مجاعة البطاطا
تماثيل تخلد ذكرى المجاعة في احد شوارع دبلن |
خلال القرن التاسع عشر كانت ايرلندا دولة تابعة لبريطانيا وقد عمدت بريطانيا كعادتها في مستوطناتها على السيطرة على كل الشؤون السياسية والبرلمانية في ايرلندا وحتى تملكها الاراضي الزراعية الايرلندية وتأجيرها للسكان ، هذه السيطرة شملت الدين ايضا فقد سيطرت الاقلية البروتستانتية على الاكثرية الكاثوليكية وفرضت الضرائب ايضا ، كل هذا جعل من الشعب الايرلندي في فقر مدقع ، ومع دخول نبتة البطاطا الى ايرلندا من امريكا الجنوبية اعتبرت في البداية كنبات للزينة لكن سرعان ما انتشرت زراعته واكله ليصبح الغذاء الرئيسي للشعب الايرلندي خاصة الفقراء.
بقي الاعتماد على البطاطا كغذاء رئيسي خاصة في الشتاء واصبح المزارعون لا يزرعون سوى البطاطا فكل من يملك ارضا او يستأجرها يزرعها بطاطا لتأمين قوت عائلته خاصة مع الفقر والاجواء الباردة لايرلندا.
اصيبت البطاطا بطفيليات دمرت المحصول |
في عام 1845 دخلت البلاد طفيليات تسمى لفحة البطاطا المتأخرة اسمها العلمي هو (فيتوفثورا انفستنس) ، هذه الطفيليات اصلها المكسيك لكنها انتقلت عبر السفن التجارية الى الولايات المتحدة ومن ثم انتقلت الى ايرلندا واوروبا كلها ، دمرت هذه اللفحة محصول البطاطا بنحو الثلث في عام 1845 ثم دمرت في السنة التالية 90% من المحصول ، ورغم دخول هذه اللفحة الى معظم الدول الاوربية الا انها لم تتسبب بخسائر كبيرة مثلما حدث في ايرلندا لأن بقية البلدان لم تعتمد على البطاطا فقط لقوتها بل زرت انواعا اخرى عكس ايرلندا التي كانت كل محاصيلها بطاطا ، وبحلول عام 1847 بلغت المجاعة ذروتها فالجوع الذي عرفه الايرلنديون خلال السنتين السابقتين تحول الى مجاعة أنشبت انيابها في الفقراء والاغنياء فخلال هذه السنة اضطر الشعب الجائع الى اكل مخزون البذور اللازمة لزراعة الموسم القادم.
رغم الجوع الذي فتك بالشعب الايرلندي الا ان بريطانيا واصلت تصدير المواد الغذائية من ايرلندا الى بريطانيا فقد ابحرت اكثر من 4000 آلاف سفينة خلال سنوات المجاعة محملة بالغذاء من موانئ ايرلندا الى موانئ بريطانيا مثل ليفربول ، بريستول، لندن .. كانت هذه السفن تحمل الزبدة واللحوم والماشية والسمك والفاصولياء و العجول و الارانب والعسل والبازلاء .. أي ان بريطانيا واصلت استنزاف ثروات ايرلندا رغم المجاعة التي تفتك بالناس كما واصلت فرض الضرائب وقبض الايجارات من الشعب الجائع.
اصاب الناس قحط شديد ولم يعد لديهم ما يؤكل |
اصبح الموت في كل مكان واصبح الناس يأكلون كل ما يجدونه والجثث لا تتوقف عن الظهور ولم يعد بالامكان تسجيل كل اعداد الوفيات لكثرتها، وحتى التوابيت لم تعد كافية لكل الجثث فاضطر الناس الى استخدام توابيت المصيدة وهي عبارة عن تابوت مزود بباب من الاسفل يشبه المصيدة توضع الجثة فيه وتسقط مباشرة من اسفله في القبر لكي يصبح جاهزا للجثة التالية.
خلال المجاعة هاجر اكثر من مليون ايرلندي ، معظمهم توجه الى الولايات المتحدة ، وبقي من لم يستطع الهجرة بانتظار الموت، فقد مات اكثر من مليون شخص بسبب الجوع وانخفضت نسبة السكان بحوالي 20 – 25%.
تدافع الناس للحصول على المعونة والمساعدات |
المؤلم في كل هذه المجاعة ان ايرلندا كانت تحت الحكم البريطاني الذي واصل امتصاص الثروات بدل مساعدتها ، فبعد انتشار خبر المجاعة في اوروبا وبعض الدول الاخرى سارعت هذه الدول بالمساعدة مثل الولايات المتحدة، فنزويلا، المكسيك، روسيا، ايطاليا، جنوب افريقيا، وحتى الدولة العثمانية التي كانت في اوج ضعفها الا ان السلطان عبد المجيد الاول قرر ارسال 10 الف جنيه لايرلندا لكن ملكة بريطانيا الملكة فكتوريا طلبت من السلطان جعل المبلغ 1000 جنيه فقط لتحافظ على صورتها فهي لم تتبرع سوى بألفي جنيه فقط رغم ان ايرلندا تابعة لها ، لكن السلطان العثماني ارسل ثلاث سفن محملة بالغذاء والدواء والبذور الى ايرلندا لكن بريطانيا رفضت السماح لها بدخول ميناء دبلن لذى اضطرت للرسو في ميناء دروهيدا الذي يبعد ثلاثين ميلا عن ميناء دبلن وقامت بتفريغ حمولتها للشعب الايرلندي.
قبر جماعي لضحايا المجاعة الايرلندية |
كانت مجاعة البطاطا من اشرس المجاعات التي عرفتها ايرلندا والتي كانت نقطة تحول في تاريخها فقد انخفضت نسبة السكان لمدة قرن من الزمان وجعلت العلاقة متوترة مع بريطانيا التي حملتها ايرلندا مسؤولية المجاعة لانها واصلت فرض الضرائب وتصدير الغذاء رغم المجاعة.
هذه المجاعة بقيت محفورة في ذاكرة الايرلنديين لسنوات طويلة واليوم مازال الايرلنديون يتذكرونها ويتذكرون مساعدة العثمانيين لهم من خلال رسالة شكر وجهها السكان ووجهاء ايرلنديون الى السلطان العثماني في ذلك الوقت والتي لازالت موجودة الى اليوم.
من نتائج المجاعة حصول هجرة كبيرة خصوصا لامريكا .. |
كما توجد عدة تماثيل في عدة دول مثل امريكا تمثل معاناة الناس اثناء المجاعة الايرلندية هذه التماثيل تذكر البشرية بمجاعة ايرلندا المؤلمة. وتماثيل اخرى تمثل هجرة السكان الايرلنديين الى دول اخرى هربا من المجاعة.
ربما اليوم الناس لا يعرفون قيمة الغذاء المتوفر بكثرة لكن لو التفتوا الى الوراء قليلا لعرفوا قيمته جيدا.
كلمات مفتاحية :
– The Irish Potato Famine
تاريخ النشر : 2021-08-18