ألغاز تاريخية

خرائط الألغاز .. من أين أتت؟

بقلم : يسري وحيد يسري – مصر
للتواصل : [email protected]

الخريطة التي حيرت العلماء
الخريطة التي حيرت العلماء

التاريخ… تلك الكلمة الممتدة في الزمن والأرض… والحضارة…
التي تتجاور فيها الالغاز و الحقائق…
والتي تحوي من التساؤلات أضعاف الإجابات…
وواحد من تلك الالغاز… وواحدة من تلك التساؤلات…
بدأت هناك في التاسع من أكتوبر عام ١٩٢٩ في تركيا، حينما قامت وزارة التعليم التركية بتكليف العالم الألماني (جوستاف أدولف ديسمان) بتصنيف المحتويات الغير إسلامية في مكتبة قصر (الباب العالي – topkapi) بإسطنبول، ليعثر بمساعدة مدير المتاحف الوطنية التركية (خليل أدهم) على أعظم خرائط العصر القديم التي تعود إلى القرن السادس عشر، خرائط تعود لعالم البحار و القبطان العثماني الشهير (أحمد محي الدين بيري) الذي يلقبه الغرب بالريس بيري.

blank
خارطة بيري ريس مع الشرح .. القارة القطبية ظاهرة في الاسفل

كانت مجموعة من الخرائط مرسومة على جلد الغزال من بينها خريطتان فقدت أجزاء منهما على نحو يظهر انهم كانت خريطتان للعالم اجمع وليس أجزاء منه فقط، بدا أثر الزمن على الخريطتين واضحا…
لكن أثر العبقرية و َالعظمة والحيرة كان أوضح، فالخريطة الأولى تعود لعام ١٥١٣ وترسم بدقة تستدعي الحيرة، السواحل الغربية لإفريقيا والسؤال الشرقية للامريكيتين الشمالية و الجنوبية، دقة الخريطة تفوق بمئات السنين عصرها بل وتخطت دقتها خرائط العالم وقت اكتشافها ، فإذا كانت الخريطة الأولى استدعت كل الحيرة فإن الخريطة الثانية قد فجرتها تماما وضعت تلك الخريطة عام ١٥٢٨ وفيها رسم القبطان (احمد محي الدين بيري) الجزء الشمالي للمحيط الأطلسي وشواطئ الشمال في أمريكا الشمالية من جرينلاند حتى شبه جزيرة فلوريدا وايضا القارة القطبية الجنوبية (أنتارتيكا)، وهنا تفجرت التساؤلات الواحدة بعد الاخري وتجمعت الحيرة والذهول والغموض، إذ كيف لقبطان يعيش بالقرن السادس عشر ان يضع خريطتين كتلك بلغت الدقة بهما الي حد ان تسبق خرائط العالم في القرن العشرين؟ علي الرغم من فارق التقدم التكنولوجي بين القرنين السادس عشر والعشرين، سؤال بدت فيه كل الحيرة.

لكن الاغرب لم يأتي بعد، فالخريطة الثانية التي رسمت الجزء الشمالي للمحيط الأطلسي وشواطئ الشمال في أمريكا الشمالية من جرينلاند حتى شبه جزيرة فلوريدا والقارة القطبية الجنوبية (أنتارتيكا)…
تاريخ وضع الخريطة عام ١٥٢٨… استعد للمفاجأة إذن…
اكتشفت(أنتاركتيكا) عن طريق جون ديفيز قائد احدي مراكب صيد الفقمة… متى كان ذلك… كان عام ١٨٢٠…
اي ان القبطان (احمد محي الدين) قد رسم بدقة متناهية (انتاركتيكا) التي لم يعرفها العالم اجمع في عصره والعصور اللاحقة له حتى عام ١٨٢٠ تاريخ اكتشافها.
هنا يتخذ اللغز بعدا ثلاثيا…
تاريخيا… علميا… حضاريا…

blank
خارطة بيري ريس الثانية 1525 تظهر امريكا الشمالية وجرينلاند

اللغز التاريخي يتمثل في كيفية معرفة القبطان (احمد محي الدين بيري) بقارة لم يعرفها العالم سوي بعد زهاء ثلاثة قرون من عصره…

اما اللغز العلمي فيأتي على لسان مدير مركز الارصاد في ويستون حينما قال:
خراذط بيري ريس صحيحة بدرجة تذهل العقول لأنها تظهر بوضوح أماكن لم يكتشفها الإنسان في ذلك الزمان ومما يبعث على الحيرة انه رسم جبال القارة القطبية الجنوبية (انتاركتيكا) ووديانها في حين لم تتوصل المراكز الجغرافية المعاصرة الي رسمها الا بعد عام ١٩٥٢ بعد أن تسلحت بأحدث تقنيات المسح الزلزالي…

انتظر قليلا… حتى عام ١٩٥٢ لم يكن احد قادر على رسم تضاريس (أنتاركتيكا) وذلك لان سمك الجليد يصل إلى اكثر من ميل! مع الوضع في الاعتبار حقيقة جغرافية هامة أن الجليد غطي القارة القطبية الجنوبية منذ ستة آلاف عام، اذا سلمنا بأن تلك الخرائط يعود زمن رسمها الي ما يزيد على ستة آلاف عام عن طريق حضارة متقدمة لا نعلم عنها شيئا فلابد انها كانت تمتلك من تكنولوجيا الطيران ما يكفي لرسم تلك الخرائط او ان تكون رسمت بعد أن غطي الجليد المنطقة وكانت تمتلك تكنولوجيا مثل السونار و التسجيلات الزلزالية التي استخدمناها نحن عام ١٩٥٢ لرسم أنتاركتيكا اي ان خرائطنا عام ١٩٥٢ تساوت… وتساوت فقط مع خرائط القبطان (احمد محي الدين بيري) الجغرافية، وبالتأكيد تلك الحضارة ليست مدونة في تاريخنا المكتوب لانه لم يعرف قط تسجيل شئ كهذا.

وهنا يضعنا اللغز العلمي على حافة اللغز الحضاري، كيف وصلت تلك الخرائط الي القبطان (احمد محي الدين بيري) ولم نعلم عنها شيئا، اذا كانت من حضارة أخرى كيف وصلت وهل يوجد بالفعل حضارات عاشت على الأرض لم نعلم عنها شيئا؟.

blank
بيري ريس قائد بحري عثماني امضى معظم حياته في البحر وقاد الاساطيل العثمانية في عدة حملات ومعارك .. اعدم في القاهرة وهو شيخ كبير بتهمة الخيانة لفشله في هزيمة البرتغاليين والاستيلاء على جزيرة هرمز في الخليج العربي

بدأت الامور تتخذ منحني اكثر رحابة، فقد عرضت الوكالة الجغرافية العسكرية للبحرية الأمريكية تلك الخرائط على أ. ماليري ، خبير الخرائط القديمة ، الذي قال بعد دراستها: “انه لا يمكن أن تكون تلك الخرائط رسمت دون مسح جوي لليابسة على الأرض بل ويتعين على صاحبها ان يكون على معرفة بعلم المثلثات الكروي الذي بدأت ملامحه للظهور في اوائل القرن السادس عشر، أضف الي ذلك التقاط مركبات فضائية صور لشرق الأمريكيتين الشمالية و الجنوبية وانتاركتيكا لتثبت تطابقا مدهشا بين الصور الملتقطة حديثا وخرائط القبطان (احمد محي الدين بيري)”.

كان رأيا يتسم بصرامة العلم، يثبت بما يسحق اي ذرة شك… انه في وقت ما في مكان ما عاشت على الأرض حضارة ربما تجاوزت ما وصلنا اليه من تقدم في شتي العلوم الان.

blank
بيري قال انه اعتمد على خرائط قديمة .. وهو ما يعزز نظرية وجود حضارات متطورة في الماضي السحيق

إجابة القبطان (احمد محي الدين بيري) عن تلك الخرائط تدفعك دفعا للمضي في طريق كنا نظن انه غير موجود …
فقد قال انه اعتمد في رسمها على خريطة من زمن الإسكندر الأكبر الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، وهو رأي صارخ بالغرابة لكن بتأكيد اكبر يتوافق مع الاستنتاجات العلمية التي احاطت بالقضية ولقد عزا البعض تلك الخرائط الي وثائق من مكتبة الإسكندرية القديمة ليخرج علينا عالم الجغرافيا تشارلز هابجود الاستاذ بجامعة نيو هامبشاير في كتابه خرائط ملوك العالم القديم ليؤكد بأن راسم الخرائط ليس القبطان (احمد محي الدين بيري) وإنما حضارة أخرى متقدمة بما يكفي لإنتاج خرائط كتلك التي سلمت جيل بعد جيل حتى وصلت لايادي القبطان (احمد محي الدين بيري) وهو امر قد يكون اجمع عليه كل من درس القضية، واسفل تلك الخرائط زينها القبطان (احمد محي الدين بيري) بقوله :ليس هنالك من خريطة مثل هذه في حيازة اي شخص في العالم.

صدق والله… خريطة وأي خريطة… ولغز وأي لغز…

لكن لماذا نصف ذلك باللغز… لماذا نغلق عقولنا على ما وصل إلينا فقط من التاريخ… أليس التاريخ يمتد في الزمن و الأرض والحضارة… وبالتأكيد نحن لم نحط علما بكل ما هو زمني… او ارضى… او تاريخي… لربما كان ما نظنه مستحيلا… كان ممكنا جدا… وما نظنه غير موجود… كان موجود… هناك… وراء التاريخ.

كلمات مفتاحية :

– Piri Reis map

تاريخ النشر : 2021-04-10

guest
41 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى