أدب الرعب والعام

صخب المدينة الهادئة – الجزء الثالث

بقلم : اية – سوريا

كانت اللوحة تصور هيلسي وبيدها سكين وإيزابيلا تجلس على الأرض مكبلة
كانت اللوحة تصور هيلسي وبيدها سكين وإيزابيلا تجلس على الأرض مكبلة

فارغ ، و لم نرى جثتها ! و بقيت شهراً كاملاً لا تحدثني رغم كل اتصالاتي!.

– ليقول ماثيو بتلقائية: وأنا كذلك.

– أرأيت ؟ نظريتي صحيحة ، هناك من قتلها إذاً!.

– بحقك من سيقتلها ؟ لا يوجد لديها أعداء!.

– لا يوجد مشتبه بهم لكن هناك جريمة ! أنا واثقة ماثيو و لا تحاول إحباط أملي أفهمت؟.

خرجت من الغرفة غاضبة لشعورها بأنه استهزأ بها ، بدأ يتحسس جدار هذه الغرفة ، لم يشعر بالراحة ، تذكر عندما كان يسجل صوت أحد مسرحياته الفاشلة ، تشبه هذه الجدران كثيراً ، كلاهما ، نعم كلاهما عازل للصوت ، على ما يبدو الآن بدأ يتقبل عقله فكرة روكسانا ، لكن من و متى ولما وكيف ؟ و هل هذا مجرد وهم سيوهمان نفسهما به لكي يتعلقان بشيء؟ على الأقل هدف كاذب ، لا يعرف أجوبة كل هذه الأسئلة لذا عليه فقط أن يتعاون مع ابنة خالته التي سيكون العمل صعباً معها ، لكن لحظة ، هو لم يخبرها بما قالت له والدتها ! كيف نسي ذلك ؟ خرج من هذه الغرفة التي جعلته يشعر بالخوف حقاً ، صرخ بها وهو يبحث عنها بعينيه ليراها تجلس على الأريكة بصمت غير طبيعي فيقول لها:

– هناك أمران سأقولهما لكِ ، بداية نظريتك صحيحة ، فالغرفة كاتمة للصوت فهي تصلح لجريمة قتل ، ثانياً : أنتِ لم تهتمي لزيارة أمك ولم تسأليني ماذا قالت لي؟.

– نظرت له وقد شدها بكلماته هذه لتقول له : وماذا قالت؟.

جلس مقابلاً لها وقال: بدأت تشرح لي عن طفولتها طفولة طبيعية لأي فتاة في سنها ، منزل تحلم به أية طفلة كهذا ، أم حنون وأب رائع، والكثير من المشاعر، لكنها انقلبت بعد وفاة والدها فقد اكتشفت بأن أمها ليست الأم المثالية الحنون، بل هناك مشاوير سرية دائماً، لتكتشف بعد قراءتها المذكرات بأنها تملك أختاً! تقابلتا للمرة الأولى في الحديقة، لقد كان لقد كانت تصرف إيميليا مع هيلسي سيئاً، فقالت لها ببرود بأنها الابنة الاصلية لإيزابيلا و بان هيلسي هي خطيئة إيزابيلا ، فلطالما تمنت إيزابيلا أن تعيش مع ريتشارد وإيميليا وبأنها أجمل منها ، وهي مجرد مسخ تافه قدم إلى العالم ، لكن والدتك ذات أعصاب متماسكة فلم تتكلم أو تصرخ بل بقيت راسمة معالم الهدوء على وجهها، لكن في داخلها، حقاً شعرت بشعور غريب يتجلجل في أعماق نفسها أمر مؤلم ونهاية ، ختمت إيميليا قولها اللطيف بهذه العبارة: أمي تكرهك وتتمنى أن لا تكوني خلقت لتعيش معي ومع أبي ، أما أنت وأبوك ، فأنتما مجرد محطة صغيرة في قطار حياة أمي ستتخطاه وستعود لي ، لي وحدي.

صدمت روكسانا فلم تكتب والدتها حرفاً واحداً من هذا في المذكرات، بل كل ما قالته بأن رؤيتها لأختها كانت مملة ولم تحبها ، قالت روكسانا بغضب: وهل هذا كلام يُقال لفتاة في العاشرة ؟ أقسم بأن هذا غباء!.

– تدركين كم يؤثر كلام كهذا و يعلق بذهن الأطفال، مما جعل هيلسي تصدق حقاً بأنها المكروهة والسيئة ، لتمثل الدور حقاً ! وأعتقد بانك تعرفين بقية الحكاية.

– نحن لا نعرف شيئاً ماثيو ، قد نكتشف شيئاً آخر يمحي كل هذه الحقائق، لتصبح أكاذيب هي أيضاً.

الفصل الرابع:

طرف الخيط.

“في كل جريمة عندما تمسك بطرف الخيط خاصتها كل ما عليك فعله هو شده إليك والتمسك به بقوة، لأنك عندما تحصل عليه ، ستقف أمام بوابة ، بوابة الحقيقة ، بوابة الحل”.

– ألن تذهبي للنوم ؟ أخبرتني بأنك تخططين لشيء ما ؟.

بتثاؤب ردت روكسانا : لا ، لا أريد النوم ، ما زلت أفكر.

جلس واضعاً أمامها كوب قهوة وقال: إذاً كوني هادئة لأنني سأبدأ بتجميع أفكاري لأكتب مسرحيتي!.

قالت بسخرية : نعم أنا هادئة جداً ، الأمر وراثي.

التقطت هاتفها عن الطاولة و بدأت بالعبث به وهو يجلس متربعاً على الأريكة يفكر و يكتب رؤوس أقلام ، ترسم ابتسامة على وجهه في حين وملامح ارتباك في حين آخر، كان منظره يبدو منظراً مثالياً ومناسبا لالتقاط صورة ، نعم و ما المشكلة؟ هذا ما فكرت به روكسانا ، ستلتقط له صورة لتحتفظ بها ذكرى في هاتفها ، أكملت مسرحيتها متظاهرة بأنها تلعب بهاتفها والتقطت مجموعة من الصور له بعد أن كتمت صوت الهاتف ، صمتت للحظة تشاهد الصور أنه يبدو وسيماً حقاً ، شعره حالك السواد المصفف بعناية وعيناها الزرقاوتين ، ابتسمت لأفكارها ، لكن ابتسامتها اختفت عندما نظرت له فزعة بعد أن رمى قلمه في الهواء الذي أصاب المزهرية وصرخ:

– اللعنة علي وعلى أفكاري!.

صرخت به غاضبة : لقد أخبرتني أن أكون هادئة! ألتزم بكلامك أنت أولاً ؟.

شاعراً بالضيق وقلة الحيلة وضع وجهه بين كفيه وقال و في صوته نبرة حزن ، ألم و خوف: أنا ، أنا لا انجح ، مسرحياتي كلها فاشلة ، بل لا أعرف كيف أقنعت المنتج بقبوله العمل معي فقط هذه المرة ! حلمي بسيط فقط أن أكون شكسبير الثاني ! تخيلي كم سيكون شعوراً جميلاً أن تكوني خليفة شكسبير؟.

هذه الكلمات، جعلت روكسانا تشعر بالانزعاج، ما هذا التفكير الأحمق ؟ لترد عليه وقد ارتدت ملامح الجدية والحكمة لأول مرة على وجهها ، حيث قالت:

– انتبه إلى ما سأقوله جيداً يا صديقي المسكين، أنصحك نصيحة نابعة من قلبي حقاً ، لا تطمح لأن تكون نسخة شكسبير، لا تطمح لأن تكون مثل أحداً ما ! ستخبرني بأن حلمك هو أن تصبح كشكسبير! شكسبير عبقري والعبقريات لا تتكرر مرتين ، فهناك شكسبير واحد و بتهوفن واحد و دافنشي واحد ، وماثيو واحد يحمل صفاتك وأفكارك وأحلامك ومعتقداتك، إياك أن تخبرني بأنه قدوتك ، فأنت بذلك قيدت نفسك لتتبع نهج شخص آخر.

وقفت ونهضت لتحضر القلم الذي أصبح على الأرض و تقدمت نحوه مادةً القلم إليه وتابعت كلامها:

– محيت ذاتك وأفكارك، كن نفسك ماثيو، ولتكن نفسك هي قدوتك ، لا تربط نفسك بأن تكون شكسبير الثاني بل برأيي كن ماثيو الأول.

تبادلا النظرات كلاهما مصدوم ، مصدومة هي بالذي تكلمته ، منذ متى وهي شاعرية هكذا؟ و هو مصدوم فمنذ متى وهي حكيمة هكذا ؟ أرسل لها ابتسامة وقال:

– منذ متى و أنتِ تتكلمين بهذه الطريقة ؟ أعتدتك طائشة ومستهترة!.

– لقد اكتسبت منك بعض الرزانة يا صاح!.

– ها قد عدت لشخصيتك الحقيقية.

– ابتسمت وقالت: نعم ، أنا متقلبة الشخصيات أيضاً ! سأذهب لأنام ، لا توقظني لأنه لدينا عمل حقيقي في الغد.

راقبها وهي تصعد السلالم بخفة لتقف قبل أن تغيب عن عينيه وتتمنى له ليلة سعيدة ، ليبقى جالساً لوحده يفكر بكلامها ، هل كلامها صحيح؟ وضع يده في جيبه ليخرج هاتفه لينصدم بعدة أوراق، انتشلها وفتحها، اطلق ضحكة بعدما عرف محتواها ، أنها الأوراق التي كتبها في الأمس ، لمعت فكرة في نفسه ، يتلقط قلمه ويبدأ بالكتابة ، يبدو بأن روكسانا قد فتحت مخيلته جيداً عليه تشكرها لاحقاً.

الساعة السابعة صباحاً :

منزل إيزابيلا:

غاضباً يلحق روكسانا في كل أرجاء الصالة ، و هي ما زالت غير مقتنعة بتغير رأيها ، حتى قال:

– أرجوك ! هل ستخرجين بهذه الملابس؟ تبدين غريبة ! و ما هذه الباروكة والقبعة ؟ و معطف طويل ونحن في الصيف ! أقسم بأنك قادمة من العصور الوسطى ! ما بك؟  لن اخرج معك بهذا الشكل.

– صرخت به و قالت : لا تحاول ماثيو!.

صمتت للحظة ، ثم وقفت وأمسكت طرف قبعتها وقالت بفخر:

– بدايةً دعني أشرح لك لما ارتأيت ، لأن ارتدي هذه الملابس المميزة تدرك بأننا ذاهبين للبحث عن معلومات حول جدتي قبل وفاتها ، لذا أنا أشك بالجميع ، والجميع هنا أصبح يعرفني بسبب طول لساني لذا ارتديت الباروكة والعدسات التي رأيتها في درج جدتي لكي لا يعرف أحد من أنا!.

– وصوتك يا ذكية؟.

– أنت الذكي ! أحمق ، سأكون أنا سائحة وأنت هو مالك المنزل ، سائحة لا تجيد تكلم لغة هذا البلد لذا يا صديقي المسكين ستكون زوج روكسانا التي عادت لمنزلها ذاك ، وأنا هي السائحة الأجنبية كيت التي أعجبت بلوحات السيدة إيزابيلا ولديها فضول لتحصل على معلومات عنها ، والآن دعنا نخرج!.

– أقسم بأنك أضحوكة.

خرج الثنائي ليبدأ بالبحث عن معلومات مهمة حول جدتهم قبل أيام وفاتها الأخيرة، بداية قررا زيارة دارين، قد يتواجد لديها بعض المعلومات، طرق ماثيو الباب لتفتح له آني الصغيرة وتقول بملل:

– ألن ننتهي من زيارات الغرباء؟ قل ماذا تريد؟.

– رسم ماثيو ابتسامة مزيفة على وجهه وقال: أنا زوج روكسانا التي قدمت إليكم البارحة، نريد رؤية خالتك عزيزتي!.

– أفسحت له مجال للدخول وقالت وهي تنظر للروكسانا بريبة: تفضل إذاً أنت والمرأة الغريبة التي خلفك.

دخل ماثيو وروكسانا المتنكرة ولحقت بهما آني بعد إغلاقها الباب لتصرخ منادية دارين، دعتهما للجلوس ليثما تأتي دارين، جلست آني أمام ماثيو لتقول مرفقة كلامها بابتسامة:

– زوجتك فضولية جداً، لكنها لطيفة، أنت محظوظ بها.

– ابتسم ماثيو ليقول: و والديك محظوظين بكِ جداً صغيرتي آني!.

لم ترد آني كأن كلامه أثر بها ، ليشعر بروكسانا تخزه في قدمه لينظر إليها مستغرباً، عاد لينظر إلى آني بعد عدم فهمه شيئاً من تلميحات روكسانا، في عينيها، شيء يشبع عيني روكسانا، كلاهما حزينتين، قاطع قدوم دارين سلسلة أفكار ماثيو لتقول مرحبة بهم:

– أهلاً وسهلاً ، كيف استطيع المساعدة؟.

كان الجميع جالساً بالصالة إلا آني، التي كانت تشعر روكسانا بالقلق عليها بسبب كلام ماثيو الأحمق ، كان ماثيو يوضح لدارين من هي المرأة القابعة بجانبه ولم جاء لزيارتها، معللاً عدم قدوم روكسانا معه بأنها تنظف المنزل فهو متسخ كثيراً. ليسألها ماثيو:

– أريد أن أسألك آنسة دارين، هل كان هناك تصرفات غريبة عن السيدة إيزابيلا قبل وفاتها؟.

قالت دارين باستغراب: بقيت إيزابيلا مختفية لشهر كامل، ثم اكتشفنا بأنا كانت تمر بوعكة صحية في المشفى ، لم نستطع رؤيتها لا بعد وفاتها ولا قبلها. ، للأسف لقد خسرناه دون رؤيتها.

قال ماثيو مستغرباً: من أنتم؟.

– أنا وآني والعم ريتشارد ، قالت مستدركة : نسيت والسيد جيميز! كان متعلقاً بها أيضاً

– جيميز؟ من هذا؟.

قالت دارين شارحة باستمتاع: أنه بائع الألوان التي كانت تشتري منه إيزابيلا دائماً ! أنه رجل لطيف وعليك التعرف عليه ، سأعطيك عنوانه ، تذكرت! والسيدة مارينيت أيضاً هي صاحبة المطعم الذي كانت تذهب إيزابيلا تناول الغداء به كل ظهيرة.

صمتا الاثنين للحظة ليستدرك ماثيو كلامه:

– وهل كانت السيدة إيزابيلا ترسم أية لوحات قبل وفاتها؟.

– حقيقةً لا أعرف ماثيو ، لكني أعتقد ذلك ، فكانت دائماً عندما ترسم تشغل موسيقى أعرفها أعتقد بأنها كانت….

– قاطعها ماثيو: المقطوعة الخامسة لبتهوفن، روكسانا أخبرتني.

– ابتسمت دارين وتابعت: نعم ، هذا صحيح ! و قبل اختفائها بشهر كانت دائماً ما تضعها، لكنك تعرف كيف أخفت الأمر جيداً ، لولا فضول ابنة أختي آني لم أكن أعرف بانها ترسم أصلاً!.

صمتت لثواني معدودة، ثم أكملت هامسة:

– لا أنكر لقد أخبرتني آني بأنها قد سمعت عدة مرات المقطوعة تخرج من المنزل في فترة اختفاء السيدة إيزابيلا. لكنني أعتقد بأنها تتوهم.

ابتسم ماثيو وقال: آني شابة جميلة ، حافظي عليها.

نهضت دارين و قالت: طبعاً ، كرست حياتي من أجلها ، أتمنى أن تكون معلوماتي هذه أفادت السائحة الجميلة كيت!.

ابتسمت روكسانا لها ، وخرجت هي وماثيو مودعان دارين، سارا عدة خطوات متوجهين خارج البوابة، لكن هناك صراخ أوقفهما ، كانت آني، جرت حتى أصبحت تقف بجانبهم ، التقطت أنفاسها وقالت:

– روكسانا ، أنتِ فاشلة بالتنكر.

ابتسمت روكسانا و قالت نازعة النظارة الشمسية:

– وأنتِ ذكية آني! أخبريني هل كشفتني دارين؟.

– لا ، لكني كشفتك.

قالت روكسانا غامزة آني : هل ترافقينا ؟ سنستمع حقاً ، تعالي.

بادلتها آني الغمزة وقالت: لم أتي بدون هدف روكسن!.

صاحت روكسانا : روكسن! اختصار جميل تعالي هيا.

أصبح الآن يسير ماثيو مع اثنين من روكسن وليس واحدة، لم يسمحا لماثيو بأن يقدم اعتراضاً أو رفضاً، بل أعادت روكسانا وضع نظاراتها الشمسية وخرج ثلاثتهم من البوابة الخشبية، متجهين إلى معرض ريتشارد ليسأله ماثيو بعض الأسئلة التي في نظره ليس لها معنى.

– إذاً أنت زوج روكسانا؟.

– نعم ، أنا هو.

مقدماً كاسين من القهوة له ولماثيو، وكأسين من العصير لآني و روكسانا المتنكرة بزي (كيت) الوهمية التي تتجول مع آني في الصالة التي تحفظها آني أرجائها عن ظهر قلب ، فهي تعتبر ريتشارد جدها  و لا تناديه سوى بكلمة جدي ، وهو يعتبرها كحفيدته تماماً لعدم امتلاكه أولاداً أو أحفاداً يعرف بوجودهم.

كان ماثيو متوتراً أولاً : لأنه يجلس أمام جده الذي لا يعرف بأنه حفيده ، وثانياً : لأن ريتشارد لا يبدو ساذجاً كدارين التي سهل خداعها ، رغم أنه لم يستفد سوى بمعرفته بأن جدته عاودت الرسم في أيامها الأخيرة المجهولة فهو لم يقتنع بفكرة أن تكون جدته أمضت شهراً بالمستشفى وبأن آني تتوهم ، قرر ماثيو أن يبدأ الكلام مستفتح الحديث بسبب برود ريتشارد رغم وصف روكسانا له بالمرح والحيوي واللطيف جداً!.

– أخبرتني روكسانا بأنك صديق إيزابيلا المقرب؟.

– نعم ، كنا أصدقاء مقربين جداً.

– هل باعتك لوحاتها؟.

– لا ، بل أرادت إهدائي إياها ، لم تقبل أن تأخذ قرشاً واحداً ، أكمل هامساً : الكثير من اللوحات أخفيها و لا أريد لأحد رؤيتها ، هكذا أخبرتني حتى أعطتني إياها مغلفة ، و أخبرتني لا تفتحها حتى أموت.

فوجئ ماثيو وقال: وهل فتحتها؟.

– لا ، شعرت بأنني ارتكب خطئاً ، لم أرد ذلك.

– أين هم؟.

– وهل تظنني سأخبرك؟.

– حسناً سيد ريتشارد ، لدي سؤال أخر.

– قل؟.

– هل رأيت إيزابيلا في أيامها الأخيرة؟.

– للأسف لا ، لقد اختفت فجأة ، و بحثنا عنها كثيراً حتى جاءت ابنتها وأخبرتنا بأنها كانت في مشفى الدائرة السابعة ، وقد توفت ، وقد أوصتها قبل موتها بالتبرع بجميع أعضاءها ، حتى جثتها لم نستطع رؤيتها ، بقي البيت غير مسكوناً حتى البارحة عندما جئت أنت وروكسانا.

صمت الاثنين ، لكن لقد تحرك فضول ريتشارد حول هذا الشاب القابع أمامه فهو يشك كثيراً بأنه زوج روكسانا ، كلاهما لا يضع خاتماً ، و كلاهما صغير جداً على الزواج في نظره ، و لما لم تخبره روكسانا بذلك البارحة ؟ بل قالت بأن في منزلها دخيل ! و لدى إيزابيلا حفيد أخر ، فقال له ريتشارد و قد شعر بأن هناك أمر خاطئ:

– لست زوج روكسانا.

ابتسم ماثيو وقال مباشرة دون تفكير: لا ، لست زوجها ، توقعت أن تكشفني.

قال ريتشارد وهو سعيد بأنه ظنونه صحيحة: إذاً من تكون؟.

استجمع ماثيو كل قواه وفكر لدقيقة ، ما الذي سيحدث لو كان صريحاً وأخبر ريتشارد بأنه حفيده ؟ و بأنه يملك أبنة قد ماتت؟ هل سيفرح أم سيحزن ؟ هل الأمر من مصلحتهما؟ هل ستعاتبه روكسانا؟ لا يعرف ، لكن كان عليه أن يتخذ خطوة ، عليه أن يكسر من حذره، عليه أن يخاطر ، قال و قد نظر إلى عيني ريتشارد مباشرة:

– أكون حفيدك.

– إذاً أنتما تشكان بأن إيزابيلا قد قُتلت؟.

قالت آني و هي تمعن النظر بوجه روكسانا التي كانت من أسفل نظارتها تركز كل نظرها على لوحة شتاء شباط الخاصة بجدتها ، لتقول وهي ما زالت مثبتة نظرها على اللوحة:

– برأيك عندما تعثرين على غرفة مخفية غير موجودة بمخطط البناء وكاتمة للصوت ، وأدوات معدنية حادة ، وحبال ! ألن تشعري بالريبة؟.

قالت آني مبتسمة: بل سأكون واثقة بأن هناك جريمة ، لا داعي للشعور.

أكملت روكسانا وهي تشير إلى اللوحة:

– هذه الفتاة هي أنا ، و هذا الفتى هو ماثيو ، أعتقد بأن جدتي تمنت أن تستطيع جمع حفيدها دون خوف من كشف الحقيقة لهما ، لكن انظري إلى ذاك الشبح الأسود ، جسدت به كل خوفها وهواجسها. والسيف…

توقفت روكسانا للحظة مما جعل آني تستغرب لتصرخ روكسانا:

– السيف!.

نظرت آني مستغربة لها لتقول : ما علاقة السيف؟.

صاحت روكسانا بفرح : هناك سيف في منزل جدتي قد يخفي دليلاً ما ! قد كانت تشعر بأن نهايتها قريبة ! دعينا نسرع بالعودة.

جرت روكسانا لتجري خلفها آني ، لتقفا في صالة الاستقبال مصدومتان من المشهد ، ريتشارد يحضن ماثيو ، لتهمس روكسانا:

– قد أعترف له بالحقيقة لقد كان جريئاً ، لكنه قام بأمر جيد على الأقل ، هيا دعينا نخرج دون إحداث ضجة ، فالجد و حفيده يحتاجان لبعض الخصوصية.

بعدم فهم أي شيء سارت آني خلف روكسانا التي كانت تسير على رؤوس أصابعها حتى خارجا لتسيرا نحو منزل الجدة مرة أخرى و روكسانا توضح كل شيء لآني التي بدأت سحابة الضباب تنقشع شيئاً فشيئاً عن ذهنها، فتجلت الحقيقة أمامها واضحة.

في المنزل ، روكسانا و هي تبحث في كل أرجاء المنزل غاضبة عن السيف وآني تساندها في البحث بدون أي جدوى ، تسمعان قفل الباب يُفتح ليطل ماثيو منه وابتسامة على شفته ليقول:

– إذاً ما الذي تفعله الآنستان؟.

لتجيبه روكسانا بغضب: هل تتذكر ذلك السيف؟.

– أية سيف؟.

لتصرخ بنفاذ صبر واضح : السيف ذو الغمد الأحمر ! كانت تفتخر جدتي به كثيراً و….

ليختصر ماثيو كل الطريق أمام شرح روكسانا و يقول: السيف المصنوع من الذهب؟.

– نعم ، هل تعرف أين هو؟.

– لا ، لا أعرف ، لكن لما؟.

لتشرح آني: لقد توصلنا لحقيقة بأن هناك دليل في السيف.

– و كيف استنتجتما ذلك؟.

لتقول آني ببساطة : بلوحة شتاء شباط يوجد السيف الموضوع خلف الخزانة ، نشك بأمره.

– لا أعتقد ذلك ، جدتي رسمت اللوحة قبل وفاتها بعام.

لتصرخ روكسانا غاضبة منه : ما بك ؟ عندما أحاول إمساك طرف الخيط تبدأ بالتشكيك بكل شيء ! أحمق إن لم تكن تريد مساعدتي لتخرج فقط!.

حاول ماثيو كبت انفعاله ، ما الذي حل بالساعة التي غابها ؟ ليقول لها محاولاً تجنب الدخول بشجار معها :

– لتحافظي على أعصابك روكسانا ، أنا فقط…

لتنفعل روكسانا أكثر وتقول: أصمت ماثيو ! سأعمل لوحدي!.

اجتاح الصمت الأجواء للحظات ، قبل أن تصعد السلالم غاضبة و يسمع ماثيو وآني صوت صفق الباب القوي ، ليتبادلا النظرات، لتقول آني له بجدية:

– ماثيو ، أصعد وأعتذر منها.

– ماذا؟.

– أعتذر منها، انظر، تعرفت إليك الليلة وإلى روكسانا البارحة، لكن أنا و روكسانا قريبتان من ناحية الشخصية، لذا أذهب وأعتذر منها، لأنني لو كنت مكانها لتمنيت أن تعتذر مني.

– لكني لم أفهم لما غضبت؟.

– لأنك حاولت التشكيك باستنتاجاتها.

– لا أعتقد.

– هناك سبب آخر، لكن هذا الرئيسي لو كنت أعرف السبب الأخر لكنت أخبرتك ، لكن أصعد، لن تندم حقاً.

نظر ماثيو نظرة تردد لكن مع نظرات آني المشجعة صعد إلى روكسانا ، لتبقى آني لوحدها و تقرر إكمال البحث عن السيف ، فكرت بكلام ماثيو قد تكون هي و روكسانا يضيعان وقتهما بالبحث عن دليل وهمي ! لكنها لن تخسر شيئاً، السيف غالي و قد تكون إيزابيلا قد قتلت من أجل سرقته ! حاولت أن تعصر ذاكرتها قدر الإمكان لترتسم ابتسامة على وجهها ، كانت إيزابيلا تخبأ السيف في المطبخ! كيف نست ذلك؟ اتجهت نحو المطبخ و بدأت تبحث في كل رفوفه و أدراجه قالبة الدنيا رأساً على عقب ، حتى كادت تستلم ، لكن ما جذب انتباها بعد ساعة و نصف من التفتيش هي الورقة السوداء والبيضاء الموضوعة في أحد الرفوف تمثل حمار وحش وضعتها في جيبها و خرجت ، لقد بدأ الفضول يعتري جسدها ، ساعة ونصف لم تسامح روكسانا ماثيو بعد ؟ ارتمت على الأريكة لتخرج الورقة من جيبها ولتبدأ بالتفكير ما الذي تدل عليه هذه الورقة؟ لا تعرف حقاً ، أنها لا تعرف.

 بدايةً بدأت تحلق فكرة برأسها بأن الحمار الوحشي قد يكون إحدى الشخصيات التي كانت في الرسوم الكرتونية المفضلة لماثيو أو روكسانا ،  لكنها استعدت الفكرة ، فلكل منهما ذوق مختلف و لكن لحظة لما لا ؟ بدأت تفكر في أي رسوم كرتونية تحوي حمار وحشي ، لكن ما الدليل من هذا ؟ ركزت مرة أخرى في الحمار الوحشي ، لحظة هذه ليست خطوط الحمار الوحشي، بل أنها مربعات صغيرة ! قد تكون شيفرة ! قد تكون شيفرة أحد المواقع ، لكن هذ احتمال نسبته قليلة جداً ، واحتمالها الأخير هي أن إيزابيلا كانت تشعر الملل وقررت رسم هذه اللوحة ، لكن فضولها جعلها تخرج هاتفها وتفتح تطبيق تنزيل البرنامج لتحمل برنامج لقراءة الشيفرات، لتعود وتتمعن بالورقة التي أمامها، التي جعلتها تشعر بالحيرة ناسية أمر روكسانا و ماثيو..

غير مهتم بالوقت الذي قضاه عند روكسانا النائمة هنا ، كان قد انساب إلى عقله شلال من الحوارات والأفكار الجديدة، التي كان يسجلها ويكتبها بحماس شديد، شاكراً في سره وجود شخصية روكسانا هذا العام، فلولاها بنظره لم يكن ليكتب أي شيء ، لم يشعر بالوقت الكثير الذي مضى، حتى صدم بروكسانا تقول له و قد ضيقت عينيها:

– ما الذي تفعله هنا بحق الجحيم؟.

ليبتسم ويقول:

– قدمت للاعتذار منك، أسف.

– قبلن اعتذارك، كم الساعة؟.

– لا أعرف صراحة ، لكن على أي حال أعتقد بأننا تركنا آني لحدها لوقت طويل.

أزاحت روكسانا غطاء السرير لتخرج من الغرفة هابطة السلالم وهي تقفز، وماثيو يلحق بها ، ليريا آني جالسة على الأريكة تتصفح هاتفها وعلامات الصدمة كان واضحة جداً على وجهها ، فتبادلا النظرات شاعرين بالقلق بادرت روكسانا بالجلوس بجانبها لتسألها:

– ما الخطب؟.

– السيف.

قال ماثيو مرتميا على الجانب الأخر بقرب آني : ما به؟.

نظرت لهما كليهما وقالت : أنه معروض للبيع في هذا الموقع !.

الفصل الخامس:

الفريق

” كل جريمة لها فريق لحلها ، و دائماً ما يكون الحظ هو عدو هذا الفريق”.

– انظري كوني أكثر هدوءاً و لا تتصرفي كفتاة مراهقة طائشة ! إلى أين أنت ذاهبة روكسن!.

قال ماثيو وقد استطاع سحب روكسانا من يده قبل أن تهم بالخروج ، مع مساعدة آني له بإغلاق الباب وأقفاله ورمي المفتاح إلى المطبخ لتصرخ روكسانا بهما:

– أحمقان ! كل الدلائل تقول بأن هناك جريمة قتل وأنتما تمنعاني!.

قالت آني لها بغضب: ما بكِ أنت أيضاً ؟ إلى أين أنتِ ذاهبة دون أن تعرفي التفاصيل؟ ليس لديك دليل في يدك!.

نظر ماثيو إلى عينيها برجاء ليقول : مساء البارحة طلبت مني أن أكون ماثيو الأول لا شكسبير الثاني ، لذا أن أطلب منك الآن ، أن تجلسي على الأريكة لنضع الخطوط العريضة لخطتنا.

صمت الجميع لثواني حتى همست روكسانا:

– أفلت يدي ، لقد أصبحت تؤلمني حقاً.

أفلتها ماثيو بسرعة وقد شعر بالانزعاج من موقفه هذا ، كيف يفعل و يقول كل هذا بدون تفكير؟  هل أصابته بعدوى الاندفاع أم ماذا؟ لتشير آني لهما بأنه عليهم حقاً أن يتناقشوا ليدخل الجميع إلى الصالة مختارين أماكن جلوسهم بعشوائية بعد جلوس روكسانا قالت حالاً:

– انظراً ، الموضوع واضح جداً ، بدون أي تعقيد، هناك من سجن إيزابيلا لمدة شهر في الغرفة الموجودة في العلية  لعدة أسباب منها: سرقة السيف و بيعه، ثانياً: من أجل غايات في نفسه أخرى طبعاً ، و في إحدى المرات استطاعت إيزابيلا الهرب لترسم الشيفرة خاصة بالموقع الذي يُعرض السيف به للبيع و قد قُتلت طبعاً ، لكن الأسئلة هنا: أين جثتها؟ وما الذي استفاد منه القاتل من قتلها؟.

تابع ماثيو : و أهم سؤال ، من هو القاتل؟.

ساد الصمت للحظات ، لكن في رأس روكسانا هناك فكرة تعبث بعقلها ، نهضت عن الأريكة وصعدت السلالم بسرعة ، و عادت بسرعة أيضاً وبيدها هاتفها النقال وأمرت آني وماثيو بالصمت بحركة من أصبعها بعد أن وضعت مكبر الصوت، خرج صوت رجلٍ، قالت مع رسم ابتسامة على وجهها:

– فاسيلي! كيف حالك صديقي؟.

– خرج صوت شاب يبدو من صوته بأنه مرح: بخير روكس وأنت؟.

– بخير ، أنظر ، هل هناك أحد بجانبك؟.

– انتظري لحظة ، نعم لا يوجد أحد الآن ، ما الخطب؟.

– انظر، أريد منك أن تصل إلى موقع فيكيلسون للبيع الإلكتروني و تجد لي من عرض سيفاً ذا غمد أحمر للبيع ؟ سأرسل لك الصورة.

قال الشاب بسخرية: حقاً ؟.

أضافت روكسانا بجدية وحزم: نعم فاس ، الأمر ضروري حقاً.

ساد الصمت للحظة، ، لكن فاسيلي تابع بعد أن استشعر الجدية بكلام صديقته:

– لكن الأمر سيستغرق وقتاً.

– كم؟.

– يوماً على الأقل.

صُدمت روكسانا وأرادت أن تسأله العديد من الأسئلة لكنه سد الطريق في وجهها ليقول:

– الأمر معقد ، لكن سأحاول.

– أشكرك ، إلى اللقاء.

أغلقت الخط و رمت الهاتف جانبها و نظرت إلى ماثيو وآني بحيرة ، ما الذي عليهم فعله الآن ؟ كان الجميع ينظر إلى بعضه البعض محاولاً فهم الخطوة التالية ، لكن لا أمل ، حاول ماثيو إيجاد مخرج. ليقول بتردد:

– لا أعرف ، لكن لما لا نحاول معرفة ما الذي كان يحدث قبل شهر مع جدتي؟.

– بحقك كيف ؟ قالت روكسانا وهي تشعر بالعجز

– لا أعرف.

قالت آني بعدم انتباه: المذكرات.

تبادل ماثيو وروكسانا النظرات، لتقفز روكسانا وتحضن آني و تقول:

– أنتِ الأروع يا فتاة ! لا أعرف مدى روعتك!.

كان ماثيو قد وصل حرفياً إلى الغرفة المقفلة التي أصبحت مفتوحة بعد كسر روكسانا للباب ، و لحقت به كل من آني وقريبته ، جلس الثلاثة على الأريكة ، ماثيو في المنتصف وآني وروكسانا على جانبيه ، فتح ماثيو الدفتر متجهاً نحو الصفحات الأخيرة ، توقف عند أحد الصفحات التاريخ جذبه، فهو ما يبحث عنه، بدأ القراءة بصوت عالٍ:

– 7/ 6 / 2011:

مرحباً ، اليوم أشعر بشعور غريب ، لا أعرف لما؟  لكن تقريباً هو شعور بالضيق، رؤية ريتشارد كل يوم يجعلني أشعر بالحنين إلى الماضي ، إلى ابنتنا التي لم يعرف أحد بوجودها سواي ، كم يحزنني ويؤلمني موتها ، كم أشعر بأن العهد الغبي الذي قطعته يوماً في مراهقتي بخزني كخنجر في قلبي!. كيف لن أخبر ريتشارد بوجود إيميليا و وفاتها ؟ لكن علي أن أتحمل عهدي ، و لا استطيع نسيان فقدان ريتشارد لذاكرته !

اللعنة أنه لا يتذكرني ولا يتذكر حبنا ! وإضافة إلى هذا، حقاً إن هيلسي أصبحت تصرفاتها تزعجني ، تخلت عن روكسانا ولم تعد تعيريها أي اهتمام ، فوق كل الأذية التي سببتها لها في طفولتها لم تقدم لها أي شيء الآن ، بل رمتها ببرودة دم في منزل مظلم لوحدها ، وقد أصبحت زياراتها كثيرة جداً إلى منزلي ، أحاول إرجاعها إلى صوابها لكنها تقول لي: تعلمت التفريق بين بناتي منك أمي ، لا داعي لأن تخبريني بأسرار مهنتك هذه ، مما يجعلني أشعر بالغيظ! حمقاء.

توقف ماثيو عن القراءة، لمراعاة مشاعر روكسانا أولاً، ولأن هذه الصفحة قد انتهت ثانياً ، قالت روكسانا وهي تتظاهر بالتماسك:

– هيا انتقل إلى الصفحة التالية.

نفذ ماثيو ما أخبرته به روكسانا بهدوء وعاد للقراءة مع إنصات آني وروكسانا لكل حرف يقوله:

– 8/ 6 / 2011:

مرحباً لا جديد لدي ، لكن شعور الغيظ هذا ما زال يراودني شعور الألم وبأن نهايتي قد اقتربت يخفيني ، أشعر بأني ارتكبت العديد من الأخطاء في حياتي ، لا أعرف لما لكن أنا خائفة ، خائفة جداً من كل شيء ، من كل من هم حولي ، أشعر بأني سأُجن! خفت زيارات ماثيو و روكسانا بطلب مني ، لوحدي في جنتي التي أشعر بأنها جحيمي أنا الآن.

وانقطعت هنا عن الكتابة  فتوقف ماثيو عن القراءة ، كان يشعر بالضياع ، فهو حرفياً لم يعد يعرف أي شيء الآن ، كل الأدلة التي يملكوها الآن قد تُبطل بسبب خروج دليل آخر، هل سيستند على روكسانا؟ هي بحاجة إلى من تستند إليه وتبكي على كتفه، هل سيتسند على آني؟ بالطبع لا!، أنها طفلة أقحمها فضولها في هذه المشكلة الشائكة ، هل ينسحب؟ إن انسحب فسيبقى شبح جدته يطارده طوال عمره إلى وفاته ، هل سيستمر؟ طبعاً، وعليه أن يدعم روكسانا الضائعة وآني المصدومة ليتابعوا التحقيق ، ألقى نظره على روكسانا التي كانت في عالم أفكارها ، عانت كثيراً في حياتها ، هي أشبه بالفتاة المحطمة التي تتظاهر بأنها متماسكة و بخير، ابتسم ابتسامة نابعة من قلبه بصدق، وقال لها:

– تماسكي روكسن و دعينا نكمل، من أجل أن تهدأ روح جدتنا.

بقيت صامتة للحظة، حتى جاء صوت آني المشبع بالحزن والألم:

– أعتقد بأنه علينا ثلاثتنا أن نستمد من ألم الماضي قوة للحاضر ، لأنه لو سمحنا له فسيدمرنا سيحطمنا إلى أشلاء ، هل ستسمحان للماضي بأن يحطكم! هيا يا روكسانا أنت بالذات ، عندما التقيتك للمرة الأولى لم تكوني هكذا ! انهضي وعودي لصخبك من جديد ، جميعنا نعرف بأنك لست الفتاة الكاملة أو المثالية و بأنك الفتاة التي تمتلك آلاف العيوب و ماضٍ يبكي له الحجر ! لكن انهضي فقط ، من أجل إيزابيلا، من أجلي، من أجل ماثيو، من أجل نفسك.

رفعت روكسانا رأسها راسمة ابتسامة أشرقت على وجهها الجميل ، نهضت و تجولت في أركان الغرفة كأنها تحاول استخراج أي دليل منها جدرانها ، كأنها تنتظر من الجدران أن تحكي ما حل لصاحبتها ، لكن لا معجزات تحدث ، أطلقت تنهيدة تنم عن عجزها،  وماثيو وآني يراقبان بحذر، فكرت كثيراً الوقت قد بدأ يقارب السادسة مساء وهم لم يحرزوا أي تقدم ، قالت بعد انتظار طويل أنهك ماثيو وآني:

– لا أعرف حقاً يا شباب ما الذي علينا فعله.

نظر ماثيو وآني إلى بعضهما البعض، لم تتوصل روكسانا إلى شيء أيضاً ، قالت و كأنها لم تستسلم بعد و إن هناك أمل لتحرز تقدمها هذه الليلة:

– انظرا إلي جيداً ، سنقسم إلى فريقين ، ماثيو وآني ستذهبان إلى بائع الألوان لتسألاه عن المرة الأخيرة التي رأى بها جدتنا ، وأنا سأقوم بزيارة صاحبة المطعم تلك، اتفقنا؟.

هز الاثنين برأسهما موافقين، إضافة إلى ذلك، كان هناك فكرة تعبث بعقل ماثيو، متردد في تنفيذها

– سعيد حقاً بالتعرف إليكما يا رفاق!.

ابتسم جيميز وهو يقول جملته مرحباً بماثيو وآني، دائماً ما فضلت آني أسلوب الأسئلة المباشرة، لذا قالت لجيميز مرفقة كلامها بابتسامة:

– سيد جيميز، كنت أريد أن أستفسر عن شيء.

– تفضلي بنيتي.

– متى هي المرأة الأخيرة التي رأيت بها السيدة إيزابيلا؟.

حك جيميز لحيته وهو يفكر، حتى صاح بمرح:

– قبل أسبوعين من وفاتها! كانت تشتري بعض الألوان، اهتمت باللون الأحمر كثيراً.

انصدم الاثنين، قبل أسبوعين من وفاتها ! كيف؟ سألته آني حالاً:

– باللون الأحمر؟.

– نعم ، و كانت تتعبني بطلباتها، كانت تريد درجات مثل درجات الدماء.

صمت للحظات كأنه متردد في قول تكملة جملته، لكنه قال هامساً:

– حتى أنها في إحدى المرات جرحت يدها لتريني ما هي الدرجة التي تريدها.

بدت علامات الصدمة ظاهرة بقوة على وجه ماثيو وآني ، تدخلت آني لتحاول سحب كم أكبر من المعلومات:

– هل رأيت اللوحة بعد ذلك؟.

– أبداً ، تمنيت ذلك لكنها رحلت إلى العالم الأخر. ، لم أرها و لم أر لوحتها مرة أخرى.

تنهد كل من آني و ماثيو ، شكراً جيميز ، و خرجا من المحل ، إذاً إصابة إيزابيلا بوعكة صحية كذبة ، لقد كانت محتجزة وهربت عدة مرات ، قالت آني وهي ترفع رأسها للسماء:

– رغم أننا بالصيف ، لكن الجو بارد جداً.

– أنا نادم مثلك على عدم ارتدائي أي شيء سوى هذا القميص.

– هيا نعد إلى المنزل.

– قال ماثيو بلهجة تعالي : من قال لك بأننا سنعود للمنزل ؟ هناك أمر علينا لم نفعله بعد آني.

رمقته آني بنظرات مستفهمة ، ما الذي يقصده، لكنه كان قد بدأ بالسير حقاً، فجرت خلفه حتى عادا يمشيان على ذات السوية، ذاهبان معاً ليعرفا، هل هذا اللقاء سيفيدهما أم لا؟.

كانت روكسانا تشعر بالضيق لأن الدليل الأخير الذي كانت قد تحصل عليه تحطم على الأرض ككأس زجاجي ، أزعجتها زيارة منزل صاحبة المطعم الذي اتضح بأنها عادت إلى فرنسا حيث ابنتها منذ ثلاثة أعوام مضت ، وعرفت ذلك من أحد الجارات الفضوليات ، أشغلت محرك السيارة الحمراء التي استأجرتها بعد أن حصلت على مال من حساب جدتها المصرفي ، قادت نحو المنزل وهي تشعر بأن الدنيا بوسعها قد ضاقت عليها، لما الحظ يجانبها بهذه الطريقة البشعة ؟ كانت تشعر بالقلق، هل حظ ماثيو وآني كان بشعاً كحظها؟  بعد ربع ساعة من القيادة وصلت ، فتحت الباب متوقعة وجود ماثيو في المنزل، صاحت باسمه كثيراً ، لكن لا مجيب.

– هل حقاً قدمت لتجعلني أفتح لك اللوحات!.

– نعم ريتشارد.

رمق ريتشارد ماثيو بنظرات حادة  حتى تراجع ماثيو ليقول :

– أقصد ، نعم جدي.

لم يكن يتوقع أن يكون ريتشارد حساساً تجاه هذه النقطة ، و رغم كل توسلات ماثيو لريتشارد لم يوافق ، حتى تدخلت آني وقالت:

– من أجلي جدي! هيا ستساعدنا كثيراً أنا وحفيدك الآخر الكبير!.

ابتسم ريتشارد كأنه كان ينتظر هذه الكلمات حتى يوافق، أمرهما أن يتجها خلفه إلى الطابق الثاني. صعد الثلاثة إلى هناك وفتح أول ست لوحات، كانت كلها تجسد مواقف لريتشارد وإيزابيلا في صباهما! مما صدم ريتشارد حقاً فهو حتماً لا يذكر شيئاً من هذه المواقف ، رغم ذلك ابتسم كأنه يشتاق لحنين أيام الماضي ، فجأة وصت الهمسات من قبل ماثيو وآني، صاح ريتشارد:

– هناك لوحة أعطتني إياها إيزابيلا قبل موتها بثلاثة أيام! لقد رأيتها قبل وفاتها بثلاثة أيام! اللعنة على ذاكرتي الضعيفة ! كيف نسيت هذا ؟ كانت مرهقة آنذاك و متعبة ، كانت مريضة ، أخبرتني بأنني لن استطيع أن أراها مرة أخرى ، قالت لي ، أكمل بتردد ، و رفع نظره ليلاقي نظرات ماثيو: قالت لي بأنها تحبني.

ارتسمت علامات الدهشة على وجه آني وماثيو، وجرى ريتشارد نحو اللوحة المغلفة بورق تغليف ذهبي، مزق الورق لتترأى اللوحة أمامهم ، نعم، لم يحصلوا هذه المرة على طرف الخيط بل عثروا على حل القضية كله.

– أين كنتما كل هذا الوقت؟.

قال ماثيو ببرود : لقد عرفنا من هو القاتل.

– من؟

ابتسمت آني: هيلسي.

 

الفصل السادس:

نتيجة المطاردة:

” مسدسات ، طلقات نارية ،  إطلاق نار ، دماء متناثرة ، ظالم ومظلوم ، هذه هي أساسيات الجريمة”.

تنفست روكسانا بصعوبة فلم تتوقع أن تكون والدتها هي القاتلة ! طلبت من ماثيو أن ينكر ما قالته آني لكنه أكد ذلك ، أخرج هاتفه ليريها صورة اللوحة. ما كل هذه الدماء ؟ كانت اللوحة تصور هيلسي وبيدها سكين وإيزابيلا تجلس على الأرض مكبلة بهذه الغرفة المشؤومة ، شعرت بأن الدنيا تكرهها ، والدتها هي من قتلت جدتها ! صعدت إلى غرفتها بسرعة كأن الحل يكمن هناك ، طلب ماثيو من آني أن يسمحا لروكسانا بأن تبقى لبعض الوقت لوحدها، لكنه صدم بها تنزل السلالم حاملة بيدها حقيبتها وتقول:

– لن يسطع خيط الشمس الأول قبل أن ألقي القبض على تلك المجرمة اللعينة ! التقط.

التقط ماثيو الحقيبة التي رمتها، فتحها فرأى بها عدة مسدسات ! صدم بها، نظر لها نظرات شك لتوضح له:

– لقد ربحتها في مراهقتي عندما كنا نلعب البوكر. لم أتخلص منها لاعتقادي بأنني سأحتاجها يوماً ما، لكن انظر! ها قد صحت ظنوني.

توقفت للحظة قبل أن تهم بالخروج، لتوجه كلامها لآني:

– لن تأتي معنا آني، لن أخاطر بك.

– بل سآتي و لا مجال للنقاش.

تبادلتا النظرات ، نظرات روكسانا الأمرة بالتراجع ، و نظرات آني التي ترفض هذا القرار، تنهدت روكسانا وهي تنظر إليها بحدة وقالت:

– لا تكوني عنيدة واستمعي إلي؟.

قوست آني حاجبيها بغضب وقالت: سأكون عنيدة وسأذهب، الأمر يعنيني كما يعني لكما!.

شعر ماثيو بأن الجو قد اشتعل بين الفتاتين، ابتسم بخوف وقال بصوت منخفض:

– لن تتأذى ، سنحميها لا تقلقي.

استسلمت روكسانا وسارت نحو السيارة المركونة أمام المنزل، رغم طلاءها القديم الأحمر وأبوابها المتهالكة لكنها في نظر روكسانا أفضل سيارة في العالم! ارتمت بالمقعد الأمامي ليرتمي ماثيو بجانبها ، وآني في المقعد الخلفي، بدأت القيادة نحو منزل والدتها هيلسي ، هي تعرفه حق المعرفة، قطع رنين هاتفها الصمت معلناً وصل رسالة، رمقته بطرفه عينها لترى اسم فاس يزين الشاشة ، التقطت الهاتف وابتسمت:

– رفاق، نظريتكما بالتأكيد صحيحة، ها قد أخبرني فاس بأن من عرض السيف للبيع هو هيلسي ، بعد تاريخ وفاة جدتي بأسبوع.

ابتسم ماثيو وآني، وابتسمت هي أيضاً، رغم أنها تشعر بالندم للفعل الذي ستقترفه ، فرغم كل شيء ما زالت تحب والدتها ، شعرت بأنها تحتاج لأحد تحدثه ، بدأت التكلم ونظرها يتناقل من المرآة الأمامية إلى الخلفية ، رغم تركيزها في القيادة، كانت تستحضر ماضيها بكل دقة:

– انصتا إلي يا رفيقيِّ. كنت في السابعة من عمري عندما توفي والدي ، كنت أحب والدي بشدة ، كنت متعلقة به لأنه كان دائماً الفارس خاصتي ، كان يقيني من غضب والدتي ، عندما توفيَّ  كذبت جدتي علي وقالت بأن ذهب في رحلة وسيعود، وانتظرته لكنه لم يعد ، تعرفون خيبة أمل الطفل؟ المهم ربتني والدتي لوحدها إلى أن أصبح عمري سبعة عشر عاماً ، طبعاً لم تكن والدتي الوالدة المثالية أو حتى المقربة من ابنتها ، لم تستطع حل مكان والدي أبداً بل كانت تحضر كل ليلة العشرات من زجاجات الشراب والشبان إلى منزلنا، لم يكن حتى هؤلاء الشبان بالجيدي ن، كنت احصل على حصة وفيرة من الكلمات المهينة منها ومنهم ، والنظرات المثيرة للتقزز والاشمئزاز والخوف. ، كنت أحبس نفسي في غرفتي خائفة كل مساء، أصبحت أحب الظلام بل أعشقه ، لقد كان حانياً علي أكثر من أمي ، رغم ذلك لم أكرها أبداً! أحببتها حقاً ، لكني شعرت ببعض الحزن فقط ،

عندما أكملت السابعة عشر وظبت أغراضها متخيلة عني من أجل زواجها الثاني ، فزوجها لا يريد أحداً معها لأبقى لوحدي في ذلك البيت المظلم ، الجميع يتربص بي ! كنت لا استطيع النوم بسبب تخيلاتي المريضة ، كنت مرتعبة لا يد تمسكني أو كتفاً لأبكي عليه ، بل فوق كل ذلك حتى الاتصالات الهاتفية لوالدتي انقطعت بعد إنجابها أختي تلك ، لقد رأيتها مرتين فقط ، لكن أنظرا كم أني حمقاء! ما زلت أشعر بالندم لإلقاء القبض على أمي ، لكن إن أردت التفكير فبالطبع كانت جدتي أفضل من أمي في جميع مراحل حياتي ، كنت أقضي كل وقتي عندها، كنت أعتبرها أمي، كانت قريبة مني وتعرف كل أسراري ومشاعري، لذا، أعتقد بأن إحساسي بالندم هذا سيزول بعد قليل.

صمت ماثيو و لم يعلق ، لكن صوت آني جعله يلتفت إليها:

– أتعرفين روكسن …صحيح بأنني عشت مع كلا والدي لمدة سبع سنوات ، لكن بعد وفاة والدتي بالسرطان ولاتنسي بأنها عانت منه لسنتين .. سنتين كانتا كالجحيم .. تخلى عني والدي بعد موتها، لقد صعقه ذلك .. لا أعرف لما أعتبرني سبب وفاتها! لا أعرف لما تهرب من تربيتي ؟ ، أشعر بالذنب كلما أتذكر بأنني السبب في منع خالتي من تكوين أسرة .. لو توفيت أنا وبقية والدتي حية كان ذلك أفضل . 

عاد الصمت ليحتل أركان السيارة ، لم يكن بالصمت المخيف هذه المرة بل كان الصمت الذي سيتيح لكلٍ منهم بأن يفكر في ظروف الأخر، بنظر ماثيو هو صاحب الظروف الأفضل بين المجموعة، لا يعرف لما لم يكن يحب والديه أو بالأحرى هو لم يرى منهما الحنان الكافي ، عندما احتاجهما بحق لم يوجدا ، عندما أراد من يدعمه استهزئوا به، تفسر جدته هذا لأنهما يريدان أن يعتمد على نفسه ، لم يرد لجدته أن تعرف بأنه يفكر بطريقة مختلفة ، بأنه حتى بعد وفاة والديه بحادث السير ذاك لم يشعر بالحزن ، لقد أفتقد الحنان والعاطفة الأسرية في طفولته ، لم يفهم  لما؟ ! لما لم يحباها والدها! هل كان عائقاً؟ ما هو التفسير؟ لكن على أي حال كانت ظروفه أفضل من ظروف روكسانا بشدة. فآني تعيش مع خالتها الحنون المحبة ، شعر بالسيارة تتوقف وسط تفكيره بعمق، لتقول روكسانا و هي تنظر له:

– هيا ماثيو ، إن أردت التراجع فلا مشكلة.

هبط ماثيو ولم يناقشها بشيء ، وهبطت آني معهما. كانت روكسانا قد اخفت بالفعل المسدس تحت ملابسها، وهي تدرك بأنها لن تحتاجه ، لكن من يعرف؟ طرقت الباب عدة طرقات ، هي لم ترى والدتها منذ ثلاث سنوات ، كادت ملامحها تختفي ، لم يكن هناك مجيب ، عادت لتطرق الباب بقوة أكبر ، حتى سمعت صوت صراخ من الداخل:

– قادمة ، قادمة! من هذا بحق الجحيم؟.

فُتح الباب وتلاقت نظرات روكسانا بنظرات أمها ، و بدون كلام دخلت روكسانا المنزل ولحقت بها آني ، بينما بقي ماثيو متردداً في الدخول ، لكن بإشارة من هيلسي تشجعه على الدخول ، أصبح الأربعة في الصالة ، و الصمت خامسهم ، لكن روكسانا أرادت قطع هذا الصمت الخانق ، فقالت وهي تنظر إلى عيني أمها:

– لما قتلتها؟.

– لم أقتل أحداً.

– قتلتي إيزابيلا ، لقد رسمت لوحة أعطتها لريتشارد قبل أن تقتليها.

أطلقت هيلسي ضحكة صغيرة، فتابعت روكسانا بوتيرة الصوت نفسها:

– أين جثتها؟.

– حرقتها و رميت رمادها في حوض المطبخ.

– ألا تملكين ضمير؟.

صاحت آني و قد بدا الاستنكار على وجهها لتقول هيلسي بلا مبالاة:

– ما عشته من فشل في علاقاتي الاجتماعية والعاطفية و تفريق إيزابيلا بيني وبين إيميليا كان كفيلاً بأن أحقد عليها ، تخيلي أنا الابنة الشرعية وإيميليا هي ابنتها الغير شرعية ! لكن رغم هذا أحبتها أكثر مني ، أتعرفين كان عقلي دائماً ما يخبرني بأن أكون أكثر نضجاً وأتعقل من الأفكار التي يبثها قلبي ، لكن قلبي بقي صامداً و أراد الانتقام! فأنصت له ،  نعم ، من قال بأن القلب يجرنا إلى الهلاك ؟ كان قد عايش ما عشته ، لكن دعيني أكون صريحة ، أنا حتى الآن لا اشعر بأي ندم ، فحقاً كلما أتذكر مشهد حرقي لجثتها وحبسها في تلك الغرفة لشهر كامل يجعلني أكاد أطير فرحاً!

لم تعد آني تستطيع تحمل كل هذا الكم من الشر،  صاحت بهيلسي:

– أحقاً ما تقولين ! هل هناك من يستلذ بقتل والدته ؟ بحقك!.

– نعم أيتها الشقية ، استمتعت بذلك كثيراً و خاصةً بان استدراج والدتي لم يكن بالسهل.

قال ماثيو وعلامات الاشمئزاز تطاير من عينيه:

– لقد ولدت و بذرة الشر ، ولدت في قلبك فها قد عايشت روكسانا ظروفاً أبشع من ظروفك! أنت عشت مع والدتك ولم تتخلى عنك ، لكنك لم تفعلي ذلك ، ببساطة لقد اختارك القدر لأن تكوني امرأة شريرة.

ضحكت هيلسي  لتنظر إلى ماثيو وتقول:

– صغيري ، تعابيرك جميلة جداً!.

نظرت روكسانا لوالدتها وقالت بعد صمتها الطويل: لم نأتي لنضحك معك ، لقد أتينا للقبض عليكِ هيلسي.

قالت هيلسي مرفقة كلامها بابتسامة: في أحلامك الوردية صغيرتي.

صُدمت روكسانا من كلام أمها، كيف ستمنعها؟. نهضت هيلسي من على الأريكة وقالت:

– لن أسمح لكم بأن تهدموا ما خططت له لسنوات ، برأيك هل سأبتسم لكِ وأجعلك تقتاديني إلى السجن وسط دموع الندم والحزن؟ أنا لست هذه المرأة.

– أنت لست هذه المرأة ، وأنا لست ابنة المرأة التي تندم بالنهاية مهما بغضتك والدتي الغالية هناك شيء من جيناتك الشيطانية داخلي.

رفعت هيلسي حاجبيها باستنكار وسخرية واستهزاء لتخرج روكسانا المسدس لتضعه برأس والدتها ، تفاجأت هيلسي بشدة من فعل ابنتها ! أخرج ماثيو هاتفه من جيبه و بدا كأنه يجري مكالمة ، قالت روكسانا لوالدتها:

– قولي تفاصيل جريمتك ، لدينا بعض الوقت لندردش مع بعضنا البعض قبل قدوم الشرطة.

ابتسمت هيلسي وقالت وقد ثبتت نظرها بنظر ابنتها:

– لن أتكلم.

زادت روكسانا من حدة نظراتها و بدأت تشد على رأس والدتها بفوهة المسدس لتبتسم هيلسي وتقول:

– حسناً اهدئي أيتها المجنونة ! لا أعرف لما يهمك الأمر ؟ لكن كما قلت ، نحن نملك بعض الوقت. بكل بساطة  كثفت زياراتي لجدتك بشدة ، حاولت أن تجعلها تستعيد ثقتها بي ،  و نجحت صراحة لكن كان الأمر صعباً ، ثم طلبت منها في إحدى المرة أن تصعد معي إلى العلية للبحث عن مطرقة، أخبرتني بأنها من المستحيل أن تكون هناك لكنها أتت ، أخبرتها بأن تنتظرني ، انتظرتني حقاً، و كنت قد جلبت كوبين من العصير، يحوي خاصتها على منوم ، شربته بدون تردد، ثم ببساطة احتجزتها بالغرفة السرية وراء الخزانة ، تتساءلين من أين قدمت ؟ لقد صممها والدي سراً لتكون مخبأً لي ولألعابي ، مساحة إضافية هذا ما قاله ،

للأسف توقعاته لم تكن في ماكنها ، حبستها هناك ، استطاعت الهرب عدة مرات لكني كنت أعيدها كل مرة بتهديدي بقتلك أو قتل ماثيو ، كانت توافق على العودة ، ثم شعرت بأنه حان الوقت للتخلص منها بعد أن عذبتها كما تشتهي نفسي ، جعلتها تشرب كأسا من العصير الذي يحوي سماً و ماتت ببساطة ، أخرجتها جثتها ليلاً و وضعتها في صندوق السيارة ، أحرقت جثتها عند وصولي في الباحة الخلفية، كما تعلمين زوجي وابنتي في لندن ، صغيرتي تعاني من وعكة صحية وهي تتعالج الآن ، المهم بكل بساطة كما قلت لك سابقاً رميت رماد الجثة في حوض المطبخ.

كانت روكسانا تشعر بالتقزز من والدتها ، حقاً كيف فعلت كل هذا ؟ نظرت إلى آني و كانت تبكي حقاً. أرادت استثمار ما تبقى من وقت لتقول بجدية أكبر:

– السيف؟.

– أحتاج إلى المال من أجل يوري.

رمت أخر سؤالاً لديها و قالت : لما عدت للمنزل في ذلك اليوم؟.

ابتسمت هيلسي و قالت:

– أحتاج بعضاً من المال ، أردت رؤية ما يصلح للبيع.

بعد دقائق جاء ماثيو و قد أغلق الخط:

– الشرطة بالطريق.

ابتسمت هيلسي ، رفعت رأسها كأنها ترفض أن تنزله أياً كان السبب ، لتقول لروكسانا:

– أتعرفين ؟ لقد هزمتني ، لكن هزمتني في هذه الحرب و ليس في كل المعركة ، كوني واثقة بأنه سيكون هناك لقاءات أخرى لنا.

لم تعر روكسانا هذا الكلام اهتمام ، فأي مجرم يقول ما قالته والدتها ليداري خسارته.

12/7/2015:

كانت تجلس لوحدها في المقهى الذي اعتادت على ارتياده كلما أرادت زيارة المنطقة هنا ، كانت تنظر بين حين و أخر لساعتها بانزعاج والتأفف باد على وجهها و هي تنتظر قدومه لما تأخر ! لم تتغير كثيراً ما زال مظهرها الفوضوي ذاته وتصرفاتها الطائشة ذاتها، وعيوبها الكثيرة ذاتها ، لكن هناك أمر واحد تغير ، فبعد دارستها التحقيق أصبحت أكثر حيوية ، على الأقل وجدت شغفها في الحياة ، رأته قادماً نحوها و هو يجري لمعرفته بتأخره ، أشارت له بيدها بأنها ستقتله حتماً ، جرى بأسرع ما عنده و ارتمى على الكرسي أمامها ، قال لها:

– أعتذر روكسن.

– تعودت على تأخرك ماثيو ، المهم لقد أبهرتنا بمسرحيتك الأخيرة يا رجل ! ما كل هذا الإبداع ؟ صحيح بأنني ساعدتك بها لكن اللعنة أنها مذهلة!.

– نعم ، أنت تعرفين بأن النجاحات توالت بعد كتابتي مسرحية عام 2012م .

– كل هذا بفضلي!.

قال و هو يرفق كلامه بابتسامة ساخرة : كنت مخطئاً عندما اعترفت لكِ بأني استمديت شخصية البطلة منك!.

ضحك الاثنين ، شعرا بأحد يسحب كرسي ويجلس و يقول بتأفف:

– رفاق ، لن تتخيلوا ماذا حدث!.

ابتسمت روكسانا و قالت بمرح:

– و ماذا حدث للشقية آني؟.

نظرت آني وقد حاولت إخفاء ضحكتها وفرحتها بسبيل المزاح:

– دارين وافقت على أن تتزوج أخيراً.

قفزت روكسانا لتحضن آني التي أصبحت في السابع عشرة ، لقد أصبحت شابة ، و لنقل بأنها تريد امتهان العزف ، بعد ربع ساعة كان ريتشارد قد انضم إليهم ، بعد تذكره لأغلبية الأحداث التي جمعته مع إيزابيلا، أصبح طوقها لا يفارق عنقه. يتبادل ماثيو وروكسانا النظرات الفرحة لهذه النهاية السعيدة ، كلاهما لم يتخلى عن أحدى صفاته،  حتى لو كانت خاطئة ، كلاهما نجح بحياته العملية ، لكنهما ما زالان فاشلان بالعلاقات العاطفية وسيبقيان.

بالنهاية لقد أكملا بعضهما البعض ، و لولا ذلك اللقاء الذي حاكه القدر لكانا ما زالا في حفرة الفشل تلك ، في حفرة الاكتئاب والتعاسة ، كان الرجل العجوز على حق ،  ذلك اليوم غير حياتهما.

النهاية…..

تاريخ النشر : 2021-05-18

اية

سوريا
guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى