تجارب ومواقف غريبة

ليلة الثامن والعشرين من مايو2021م

بقلم : ابن اليمن – اليمن

حاولت جاهداً أن استعيد ذلك النوم النافر و لكنني لم استطع
حاولت جاهداً أن استعيد ذلك النوم النافر و لكنني لم استطع

في ليلة الثامن والعشرين من مايو أيار كنت مريض حينها فنمت من مطلع الليل حتى أنني تركت العشا و فضلت النوم عليه ، فوضعت رأسي على السرير و سريت في رحلة النوم غير أنها لم تكتمل تلك الرحلة ، فجأة لقيت نفسي مستيقظاً و اذا المكان من حولي محفوفاً بالصمت الرهيب لا حراك يدب في تلك القرية ولا عابر سبيل رغم أن الساعة التاسعة و أربعين دقيقة مساءً ! و هكذا حال القرى ينام أهلها باكراً.
 
حاولت جاهداً أن استعيد ذلك النوم النافر و لكنني لم استطع ، فقد جمح من بين أجفاني ملتحقاً بركاب الطيوف المارقة تحت جنح الليل ، خرجت من مخدعي الذي هو عبارة عن كوخ من الصفيح لا توجد به إنارة ، خرجت خطوتين للخارج ثم قعدت واحتبيت ( جلست جلسة القرفصاء ) والضيق يضغط على صدري كأنها الجبلين المحاذية لنا ، هي التي تضم جوانحي ضماً و الوحشة تستبيح الروح ، في مشهد تعذيبي مخيف ، قعدت أنظر إلى القمر الطالع من ثغر الجنوب متأخراً ، فهو في ليالي المحاق ، فبدأ المكان من حولي أكثر سحراً و غموض ، أخذ ضوء القمر يلقي بخيوطه على بيوت القرية التي كأنها خالية من السكان و كأنها من الصمت و الهدوء مخالف قوماً قد شدوا الرحيل و تركوا بقايا أطلال خياماً تعوي في جنباتها ذئاب الليل الجائعة.

و أغصان الأشجار المعّمرة تهدهدها ريح الدبور الغربية التي كانت تهب من خلف الجبل الذي يقع على يمين من حيث أنا ، أخذت أتأمل كل شيء في هذا الليل الصيفي الهادئ الطقس في غاية المثالية والرومانسية الراقية ، سماءً صحوه تماماً ، مع هبات متقطعة من رياح الغرب الموسمية ، و سكوناً لا يكدره صخب ، و كنت استعجل طلوع الفجر واضغط على زر ضوء الساعة أكثر من مرة خلال أقل من دقيقه لكي أرى كم الوقت نظراً لهول الوحشة والضيق الذي يلف كياني لأنني وحدي أقبع بجانب كوخي الذي تعزف ريح الغرب على خوصه اليابسة مواويل الشجن و موسيقى الوحدة إلى الأبد.

استمر الحال على هكذا حتى حدود منتصف الليل تماماً ، و هنا يزداد المكان وحشة وصمت ، حاولت أرجع إلى كوخي و أنام و بعد عراك مع النوم استطعت أن أروضه في محاجر عيوني فنمت ولم ادري كيف نمت لأنني فجأة وجدت نفسي مستيقظاً مرةً أخرى و لكن في حدود الساعة الواحدة و النصف بعد منتصف الليل تحيط بي أشباح الأشجان و الأحزان و طوارق الرعب والخوف ، لا أنيس و لا جليس ، و كأنني أعيش وحدي في هذا الوجود.

عدت أعارك النوم و لكنه نفر مرةً أخرى و سرا كطيف حالم يعانق حوريات الأخيلة السماوية مبتعداً عني هو الأخر ليتركني في أقسى ساعات الليل و أوحش جزء فيه وهو قبيل الفجر ببضع ساعات.
 
أغمضت عيني محاولاً استثاراه عاطفة الكرى لكي يلج عيني المنهكة من قسوة السهاد و الأرق المتكرر ، لكن الأمي تلك جعلتني انتصب جالساً ثم جلست القرفصاء على سريري المتواضع آملاً طيفاً ملائكي يلقي علي مودةً و رحمه فقد صرت في وضعاً جداً بائس مثار شفقه و مشهد استعطاف ، و لكن لم تبعث لي السماء ذلك الطيف و لا الأرض بعثته لي.

فمضيت على تلك الحالة أشعر بفراغ روحي عميق في نفسي أعمق من البحر الميت و كتب الأشجان والذكريات والأحلام الضائعة تصفعني من جميع الجهات و تعرض أمامي صفحاتها الغير مكتملة تطالبني و تلح أن أكمل ما بدأته ، صار صدري حلبة تتسابق فيها جميع طوارق الليل الموحشة ، أردت أن أهجع للمرة الثالثة فلم أفلح ، فكررت المحاولة تلو المحاولة ثم لا ادري و لعلها رحمة الله تداركتني فلم أصحو إلا والشمس قد طلعت قيد رمحين من مطلع الشرق و قد عادت الحياة للقرية مرةً أخرى و انتهت بذلك ليلة عناء أخذت مني ما أخذت من الجهد و الضنى.
 
يا تُرى ماسبب ذلك التعاري و الاستيقاظ المتكرر طوال الليل اهو طارق ليلاً شرير أم هي أشياءً أخرى ؟.
 
و للمعلومة الاستيقاض أثناء الليل يحدث معي بين الفينة والاخرى و لو لم أكن مريضاً.
 

تاريخ النشر : 2021-06-03

guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى