أدب الرعب والعام

يوميات طبيب نفسي – الزائر الغامض

بقلم : محمد – المغرب
للتواصل : [email protected]

يظهر الصبي خلفها يحمل سكين في يده ثم إنهال عليها بالطعنات
يظهر الصبي خلفها يحمل سكين في يده ثم إنهال عليها بالطعنات

من خلال تلك الستائر المعلقة في ركن الغرفة أمكنني أن ألمح خيوط النور الصباحية ، أقوم بتثاقل ، دوار شديد أجبرني على الجلوس حتى تهدأ الغرفة التي صورتها تتراقص من حولي ، أستجمع قواي للمرة الثانية هذه المرة أمكنني الوصول للنافذة ببطء ، أفتحها لتهب ريح كالصفعة الباردة أعادت لي بعض من ذكريات أمسية البارحة.

إسمي سامح و أنا أعمل طبيب نفسي ، قبل عام صادفت حالة أرعبتني و أعادت لي التفكير في هذا العمل :

في يوم من الأيام و أنا في عيادتي قبل انتهاء دوامي بساعات قليلة ، جاءتني سيدة مع أبنها ذو الست سنوات ، كانت تبدو جد مرتبكة ، أما ابنها قليل الحركة و يبدو أنه غير مبالي بما يجري ، حاولت طمأنتها و أخبرتها أن تحكي لي قصتها من الأول.

أخبرتني أن الموضوع حول أبنها ، تصرفاته غريبة ، لاحظت أن ذكائه غير طبيعي وليس له أصدقاء ، كما أخبرتني أنه في يوم ما في المدرسة كاد أن يقتلع عيني زميله لولا أن المدرسة أتت في الوقت المناسب ، و عندما سألته عن ما حدث ؟ أخبرني أنه كان لا يتحكم في جسده كما لو أنه كان يشاهد ما يحصل بدون تدخل منه ، و أخبرتني أنه دائم التكلم أثناء نومه لذلك في يوم من الأيام سجلته بالكاميرا المخبأة في غرفته.

قدمت له أسئلة عبارة عن اختبار لمعرفة مستوى ذكائه ، لم أرى في حياتي تلك السرعة في الإجابات و تفاجأت من نتيجة الاختبار ! ثم سألته بضعة أسئلة لمعرفة حالته النفسية ، لم تكن إجابته تدل على أنه يعاني من أي مشاكل نفسية ، في محاولة كي أطمئنها أخبرتها أن طفلها استثنائي لذا طبيعي أن يكون غريب ، و أخبرتها أنني سأتولى هذه القضية و إذا ظهر أي جديد سأبلغها ، قبل أن ترحل طلبت منها أن تترك رقم هاتفها وتترك شريط التسجيل الذي سجلته.

تلك الليلة لم أستطع أن أنام حيث أن سيناريو الأم مع أبنهما و قصتهم الغامضة ظل يتردد في ذهني ، ذهبت لحاسوبي و شغلت ذلك الشريط مراراً و تكراراً ، وأخيراً استطعت أن أحدد تلك الكلمات التي كان يتحدث بها الصبي أثناء نومه ، لذا اتصلت بصديق لي ليترجم لي هذه الكلمات ، بضع ساعات اتصل بي ليخبرني أنه لم يستطع معرفة معنى تلك الكلمات ، لكنه عرف اللغة المستعملة وهي الهوسا ، هي لغة كانت تُدرّس قديماً في قرية صغيرة متواجدة في نيجيريا ، و كانت هذه اللغة تستعمل في السحر الأسود و في كتابة الطلاسم ، لكن تم حرق كل الكتب التي كانت تعلم هذه اللغة لذى لم تعد تُدرس ، شكرت صديقي على هذه المعلومات تم أنهيت المكالمة وأنا أتساءل كيف لطفل في السادسة من عمره أن يتقن الحديث بلغة انقرضت منذ زمن !.

حملت حاسوبي وبدأت أبحث عن هذه اللغة و أصلها ، لكن لا شيء ، لم أجد ولا معلومة تتعلق بهذه اللغة ، كنت على وشك إغلاق الحاسوب و فجأة لمحت مقالاً يتحدث عن السحر الأسود المستخدم في إفريقيا و تحديداً في نيجيريا كونها المنطقة المشهورة بالسحر الأسود ، و في نهاية هذا المقال كان يتواجد البريد الإلكتروني الخاص بكاتب المقال ، تم خطرت على بالي فكرة أن أتواصل مع هذا الشخص و أسأله عما يعرف بخصوص هذا الموضوع.

سألته إذا كان يعرف أي شيء حول لغة كانت تُدرّس في نيجيريا متعلقة بالسحر و الشعوذة ؟ ثم وضعت الحاسوب فوق السرير و استعددت للنوم فإذا بي أتلقى رسالة على حسابي ، علمت أنه سيكون ذاك الشخص قرأ رسالتي ، أخبرني أن هنالك لغة كانت تدرس في نطاق السحر الأسود لكن لم يبقى لها أثر حيث تم حرق كل الكتب التي كانت تحتوي عليها ، سألته إذا أمكننا أن نحدد موعداً ؟ لم تعجبه هذه الفكرة ، لكن أصررت على لقائه و أخبرته أني مكلّف بكتابة مقال عن السحر الأسود ، أخيراً قبل ملاقاتي ، ثم أرسل لي عنوان الحي الذي يريد ملاقاتي فيه.

في الصباح توجهت للمستشفى ، لم تكن هنالك حالات كثيرة لذى أنهيت عملي باكراً و ذهبت لملاقاة ذلك الشخص ، أخذت الحافلة و توجهت إلى ذلك العنوان ، أصر على أن يقابلني في عمارته – فإذ بي أجد شخصاً كبير السن يحدق بي ، ثم أتى باتجاهي ثم سألني : هل أنا هو من تحدثت معه البارحة ؟ قلت له : نعم ، قاطعني و طلب مني أن أتبعه ، صعدت معه لشقته ، الظلام يلف المكان وكانت شقته في حالة فوضوية ، طلبني أن أجلس فيما ذهب للمطبخ ليحضر بعض القهوة:

– ماذا تريد أن تعرف بالضبط ؟.
– أريد أن أعرف كل ما تعرف عن ما يخص السحر الأسود في نيجيريا ؟.
– سأخبرك من البداية.
– تفضل .

– أنا ضابط شرطة متقاعد و أخر قضية لي كانت حول قاتل متسلسل قتل العشرات من الفتيات ، كان يقطع أطرافهن ويخزنهم في علبة و يذيب ما بقي من الجسد ، أما العظام كان يصنع منها دمى و يبيعهم ، لذا كان من الصعب العثور عليه ، هذا القاتل كان من أصول إفريقية تحديداً من نيجيريا ، لذى سافرت إلى هناك كي أحقق مع سكان المنطقة ، كانت جرائمه منظمة بشكل كبير ، لكن ضحيته الأخيرة استطاعت أن تهرب وتبلغ عنه ، لكنه انتحر قبل أن نصل له ، المهم من هنا تعرفت على عالم السحر الأسود ، لأنه كان يمارس السحر الأسود لجلب ضحاياه ، حيث وجدنا بعض الدمى و الطلاسم في مكان عمله.

– عندي سؤال : هل ذلك القاتل كان يتكلم مع الضحايا أو يقول شيئاً معيناً ؟.

– لست متأكداً ، لكن ضحيته التي هربت أخبرتنا أنه قبل ربطها كان يغني مقطعاً موسيقياً.

– أرجوك أيمكنك أن تتذكر اللغة التي كان يغني بها ؟.
– في الحقيقة ما زلت أحتفظ ببعض من تلك الطلاسم التي وجدناها في شقته ، لحظة واحدة.
– ها هي.

– أيمكنني أن أخذهم معي للمنزل بعد إذنك ؟.
– لا بأس.
– شكراً.

طول الطريق و أنا أفكر بشأن الطفل و علاقته بهذا الموضوع ، هناك شيء غريب حول هذه القضية ، عندما وصلت إلى البيت شاهدت الشريط وقارنت الكلام الذي يقوله الصبي مع الكلام الذي كان مكتوب في إحدى تلك الصفحات الممزقة التي كان يكتب عليها ذلك القاتل ، و هنا الشيء الذي أرعبني بحق ، تبين لي أن نفس الكلام الذي يقوله الطفل في أحلامه هو نفس الكلام المكتوب على الورقة !.

عجزت عن فعل أي شيء لأن الصورة واضحة الآن ، ماذا سأفعل ، كيف سأخبر أمه و ماذا سأقول لها ؟ كان الوقت ليلاً ، اتصلت بها و حددت معها موعداً أخبرتها أن تأتي بدون الصبي إلى العيادة ، لم أكن أريد أن أرعبها لذا لم أقل لها شيئاً ، قابلتها في الصباح كانت علامات التعب ظاهرة على وج‍هها :

– هل توصلت إلى شيء يا دكتور؟.

– نعم .. أنا متأكد أن هذا الكلام ستجدينه غريب ، ثم أخبرتها بكل ما توصلت إليه خلال اليوم الماضي.

– لا يمكن ، ما هذا الكلام ؟ آسف يا دكتور على الإزعاج سأرحل…

– يا سيدتي لحظة ، أرجوك عند هذا الحد الأمور غير منطقية ، لكن دعيني فقط أكمل و ستتوضح لكِ الأمور.

– حسنا أكمل.
– هنالك تفسير وحيد لكل هذه الأمور و هو الخلاصة الذي استنتجتها ، وهي أننا نتعامل هنا مع قضية استنساخ الأرواح…
– أعندك أي دراية بهذا المصطلح ؟.
– لا …؟.
– لدي سؤال سيدتي ، متى وُلد أبنكِ ؟.

– الرابع من أبريل عام 2015 م بالضبط في المساء مع الثالثة و النصف.

– ذلك هو الوقت التي انتحر فيه ذلك المجرم !.

– أعلم أن هذا الموضوع غريب ، لكنه حقيقي ، الاستنساخ موجود ، حيت يمكن لروح معينة أن تسيطر على جسم آخر بعد موتها في الجسد الأصلي ، ترجع لإتمام عمل غير منتهي وعند إتمامه تذهب لعالمها ، هذا ما حدث لطفلك ، حيث أن روح القاتل سكنت جسد إبنك ، في الأيام الأولى تكون تلك الروح الجديدة بمثابة روح دخيلة حيث أن الجسد لا يعرف أي روح عليها أن تسيطر ، لذا الروح الأقوى هي التي تسيطر في الأخير ، وهذا يفسر لما أن الاختبار كان سالباً ، لأن روح إبنك التي كانت مسيطرة ، لكن خلال النوم يبدو أن روح ذلك المجرم هي من تسيطر.

–  إذن ما الحل ؟ لا بد أن هنالك حل !.

– هنالك حل وحيد ، هو أن تدعي الروح تنهي عملها ، أما في حالة إبنك فروح القاتل جاءت لقتل آخر ضحية ، يعني إذا كنتِ تريدين تحرير أبنكِ عليكِ أن تدعي روح القاتل تقوم بعملها ، عليكِ أن تتوجهي مع أبنكِ إلى منزل الضحية ، و قبل الوصول عليكِ أن تتأكدي من نوم إبنكِ كي تستولي روح القاتل عليه لتنهي عملها ثم سوف تتركه الروح.

– حسناً .

– لدي صديق يعمل في الشرطة كما كان يحقق في هذه القضية ، سألته على عنوان شقة هذه السيدة.

ذهبت الأم لتحضر أبنها من المدرسة ، ثم ذهبت إلى العنوان الذي أعطيته لها مع أبنها ، لحقت بها دون ملاحظتها لي ، كان منزلها – ضحية القاتل – بعيداً عن المستشفى في منطقة منعزلة ، بعد ساعة من القيادة توقفت سيارة الأم ، بعد برهة نزلت من السيارة دون الصبي :

– أهلاً ، أدعى لورنز ، عندي بعد الأسئلة حول قضية القاتل أود أن أطرحهم عليكِ إذا لم تكن عندكِ مشكلة.

– لا ، آسفة ، لا أستقبل الغرباء في منزلي ، أصلاً قضية القاتل أُغلقت منذ حوالي العام.

– أرجوكِ فقط دقيقة من وقتك ، عندي بحث علي أن أنجزه حول هذه القضية و أنتِ الوحيدة القادرة على مساعدتي.

– حسناً ، دقيقة لا أكثر ، تفضلي بالدخول.

في تلك اللحظة توجهت إلى سيارتها لأرى هل الصبي نائم ، لكني لم أجده في السيارة .. أين أختفى بحق الجحيم ؟ ذهبت بسرعة خلف النافذة لأرى ما يحدث في المنزل.

– إذن ما طبيعة عملك ؟.

– أنا خريجة من معهد الصحافة ، علي كتابة مقال حول أخطر القتلة المتسلسلين لدى أريد بعض المعلومات حول قضيتك.

– نعم … أتريدين شيئاً لتشربيه ؟.
– كوب ماء من فضلك.

– طبعاً.

بعد ما انصرفت لتحضر لها كوب الماء ، أحضرت لورنز حقيبة يدها و أخدت منها سلاح ! من خلال ملامحها تعرف بأنها كانت مصممة لقتلها ، لكن لما رأتها المسكينة حتى بدأت تخبرها أن لا تطلق النار لأن لها إبن ثم شرعت بهستيرية بالبكاء ، لذا خفضت لورنز سلاحها وهي تقول أنها لا تستطيع و أنها آسفة ، بعد دقائق سقطت السيدة – الضحية – جثة هامدة ليظهر الصبي خلفها يحمل سكين في يده ثم إنهال عليها بالطعنات ، لكن لحظة كيف استطاع أن يتسلل من السيارة دون أن ألاحظه ؟.
– الآن ماذا ؟ لقد أنهيت عملك ، أتركنا
وشأننا وخذ معك غنيمتك.

– لا ، كل ما كنت أريد أن أراها ميتة أمامي ، الجثة سيتعامل معها صديقكِ.

لم أرد أن أتدخل ، في الحقيقة لم أستطع حتى الحراك من مكاني من هول ما رأيته وما سمعته.
ثم أتجت إلى الخارج ، ظل يحدق في السماء ثم سقط مغماً عليه.

حملت الصبي و وضعته في السيارة ، تقدمت نحوي الأم و هي تصرخ :

– لماذا لحقت بي إلى هنا ؟.

– أسمعيني جيداً ، ذاك السلاح الذي كان في يدك أين هو ؟.

– في حقيبتي ، لماذا ؟.

– سأتخلص منه .. الآن أذهبي للمنزل ولا تخبري أحداً كيف ما كان بما مر معكِ.

– لكن ماذا سيحدث لأبني ؟.

– لا تخافي ، سيكون بخير عندما يستيقظ … الروح غادرت جسده.

– و ماذا ستفعل بخصوص الجثة ؟.

– سوف أدفنها ، الآن أذهبي ولا تتحدثي مع أي أحد.
و هكذا انطلقت السيدة لورنز في طريقها ، كان الليل ، وضعت الجثة في سيارتي ثم أشعلت النار في المنزل ، كنت حريصاً على دفن الجثة في مكان لا يمكن للشرطة البحث فيه ، إذا ما بدأت الشرطة بالبحت عنها ، ثم توجهت إلى المنزل ، بعد بضعة أيام جاءت السيدة لورينز إلى العيادة:

– أهلا سيدة لورينز، كيف حال البطل الصغير؟.

– جيد .. لن أستطيع التعبير عن قدر امتناني لما فعلت من أجلنا و المساعدة التي قدمتها لنا ، حقاً شكراً.

هذه كانت هي القصة التي غيرت مجرى كل الأمور في حياتي و إلى يومنا هذا لن أنسى هذه التجربة.

تاريخ النشر : 2020-09-15

محمد

المغرب
guest
12 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى