أدب الرعب والعام

الغدار

بقلم : ياسر حسن – مصر
للتواصل : [email protected]

الغدار
جلست ملك تتذكر الأحداث المشئومة التي انتهت بها إلى السجن ..

جلست ملك على سريرها في زنزانة رقم 33 في سجن القناطر ودمعها الساخن ينحدر من عينيها في صمت حيث تقضي هناك عقوبتها التي تبلغ 15 سنة مع الشغل والنفاذ .

جلست تستعيد الذكريات و الحلم الجميل التي كانت تعيشه ولكنها لم تكن تدرك بأنها سوف تستيقظ على أبشع كوابيسها و أنها ستدفع ثمن اختيارها غالي جداً.

بدأت ترجع بالذاكرة إلى عام واحد فقط إلى الوراء كان فيه حالها مختلف تماما عن حالها الآن .

كانت ملك جميلة ورقيقة حقاً و كان كل الشباب يتمنون أن يلفتوا أنظارها و أن يحصلوا على رضاها و يتمنوها فتاة أحلامهم , ولكن لسوء حظها لم يلفت نظرها غير مهند الذي خدعها بجسده الرياضي و أناقته و لباقته مما جعلها تظن أنها ستعيش معه اسعد أيامها و أنها ما إن تدخل معه عش الزوجية فأنها ستدخل جنة الله في الأرض لذلك تحدت أباها و أسرتها الذين كانوا يرفضون هذا الارتباط بعد أن علموا من جيرانه و أصدقائه مدى سوء خلقه وصفاته الدنيئة وأنه لا يتورع عن فعل أي شيء في سبيل تحقيق مصلحته .

إلا أن ملك لم تصدق كلام أباها واعتقدت أنه يكذب عليها من أجل أن يفرق بينهما و يزوجها لأبن عمها الغني … وعندما أصر أبوها و أسرتها على رفض تلك الزيجة اضطرت أن تتزوجه من ورائهم وهربت معه وتركت من أجله دراستها في الجامعة رغم أنها كانت في السنة الأخيرة في كلية التجارة بعد أن وعدها مهند بأنه سيعوضها عن ما تركته وزعم بأنه حصل على عمل في شرم الشيخ في فندق سياحي كبير و بمرتب ضخم فهربت معه وتزوجته عرفيا بعد أن شهد على الزواج اثنان من أصدقائه ولكن … ما إن دخلت معه عش الزوجية حتى كشف عن وجه القبيح , فهو لا يعمل في فندق سياحي كبير لكنه يعمل قواد حيث يجلب فتيات الليل للسياح و رجال الأعمال مقابل مبلغ من مال الذي كان يصرفه في السهر مع أصدقاء السوء ما بين لعب القمار و شرب الخمر و قضاء ليالي حمراء مع النساء والأدهى أن بدأ يأتي بأصدقائه إلى بيته و يجبر ملك بأن تخدمهم و إذا رفضت ضربها و سبها بأسوأ الألفاظ كما أنه أجبرها على الخروج للعمل لتصرف على البيت و عليه فعملت كجرسونة في أحد الفنادق في شرم الشيخ .

وبعد قيام ثورة يناير و حدوث الانفلات الأمني غادر عدد كبير من السياح مصر خوفا على حياتهم فأستغنت الفنادق عن معظم عامليها وكانت من ضمنهم ملك . وهنا أخذ مهند بينه و بين نفسه قرار لا يأخذه إلا شيطان هو أن يبيع عرضه و شرفه في سبيل إرضاء أنانيته وحبه للمال , فقرر أن يضع لـملك المنوم في كوب ليمون حتى تنام ثم يسلمها لأحد رجال الأعمال الكبار . و لكن لحسن حظ ملك لم يكن تأثير منوم قوي فاستيقظت لتجد هذا الرجل يجردها من ملابسها فصرخت و اندفعت خارج الغرفة محاولة الاستغاثة لتجد أمامها زوجها الذي أسرع بسد فمها بيده في الوقت الذي أسرع رجل الأعمال إلى مغادرة البيت قبل حضور احد من الجيران .

وهنا فاجئها مهند بإخبارها أنه قطع ورقة الزواج العرفي لأنه سيتزوج من امرأة أخرى كبيرة في السن ولكنها غنية جدا و ستحقق جميع أحلامه و مشاريعه , لكنه على استعداد أن يجعلها تعيش معه و لا يطردها في مقابل أن تعمل معه كفتاة ليل تجذب الزبائن بجمالها و فتنتها الطاغية خاصة السياح و رجال الأعمال الكبار , وقال بأنه سيعطيها فرصة حتى مساء غد لتفكر و إلا فعليها أن تبحث عن مكان آخر لتعيش فيه ! . ثم تركها و دخل غرفته بعد ما أخذ معه زجاجة ويسكي ليشرب و يسكر كعادته .

أما ملك فلم تنطق بأي كلمة بل ظلت صامته متحجرة في عينها الدمعة و رعشة خفيفة في قدمها لا تدري ماذا تقول … فجميع الكلمات ذابت على شفتيها , لا تدري أهي مستيقظة أم أنها تعيش كابوس يجثم على صدرها … هل ما تسمعه حقيقي ؟ … هل يمكن أن يكون هناك شخص بهذه الصفات الدنيئة والأخلاق المبتذلة و يكون دوناً عن جميع الرجال من اختارته زوجاً لها . ثم تذكرت أسرتها فسئلت بتليفون إحدى جارتها عنهم فكانت الفاجعة .. فقد أصيب أباها بجلطة في المخ من صدمة هروبها و مات و لحقت به أمها بعد ذلك بشهر حزناً عليه و قد أقسم أخوها على أن يقتلها إذا رآها .

جلست ملك في مكانها لا تدري ماذا تفعل و لكنها سرعان ما استعادت رباط جأشها و قررت قراراً خطيراً .. وهو أن تتخلص من مهند وتخلص العالم من شره , فكما كان هناك أشخاص سالت على الأرض دمائهم الطاهرة غدرا دون رحمة يجب أن يستريح العالم من أمثال مهند و من هم على شاكلته . لكن في نفس الوقت يجب أن يكون التخلص منه مدبرا بعناية ومن دون دليل عليها .. ليس خوفاً من العقاب , و لكن لأن هذا الشخص لا يجب أن يعاقب من يقتله بل يجب أن يكافئ .

وبدأت بالفعل تضع خطه محكمه لتخلص منه دون دليل عليها , وعلى صوت أذان الفجر كانت ملك قد دخلت المطبخ و أحضرت حبلاً طويلاً ودخلت عليه وبهدوء شديد بدأت تقيد يده وقدميه مستغلة نومه العميق بسبب الخمر و السكر اللذان أثقلا رأسه فلم يدري بما يحدث له ثم دفعته على الأرض و هزته بقدمها بعنف فبدأ مهند يستيقظ وبدأ يشعر بما جرى له فنظر فوجد ملك تقف عند رأسه فقال لها : – ” ماذا فعلتي يا مجنونة ؟! ” .

ردت ملك : ” مفيش .. قررت أريح العالم منك و أنتقم لنفسي منك ” .

فبدأ يحاول أن يفك قيده دون جدوى فنظر لها و قال لها : ” ملك أنا أحبك … أنا كنت بعمل كل هذا من أجلك ومن أجل إسعادك ” .

ملك: ” يا بسهولة كده متوقع أنك ممكن تضحك عليا بكلمتين و أنا عبيطة سأصدقك ببساطة “.

مهند : ” ملك أرجوك أنا .. ” .

إلا أن ملك وضعت قدمها على فمه وقالت : ” أنكتم كافية خداع و غش … انا بتمنى انك تصبح دلوقت حشرة عشان أسحقك بقدمي ” .

حاول مهند محاولات يائسة أن يهز رأسه لكي يدفع قدم ملك عن فمه لكي يصرخ لعل أحد يسمعه إلا أنه لم يستطع فخرجت منه صرخات مكتومة لم تتجاوز الحجرة فابتسمت له ملك ابتسامة ساخرة ثم أخرجت شريطاً لاصقاً وكممت به فمه جيداً ثم بدأت تجره … و بعد مجهود ضخم و مقاومه شديدة من مهند استطاعت أن تدخله الحمام و تضعه في البانيو المليء بالماء ثم بدأت تضغط على رأسه لتبقيها تحت الماء حتى همد تماماً جسده و أصبح جثة هامدة .

وهنا سقطت ملك على ركبتها و أنفاسها تتصاعد و بدأت تنهمر من عينها الدموع و هي ترتجف و تدعو ربها أن يغفر لها .

تاريخ النشر : 2015-07-22

guest
19 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى