تجارب من واقع الحياة

هذه قصتي

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أنا هيفاء فتاة في بداية الثلاثينيات، كنت دائما ما أتردد بين أن أروي لكم قصتي وأفضي إليكم بهمومي، وأحيانا أتراجع . ولقد اعترتني الشجاعة أخيرا لأفعلها .

انا أعيش مع أخت لي أكبر مني، وإخوتي الأربعة بعد وفاة والدي منذ سنتين . أمي مطلقة منذ أكثر من عشرين سنة تركتني وأختي وولدين اثنين، تزوج بعدها والدي رحمة الله عليه بزوجة لينفصل عنها أيضا بعد سنين وتترك ولدين آخرَين . ولم يتزوج بعدها إلى أن وافته المنيّة .

تركت الدراسة في المرحلة الثانوية لأعتني بهم جميعا، عشت مواقف صعبة أكبر مني وتحملت مسؤولية بيت بأكمله . وتنازلت عن أشياء كثيرة لأجلهم . ماديا ومعنويا، بل إني رفضت الزواج حتى أراهم وقد كبروا واشتد عودهم . بالنسبة لأختي كانت دائما حالة خاصة، فلديها اضطرابات نفسية وسلوكية ووسواس قهري . جعلت ولازالت من حياتي جحيما .

إقرأ أيضا : قصتي مع أمي

وإلى جانب مسؤولية الأم التي تحملتها منذ كنت بالثانية عشر من العمر لأولاد أمي أولاً ولأولاد طليقة أبي ثانياً . فإن الضغط النفسي الذي تحملته يفلق الصخر و يعلم الله به، ولولا شيء من العقلانية والإيمان بقضاء الله وقدره لكنت في مشفى للمجانين منذ زمن طويل .

والدي كان إنسانا صعبا للغاية. فالمرأة بالنسبة له كانت عارا وعورة . أحيانا كنت لا أرى الشارع ولا أخرج إلا مرة إلى اثنتين في السنة لزيارة أمي . علاقتي بالأهل والجيران مقطوعة . لا للتسوق، لا للتجول، بل لا للطبيب إلا في حالات نادرة . ولا لأن يطل رأسكِ من الباب حتى . ورغم هذا اعتدت وتعودت . حتى كبر أخي الذي يصغرني بثلاث سنين .

ساعتها فكّ حبل الخناق قليلا، اشترى لي هاتفا، زرت العديد من الأطباء ومنهم طبيب العيون . ولسوء حظي كانت عيناي المريضتان قد تدهورت حالة النظر فيهما . وضعت نظارات وأنتظر فرج الله الآن لأجري العمليّة .

بعد أن توفي والدي رحمة الله عليه، وقد مات فجأة دون مقدمات ولازال موته حسرة ووجعا في قلبي إلى يومنا هذا . تغير الحال مع مرور الأيام . أنشأت علاقات اجتماعية ، وصرت أخرج قليلا من حين لآخر، مع أني أصبحت بيتوتية أكثر . والمسؤولية لم تنزح عن كاهلي . ولازلت في خِضم الكثير من الصعوبات والمشاكل التي لا تنتهي خاصة من جانب إخوتي .

لمن سيسأل عن أمي، هي لم تتزوج . بل بعد طلاقها دخلت مركزا لمحو الأمية، ومنها إلى مركز لتحفيظ القرآن .وأتمت حفظه كاملا . والآن هي تهتم بجدتي القاصر في بيت خالي ومحال أن تتركها . بل أنا أيضا لا أرضاها، رغم أن وجودها سيخفف عني حملا كبيرا ولكن لأن التنازل أضحى عادة عندي . وأيضا لكلّ شيء حكمة . وربما سيّر الله كل شيء لتجد تلك العجوز المسكينة من يهتم بها آخر أيامها .

إقرأ أيضا : قصتي ومعاناتي

أخي الآخر الأصغر مني أصبح مهندسا منذ عامين و خطب وسيتزوج قريبا . وأخواي الآخران أحدهما بالجامعة والآخر بالثانوية العامة . وأنا كما أنا، وعزائي الوحيد أنهم ذوو تربية حسنة وسلوك قويم . ولم أضع سنين عمري هدرا .

صحيح أني لم أفعل لنفسي شيئا يذكر، بل بالأحرى لم أستطع . بل إن حرقة قلبي هي تلك الشهادة الجامعية التي كانت حلم طفولتي دوما . لكني أحاول منذ سنين تثقيف نفسي، بأن أقرأ، وأبحث وأطلع، بل أصبحت قارئة نهمة وصنعت حلما أيضا وهو أن أكمل دراستي يوما وأنال شهادة في الصحافة والإعلام ولو بعد حين .

عيوبي كثيرة ، عصبية، متسرعة أحيانا ، حساسة زيادة، شعور بالنقص يعتريني من حين لآخر . طيبة زيادة عن اللزوم وسوداوية مكتئبة في أوقات عديدة . أشعر أن الأيام قست عليّ أحيانا، فأبكي دموع القهر، وكسرة القلب . وأشعر أحيانا أن الله ما أخذ مني شيئا إلا ليبدلني خيرا منه، ولعل الآخرة خير وأبقى .

أروي قصتي هذه لمجرد البوح والفضفضة، فأنا أعرف وأعي أن هناك حالات وتجارب في الحياة أقسى مما عانيته . فعلى الأقل عندي قوت يومي و بيت آمن وعائلة مهما كانت ظروفهم . ولا أرجو من الله إلا أن يحفظنا جميعا .

التجربة بقلم : هيفاء

guest
36 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى