أدب الرعب والعام
آخر خطوة
تركض بأقصى سرعتها و تلتفت بين الفينة والأخرى لتتأكد من أن لا أحد وراءها |
تركض بأقصى سرعتها و تلتفت بين الفينة والأخرى لتتأكد من أن لا أحد وراءها ، أنفاسها متقطعة و دقات قلبها تتسارع و جبينها يتصبب عرقاً حتى التصقت به خصلات شعرها الخفيفة ، ثياب متسخة تظهر جسمها الهزيل ، سرعان ما نال منها التعب ما نال ، فتوقفت قليلاً لتلتقط أنفاسها و كلها خوف من أن يلحق بها هؤلاء الأوغاد الذين أوقعها حظها التعيس في قبضتهم ، فقبل قليل فقط كانت مستمتعة برحلتها مع أصدقاءها تضحك وتمازح هذا وذاك و كل شيء بخير إلى أن تشاجرت مع إحدى صديقاتها بعد أن عملوا لها مقلباً فلم ترضى بذلك ” غريب أمر هذا النوع الذي يمازح الجميع و ربما يكون مزاحه ثقيلاً أحياناً ، لكن عندما يتعرض هو لذلك لا يرضى!”.
فهذا ما حدث معها و قررت الابتعاد عنهم قليلاً ليشعروا ببعض الذنب مما فعلوه معها ويا ليتها لم تبتعد ! فقد وقعت في قبضة ذئاب بشرية ، كان ثلاثة من الصيادين مارين من هناك ما إن لمحتها أعينهم حتى التفوا حولها وعلى ملامحهم ابتسامة مكر ، فقال الأول : هل ترون ما أرى أم أن الجعة لعبت بعقلي حتى أصبحت أرى الحوريات ؟.
قال الثاني : و يا لها من حورية !.
قال الثالث : أجمل صيد أصطاده منذ سنين.
فقهقه الجميع حتى ظهرت أسنانهم المسوسة.
أما المسكينة التعيسة الحظ فبقيت متسمرة مكانها لبرهة ترى أمامها ثلاثة أجساد ضخام و وجوه تنذر بالشر! تراجعت خطوتين إلى الوراء ثم انطلقت هاربة لعلها تنجو بنفسها من قبضة هؤلاء الوحوش ، لكن و لسوء حظها وجدت أنها ابتعدت كثيراً عن مكان التخييم و تاهت وسط الغابة !.
و وسط شعورها بالرعب والوحشة أحست ببعض الدوار و لم تلحظ أين تضع قدمها ، فانزلقت في منحدر صغير ، و ما إن نهضت تنفض عن ثيابها ما علق من قش و تراب حتى سمعت أصواتهم تقترب ، فانطلقت تركض مرة أخرى ، لم يخطر على بالها إطلاقا أن شجاراً بسيطاً و انفعالها الزائد سيوقعها فيما وقعت به ، مر عليها وقت و هي تركض ، فبدأت تحس بجفاف جسمها و حلقها ، أرادت الاستغاثة وطلب النجدة ، لكن صوتها بالكاد يُسمع ! فقررت أن تغير اتجاهها لعلها تشتتهم عنها خاصةً أنهم يلاحقونها مجتمعين في مكان واحد، وما إن غيرت مسارها حتى سمعتهم ينادونها بحدة أكثر مما سبق ، قال أحدهم : توقفي يا فتاة ، لا تذهبي هناك!.
لكنها لم تبالي و ظنت في نفسها أن المكان هناك معمور بالسكان لذلك ستجد من ينقذها منهم، فاستمرت بالركض إلى أن أوقفتها لافتة الكبيرة تحمل تنبيها فتسمرت مكانها وهي تقرأ ” أنتباه! حقل ألغام”.
كانت قد وصلت إلى حدود بين الدولتين ، و بما أن دولتها والدولة الجارة لها ليسا على وفاق سياسي فالحدود مغلقة ومطوقة إما بالسياج و الجنود وإما بالألغام في بعض المناطق ، و هذا ما حاول الصيادون أن ينبهوها منه فهم يحفظون المكان جيداً !.
بعد أن علمت أنها وصلت إلى طريق مسدود قررت التراجع للخلف ، فجأة قفزت على صوت أحد الصيادين : تعالي هنا يا فتاة!.
ومن فزعها تراجعت خطوات إلى الخلف إلى المنطقة المحظورة ! أحست أنها ضغطت على شيئاً بقدمها ، حولت نظرها إلى أسفل و هي تتمنى أن لا يكون ما تفكر به لكن هيهات!.
وجدت نفسها ضاغطة على لغم ما إن ترفع قدمها سينفجر! في هذه اللحظة مر شريط حياتها أمام عينيها كاملاً ، هذه هي الفتاة مدللة أبيها والتي كانت تحصل على أي شيء تريده! الآن هي تريد فقط العودة خطوة واحدة إلى الخلف و لا تستطيع!.
تبسمت بحسرة و هي تتذكر بأن غذاً كانت ستحتفل بعيد ميلادها الثامن عشر! كم كانت تتوق لأن تبلغ هذا السن ، و يمكنها حينها أن تجتاز امتحان السياقة وتمتلك سيارتها الخاصة وتتحرك بحرية!.
الآن هي مقيدة بخطوة واحدة لا تستطيع لا أن تتقدم ولا أن تتأخر ، أحست بخيط من العرق بارد ينزل على عمودها الفقري وشعرت بقشعريرة بجسمها ، هذه هي النهاية؟.
أمعقول؟ هذه آخر خطوة؟ لم تحقق شيئا من أحلامها فلطالما حلمت بأن تدخل إلى مجال الفن والموضة وأن تصبح مشهورة! الآن ستصبح مشهورة بعد موتها “فتاة الألغام” ، هل يا تُرى سيشعرون بالأسى والحزن لموتها أم سيضحكون على غباءها لأنها ذهبت هناك؟ كل هذا خطر ببالها لأنها من النوع الذي يهتم لما يقوله الناس عنها ، و حتى وهي في وضعها هذا لم تتوقف عن التفكير!.
فجأة أحست بالدوار وحركت قدمها قليلاً.
صوت انفجار أهتز لسماعه أصدقاءها ، قال أحدهم: “تُرى من الغبي الذي ذهب إلى منطقة الألغام؟.
قال الثاني : “يا له من مسكين لم يكن يعلم أن هذه آخر خطوة له!.
النهاية ……
تاريخ النشر : 2021-08-15