اساطير وخرافات

هاينة وأخوها مع الغولة

بقلم : Sokina Zar – المغرب

ترى ما هذا الغار وماذا يوجد بداخله
ترى ما هذا الغار وماذا يوجد بداخله

ليلة مقمرة والسماء مرصعة بالنجوم، كغيرها من ليالي الصيف البهيجة!
نجلس ملتفين حول جدتي في فناء الدار، ننتظر بفارغ الصبر أن تبدأ سرد الحكاية أو “الحجاية” كما نسميها نحن، هاهو أخي يضايقني من جديد إنه يجر لي ضفيرة شعري!
مهلا ها قد غيرت المكان أنا الآن أجلس من الجانب الأيمن لجدتي أما ٱبنة عمي الصغيرة فبالجانب الأيسر، المسكينة عيناها شبه مغلقتين لكنها تقاوم النوم كالعادة!
وأخوها يجلس قرب أخي لا يستطيع مضايقتها أبدا الآن! سبق وأن فعل فندم على ذلك لأنها أطلقت صيحاتها المعتادة وتسببت في تعطيل جلستنا مع الجدة..
وها قد بدأت..
سأحكي لكم اليوم قصة “هاينة وأخوها مع الغولة”

كان يا ماكان في قديم الزمان..

فتاة تدعى “هاينة” وأخوها “سالم” كانا يعيشان رفقة أبيهما بعد موت نبع الحنان، وكان الٱثنان لا يفترقان أبدا، فأينما ذهبت هاينة وهي الكبرى تبعها أخوها.

وفي يوم من الأيام، خرجت هاينة لتحتطب كعادتها وأخوها ملازم لها فأرادت قضاء حاجتها فطلبت منه البقاء بجانب الوادي إلى أن تعود، فبقي ينتظرها وذهبت الى جانب بعض الصخور العالية حتى تختبئ فلاحظت فجأة أنها بالقرب من غار، ما أثار دهشتها وحرك فضولها لتدخل وتكتشف الغار وما يوجد بداخله فقد كانت فتاة شجاعة ومتهورة قليلا وهذا ما سيوقعها في المشاكل.
قالت مع نفسها: ترى ما هذا الغار وماذا يوجد بداخله؟ سأدخل لأعرف وسأخرج بسرعة لأعود الى سالم.

فدخلت واذا بها تسمع أصواتا غريبة كلاما غير مفهوم وصوت بكاء وصراخ يشبه صراخ الأطفال، فٱقتربت أكثر فأكثر من مكان الصوت فإذا بها تفاجأ بمنظر رهيب ترى مخلوقا أو مخلوقة إن صح التعبير ضخمة البنية يكسوها الشعر ويغطي كل جسمها ، كانت المخلوقة جالسة وباسطة أقدامها الضخمة وصغارها ملتفون حولها ، كانوا أربع مخلوقات يشبهونها تماما لكنهم لا يزالون صغار البنية كانوا يصرخون ويبكون ويهمهمون وأمهم تصبرهم، وكانت تعصر الحليب من ثدييها في آنية وتعطيهم واحدا تلو الآخر..

دهشت هاينة بما رأته وقالت في نفسها: (من هذه المخلوقة ياترى؟ هل هي “ماما الغولة” التي كانت تحكي لي عنها أمي؟ إذا كانت هي فعلا وكان ما يشاع صحيح وأن حليبها ذلك يقوي الأجسام فيجب أن أحصل على البعض منه).

في اليوم الموالي خرجت هاينة كعادتها برفقة أخيها ثم طلبت منه انتظارها إلى أن تعود.. وكانت وجهتها “غار الغولة” وقد خططت لشيء تريد تنفيذه ..

وقفت خلف الغولة وصغارها يهمهمون حولها كالعادة فلفتت ٱنتباه واحد منهم فتبعها فأسرعت بٱتجاه الخارج وكانت قد أعدت شباكا في مدخل الغار على شكل فخ فما إن خرج الغول الصغير حتى ٱصطادته في الشباك وقامت بجره وٱبعاده عن الغار وأخرجت سكينا وذبحته وسلخت جلده وغسلته وجففته وقامت بٱرتداءه للتخفي وسطه وٱتجهت راجعة إلى الغار فٱقتربت من الغولة أكثر فأكثر لترى وجهها وملامحها بوضوح هذه المرة.
كان وجهها يكسوه شعر كثيف فلولا الثدي الذي يقطر لبنا لظنت أن من تقف أمامه ذكر وليس أنثى!
كانت أعينها حمر كالجمر ولديها أنياب بارزة!

ٱلتقطت “هاينة” إناء بكل جرأة ومدته للغولة وهي تقلد همهمات الصغار، فملأته لها الغولة لبنا ثم ٱبتعدت عنها حين رأت الصغار ٱبتعدوا.

خرجت هاينة وهي لا تزال تحمل الإناء المملوء لقد لاحظت بأنه ثقيل مقارنة بالحليب العادي ولونه أصفر فنزعت الجلد الذي تنكرت به وأخفته في مخبأ آمن وعادت الى أخيها
فسألها عن تأخرها فأجابت: لا يهم، ولا تسألني كثيرا، فقط ٱشرب هذا.

فأعطته الإناء الذي شربت نصفه وشرب النصف الآخر دون أن يسألها عن شيء فقد نال منه العطش والجوع ما نال، وٱتجها عائدين الى البيت.

وهكذا مرت أيام وأيام وهاينة على حالها تذهب وتجلب لبنا من الغولة وتعود، فأصاب أخوها الحيرة والشك، من أين تأتي أخته باللبن وكان يسألها فتتجاهله وترفض إخباره، وفي أحد الأيام نفذ صبره وعزم أنه سيرافقها هذه المرة، فلما ذهبت وأحضرت اللبن رفض أن يشرب فأصرت عليه لكنه رفض رغم أنه يحب اللبن فطعمه لذيذ ويسد جوعه وعطشه لكنه رفض

فسألته:لماذا لا تريد ان تشربه؟ ٱشرب لتكبر وتنمو بسرعة وتصبح رجلا
قال لها: لن أشرب حتى تخبريني من أين أتيت به؟
قالت: حسنا سأخبرك لكن عدني بأنه سيبقى سرا بيننا
قال: حسنا أعدك بذلك

أخذت هاينة نفسا عميقا ثم قالت:إنه من عند الغولة.
عندها شهق مصدوما ، ثم أكملت قائلة: يقال إنه يقوي ويجعل الصغير ينمو بسرعة..
قال أخوها: لكن كيف تمكنت من الذهاب عندها؟
فحكت له كل ما حصل وما فعلت للدخول.
فقفز سالم قائلا: أريد أن أذهب لأرى أرجووووك.
ٱمتنعت قائلا: لا لا يمكنك الدخول هناك هل تريد أن تمسك بك الغولة وتأكلك؟!
فألح عليها إلى أن وافقت
هاينة: حسنا،ستأتي معي لكن بشرط أن لا تنطق بكلمة إطلاقا وتلتزم الصمت والأهم من هذا أن لا تضحك مهما رأيت!
سالم:حسنا حسنا فهمت

فٱنطلقا الى الغار ولبست جلد الغول وسالم ينظر إليها ويكتم ضحكه كي لا تمنعه من الدخول معها، فدخلا وطلبت منه البقاء بعيدا في مخبأ الى أن تعود.
فٱقتربت من الغولة كعادتها وأخذت تهمهم مثلهم لكي تعطيها اللبن.. هنا لم يستطع سالم تمالك نفسه فٱنفجر ضاحكا ، فٱلتفتت له الغولة غاضبة وفزعت هاينة عندما رأتها أمسكت به فنادت بٱسمه وهي تجري ناحيتهم لتنقذ أخاها ، لكن هيهات فكيف سيفلتان من هذه القبضة الضخمة فقد كانا يبدوان كفأرين صغيرين بين يديها فٱتجهت بهما وهي تهمهم حتى وصلت أمام حجرة مغلقة ففتحتها ورمت بهما فيها وقالت وهذه المرة بلغة مفهومة لأنها تعلم أنهما بشريين: إذا أنتما متطفلين كنتم تسرقون من لبني وأنت (وأشارت لهاينة) قتلت صغيري لتتنكري بجلده، لقد جئتما إلى الجحيم برجليكما، والآن ستبقيان هنا أربعين يوما إلى أن يصفى جسميكما من لبني لأنكما أصبحتما أولادي بالرضاعة ويمنع علي أن آكلكما، وفي نفس الوقت ستبقيان إلى أن تسمنا فأنا أعشق اللحم الصغير الفتي هاهاهاها …
(ففتحت فمها مقهقهة وبرزت أنيابها وسال لعابها بشكل مريع ومقزز مما أثار رعب الأخوين)

هاينة:أرأيت؟ ألم أنبهك أن تصمت ولا تضحك أبدا؟! أنظر الآن أين وقعنا هي ستأكلنا الآن لا محالة!
أطرق سالم رأسه حزينا نادما على ما صدر منه وأجهش بالبكاء
فما كان من الأخت الحنونة إلا أن تعانقه مواسية له : “لا تخف إن كتب لنا العيش سنعيش لا يزال أمامنا أربعون يوما أخرى”

بعد قليل عادت الغولة وهي تحمل تمرا وماء وأعطتهم إياه وأعطتهم إبرة صغيرة ومخيط (وهو الإبرة الكبيرة) وقالت: كلوا وٱشربوا فإن جئت وسألتكم هل سمنتم؟ تعطوني هذا المخيط من ذلك الغار الصغير في الباب وإن لم تسمنوا بعد تعطوني الإبرة.

ومرت أيام وأيام وكلما جاءت الغولة تسألهم يعطونها الإبرة فكانت تزيدهم التمر والفاكهة حتى ٱزداد وزنهم، وكانت هاينة تعد الأيام بواسطة حجر صغير تضعه في حفرة وها قد جاء اليوم الذي وضعت فيه الحجر الأربعين، فبدأت بالبكاء هي وأخوها فقد علموا أن لا مفر لهم وبعد قليل فتحت الغولة عليهم الباب فوجدت وليمتها قد جهزت وسال لعابها عليهم، لكن اللحم يحتاج أن يشوى أولا ليكون ألذ وأطيب، لذا يلزمها حطب لتشعل النار فقررت أن ترمي عليهم تعويذة تجعلهم لا يبتعدون من الغار ويعودون إليها، وأرسلتهم ليحتطبوا في الخارج ويعودا بسرعة، وهذا ما فعلاه فبينما هما يحتطبان إذ مر بهما حطاب فرآهما حزينين فسألهما: مالي أراكما حزينين؟

فأجابت هاينة:لقد وقعنا في قبضة الغولة، واليوم ستطبخنا وتأكلنا، والآن نحن نحتطب لها لتشعل النار
قال الرجل: أنتما الآن بالخارج لم لا تهربان منها؟
هاينة: ليتنا نستطيع! لكنها رمت علينا تعويذة قيدتنا بها فلا نستطيع الٱبتعاد من غارها ولا نفكر بالهرب

قال الرجل : (بعد أن مد إليها بعصي طويلة ومربوطة بحديد مثل الشوكة) : خذي هذا فإذا أشعلت النار في الحفرة ٱختبئا فإذا رأيتماها ٱقتربت من النار ٱدفعاها فيها، فكما يعلم الجميع أن الغولة بصرها ضعيف وتعتمد أكثر على حاسة السمع ولو ٱستخدمتما عقلكما قليلا لما أمسكت بكما من الأساس!
قالت هاينة: لكن حتى ان دفعناها لن نتمكن من الهرب بسبب التعويذة؟!
رد الرجل: التعويذة سيزول مفعولها ما إن تمت فلا تخافا.

أومأت هاينة برأسها علامة على الفهم وأخذت العصي وخبأتها وسط باقي الحطب وشكرت الرجل الذي ٱنصرف بعد أن دعا لهما.

بعد أن عادا طلبت منهم الغولة ٱشعال النار في حفرة كبيرة وذهبت لتحضر مسامير الشواء،
وبعد أن أشعلا النار الكبيرة وٱشتد لهيبها أمسك كل واحد بعصا وٱختبأ قريبا من الحفرة
قالت هاينة لأخيها بعد أن رأت الخوف في عينيه ويداه ترتجفان: لا تخف يا أخي ما إن تراها مستديرة حتى تهجم عليها من الخلف وإن لم ننجح ٱرجع وٱختبئ وٱكتم أنفاسك حتى لا تحس بك.

أجابها:لا تخافي سأفعل ما تطلبين ولن أخالفك مثل المرة السابقة

وها قد عادت الغولة وهي تحمل مسامير للشواء وهي تهمهم سعيدة كيف لا وهي سوف تلتهم وليمتها الشهية، وما إن رأتها هاينة تدير ظهرها حتى ٱندفعت ناحيتها وتبعها سالم ودفعاها بأقصى قوتهما لانها كانت تقف على حافة الحفرة فهوت داخلها وهي تصرخ بأعلى صوتها!
فأسرعت هاينة بالفرار وهي تجر أخاها إلى أن خرجا من الغار لكنها لم يستطيعا تجاوزه والهرب فعلما أنها لم تمت بعد فٱنتظرا قليلا إلى أن توقف الصراخ فعلما أنها قد ماتت فٱنطلقا عائدين إلى الديار.

وذهبت حكايتي من واد إلى واد وبقيت مع الناس الجواد.

“كانت هذه قصة هاينة وأخوها مع الغولة كما كانت تحكيها جدتي إلى أنني سردتها بالفصحى أرجو أن تنال إعجابكم، أما عن المقدمة فهي لقطة من ذكريات الطفولة قبل أكثر من عشرين سنة! فهؤلاء الأطفال قد كبروا، لكن تلك الذكريات ستبقى عالقة بأذهاننا ما حيينا”

تاريخ النشر : 2021-09-16

Sokina Zar

المغرب
guest
21 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى