأمره ، تعمدت أن لا أكشف شكوكنا نحوه حرصاً على حياة كارلا ، لكنك كنت ذكياً ، أحسنت ، أنا آسف حقاً لمَ حدث سابقاً.

– لا بأس ، أخبرني هل كارلا بخير؟.

– تتعافى من الصدمة ، أجاب إدوارد بتوجس.

حل بعض الصمت قبل أن يهتف جايمس :

– مارك ، لدي عمل جديد لك ، رجل الأعما….

وقبل أن يكمل كلامه أخذ مارك بوسادة و رماها عليه قائلاً :

– ليس مجدداً….!

ودخل الثلاثة بدوامة من الضحك الطويل.

النهاية …..

تاريخ النشر : 2018-02-24

وفاء

الجزائر
guest
49 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى