ألغاز تاريخية

سفاح غلاسكو المجهول

بقلم : عبدالرحمن العنزي – الكويت
للتواصل : [email protected]
اقتحم السفاح المتدين الشهرة من اوسع ابوابها
اقتحم السفاح المتدين الشهرة من اوسع ابوابها
ربما في قاموس الشرطة وفي قاموس الجميع لا يوجد هناك ما يسمى بالجريمه الكاملة ولكن على مدار التاريخ تم ارتكاب جرائم غامضة ظلت مجهولة في التاريخ ولم يجدوا لها حلا حتى الآن .. وبطل قصتنا لهذا اليوم قام بنحت اسمه في تلك القائمة ..

على غرار جاك السفاح في انجلترا في نهاية القرن التاسع عشر ، حدثت مجموعة جرائم قتل في اسكتلندا ، وعلى الرغم من عدم تجاوز هذه الجرائم لثلاث حالات قتل الا انها احدثت ضجة هائلة في تلك الفترة ، وعلى الرغم من جهود الشرطه الا انهم لم يتوصلوا الى حل ولم يتم القبض على الفاعل الى يومنا هذا ، وإليكم قصتنا ..

الزوجة الضجرة!

blank
باتريشيا دوكر

كانت باتريشيا تعمل كممرضة وكان زوجها يعمل في القوات الجوية الملكية ، وبسبب طبيعة عمل الزوج لم يكن يتواجد بالمنزل في كثير من الاوقات واضطرت باتريشيا لرعاية الاولاد لوحدها في معظم الفترات.

روتين الحياة اليومية الممل لباتريشيا انهك روحيتها فارادت ربما بعضا من السعادة وقررت اخذ طفلها الوحيد الى منزل والديها للبقاء معهم لفترة ، وبالطبع شعر الوالدان بفرحة عارمة برعايه حفيدهما وأصبح لدى باتريشيا الآن متسع لقضاء بعض الوقت الممتع وربما الذهاب لصاله للرقص!

يوم الخميس 22 فبراير 1968 طلبت باتريشيا من والديها رعايه الطفل والسماح لها للخروج وقضاء بعض الوقت في صالة الرقص الشهيرة ( بارولاند ). كانت تلك القاعه مخصصة لمن يبلغون 25 عاما واكبر ولا يسمح لدون ذلك بالدخول.

باتريشيا ارتدت اجمل ثيابها وتزينت واصلحت شعرها وخرجت الى شوارع غلاسكو المظلمة بحثا عن بعض المرح .. لكنها لم تعد الى بيتها ابدا.

في صباح اليوم التالي شاهد احد العمال اثناء توجهه لعمله شاهد شيئا غريبا ملقى على قارعة الطريق ، وباقترابه منه تبين له بأنه امام جثه أمراة عارية فقام فورا بابلاغ الشرطة.

الفحص الأولى اظهر ان الجثة لامرأة تم قتلها خنقا بواسطة جوربها وليس معها اي متعلقات خاصه تدل على شخصيتها. وأن الجثه قتلت في مكان آخر وتم رميها هنا لاحقا.

تم تمشيط المنطقة أملا بالعثور على متعلقات شخصية لكن لم يتم العثور على شيء.

قامت الشرطه باستجواب السكان القريبين من مسرح الحادثة على أمل العثور على رأس خيط يقودهم لمعرفة القاتل او سبب القتل .. لكن دون نتائج تذكر.

اثناء التحقيقات قالت امرأة انها سمعت صوت صراخ استغاثه خلال ساعات الفجر الاولى من صباح 23 فبراير لكن هذه المعلومة لم تقد الى شيء واضح وملموس.

الشرطه توصلت إلى ان حفلا نظمه احد الصحفيين بالقرب من مسرح الجريمه ليلة الحادثة ، وقامت الشرطة بالتحقيق مع الاشخاص الذين حضروا الحفل لعل احدهم سمع او رأى شيئا .. لكن لا جديد يذكر.

وعلى امل العثور على متعلقات شخصية للضحيه ارسلت الشرطة مجموعة غواصين الى داخل المياه البارده لنهر قريب من مكان وقوع الجريمه لكن بلا جدوى أيضا.

لم تجد الشرطه حلا الا بتقييد الجريمة في سجل الجرائم المجهولة ، ولم تكن الشرطه تعلم في ذلك الوقت ان المدينة العريقة على موعد مع فصل جديد من الجرائم الغامضة ..

حانة الموت مجددا

blank
جميمة مكدونالد

كانت جميمة تبلغ 32 عاما ، اما لثلاثة اطفال. في مساء يوم 16 اغسطس 1969 ، وكما فعلت ضحيتنا السابقه باتريشيا ، ارادت جميمة ايضا قضاء بعض الوقت الممتع فقررت الذهاب الى حانه ( بارولاند ) وتركت اولادها الثلاثه عند شقيقتها مارجريت.

تأخرت جميمة بالعودة ودب القلق في قلب شقيقتها ، وفي الساعات الاولى من صباح تلك الليلة
سمعت مارجريت اصوات اطفال في الشارع خارج نافذتها يتهامسون ويتحدثون عن اكتشاف جثة أمراة غامضة ، فخرجت لتتبين الأمر وذهبت فورا الى مكان الحادث لالقاء نظره واذ بالصدمه الكبرى .. فالجثة تعود لشقيقتها جميمة والتي كانت مرمية على قارعة الطريق ، لكن على العكس من الضحية الاولى باتريشيا كانت جميمه بكامل اناقتها وثيابها ، فقط حقيبة يدها مفقوده .. ربما اخذها المجرم كتذكار.

بالطبع اتت الشرطه وقامت باجراء تحقيقاتها لمعرفه ملابسات الجريمه وتبين اثناء التحقيقات ايضا ان القتيله قتلت بواسطه جوربها خنقا.

اجرت الشرطه تحقيقات موسعة في تلك المنطقه واستجوبت الكثيرين ممن كانوا في حانه الرقص في ليلة الجريمة ، وبناء على اقوال الشهود فأن جميمه امضت معظم الوقت ترقص مع رجل طويل القامة في العشرينات من عمره ، انيق يرتدي بدلة زرقاء وذو قصة شعر قصيرة. وبحسب الشهود فقد غادرت جميمة الحانة في ساعة متأخرة بصحبة نفس الشخص واختفيا معا في شوارع غلاسكو المظلمة.
اثناء التحقيقات تبين ايضا ان كثير من رواد تلك الحانه كانوا من النسوة المتزوجات اللواتي اخبرن ازواجهن انهن متوجهات لقضاء بعض الحاجات ولكنهن بدلا من ذلك توجهن الى قاعه الرقص لقضاء وقت ممتع.

اجرت الشرطة تحقيقات واستجوابات كثيرة دون فائده تذكر ، وكبادرة لتعزيز التحقيقات عرض اشقاء جميمة مكافاه مقدارها 100 جنيه استرليني لكل من يدلي معومات مهمة تقود الشرطه لكشف الحقيقة.

وقام مكتب التحقيقات الاسكتلندي بنشر رسم تقريبي للمشتبه به بناء على وصف الشهود وبعثت بالرسم الى الصحف ووسائل الاعلام المحلية.

زوجة ثالثة تشعر بالملل!

blank
هيلين بوتوك

ارادت الزوجة الشابة هيلين الاحتفال وقضاء عيد الهالوين في قاعه بارولاند المشؤومة
على الرغم من رفض زوجها للفكرة لكن الزوجه لم تكن قلقة البته واصرت على الذهاب لتلك الحانه بالرغم من جرائم القتل التي طالت روادها مؤخرا.

ولكي لا يشعر زوجها بالقلق امرها بعدم الذهاب لوحدها وأخذ شقيقتها معها ، فاصطحبت هيلين شقيقتها جين معها الى قاعه الرقص ، وهناك تعرفت هيلين على شاب طويل القامة امضت كل وقتها معه في الرقص.

في منتصف السهرة ارادت الشقيقات المغادرة وعرض عليهما الصديق الجديد مشاركتهما التاكسي ومصاحبتهما الى منزليهما.

جين نزلت اولا من التاكسي وتركت شقيقتها مع الصديق الجديد ، وكان من المتوقع وصول هيلين لمنزلها بعد فترة قصيرة ، لكن هذا لم يحصل في تلك الليلة.

في صباح اليوم التالي خرج شخص لممارسة رياضة المشي مع كلبه فأسترعى انتباهه وجود شيء على قارعة الطريق ، كأنه كومة ملابس ، وعند اقترابه لم تكن تلك الملابس الا جثه الشابه هيلين بملابسها كاملة.

مرة اخرى وصلت الشرطة وبدأت تحقيقاتها ، وسرعان ما تبين أن هيلين خنقت بجواربها كما حدث مع الضحايا السابقات ، وكانت حقيبتها مفقود ايضا.
ويبدو ان هيلين غشتها الدورة الشهرية تلك الليلة قام القاتل بأخذ المنديل الصحي ووضعه تحت ابطيها.

وخلافا لجريمتي القتل السابقتين ترك القاتل بعض الادلة الجنائية في مكان الحادث وكانت اثار اسنانه واضحه على جسم الضحية بعد عضها ، وعثرت الشرطة ايضا على بعض السائل المنوي على ثياب الضحية.

لم يتم الاستفادة من تلك الاشياء في تلك الفترة حيث ان الطب الشرعي لم يكن قد بلغ مستوا متطورا كما هو الآن.

اثناء التحقيق مع الشقيقة جين قالت بأن الشاب الذي خرج معهما كان يدعى جون ، وأنه اخبرهما بأنه ولد في عائلة متشددة ومتدينة ويمكنه بسهولة استعادة مقاطع من الكتاب المقدس واضاف ايضا انه لاعب جولف سيء لكن ابن عمه يستطيع بضربه واحدة ان يدخل الكره في الحفره! ، وتحدث عن النساء الشريرات اللاتي يذهبن الى الحانه ليلا.
قالت ايضا ان جون كان منزعجا من وجودها اذ اراد ان يخلو بهيلين لذلك تعمد تجاهلها طوال الطريق وكأنها ليست معهما في السيارة لدرجة انه لم يسلم عليها اثناء مغادرتها التاكسي.

التقطت الشرطة والصحافة المعلومات التي ادلت بها شقيقه هيلين واطلقت على القاتل لقب “جون المتدين” ، وهو اسم تداولته مدينه جلاسكو لسنوات طويله لاحقة.

تحقيقات الشرطة ربطت بين الجرائم الثلاثة لوجود نمط متشابه ، فالضحايا الثلاث
جميعا امضين آخر ليلة من حياتهن في قاعه الرقص بحانه بارولاند وتم خنقهن بملابسهن الخاصة وتركن على قارعة الطريق واخذ الجاني حقائبهن اليدوية كتذكارات وجميعهن كن في فترة الدورة الشهرية.

كما ان الثلاثة وبحسب شهادة الشهود خرجن مع شخص يحمل مواصفات واحدة اضافه الى ان اعمارهن تتراوح بين 20 و 30 عاما ومتوسط الطول حوالي ستة اقدام بشعور قصيرة وعيون زرقاء ورمادية.

blank
صورة تقريبية للقاتل بناء على اوصاف الشهود

استرعت القضية انتباه الجميع حتى ان طلاب مدرسة جلاسكو للفنون شاركوا برسومات ملونة استوحوها من اوصاف القاتل لعمل رسم تقريبي له ، وتم تعميم هذه الرسومات في الساحات والمناطق العامة من المدينة.
وقامت الشرطة بالتحقيق مع جميع الاشخاص الذين يحملون تلك المواصفات ولاحقا تم اعطائهم بطاقات مكتوبة من الشرطه توضح ان التحقيقات قد طالتهم وليس لهم علاقه بالجرائم.

زوج الضحية الاخيرة هيلين وجه نداءا علنيا الى القاتل طالبه بتسليم نفسه للشرطة ، كما عرض مكافاة مجزية لكل من يقدم معلومات مهمه عن القاتل ..
هذه التحقيقات والاوصاف اوصلت الشرطة الى شخص كان يحمل نفس مواصفات القاتل ويشبهه ويدعى جون .م. لكن لم يثبت شيء عليه.

نظرا للاهتمام الكبير بالقضية اجرت الشرطة تحقيقات موسعة وتم الاستعانة بخبراء علم النفس وجرى اشراك اكثر من مائة ضابط للعمل في هذه القضية وكتابة خمسين الف افاده ، وتم التحقيق مع سائقي الحافلات والباصات وسائقي سيارات الاجره ، حتى أنه تم ارسال ضابطة شابة متنكرة في هيئة مغرية الى الحانه المشؤومه على امل ان يلتقط القاتل الطعم .. وتم التحقيق مع بعض العسكريين الشباب في الجيش لأن القاتل حسب اقوال الشهود كانت لديه قصة شعر قصيرة ، ربما كان منتسبا لوحده عسكريه في المنطقة.

واستجوبت الشرطة عددا من اطباء الاسنان حول المرضى الذكور الذين لديهم اسنان متداخله تبعا لوصف بعض الشهود ، كما جرى الاتصال بملاعب الجولف في جميع انحاء البلاد لمعرفه اللاعب الذي يستطيع ان يدخل الكرة في الحفرة بضربة واحدة.

لكن للاسف جميع تلك التحقيقات والجهود لم تؤت ثمارها ، وظل القاتل طليقا والمشتبه الوحيد في القضية هو جون .م والذي تم تأجير محقق خاص لتعقبه بعد اطلاق سراحه كما اسلفنا. كان جون يشبه الرسم التقربي للقاتل جون المتدين وتم التحقيق معه لاكثر من مرة وعرضه عل شقيقة هيلين.
ورغم مرور السنوات واخلاء سبيله وتبرئه ذمته من القضيه الا ان الشرطه اعتبرته على مدار تلك السنوات المتهم الرئيسي وواصلت التحقيق معه من فتره الى اخرى حتى اقدم جون .م على الانتحار سنة 1980 .

blank
صالة رقص بارولاند .. جنة المتزوجات الضجرات!

في نهاية تسعينات القرن الماضي ومع تطور علم الجريمة وظهور تقنيات جديدة لجمع وتحليل الادلة لم يكن يحلم بها رجال الطب الشرعي في ستينات القرن الماضي ، حاولت شرطة جلاسكو الاستفاده من تقنية الحمض النووي DNA واجرت فحصا على اثار الاسنان على جسد القتيله الاخيرة ، وكذلك اجروا كشفا مختبريا على الحيوانات المنويه التي عثر عليها على ثياب القتيله واستخدموا تلك العينات لمطابقتها مع مشتبههم الرئيسي جون .م الذي تم نبش قبره لأخذ جزء من حمضه النووي ومطابقته.

لكن قبل ان تظهر النتيجة كشفت وسائل الاعلام عن اسم المشتبه جون .م لوسائل الاعلام وتحدثوا عن تاريخه ونشروا سيرته في جميع انحاء اسكتلندا ما اقحم عائلته في دائرة الضوء واصبحت عائلته واقاربه ومعارفه محل تساؤل حيث بدا الجميع بمطاردتهم ونبذهم
واصبح جميع الصحافيين يطاردونهم في كل مكان بغيه الحصول على معلومات او بيانات ، واضحت حياة العائله تحت المجهر ولاكتها الالسنه وتصدرت عناوين الصحف.

فيما بعد ظهرت نتائج المقارنة وتبين بما لا يدع مجالا للشك ان المشتبه جون .م لم يكن الشخص المطلوب ، وفي اليوم التالي خرجت صحيفه الديلي ميل بتقرير صحافي نشرت فيه تصريحا لجين شقيقه هيلين افادت فيه انها كانت على ثقه ان جون .م لم يكن له اية علاقة بالجرائم وانها اوضحت ذلك للشرطة في ذلك الوقت.

الحكومة قدمت اعتذارا رسميا لعائلته وفي هدوء تام تم اعادة دفن جثته وتوقفت التحقيقات بعدها لمدة ثمانية سنوات.

وفي محاوله اخيرة في ديسمبر 2004 اوردت صحيفه صنداي ميل ان عينة من شخص قبض عليه مؤخرا ربما تكون مشابهة بنسبه 80% مع تلك التي التقطت من ملابس هيلين ، وبالطبع هذه المرة تعلمت الشرطه من خطأها السابق مع عائلة جون .م وما لحقهم من مضايقات من وسائل الاعلام فحرصوا هذه المرة على كتم معلومات المشتبه به بسرية.
مقارنات الحمض النووي اللاحقة لم تأت بنتيجة حاسمة.

وفي السنوات الاخيرة انخفض الاهتمام بهذه القضية وتم اغلاقها ووضعها ضمن القضايا الباردة.

اقتحم السفاح المتدين الشهرة من اوسع ابوابها كما دخل الى عالم الفلكلور واستخدمه الاباء كفزاعة لتخويف بناتهم ، واقتبس الكاتب ايان رانكين احداث تلك القضية في كتابة روايته البوليسية “الاسود والازرق” والتي نشرت عام 1999.

كلمات مفتاحية :

– Bible John – serial killer

تاريخ النشر : 2021-06-05

guest
26 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى