أدب الرعب والعام

وهم المقابر الفرعونية

بقلم : نور إبراهيم – مصر

تقبع في أعماقه مقبرة فرعونية ضخمة تزخر بالمومياوات والتماثيل الفرعونية
تقبع في أعماقه مقبرة فرعونية ضخمة تزخر بالمومياوات والتماثيل الفرعونية

ارتدى جلبابه الأسود و توشح بعباءته السوداء و أعتصب بعمامته البيضاء وتوكأ على عصاه العوجاء ،  و خرج يبحث عن ضحية جديدة من ضحاياه ، فهو عاطل مُحتال جاء من قرية بعيدة و يستتر وراء شخصية مُزيفة ، و هي شخصية الشيخ جامع ، و هو شيخ متخصص في استخراج الآثار من باطن الأرض!.
 
جلس كعادته في مضيفة أحد أعيان القرية وهو الحاج “عبدالباسط السنّان” ، و التف حوله أهل القرية البسطاء ، فمضيفة السنّان لا تفرق بين ضيوفها  الكل يدخلها سواء غني أو فقير.
 
وهو كعادته يجمع كل المعلومات عن الذين يرتادون مجالسه من البسطاء و ينصب فخاخه عليهم بتلك المعلومات ، و يوهم ضحاياه بأن بيوتهم تقع في أعماقها مقابر فرعونية و ينهب الكثير من أموالهم مُقابل ذلك الوهم ، و من حسن حظه أن وجد بعض البسطاء مقابر فرعونية تحت بيوتهم فذاع صيته واشتهر بين القرى المُجاورة ، فزاد نهمه و جشعه ، فرأى بين البسطاء رجلًا يُدعى” عسران أبوحراجي” و قد أحنى الدهر كاهله وسوّد بشرته ، نادي عليه و أجلسه بجواره و دار بينهما هذا الحوار:
 
جامع: كيف حالك يا عم عسران.
عسران: نحمد الله على كل حال يا شيخ جامع.
جامع : مبروك عليك البيت الجديد الذي اشتريته تحت الجبل.
عسران : الله يبارك فيك يا شيخ جامع ، بس عرفت كيف؟.
فقال أحد البسطاء الذين يستمعون إلى الحوار بإصغاء شديد: الشيخ جامع هذا مبروك يا عسران و عارف كل حاجة.
 
فقال عسران: الله أكبر عليك يا شيخ جامع ، ربنا يزيدك
 
جامع: تسلم يا عم عسران ، طيب بيتك أليس بجانبه نخلتين على الشمال؟.
 
عسران مندهشًا : الله أكبر الله أكبر ، ربنا يزيدك من علمه يا شيخ جامع ، أنت رجل مبروك بصحيح.
 
تنهّد عسران تنهيدة طويلة لمّا أخبره الشيخ جامع بأن بيته الذي يقع تحت الجبل تقبع في أعماقه مقبرة فرعونية ضخمة تزخر بالمومياوات والتماثيل الفرعونية ، دغدغ الخيال تلافيف مخه كثيراً ، و قال لنفسه : سوف تكون غني يا عسران يا ابن ذكية ، بعد الشقَا ما هد حيلك ، من يومك شقيان في شغل اليوميات الذي بدون فائدة ، أخيراً سوف تدوق طعم العز يا ابن الفقرية!.
 
جمع عسران عدد كبير من أقاربه و أقنعهم بالحفر معه مقابل حصولهم على نسبة مُعينة من أموال المقبرة الفرعونية.
 
جمع عسران رجاله وأخذوا المعاول والقُفف واصطحبوا معهم الشيخ جامع و توجهوا صوب البيت الذي يقع تحته الكنز الدفين.
 
جلس الشيخ جامع وسحب عدة أنفاس من الشيشة ثم أخرج كيساً صغيراً من “الصديري” والتقط منه قطعة صغيرة من الأفيون وضعها تحت لسانه واحتسى بعدها كوباً كبيراً من الشاي.
 
و قال لرجال عسران بعد أن “كيّف دماغه”: احفروا من الناحية الشرقية ، و بدأ الحفر بهمة عالية ، و ما هي إلا أيام قليلة وانتهوا من حفر حفرة وصل عمقها إلى عشرة أمتار ، والشيخ جامع يشجعهم دائماً على الحفر حتى يجدوا ذلك الكنز الثمين ، و لكن فجأة حدث ما لم يكن في الحُسبان ، فقد انزلقت قدم عامر وهو يتخطى درجات السلم القابع داخل الحفرة و سقط على رأسه ، صرخ الجميع لما رأوه وهرولوا لإنقاذه و لكن وجدوه جثة هامدة ، جُن جنون عثمان شقيق “عامر” و الذي كان يحفر معه و صرخ موجها أصابع اتهامه للشيخ جامع : أنت الذي قتلت أخوي يا شيخ جامع.

الشيخ جامع : و ما ذنبي أنا يا عثمان ؟ هذا قضاء و قدر ، أجل أخوك هكذا.
عثمان : لا أنت السبب ، أنت الذي جعلتنا نحفر كثير و تقول في مقبرة و ها نحن حفرنا كثيراً و لم نجد شيء.
الشيخ جامع: يا ولدي أصبر ، لن تجدوا المقبرة بسهولة.
عثمان : أنا لا أريد مقبرة ، و سوف أرسل إلى حيث ذهب أخي.

فأمسك عثمان بالشيخ جامع مُحاولًا تجرّيده من كل ملابسه ، و عسران وبقية الرجال يحاولون تثنيته عمّا يريد ، ولكنه كان قوي البنية فكان يضرب كل من يحاول منعه  ففشلوا في مقاومته ، و نجح في النهاية من تجريد الشيخ جامع من ملابسه وحمله على كتفيه وألقاه في الحفرة ، خاف بقية الرجال منه وهمّوا بالخروج من البيت ،

و لكن عثمان لم يمهلهم فألقى الحجارة عليهم وهشم رؤوس معظمهم ولم ينجوا إلا ثلاثة من الرجال الذين شاركوا في الحفر ، كان عسران أحدهم ، فهرول عسران حافيًا صوب مركز الشرطة واعترف لهم بكل شيء و جاءت الشرطة وألقت القبض عليه ، و لم يجدوا عثمان فقد فر هاربًا ولم يعرف أحد مكانه بعد أن انتقم لأخيه ، وهدمت الشرطة البيت بعد أن تأكدت بأنه لا يقع تحته أي شيء ، و انتهت قصة الوهم ، و هم المقبرة الفرعونية !.

تاريخ النشر : 2021-05-31

guest
5 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى