أدب الرعب والعام

كارثة التشابه

بقلم : منى شكري العبود – سوريا

ماذا لو كنا جميعنا في شكل واحد ، كيف سيغدو حال الكون ؟
ماذا لو كنا جميعنا في شكل واحد ، كيف سيغدو حال الكون ؟

لم أسامح أخي التؤام يوماً ، كثيراً ما كنت أفكر كيف لو كان العالم بأسره متشابه ؟ بالتأكيد ستغدو الحياة كارثية كما كانت حياتي بصحبة أخي ، وُلدت قبله بثلاثة دقائق ، لهذا غدوت الأبن المدلل ، عندما دب الإدراك فينا اشتعلت بيننا نار الغيرة ، فكان يشرب كوب حليبي على أنه أنا بعد أن يشرب كوب حليبه سراً ، و يتناول شطيرتي على أنه أنا بعد أن يتناول شطيرته سراً ، فأغدو أكثر الأحيان دون طعام أو شراب ، و عندما اعترض وأخبرهم بما فعل كان ينعتني بالكاذب و يسرف في دموعه إلى أن تصدقه أمي و تكذبني ،

استمرت تلك الحالة سنين طويلة ، إلى أن التصق بي لقب الكاذب لدرجة استخدامه بدلاً من اسمي في مناداتي ، غدوت بسببه منبوذاً كاذباً لصاً ، فكثيراً ما كان يفتعل المشاكل تحت اسمي  ثم يعود مهرولاً نحو والداي يخبرهم بأنني ارتكبت المشاكل ، لأعاقب بشتى الطرق ، إلى أن سئم والداي أفعالي التي لم أفعلها وطردوني خارج المنزل ، بكيت بحدة وأنا أقسم على براءتي مما ذكر ، لكنهم لم يصدقوني، نظرت إلى أخي أرجوه ألا يفعلها ، وجدت وجهه مزين بابتسامة نصر، رمقني والداي بنظرة خيبة ثم دخلا المنزل ، صرخت في وجه أخي التوأم:

– كفى ، ماذا تريد أكثر من ذلك ، ما الذي فعلته لك لتفعل بي كل هذا؟.
ضحك بسخرية ، اقترب مني هامساً في أذني:
– ذنبك أنك وُلدت تشبهني أولاً ، و هذه ضريبة التشابه ، و ثانياً أنك ولدت قبلي بثلاثة دقائق.

– أيها الوغد إلى أين سأذهب؟.
ضحك بسخرية مستفزة ثم أجابني:
– فلتغدو كالمشردين ، مكانك بينهم.

غدوت أجوب الطرقات بحثاً عن مأوى ، أنظر في وجوه العامة ، ماذا لو كنا جميعنا في شكل واحد ، كيف سيغدو حال الكون ؟ لن تفلح أسماؤنا بتمييزنا كما لم يفلح اسمي ، لن تفلح أمهاتنا بتفرقتنا كما لم تفلح أمي ، لن تميزنا ثيابنا كما لم تميزني عن أخي ، لهذا خطر لي أن أغير في وجهي كي لا أشبهه، ضحكت بشدة و كأنني وجدت طوق النجاة ، وجهت دفة تفكيري كيف أغير شكل وجهي ، هرولت إلى الحلاق (العم محسن) ، باغته لاهثاً متعثراً بكلماتي:

– أرجوك أريد تغيير لون شعري الذهبي إلى اللون أسود ، و أريد وضع علامة فارقة بحاجبي الأيسر.
رمقني الحلاق الكهل بحدة ، ثم لفظ على مسمعي بعد أن تمتم كثيراً:
– هل من مصائب جديدة يا وليد ؟.

رمقته بحدة ، حاولت تدارك غضبي لكنني لم أفلح ، فانفجرت في وجهه أصرخ:
– لم ارتكب المشاكل يوماً ، أخي وائل من كان يفعلها يا هذا.
– الفرق بينك و بين وائل أنك انفعالي بحدة ، بينما وائل لطيف وهادئ.
صرخت بحنق شديد:
– هذا أنا.

نظر لي بدهشة ! ثم سألني:
– من أنت ؟.
هدئت من نبرة صوتي:
– أنا وليد ، أنا الشخص الهادئ اللطيف ، أخي قد خدع الجميع بسبب غيرته التي أعمت بصيرته فأنسته أنني أخاه.
– كيف ذلك يا وليد؟.

– الشبه بيننا يا عم محسن ، لا يحتاج الأمر لأكثر من ذلك ، بعد كل مصيبة كان يرتكبها يذيلها باسمي لأعاقب أنا ، إلى أن طردني والداي من المنزل، غدوت بسببه لصاً و كاذباً و منبوذاً ، أريد تغيير شكلي كي لا أشبهه ، كي أتبرئ من أفعاله القادمة.
هز العم محسن رأسه ، أطرق رأسه بينما يده اليمنى تفرك جبينه و كأنه يفكر بشيء ما ، ثم قال:

– لك ذلك يا وليد ، أنني أصدقك ، لهذا سأساعدك.

لون شعري قد غير شكلي حتى أنني استغربت نفسي ، وضع لي العم محسن الحناء على كفوف يدي وقدمي بعد أن وضع علامة فارقة بضرب أحدثه في حاجبي الأيسر، وطلب مني ألا يراني أحد أبداً هذه الفترة إلى أن تظهر براءتي ، آواني في منزله ، فقد كان وحيداً ، جلست بصحبته ما يقارب الأسبوعين ، إلى أن وصلني خبر أنني في الشرطة ، أي اسمي قد سُجل في تحقيق عملية سطو لصائغ كان في طريق عودته إلى منزله ، هرولت إلى قسم الشرطة بصحبة العم محسن لأبرئ نفسي، شهقت أمي لمرآي ، هرولت نحوي وهي تقول بحنق شديد:

– أرأيت يا وائل ما فعل وليد؟.
احتقن وجهي بالدماء ، صرخت بحنق شديد:
– أنا وليد يا أماه ، حتى تغيير لون شعري لم يفلح بأن تعرفينني.
شهقت أمي بحدة ، هرول والدي يسأل:
– إذاً من الذي ارتكب جرم السرقة؟.
تفجرت من مقلتي دموع حارقة ، رغم أنني أقف أمامهم ألا أنهم لا زالوا يتهمونني ، صرخت بحنق شديد:

– أنه مدللكم وائل من فعلها ككل مرة ، و ككل مرة يذيل مصائبه باسمي لأعاقب أنا ، رغم أنه قد قُبض عليه بالجرم المشهود وهو خلف القضبان لكنه لا زال مصراً على تشويه اسمي ، لا زال يريد عقابي دون ذنب ارتكبه ، الشبه بيني و بينه كان بالنسبة له نعمة بينما كان في حياتي نقمة ، لن أسامح أخي التؤام يوماً.

النهاية ……

تاريخ النشر : 2021-05-28

guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى