أدب الرعب والعام

في مَهَبَ كورونا

بقلم : منى شكري العبود – سوريا

لقد ضاع شقا عمري، لقد ضاع كل شيء في مَهَبَ كورونا
لقد ضاع شقا عمري، لقد ضاع كل شيء في مَهَبَ كورونا

لم تهدينا سنة 2020 م سوى المزيد من القهر و الموت ، لتكن من ضمن مصائبها جائحة كورونا التي قد ضربت أنحاء الأرض ، مع شعار “خليك في البيت” بدأ الخوف يتسلل إلى قلوبنا ، زحام غير طبيعي يضج في قاع المدينة ، أزمات معيشية قد ضيقت من حالها جائحة في وطن ممتلئ بالجوائح المتفاوتة ، نفذت السلع الغذائية برمشة عين ، تهافت الناس على شرائها خوفاً من جوع يطرق فترة حظرهم فيقتلهم ،

لم يحدث قبل الآن أن جائحة ضربت مشارق الأرض و مغاربها بهذا الشكل ، كان تعداد المصابين يزداد يوماً بعد يوم ، إلى أن بدأت تلوكنا بأضراسها بشراسة ، لتبتلع واحداً تلو الآخر ، طُوقت البلد بأسرها بقوانين و نظام صارم يفرض عقوبات شتى على من يخترقها ، الكعبة المشرفة مفرغة من المعتمرين فلا أحد يطوف حولها ، المدارس أُغلقت ، المطاعم و المولات الكبيرة أُغلقت ، شُل اقتصاد البلاد ، و بعض منها قد انهار تماماً.

استيقظت من نومي فوجدت ظلام دجوجي يملأ حجرتي ، أنرت المصباح الذي بجوار سريري أتأمل الجدران و تلك الثقوب التي لم ألقي لها بالاً قبل الآن ، أن اليوم هو مساء نهاية الحظر ، ننتظر الغد بفارغ الصبر ، فجأة صوت صراخ ملئ المنزل تبعه صوت تكسير زجاج ، قفزت من على سريري فزعاً أتبع مصدر الصوت ، لأجد والدي يحكم قبضتيّه حول ساعدي أخي عمار الذي يحمل بيده سكيناً و وجهه محتقن بالدماء، يزمجر غاضباً:

– و الله سأقترف مصيبة في نفسي وأنتهي أن لم تدعوني أخرج ، تباً للفيروس و تباً للمرض ، سأخرج مهما كلفني الأمر ، أفضل الموت على أن أبقى سجين هذه الجدران.
صرخت أمي ترجوه باكية:

– كفاك حمقاً يا عمار، أرجوك يا ولدي أن تهدأ، إنهم يعتقلون كل من يخترق قوانين الحظر.
زمجر غاضباً:

– لقد تم تمديد الحظر شهر آخر ، أيّ أن عيد الفطر سنقضيه بين هذه الجدران ، تباً للمرض و لكورونا ، لن أبقى في المنزل ، سأخرج وأن كلفني الأمر حياتي.

رمت أمي جسدها أرضاً فلم تعد تقوى أطرافها على حملها ، تجهش ببكاء حار ، تبكي قهراً و تصرخ بأعلى صوتها تناشد الرب أن يمدنا برحمته ، بينما عمار يقاوم جسد والدي الكهل بحدة ، توجهت نحوه غاضباً ، انتزعت السكين من يده بجهد بالغ ، صرخت في وجهه :
– متى سننتهي من حماقة مراهقتك يا فتى و يحك ؟.
صرخ في وجهي:

– دعني من مثاليتك يا عامر ، إننا نختنق بين هذه الجدران التي تضيق على قلوبنا يوماً بعد يوم.

انهار تماماً ، جلس أرضاً و قد غرق في نوبة بكاء عارمة ، هدأت من روعي ، توجهت نحو أمي ، قبلت يديها و مسحت بكفي خدها المضمخ بالدمع، باغتها اصطنع المرح:
– هل تم إلغاء موعد السحور لهذا اليوم يا أمي؟.

لاحت على وجه أمي ملامح الدهشة تُزاحم ملامح القلق ، أردفت قائلاً:
– أشعر بجوع يعبث في أمعائي ، هيا فلتُعدي السحور لنا الآن.

غمزت لها و لوالدي بطرف عيني ففهما ما أرنو إليه ، اقتربت من عمار أعانقه و أحاول أن أبث الطمأنينة في قلبه ، كان يرتجف بحدة ، ابتعدت عنه و أحكمت عيناي بعينيه المتقدتين بجمرات القهر، هرولت عيناي هرباً من لهيب حرقة عيناه ، تملكتني الحيرة و تاهت عني الكلمات ، حاولت جاهداً أن ألملم بعثرة الحروف ، باغته بتؤدة:

– حينما يقرع الموت أبواب الكرة الأرضية برمتها بفيروس تافه لا يرى بالعين المجردة يجب علينا أن نخشاه ، عندما يهم فيروس بقضم أرواح لا تحصى بنهم يجب علينا أن نخشاه.
قاطعني يضحك ملئ فراغ الصبر الذي في جوفه ، ثم صرخ في وجهي يلفظ قهره:

– أنني اختنق ، لقد أصبحت في حال يرثى لها، غدوت أسير الاكتئاب ، أخشى أن يتلقفني الجنون ، سئمت السجن خلف هذه الجدران ، انتظار رفع الحظر الذي استنزف طاقتي ، فما كاد ينتهي حتى تم تمديده شهر آخر ، أشعر أن الموت يطوق ذراعيه حول عنقي ، أنني أشعر بالاختناق يا عامر ، و غرق في نوبة بكاء جديدة خشيت ألا ينجو منها ، ربت على كتفه و عانقته بصمت ، عانقني بحرارة إلى أن أفرغ ما في جوفه ، اِبتعد عني، مسحت على رأسه بحنو زائد، باغته بلهجة دافئة:

– لما القنوط واليأس يا عمار ، ما دام رب السماء موجود ؟.
– لم يعد في جعبتي صبراً يا عامر، أنني بشر، لدي طاقة محدودة، والحبس خلف هذه الجدران قد استنزفها.

باغته قائلاً بينما عيناي تتفرس الإجابة من شفتيه بنهم:
– من فرض عليك الحجر الصحي ، أهي والدتنا أم والدنا ؟.
نظر لي مشدوهاً و ظل صامتاً ، نظرت إليه شزراً ثم أردفت بنبرة صوت مهدئة قدر المستطاع:

– ألا تدرك أن غضبهما يهز عرش السماء ؟.
طأطأ رأسه خجلاً ، أسرف في المزيد من الدموع، أجابني بنبرة يشوبها الندم:
– لم أقصد فعل ما حدث ، أن الشيطان تمكن مني.
أضفت بهدوء قائلاً:
– الفراغ هو الذي جعل للشيطان سلطة عليك ، فلتمارس شيء تحبه ، فلتعتبرها فترة نقاهة ، عش السعادة بعمقها ، لا تتبع التفاصيل.

طالعني بازدراء، ثم قاطعني ضاحكاً بسخرية بينما الدمع لا زال عالقاً بأطراف أهدابه:
-عن أي سعادة تتكلم يا عامر ؟ غدونا في سجن كبير إلى سجن أصغر فأصغر ، من وطن إلى حي إلى منزل ، محرم علينا أن نتنفس كما نحب ، قد غدى النفس حارقاً خلف الكمامة ، رائحة المعقمات والمطهرات قد احتلت أنفي و لم تعد تفارقه.

– دعك من التفاصيل يا أخي ، جميعنا في الحظر ، و جميعنا حبيسيّ الجدران ، و جميعنا نختنق مثلك و أكثر.

طالعني مشدوهاً ، أردفت متعجباً:

– أو تظننا لا نشعر مثلك ، البعض منا أسوأ منك حالاً ، التجئ إلى الله تلقى راحتك ، عش السعادة مهما كانت الظروف ، نحن من نصنع السعادة يا أخي.
نظر إلي شزراً وهو يقول:

– كيف نصنع السعادة ؟ ألا تعلم أن الإنسان قد جُبل على (كل ممنوع مرغوب).
أجبته بتؤدة:

– أعلم يا عمار ، لكن فلتفكر مثلي لمرة واحدة كل مرحلة في الحياة لها مذاقها الخاص بحلوها و مرها ، و قد تضع في جوفنا بصمة لا تُمحى ، نحن خلف هذه الجدران التي تخنقك نحافظ على أرواحنا و أرواح من نحب ، لكل شيء في الحياة ثمن يا عمار ، لذلك أنا اخترت أن أجعل هذه الفترة من حياتي جميلة ، لذلك منذ بداية الحظر أعددت برنامج يومي زاخر بالمهام لكي لا يتبقى لدي وقت لأفكر بما تثقل به كاهلك.

– أنني ألاحظ انشغالك الدائم بالقراءة والكتابة لكنك تعلم أنني أكره الكتب ، لا يمكن أن أكون مثلك أو أن أستطيع أن أكون مثلك.

– لكنك تحب الرسم كما تحب الموسيقى ، لدينا كراسات كثيرة وألوان كثيرة ، لديك بين يديك معلم يُسمى اليوتيوب يمكنك تعلم كل ما تحب ، كما يمكنك سماع الموسيقى التي تحب ، فترة الحظر هذه يا عمار جعلتني أشعر بدفء العائلة الذي انتشله مني العمل والدراسة و اللهث خلف الدنيا ، فلتستمتع بنعم قد حرم غيرك منها ، انظر لما بين يديك ، هناك نعم كثيرة تستحق الابتسامة ؛ صمت لبرهة ثم أردفت مؤكداً : و أولها العافية.

كان ينصت لي بصمت بينما رأسه مطأطأ ، سادت لحظة صمت رهيبة قطعها صوت أمي التي تدعونا للسحور و الدمع قد جعل عينيها كبالونين منتفخين، توجهت نحوها مبتسماً ، قبلت يديها كثيراً إلى أن جعلتها تضحك ، وجهت نظري نحو عمار ففهم مغزى نظرتي ، توجه نحو أمي وعانقها ، بثت أمي دعائها للسماء ترقيه بالمزيد من الرضا، اقترب والدي نحونا ، باغتنا قائلاً:

– هداك الله يا عمار وأصلح حالك يا ولدي.
توجه عمار نحوه يقبل يديه و يطلب السماح ، و توجهنا نحو مائدة الطعام بعد أن غسلنا أيدينا جيداً ، فجأة…

صوت صراخ و بكاء ملئ الأرجاء ، خرجنا من المنزل نتبع الصوت ، كان الصوت يصدر من الطابق الرابع ، خطونا الأدراج ثلاث و أربع سوياً إلى أن وصلنا شقة خالتي سعاد ، طرقت الباب فزعاً ، فتحت خالتي الباب و وجهها المحتقن بالدماء مُلئ بالدموع ، يتبعها أطفال ابنتيها مرام و رُفيدة، تحركت شفتي بسرعة أسألها عن ما حدث بهلع ؟ صرخت بحنق شديد:

– لا تقتربوا مني ، ابتعدوا إلى الوراء كثيراً ؟.
تسمرت أقدامنا في الأرض نظرنا إليها مشدوهين، و ملامح التعجب والفزع ممتزجة على ملامحنا، باغتتها أمي بحدة:
– ما الذي حدث يا سعاد ؟ هل وقع مكروه ؟.
– عودوا بخطواتكم إلى الوراء لأخبركم ، لا تقتربوا مني.

أذعنا لأوامرها دون نقاش ، سقطت خالتي أرضاً تجهش بالبكاء ، باغتنا خروج الدكتور كريم جارنا في الطابق الأرضي من شقتها يرتدي كمامته و عينيه تفتر يميناً و شمالاً يتبعه زوج خالتي ، سألهم والدي على الفور عن ما حدث ؟ أجاب الدكتور كريم بأسى من خلف كمامته:
– مرام و رُفيدة مصابتان بفيروس كورونا !.
قاطعته خالتي بصوت يمزقه الندم:

– ظننته مجرد مرض عادي ، لم يخطر لي أن الفيروس اللعين اخترق جسد ابنتيّ.
ربت زوج خالتي على كتفها و ساعدها على النهوض لتفسح الطريق للطبيب ، أكمل الطبيب بأسى:

– حالتهما حرجة ، لهذا اتصلنا بالإسعاف ، أدعو الله لهما بالشفاء العاجل ، أرجو ألا تخالطوا أفراد هذا المنزل مجدداً ، وأن تلتزمون بعزل تام في منزلكم ، و هم كذلك حتى الأطفال منهم.

رحل الطبيب ، صفعت جبهتي ، فغرنا فاهنا مشدوهين ، بكت أمي حال خالتي ، أنزوى أبي بزوج خالتي على جنب يتحدث إليه و بينهما مسافة تقيه خطر العدوى أن كان مصاباً هو الآخر، نظرت إلى عمار قلت له مؤكداً عما حدث منذ قليل في منزلنا :
–  أرأيت ؟.

هز رأسه بأسى ، باغتنا صوت خالتي التي تجهش ببكاء حار:
– اللامبالاة هي السبب ، لم نؤمن بوجود الفيروس منذ ظهوره إلى أن طال ابنتيّ ، كنا نخرج ونذهب ونجيء براحتنا غير أبهين بالتقييد بالنصائح التي كانت تطرق رأسنا أينما توجهنا علها تعيدنا إلى صوابنا ، في التلفاز في الكتب الأوراق الشوارع الأحياء ، حتى أعداد ضحايا الفايروس لم ترهبنا يوماً ، كيف ترهبنا و نحن لم نصدقها ، إلى أن جنينا حصاد ما زرعنا داخلنا بأنفسنا ؛ غاصت بنوبة بكاء من جديد و هي تردد : تباً للاستهتار.

بكت أبنة مرام الكبرى البالغة عشر سنوات بحدة ، قاطعت خالتي تسألها:
– هل ستشفى أمي يا جدتي ، أم أنني سأغدو يتيمة من الطرفين ، لا أم و لا أب.
وضعت خالتي يدها على فم الصغيرة تسكتها على الفور بينما وجهها يعتصر ألماً تبكي بحرقة ، شهقت نفساً طويلاً ثم زفرته بحدة لتستطيع الإجابة ، قالت لها بصوت متهدج :
– ستُشفى بإذن الله.

قالت الصغيرة ليلى أبنة رُفيدة البالغة من العمر ست سنوات :
– و أمي هل ستُشفى يا جدتي ؟.

مسحت خالتي على رأسها بحنو زائد ثم أجابتها بصوت تعبث به غصة الألم:
– يا فرحة أمكِ المنتظرة بعد سبع سنين عجاف ، ستشفى.
قطع الحديث بصوت بكائه العالي الصغير فؤاد أبن مرام البالغ أربع سنوات من العمر و هو يردد:

– أريد ماما… أريد ماما الآن.
نظرت خالتي للأطفال بحرقة تجهش ببكاء حار ، عانقت الصغير فؤاد ثم نظرت إلينا بعينين ينزوي بهما الرجاء:
– أدعوا الله لهما بالشفاء العاجل.

وجهت عيناي للسماء أرجوه بدعاء خالص أن ينجيهم ، بينما أمي تغص بالدعاء فيجرج متقطعاً ، وصل الإسعاف و حمل الممرضين الملتزمين بلباس خاص يقيهم العدوى بنات خالتي ، بينما وقفنا بعيداً عنهم نراقب ما يحدث ، قالت أمي بأسى تمتزج حروفها بملوحة دموعها:
– يا ويل قلبي عليهم ، يا ويل قلبي…

ربت على كتفها ، أكملت بأسى:
– لم أستطع معانقة أختي و التهدئة من روعها ، لم أستطع الاقتراب منها أو من رُفيدة و مرام للاطمئنان عليهم يا عامر ، ويح هذا المرض اللعين!.
– فترة و ستمر إن شاء الله يا أمي.

نعم أنها مرت ، لكن ليس بالنهاية التي كنا نرجوها، أنني في المقبرة ! أضع الآس على قبر أول فقيدتين من عائلتنا ألتهمهما فيروس كورونا بنهم و تركا خلفهما أيتاماً انجبهما الاستهتار.
مر شهر رمضان ببطء مميت ، لم تمر علينا أجواء رمضان و فرحته ، كان ممتلئ بالكآبة ، تكبيرات عيد الفطر تملئ الأجواء ، لكنني لا أشعر بأجواء العيد ، لا مفرقعات مضيئة تبهج السماء ، لا أصوات للمصلين الذين خرجوا لتوهم من صلاة العشاء يهنئون بعضهم بالعيد ، الشوارع خالية من الإنس.

مرت الأيام و أخيراً رُفع الحظر مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية ، عادت الشوارع تضج في الأرجاء ، البهجة تملأ الوجوه ، و مع الوقت عادت الحياة شبه طبيعية ، عُدت للتو من جامعتي ، لا يوجد أحد في المنزل ، كل فرد منا منشغل بمهامه ، دخلت إلى الحمام على الفور و غسلت يدي جيداً و استبدلت ملابسي بعد أن أخذت دشاً سريعاً ، رن هاتف المنزل حتى مل المتصل بعد أن لم يجد رد ، خرجت من الحمام اقتربت من الهاتف لأرى من المتصل ، كان أخي الأكبر رائد المسافر إلى الخليج للعمل وتأمين مستقبل زاهر له ، توجهت نحو هاتفي المحمول فوجد المزيد من المكالمات الفائتة، عاودت الاتصال به ، جاءني صوت المرتجف ألقى سؤاله متلهفاً للإجابة:

– أين أنتم ؟ اتصلت بالجميع لم يجبني أحد حتى على هاتف المنزل ، هل وقع مكروه لأحد؟.

– لا تقلق ، ليس هناك شيء من هذا ، كل منا منشغل في مهامه ، أمي هاتفها في المنزل بالتأكيد هي عند خالتي تساعدها بأحفادها و مهامها المنزلية ، و عمار في المدرسة، و والدي في عمله.

زفر هواء القلق بشدة ، ثم قال مبتهجاً:
– سآتي لزيارتكم قريباً.
انفرجت أسارير وجهي فرحاً ، فقد مر على غيابه سبع سنوات ، باغته بسرور:
– ننتظرك بفارغ الصبر.

– لدي بعض الإجراءات مثل تحليل كورونا وما شابه ، سأنهيها ثم أحجز على الفور.
– كم ستبقى عندنا ؟ يجب أن تكون زيارة طويلة بعض الشيء ، فما مر من السنوات طويلٌ جداً على أمي بالأخص.

– في الحقيقة لا أستطيع البقاء أكثر من أسبوع ، لم يسمح لي مدير العمل بأكثر من ذلك وإلا سأطرد، و ما لم تعلمه لدي دفع أقساط الشقة التي اشتريتها من مشروعات قريبة من منزلنا ، يجب أن أكمل أقساط 70% من ثمنها حتى أستلمها لنبدأ بمرحلة الأكساء ، و المؤسف أنني بعد توقيع العقود اكتشفت أن هناك شرط جزائي ينص على أن تأخرت بدفع خمسة أقساط من ثمنها سأُحرم من المبلغ كاملاً ولا شقة لي عندهم ، و لديهم الآن في ذمتي ثلاثة أقساط واجبة الدفع ، سأسددهم عند آتي إليكم.
– ماذا ؟.
– للأسف هذا ما حصل.
– و هل والداي يعلمون بهذا ؟.
– بالطبع.
– بالتوفيق إن شاء الله.

أبهج الخبر فؤاد والدتي  و ملئت زغردتها المنزل بالبهجة ؛ أنه اليوم الموعود ، أعدت أمي مختلف أصناف الطعام التي يحبها رائد ، طرق الباب بهدوء ، هرولنا نحوه فرحين ، ننثر قُبل الحنين و الشوق ، نبتسم من جوف قلوبنا فرحين ، بينما أخي رائد ينظر إلينا مشدوهاً من تغير أشكالنا وطولنا فترة غيابه.

في مساء اليوم التالي كنا نجلس في الصالة نتحدث عن أحداث شتى حصلت في غياب أخي و نضحك من قلوبنا عند حدث مضحك ، بينما والدي يتابع نشرة الأخبار، وأمي في المطبخ تعد لنا مشروباً ساخناً ، فجأة علا صوت والدي يصرخ:

– لقد عادت فترة الحظر، تباً لهذا الفيروس اللعين.
ألتفت أخي رائد إلى التلفاز و قد أمتقع وجهه ، هرول وجلس نحو والدي بينما جسده يرتجف ، ضرب جبهته عندما علم بإغلاق المطارات ، هرولت أمي نحوه ترتجف وتربت على كتفه، علم والداي سبب قلقه كما علمت ، باغته والدي:

– لا تقلق يا بني ، لكل أمر حل ، فقط قل يا رب.
– لكن يا والدي مدير العمل أكد على أمر فصلي أن تأخرت عن موعدنا ساعة واحدة ، لدي العديد من المشاكل معه ، لقد حذرني كثيراً ، لقد ضاع كل شقا عمري يا أبي.

تجلّد والدي ثم ربت على كتفه ليشد من أزره ، مرت إجازة أخي مكللة بالمزيد من التوتر والقلق، والمطارات لا زالت مغلقة للأسف ، رن هاتف أخي ، رد بسرعة ليخبره صديقه أنه تم فصله من العمل، أغلق الهاتف وجلس أرضاً يبكي بحرقة وهو يردد:
– لقد ضاع شقا عمري، لقد ضاع كل شيء في مَهَبَ كورونا.

النهاية ….

تاريخ النشر : 2021-04-28

guest
9 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى