ألغاز تاريخية

مدينة النحاس .. اللغز الاغرب

بقلم : Ahmad – Libya
بداخلها اسرار كثيرة لم يكشفها احد
بداخلها اسرار كثيرة لم يكشفها احد
هل سمعتم يوماً عن مدينة خفية؟ اي انها موجودة لكنكم لا تستطيعون رؤيتها ، هذه القصة العجيبة تدور في مدينة مات عند اسوارها الكثيرون ، وبداخلها اسرار لم يكشفها احد ، وعند اطرافها جن يتعلق وجودهم بنبي الله “سليمان” عليه السلام. اسطورة هذه المدينة غريبة اشبه بالقصص الخيالية ، ولكن الاغرب انها ذكرت في كتب موثوقة من الخلافة الاموية ، انها مدينة النحاس الاسطورية.

اتلانتس ، ازغرد ، فالهالا ، اغارثا ، و إلدرادو … مدن انا علي ثقة انكم سمعتم ببعضها ان لم يكن بجميعها ، وقد انقسم العالم بين مؤمن بوجودها وبين مؤمن انها ضرب من الخيال ، لغز وجود هذه المدن من عدمه هو السر الكامن وراء شهرتها وتهافت الجميع علي اكتشاف حقيقتها ، والاهم اكتشاف ثرواتها وكنوزها ، ولعل معظمكم يعرف بعض الحقائق عن هذه المدن التي ذكرتها ، ولكن ما انا علي وشك ان اشارككم به في هذا المقال هو عن مدينة شهيرة ولكن تفاصيلها غامضة بكل ماتحمله الكلمة من معني ، ولماذا هي اكثر غموض من غيرها ؟ لأنها مدينة مسحورة ، وقد كان مصير كل من حاول اختلاس النظر خلف سورها هو الاختفاء بدون اي تفاصيل اخرى (الاختفاء التام) ، فهل من سحرتهم هذه المدينة قد لاقوا حتفهم ؟ ام انهم يعيشون في نعيم لا مثيل له؟

البداية مع الرواية الاقدم عن مدينة النحاس ، وهي التي ذكرها “ابن الفقيه الهمذاني” في كاتبه (كتاب البلدان) ، بحيث سلط الضوء علي هذه المدينة والتي اعتبرها من عجائب الاندلس ، ووصفها بأنها مدينة لم يري الرائون مثلها ولم يسمع السامعون بمثلها ، بحسب الرواية بلغ “عبد الملك بن مروان” وهو خامس الخلفاء الامويين خبر مدينة النحاس في احد الأيام ، و ان بها كنوزاً لم يشهدها بشر ، فكتب الي “موسى بن نصير” وهو قائد عسكري عربي في عصر الدولة الاموية يأمره بالمسير اليها واكتشاف حقيقتها وحقيقة كنوزها.

blank
انطلق لمعرفة حقيقة هذه المدينة

قام “موسي بن نصير” بتجهيز ألف فارس علي وجه السرعة واوصي بأخذ زاد وماء يكفيان لـ 4 اشهر ، ثم انطلق لمعرفة حقيقة هذه المدينة ، فسار بحسب الرواية 43 يوماً ، والاغرب انه في روايات اخرى يقال بأنه سار لمدة عامين كاملين ، فهل استدل “ابن نصير” علي مدينة النحاس ؟ نعم ، وصل اليها ولكن للأسف فشل في دخولها رغم محاولاته العديدة ، فبحسب الكتاب الذي بعثه “ابن نصير” الي الخليفة “عبد الملك بن مروان” بأنهم قد تمكنوا من رؤية بريق المدينة قبل وصولهم اليها بعدة ايام ، فهالهم منظرها وارعبتهم ضخامتها وكأنها لم تبني بأيادي بشرية ، بعد وصولهم الي اسوار المدينة صلوا العشاء وباتوا الليلة التي وصفها بأنها الاكثر رعباً بدون ذكر اي تفاصيل اخرى ، ولما اصبحوا كبروا استئناساً بالصبح ، بعد ذلك ارسل “ابن نصير” فارساً ليدور حول سور المدينة ليري ان كان هناك باب ليدخلوها منه ، فغاب يومين بالتمام والكمال ، وفي رواية اخرى انه غاب 6 ايام وعاد في اليوم السابع لتكون النتيجة الصادمة ، هذه المدينة الضخمة لا باب لها ، فأمر “ابن نصير” بجمع امتعة جميع الفرسان ورصها بعضها فوق بعضها لكي يصعد احدهم ويري ماذا يوجد خلف سورها ، ولكن امتعتهم لم تكن كافية فقرر صنع عدة سلالم ووصلها بالحبال ، وهنا بدأت المفاجآت ، نادى “ابن نصير” في عسكره قائلا : من يعرف لي خبر هذه المدينة فله 10 آلاف قطعة نقدية ، فتقدم رجل من العسكر وصعد السلم ولن تصدقوا ماذا حدث؟ ..

عند وصوله اعلى السور قهقه الرجل ضاحكاً وهبط خلف سور المدينة ، وعندما ناداه “ابن النصير” ليسأله عما رأي لم يجبه ابداً ، فقال لرجاله مرة اخرى ان من يصعد السلالم فسيحصل ايضا علي جائزة نقدية ، فتقدم رجل اخر وصعد السلم ولكن مصيره كان مثل سابقه ، فقام “ابن نصير” بالمحاولة مرة اخرة الا ان النتيجة كانت هي نفسها ، فأمتنع الرجال بعد ذلك عن الصعود ، وعاد “ابن نصير” وجنوده ادراجهم.

blank
ما الذي رآه الرجل اعلى السور؟

هذه هي الرواية الأقدم عن مدينة النحاس ، ولكن هناك روايات اخرى تناولت اساطير مريبة وتفاصيل اكثر عن رحلة “ابن نصير” ، فحسب ما جاء في كلام “ابو حامد الاندلسي الغرناطي” وكتابه (تحفة الالباب ونخبة الاعجاب) يقول “الغرناطي” : بعد محاولات “ابن نصير” الفاشلة في دخول مدينة النحاس حاول الحفر تحت سورها فضل يصطدم بالأساس النحاسي حتى بلغ المياه الجوفية ، ما افشل محاولاته في حفر خندق اسفل السور ، فقام بمحاولة اخرة وهي صعود السور كما سبق وذكرنا ، ويضيف “الغناطي” بعداً مفزعاً للحكاية ، فبعد ان ينزل المتسابق الي قلب المدينة تتعالى منها اصوات هائلة وصراخ مرعب يدوم لـ 3 ايام بلياليها ، وبحسب هذه الرواية لم يصعد علي سور المدينة 3 رجال وحسب بل كان هناك رجل رابع ، ولكن هذه المرة قام رفاقه بربط حبل حول خصره كي لا يسقط الي المدينة كمن سبقوه ، فهل نجح في اخبار “ابن النصير” عما رأه ؟ لا ، فقد كان مصيره مأساوياً للغاية ، فبعد ان وصل الي حافة السور قهقه ضاحكاً وهبط الي المدينة وعندما قام الجنود بسحبه انقسم جسده الي نصفين الجزء السفلي سحبه رفاقه ام جذعه ورأسه فسقطا خلف السور ، ما ادي الي تعالي الاصوات المرعبة من جديد.

وبحسب روايات اخرى بعد محاولات “ابن نصير” الفاشلة في دخول المدينة توجه هو وجنوده الي بحيرة قريبة كانوا قد سمعوا انها تغمر كنوزاً هائلة ، وعند البحيرة بدأت مغامرة جديدة ، اذ عند وصولهم اليها وجودوا رجلاً واقفا علي الماء ، وعند سؤاله عن هويته اخبرهم بأنه رجل من الجن كان قد حبسه سيدنا “سليمان” عليه السلام في هذه البحيرة ، ثم سرعان ما اختفي الرجل ، فماذا وجدوا في البحيرة ؟ غاص رجال “ابن نصير” في البحيرة فوجدوا قماقم من نحاس مختومة بالرصاص ، وعند فتحها خرج منها جن علي فرس في يديه رمح وطار في الهواء قائلا : يا نبي الله لا اعود ، وقد تكرر هذا الامر 3 مرات ، عندها قرر “ابن نصير” رمي القماقم في البحيرة من جديد لأنه لا يريد اطلاق سراح قوم من الجن كان “سليمان” قد حبسهم فيها.

blank
ليس ورائي مذهب فأرجعوا

هذا ليس كل شيء ، فبحسب رواية اخرة تقول بأن “ابن نصير” قبل وصوله الي البحيرة توقف عند تمثال لرجل في يده لوح من نحاس مكتوب عليه : (ليس ورائي مذهب فأرجعوا ولا تدخلوا هذه الارض فتهلكوا) ، وهنا الغرابة في القصة ، فالأرض كانت فائقة الجمال كثيرة الاشجار وغزيرة المياه فكيف يعقل ان يهلك من يدوسوها ؟ ولكن كما يقال (ليس كل ما يلمع ذهباً) ، دخل مجموعة من جنود “ابن نصير” الارض وما حدث لهم كان مرعباً للغاية ، تقول الرواية انه قد وثب عليهم من بين الاشجار نمل ضخم كالسباع الضارية فقطعوا اولائك الجنود وخيولهم ارباً وتوجهوا نحو باقي العسكر الذين لم يدوسوا هذه الارض ولكنهم توقفوا عند حدودها وبالتحديد عند تمثال الرجل الذي يحمل لوح من نحاس ولم يتعدوها.

السؤال الابرز : اين تقع مدينة النحاس ؟

في الواقع لا نعلم موقعاً محدداً للمدينة ، يقال انها قد تكون في المغرب او في مكان ما في افريقيا او حتي في اسبانيا ، ما يجعل التأكد من صحة هذه الافتراضات مستحيلاً هو انه لم يتم العثور علي اي اثر من اثارها قد يدلنا علي مكانها ، فكل ما نعرفه عنها هو ما كتب في الكتب القديمة ، حيث قيل انها شيدت بالقرب من المحيط الاطلنطي ..

هذا يأخذنا الي سؤال اخر : من شيد مدينة النحاس ؟

هناك روايتان تتعلقان بهذه النقطة ، الرواية الاولة : شيد الملك “ذو القرينين” مدينة النحاس في الاندلس واودع فيها كنوزه وطلسمها اي سحرها ، لكي لا يتمكن احد من الدخول اليها والحصول علي كنوزه.
اما الرواية الثانية : فتقول ان الجن هم بني مدينة النحاس وذلك نزولاً عند رغبة النبي “سليمان” عليه السلام.

بغض النظر عن اين تقع هذه المدينة ومن بناها ، لدي الأن تفصيل سيصدمكم ، اغلب الروايات المتداولة حول مدينة النحاس تقول بأن “ابن النصير” لم يدخل المدينة مع اختلاف بسيط في تفاصيلها ، ولكن ما سأخبركم به الأن يختلف تماماً ، فهناك رواية اخرى تقول بأن “ابن نصير” نجح حقاً في دخول المدينة ، فكان الذهول التام ، فبعد وصوله وجنوده الي اسوار المدينة وجدوا 25 باباً ، لكنهم لم يتمكنوا من فتح باب واحد منها ، حاول عدة رجال تسلق السور الي ان مصيرهم كان مثلما ذكرنا سابقا ، فمنهم من كان يضحك ومنهم من كان يصفق وكأنهم يرون شيئاً من خارج هذا العالم ، بعد عدة محاولات نجح رجل في مقاومة ما رآه خلف السور وجلس علي حافته ساكناً لا ينطق بكلمة لحوالي ساعة ، وبعد ان استعاد وعيه تحدث مع “ابن نصير” من الاعلي مبشراً اياه بانه سيفتح احد هذه الابواب.

ربما تتسألون ما الذي رأه الرجل خلف السور؟

blank
رأى 10 نساء فاتنات وكانت كل واحدة منهن تغويه

بحسب الرواية انه رأى 10 نساء فاتنات وكانت كل واحدة منهن تغويه لكي ينزل الي المدينة ولكنه علي رغم من شعوره بأنه مسلوب الارادة قاوم النساء وتلي اسماء الله الحسني ما ادي الي اختفائهن تماماً ، وقد سار الرجل علي حافة السور الي ان وصل الي برج للمراقبة ووجد بداخله تمثال من نحاس لفارس علي جواده مكتوب عليه : (ان اردت فتح باب مدينة النحاس افرك يدي) ، ففرك يديه وفتح احد الابواب ، دخل “ابن نصير” المدينة وانقسم جيشه الي قسمين قسم بقي خارجها للحراسة وقسم دخل معه ، وكانت المفاجأة الاولي ، وجدوا في شوارع المدينة العديد من الجثث الا ان اصحابها كانوا وكأنهم نيام لا موتي ، فسار “ابن نصير” وجيشه في ارجاء المدينة الي ان وجدوا قصراً ضخماً لا مثيل له في البنيان والضخامة والفخامة ، دخلوا القصر ولم يصدقوا ما وقعت اعينهم عليه ، كان القصر مليئاً بالمجوهرات والكنوز ، و ضل “ابن نصير” يتجول في ارجاء القصر والجنود يأخذون ما تشتهيه انفسهم من كنوز ، الي ان وصلوا الي غرفة كبيرة وجدوا فيها المفاجأة الثانية ، سيدة فائقة الجمال ترتدي ملابس من حرير مستلقية علي سرير داخل الغرفة وبجانبها تمثالان يحملان سيفين من نحاس ، للوهلة الاولة ظنوا بأن السيدة علي قيد الحياة اذ ان عيناها كانت مفتوحة ، الا انه في الحقيقة ان عيناها قد اقتلعتا من مكانهما ثم تم ارجاعهما الي وجهها من جديد.

فوق السرير كانت هناك لوحة مكتوب عليها : (خذ ما شئت من المجوهرات ولكن لا تاخذ المجوهرات التي ارتديها).

blank
خذ ما شئت من المجوهرات ما عدا التي ارتديها

كان علي رأس السيدة تاج من اروع التيجان ، فحاول احد الجنود اخذه واخذ المجوهرات الاخرى التي ترتديها غير ابه للتحذير المكتوب علي اللوح ، في تلك اللحظة تحرك التمثالان المجاوران لها وضربا عنقه ثم رجعا الي وضعهما السابق ، بعد ذلك خرج “ابن نصير” مع جنوده وساروا نحو جبل شامخ بالقرب من المدينة به الكثير من المغاور ، وبعد وصولهم الي الجبل اكتشفوا بأنهم ليسوا وحدهم ، اذ يقطن المغاور قوم ذو بشرة سمراء داكنة ، اعتقد “ابن نصير” بأنهم من المردة ، ليتبين فيما بعد انهم من البشر وانهم ابناء “حام بن نوح” ، بحسب الرواية نزل ملكهم وتحدث مع “ابن نصير” ليستفسر عن سبب وجودهم في هذه المنطقة ، فأنصدم “ابن نصير” مما عرفه عن هؤلاء القوم ، وخاصة انهم يعبدون الله وتسائل : كيف يمكن ان يحصل هذا ولم تطأ قدما نبي هذه المنطقة ؟
فكشف له الملك المسألة قائلا له : انه بالقرب من الجبل توجد بحيرة يخرج منها نور عظيم بين الحين والاخر ويعلمهم كيفية عبادة الله وهكذا اهتدوا الي الايمان.

بعد ان تبادلا اطراف الحديث علم الملك انهم يرغبون في اخذ عدد من القماقم النحاسية الموجودة في البحيرة لأخذها الي الخليفة “عبد الملك بن مروان” ، فأمر الملك بعضاً من رجاله بالغوص واستخراج القماقم والتي يقال بأن النبي “سليمان” حبس فيها الجن.

وبهذا نأتي الي نهاية القصة ، فبرأيكم هل دخل “ابن نصير” الي المدينة حقا ؟ او بالاحرى هل لأي من هذه الروايات اساس من الصحة ؟ وهل هذه المدينة موجودة بالفعل علي هذه الارض ولكننا لا نراها ؟ .. الله وحده يعلم ، لكن الاكيد بأن قصتها ستضل متداولة لأجيال وأجيال الي ان يتبين ما قد يدحضها بالكامل او يؤكدها.

مصادر :

أبو حامد الغرناطي، تحفة الألباب ونخبة الأعجاب (مكتبة النور)

تاريخ النشر : 2021-09-17

Ahmad

ليبيا
guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى