كاد أن يعلق بين عالمين
كان الحائط ملطخ بالدماء و هناك أمرأة شريرة تنظر اليه بغضب بعينيها |
و شجع أخيك الصغير فإنه سيصبح في الصف السادس بعد عدة أشهر ، انتهت العائلة من تناول الإفطار وتوجه عماد وأخيه الصغير فؤاد إلى المدرسة ، وفي الطريق قابلهم صديق عماد المقرب سليم ، وكانت مدرسة فؤاد الابتدائية أقرب فترك عماد أخيه الصغير بعد أن أوصله للمدرسة وتوجه مع صديقه سليم إلى مدرستهم الثانوية ، وقد كانا في الصف العاشر ، تجاذبا أطراف الحديث عن همومهما التي لا يبوحان بها لأحد ، بماذا تفكر يا عماد ؟ تبدو شارد الذهن ، تخيل معي يا سليم لو كنا نستطيع ترك المدرسة والزواج ، يا لك من ساذج ! وكيف ستتزوج إذا لم تملك شهادة و وظيفة ؟ تباً ، حتى أنت يا سليم تكرر كلام والدتي !.
و بعد حلول العصر اتصل سليم بصديقه عماد لعلّه يخرج و يلعب بالكرة معه فقد كان اليوم الخميس و غداً عطلة و لن يمانع أهلهم بخروجهم حتى ساعات الظلام .. وقد وافق عماد وبخاطره تجول فكرة أخرى ، فقد كان يخطط لزيارة منزل حامد ، و هذا ما رفضه سليم وحذره منه قائلاً : إياك ثم إياك ! يبدو أنك لم تفهم كلامي فحامد ذهب إلى ساحر والسحرة يسخّرون الجن ؟ ألم تقرأ في كتاب الله عن الجن ؟ بلى لقد قرأت يا سليم ، لكن يوجد منهم جن مسلمون ومسالمين ليس من الضروري أن يكونوا جميعاً سيئين .. هل ستأتي معي أم أذهب وحدي يا سليم ؟ وكأنني أملك خياراً ، فأنت لا تعرف بيته سأدلك عليه وسنذهب لمشاهدته فقط لا غير موافق ؟ حسناً يا سليم لنذهب.
عاود عماد الطرق على الباب و هذه المرة وهو يطرق فُتح الباب لوحده ! فدفعه عماد وسليم لسان حاله يقول : لا يا عماد لا تفعل .. هيا يا سليم هل أصبحت جبان الآن ؟ دخلا والظلام يخيم في المنزل فلا حركة ولا ضوء ولا أي مؤشر على وجود شخص في المنزل .. أرأيت يا سليم لا يوجد ما يخيف هيا سنتفحص المكان بسرعة ونخرج .. وقد أشعلا كشافات ضوئية كانت معهما وتقدما أول خطوة بداخل المنزل .. وما هي لحظات إلا وصوت الباب يُغلق لوحده وسليم يتمتم من شدة الفزع وعماد وقد بدا عليه الخوف يحاول إيجاد تفسير لما حدث ، وكان على وشك الجزم بأن الهواء هو من دفع الباب ، لكن قشعريرة سرت في جلده عندما تذكر أن الباب انفتح لوحده عندما طرقه وأشار بكشاف الضوء على قبضة الباب ليجد الغبار فوقها بطبقته السميكة وكأنه تجمّع طوال سنوات !
.. حسناً اهدأ يا سليم لقد دخلنا ولا يمكن أن نخرج الآن يجب أن نستكشف البيت .. هل جننت هيا لنخرج يا مجنون ! .. ولكن عماد تقدم وسليم يشتم في صدره كم أنا أحمق لماذا أتيت معه ، دخلا إلى غرفة المعيشة أو ما يُعرف بالصالون .. والأرائك جميعها تكسوها طبقة سميكة من الغبار ، إلى أريكة واحدة تبدو نظيفة .. أو على الأقل يبدو أحدهم جلس عليها حديثاً ! انظر يا سليم يوجد أحد هنا ألم أقل لك .. سليم ! أين أنت هل تسمعني ؟
و فجأة بدأ الضوء ينطفئ ويشتعل لوحده بسرعة وعماد يرتجف من الخوف وهو يدرك أن السرير فيه شخصٌ نائمٌ ، وما هي إلا لحظات وانغلق باب الغرفة وانطفئ ضوء الكشاف نهائيا في يد عماد .. وكما هو متوقع فعماد يبكي من شدة الخوف وبصوتٍ خافت ، حاول أن يستجمع الأحداث منذ لحظة دخوله للبيت مع صديقه سليم وصولاً لاختفاء سليم وانطفاء الضوء فجلس عماد في زاوية الغرفة وقد شعر أن الشخص الذي في السرير يتحرّك .. تباً لقد قام يا إلهي ساعدني .. هل يراني من هذا .. يا إلهي لا أستطيع الحركة .. الصوت يتقدم إنها خطوات أقدام باتجاه عماد ، لقد أصبح بجانبي يا إلهي.
و قفزت قطة سوداء على عماد وقد خدشت قلبه من شدة الخوف فقفز وحاول الركض في المنزل والجني يضحك بطريقة هستيرية ليجد عماد نفسه في داخل الحمام وقد انغلق الباب بقوّة وانحبس فيه ، جلس عماد يبكي وهو يعرف أنه تخطى نقطة اللاعودة ، ونظر في الدماء هل حقاً هي دماء صديقي سليم ؟ تفحص الحمام جيداً فوجد كتاباً عتيقاً فتحه عماد و بدأ يقرأ فيه وهو كتاب في السحر فأخذ يقرأ تعاويذ وطلاسم لا يفهم معناها ، و يبدو أن الساعات قد مرّت وهو في الحمام حتى نام دون أن يشعر ، وفجأة استيقظ في غرفته في منزله ! وشقيقه ينظر إليه باستغراب ، فقال له عماد : ماذا بك يا فؤاد ؟ .. ظننا أنك ميت وطوال الليل بحثنا عنك وعن سليم حتى وجدناكم في حفرة مجارير مفتوحة في وسط الشارع بالحي المجاور .. ماذا تقول ، هل تمزح ، لماذا لست في المستشفى إذن ؟ .. أخذناك يا أحمق لقد مرّ أسبوع وأنت مغمىً عليك واليوم أعادوك للمنزل .. لم يصدق عماد هذا الكلام.. أو على الأقل صدق ولكنه كان يتذكر شيء آخر ! حاول النهوض بصعوبة من سريره وكان والده مسعود وأمه سلمى قد توجهوا لغرفته بسرعة عندما سمعوا أنه استيقظ.
كان المشهد أشبه بالحلم بالنسبة لعماد لذلك فهو لم يظهر أي ردة فعل حتى إذا ما استمرّ بالمشي وصل في نهاية الطريق إلى شجرة عظيمة يقطر لحائها دماً ومن خلفها كوخ صغير تنبعث منه رائحة حطب مدفأة .. شعر عماد أنه لا يجب أن يكون هنا وحاول أن يستدير ويعود أدراجه ، لكنه ما لبث أن شاهد الطريق خلفه قد اختفت معالمه وكساه الظلام الحالك وأصوات الغربان ، استجمع عماد شجاعته وتوجه للكوخ في الجهة الأخرى من الشجرة ليجد أن الشجرة معلّق عليها عظام بشرية وقد انفتح الباب بوجه عماد ، فدخل عماد ويبدو أن مشاعره قد بدأت تبرد بعد كل ما مرّ به فقد أصبح يدرك أنه ليس مجرّد منام بل هو بوابة لعالم آخر ! ..
تفحص بعينيه أطراف الكوخ ليجد العجوز التي تقطر عيناها دماً تجلس بمحاذاة المدفأة الحطبية وأمامها سليم صديق عماد ، اندهش عماد عندما رآه لكنه بات يعي الآن خيوط القضية ، فسليم تم الاستحواذ عليه من قبل الجن ، شرعت العجوز بخطب ود عماد قائلةً : تعال واجلس معنا يا عماد لقد كنا ننتظر قدومك ، أنت تملك شيئاً يعود لنا .. جلس عماد وقد شعر أن الكرسي مصنوع من العظم وأدرك أنه شيئاً سيحدث ، فقال لها : اسمعي يا هذه ، أرجوك لا أريد شيء سوى العودة ، سأفعل ما تريدين ، تمتمت العجوز بكلمات لم يفهمها عاد و ضحكت بقوة و سليم ينظر لعماد نظرة المتربص بفريسته ، وقال له : أين ستعود ؟ أنت ستتزوج ابنتي الآن ، لا خلاص لك ، فلتقبّل عروستك ، وجد عماد ثعابين سوداء عيونها حمراء تلتف عليه وتقيده بالكرسي الذي يجلس عليه و قد شعر أنه مصنوع من العظم ،
و اقتربت العجوز منه و أخذت شفاهها تلتهم جلد عماد وهو يصرخ والألم يعتصر قلبه حتى نطقَ ” أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ” مرّةً فأخذ الجن يتخبط في أطراف الكوخ ويصدر أصواتاً وشتائم عالية كادت تخطف سمع عماد لولا أنه استيقظ من نومه بعد عدة ساعات ليجد الكتاب الذي قرأه تحت رأسه ، نهض مسرعاً من سريره حاملاً الكتاب إلى خارج المنزل وقام بحرقه في فناء بيته ، وهو يقرأ المعوذات ، ظهر له سليم و معه أخيه فؤاد و قال له : ماذا تفعل يا عماد ، ما هذا الكتاب ؟ .. اندهش عماد قائلاً : ماذا ، إنه صوت سليم حقّاً ، و لماذا أخي فؤاد معه ؟ فؤاد ابتعد عنه فوراً ، ما بك أيها الأحمق إنه أنا سليم ، تعال لنلعب الكرة !
لا ، إنه ليس أنت ، أنا أعرفك يا حقير ، قاطعه صوت أمه سلمى من نافذة المنزل المطلة على الفناء : ما هذا الكلام يا عماد ، ألا تخجل ! أين التربية والأخلاق في التحدث مع صديقك ؟ هيا اعتذر منه ، في البداية شعر عماد أنه يتوهم لكنه سرعان ما ابتسم و ركض يعانق صديقه الذي بدوره انصدم من تصرّف عماد ، أما الكتاب فعاد عماد لتفحّصه و وجد كتاب التاريخ الخاص بالمدرسة! .. ماذا كان يفعل تحت رأسي يا تُرى؟ صحيح لقد كنت أدرس في السرير وغلبني النعاس ، وهكذا قضى عماد يومه بشكل طبيعي لأول مرة منذ فترة طويلة .. و توجه متعباً للسرير ، وضع رأسه المثقل بالكثير من الأفكار التي تحتاج للتفسير ، وأغمض عينيه ليجد نفسه قد دخل بنفس المنام .. لا ، لا يا إلهي أتمزحون معي ؟ وشرع بقراءة المعوذات ليستيقظ بعدها مباشرةً ويرى ظلّاً أسوداً على حائط غرفته يتبعه ظل آخر يبدو للعجوز ، فصرخ عماد بأعلى : أعوذ بكلمات الله منكم يا معشر الجن والشياطين والسحرة ، أعوذ بالله من كل شيطانٍ مارد وجنٍّ شارد ، أشهد أن النار مأواكم ومأوى كل من والاكم.
النهاية ……
تاريخ النشر : 2021-07-05