أدب الرعب والعام

السيد H (( قناع المبادئ ))

بقلم : أنيس صالح عوض سعدان – اليمن
للتواصل : [email protected]

السيد H (( قناع المبادئ ))
أنت تعرفني ولكنك أيضا لا تعرفني ..

من أنا ؟؟ ..

أنا لست سوى ظل ..

أنت تعرفني ولكنك أيضا لا تعرفني ..

لا تراني ولكني أراك …

وجودي يكمن في داخل كل واحد منكم ..

أنا الشيء الذي يوجهك والذي تنصاع إلى أوامره ..

تحاول مجابهتي ولكنك لا تستطيع

هذه هي طبيعتك , أن تكون ملكا لي ..

من أنا ؟؟

أنا (( السيد H ))

***

 

– ” عليك أن تصدقني , أنا لم أتعمد قتله “

هكذا صرخ السجين بأعلى صوته وأعينه قد غرقت بدموعها , صوته المرتجف والمتوسل لم يحرك ذرة مشاعر في قلب الضابط (( وسام )) الذي جلس أمامه على مقعد وثير ينفث دخان سيجارته الذي ملأ الغرفة بإكملها , هذا قبل أن يطفئها ثم يميل نحو الأمام وهو يتحدث بصوت بارد برود الثلج وهو يقول ..

– القتل هي جريمة .. سواء كانت متعمدة أم لا , مهما كانت الأعذار الواهنة التي ستقوم بتقديمها فإن العدالة يجب أن تأخذ مجراها ….

– أرجو أن تسمعني أيها المحقق , كل ما في القصة أنه ..

– اخرس , فأنا لا أحب سماع اصوات المجرمين , جميع الأدلة التي عثر عليها في مسرح الجريمة كانت تدينك أنت و هذا هو ما أحتاجه فقط , المجرمين من أمثالك الذين يعكرون صفو وسلام هذا العالم , يجب عليهم أن يقتلوا جميعا ..

إشارة من يد وسام فقط جلبت إثنين من الحراس لينتشلوا السجين من أجل إعادته إلى زنزانته , و رغم بكائه المرير و توسله المتواصل من أجل فرصة فقط ليدافع بها عن موقفه إلا أن الضابط وسام كان قاسيا كالحجر , لم يكن يملك ذرة مشاعر كي يشفق بها على ذلك المسكين الذي كان يجرجر رغما عنه إلى حبل الإعدام …. وحالما أصبح وسام وحيدا في مكتبه حتى أخرج هاتفه النقال من جيب سترته و ضرب رقما يعرفه تمام المعرفة و انتظر سماع صوت كلمة ” آلو ” من الجانب المقابل حتى ارتسمت ضحكة عارمة على فمه تناقضت مع مظهره الجاد قبل قليل , وهو يقول في مرح …

-ج هز نفسك لغداء في الخارج اليوم يا (( أحمد )) فسأعود اليوم من المكتب مبكرا

أجابه صوت مرتجف من الجانب الآخر كان مختلفا تماما عن صوت ابنه وهو يقول :

– هل أنت السيد وسام , والد أحمد ؟؟

اختفت إبتسامة وسام مباشرة وحل مكانها وجه خائف , وهو يقول في صوت مختنق …

– نعم أنا هو … من أنت يا هذا ؟؟ , وأين هو أحمد ؟؟

– سيد وسام , أريدك أن تهدأ قليلا وحاول ألا تنفعل من فضلك …. إن أحمد قد أصيب بطعنة سكين في قلبه , وهو الأن في قسم الطوارئ في المستشفى

نزلت هذه الكلمات كالصاعقة المدوية على الضابط وسام , الذي سرعان ما جن جنونه وبدأ بالصراخ والنحيب وهو يتحدث إلى الشخص الذي أجاب على إتصاله …

– أخبرني ما اسم المستشفى … بسرعة

وحالما وصله الرد من الجانب الآخر حتى رمه بهاتفه لا شعوريا و انطلق مسرعا يعدو نحو سيارته متجها نحو المشفى الذي يقبع بها ابنه .. ابنه الوحيد الذي كل ما تبقى له في هذه الدنيا بعد وفاة زوجته قبل عشر سنوات … كانت عاصفة من الذكريات مع ولده تمر عليه وهو يقود سيارته بلا هوادة , كان يزيد من سرعته كلما جاءه ذلك الهاجس الذي يخبره بأنه قد يفقد ولده , قواه خارت تماما حالما وصل إلى بوابة المشفى … قدماه لم تعد قادرة على حمله وهو يسرع إلى المشفى بخطوات متلاطمة … كان نظره مشوشا بسبب دموعه المنهمرة التي قد غطت عيناه ..

– ” كل شيء سيكون بخير , سأرى وجوه سعيدة تخبرني بسلامة ولدي حالما انعطف نحو هذا الممر “

هكذا كان يقول لنفسه … كان يتمنى هذا من اعماق قلبه … انعطف نحو الممر .. ولكن … لم يرى ما كان يتمنى أن يراه …. ما رآه كان شابا في نفس عمر ولده , وجه ذلك الشاب قد امتلئ بالدموع مثل وجهه تماما … سقط على ركبتيه … لم يقوى على مواصلة التقدم , اقترب منه الشاب بملامح مشفقة عليه و بصوت متحشرج مختنق خاطبه قائلا …

– سيد وسام … إن أحمد مصر على رؤيتك , يقول بإنه يريد أن يقول لك شيء مهم , أسرع أرجوك , فلم يتبقى له وقت طويل …

لم يتكلم وسام .. بقى صامتا .. لم يتحرك من مكانه أنشا , مما اضطر الشاب إلى حمله بنفسه وإيصاله إلى غرفة العمليات التي يتمدد بها أحمد , وحالما دخل وسام حتى شاهد هذا المنظر الموجع … ولده الراقد على فراش الموت وهو يناديه بصوت شاحب …

– أبي …. أسرع …. علي إخبارك …… بإسم ذلك الشخص ..

***

مر أسبوع …. أسبوع كامل … مر وكأنه سبعة أعوام على الضابط وسام الذي امتنع عن الذهاب إلى عمله , و اكتفى بالجلوس وحيدا في شقته الذي غلفها الظلام بعد وفاة نجله أحمد الذي كان بالنسبة له المصباح الذي ينير هذه الشقة الكئيبة … كان في حالة يرثى لها , عيناه قد ذبلت من شدة ذرفهما للدموع , جسده صار هزيلا بسبب إمتناعه عن تناول أي شيء , تعتريه نوبات غضب بين كل حين وآخر تجعله يحطم كل ما يلقاه في طريقه , عقله أصبح لا يفكر إلا بشيء واحد , إلا وهي الحادثة قبل سبعة أيام, والتي جعلته على هذا الحال …. و بينما كان وسام جالسا والكئابة تحوم حوله كالعادة , إذا به يسمع صوتا ساخرا يقول له …

– إلى متى تنوي المكوث وحيدا هنا , أيها الضابط وسام ؟؟

انتاب وسام هلع وفزع شديدين حالما سمع هذا الصوت فقفز إلى الخلف وجسده يرتجف بقوة , فمن المفترض أن لا أحد يسكن معه في هذه الشقة سوى ولده (( أحمد )) الذي قد توفى وغاب حسه مسبقا … هذا ماكان يفكر به وهو ينظر إلى المصدر الذي أتى الصوت منه , ليشاهد شخصا يجلس بأريحية على الأريكة الموجودة أمامه وكأنه من أهل البيت وسكانه , الغريب في الأمر أن الشخص كان أسودا تماما كالظل , لا يُرى أي شيء من ملامحه … مما جعل جسد وسام يرتجف بقوة أكبر مماهو عليه و هو يصرخ بصوت خائف ومرتعب …

– من أنت ؟؟ …. وكيف دخلت إلى هنا ؟؟

– اسمي هو السيد H …. أنا جزء منك , ولطالما كنت هكذا … إن كنت لا تصدقني فانتظر للحظات قليلة و ستجد نفسك معتاد علي وكأنني صديقك المقرب … رغم أنني بالنسبة لك اكثر من هذا بكثير

أي شخص في هذا الموقف ما كان ليصدق ما قاله الظل الذي يسمي نفسه ” السيد H ” و هذا هو رد الفعل الطبيعي , إلا أن وسام كان رد فعله مختلف تماما , فلقد اقتنع سريعا بما قاله السيد H و عاد للجلوس على الأريكة وهو يرمقه بنظرات متشككة , مما جعل السيد H يستطرد قائلا …

– قررت الظهور أمامك لأنني قد اشفقت على حالتك , إلى متى تنوي الأستمرار في ما تفعله أيها الضابط وسام ؟؟

– ماذا … تعني ؟؟

– الرجل الجالس أمامي الآن …. هل هو حزين على فقدان ولده الوحيد , أم أنه غاضب من الشرطة التي قامت بإطلاق سراح قاتله ؟؟ ..

اعترت وسام نوبة غضب فجائية حالما سمع كلام السيد H , و سرعان ما تناول كأسا خزفيا كان موضوعا على المنضدة أمامه ورماه بكل ما أوتي من قوته ليصطدم بالجدار ويتحطم إلى قطع متناثرة , هذا قبل أن يلتفت إلى السيد H و يهم بالصياح بجنون وهو يقول …

– اللعنة عليهم جميعا …. دماء ولدي أحمد قد ضاعت هباءا بسببهم … لن أنسى تلك الكلمات أبدا .. ” أبي … إن زميلي (( عماد )) هو من قام بطعني , فر هاربا بعد قيامه بهذا وهو يظن بأنني قد فارقت الحياة … أرجوك يا أبي … قم بإلقاء القبض عليه … أرجوك ” هذا ما قاله لي قبل موته بلحظات … تلك النظرات التي كانت تعتريه وهو يقول تلك الكلمات … لا أستطيع وصفها …. كانت أعينه ممتلئة بحزن و ألم لم أعهدها من قبل …

و باشر بضرب المنضدة بقبضته مرة تلو الأخرى وهو يستمر في صياحه …

– سحقا …. سحقا …. سحقا , القاتل الذي من المفترض أن يكون معلقا على حبل الإعدام هو الأن حر طليقا و قد فر بفعلته , فقط لأنه لم تكن هناك أدلة كافية تدينه … تمكن ذلك المجرم من الهرب ….. سحقا

– ربما تكون الشرطة قد قامت بإطلاق سراحه , ولكن مازال هنالك شيء يمكنك القيام به

و اقترب السيدH بحركة سريعة وقابل وجهه وجه وسام المرتعد وهو يقول في برود شديد ..

– ” الإنتقام “

سرت رجفة قوية في جسد وسام حالما سمع هذه الكلمة تخرج من السيد H , و بقي صدى كلمة ” الإنتقام ” يتردد مرات عدة في عقل وسام لمدة دقيقة أو دقيقتين مما جعل السيد H يواصل حديثه بحماسة متزايدة قائلا …

– هذا صحيح يا وسام .. ” الإنتقام ” هذا هو سبيلك الوحيد من أجل إسترداد دماء ولدك التي ضاعت هباءا … فلتفكر قليلا .. إن لم تقم الشرطة بتطبيق العدالة على ذلك المجرم فعليك أن تطبقها بنفسك

صمت وسام و إرتجافه الشديد استمر لدقيقة إضافية , و بعد أن هدأ قليلا وعاد إليه إتزانه جسديا وذهنيا , اطلق ضحكة مجنونة استمر صداها في التزايد حتى سُمعت في جميع أنحاء الشقة , ثم ألتفت نحو السيد H و هتف في مرح غريب …

– هذا صحيح … أنت محق .. هذا ما يجب علي فعله … الأمر سهل جدا عندما تفكر في الأمر …. يمكنني معرفة عنوان ذلك المدعو عماد من ملفات الشرطة , ولدي سكين في المطبخ يمكنني إستعمالها …

و ازداد حماس وسام كثيرا قبل أن يستطرد ضاحكا بهستيرية …

– أجل .. سأفعلها … بالتأكيد سأفعلها …. انتظرني قليلا يا أحمد … سأستعيد دماءك الذي هدرت بكل تأكيد …. انتظرني فقط …

و أطلق ضحكته المجنونة مرة آخرى ….

***

كانت شقة (( عماد )) صديق أحمد القديم صاخبة كعادتها في كل يوم , فمن هواياته المفضلة الإستماع إلى الموسيقى الأجنبية بصوت يفجر طبلات الأذن , ولم يسمع الطرق الذي كان على بابه إلا بعد أن كان على وشك أن يتحطم , قام بضجر يطفئ مسجل الصوت وتوجه نحو الباب وهو يصرخ بكلمة (( حاضر )) وهو يسب ويلعن الطارق في داخله وإن كان لا يعرف هويته … وجه شاحب أبيض بنظرات دبت الرعب في قلبه … هذا ما شاهده عماد حالما قام بفتح الباب , و رغم إرتباكه الشديد إلا أنه ابتسم إبتسامة مصطنعة و قال في تردد …

– حضرتك تريد شيئا ؟؟

قابله صوت (( وسام )) الجاف وهو يغمغم قائلا …

– هل أنت السيد (( عماد رامي )) ؟؟

– نعم أنا هو …. أي خدمة ؟؟

و من دون سابق إنذار يقوم وسام بدفع عماد إلى داخل شقته دفعة قوية جعلته يرتمي على الأرض وهو لا يعرف معنى هذا التصرف , و قبل أن يعاود النهوض يتقدم وسام نحوه ويجلس عليه حتى يمنعه من الوقوف على قدميه , ومن جيب معطفه يخرج سكين المطبخ الذي أحضرها معه من منزله و يبتسم إبتسامة خبيثة وهو يقول …

– إنها العدالة …. يجب أن تطبق

رغم أن وسام لم يقل سوى هذه الجملة اليتيمة إلا أن عماد قد أدرك كل شيء , أدرك أن هذا الرجل أحد أقارب أحمد و أنه ينوي الإنتقام مما فعله بأحمد بعد أن قرر الأخير إبلاغ الشرطة عنه لحيازته المخدرات , وفي محاولة بائسة صرخ عماد بذعر شديد وهو يقول ..

– انتظر يا عمي …. دعني اشرح لك الموقـ….

إلا أن عماد لم يكمل جملته , فطعنة وسام التي أصابت صدره حولت جملته التي كان على وشك أن يكملها إلى صراخ مؤلم هز أركان المنزل , وبينما كانت الدماء تتناثر في كل مكان من حوله , غمغم وسام بسعادة عارمة …

– ليس بعد … أحمد لن يرضى بطعنة واحدة … إنه يريد المزيد .. المزيد

طعنة اخرى من وسام في المعدة , ثم ثالثة في الرقبة , ثم رابعة في القلب و هكذا تواليك حتى أًصبح مجموع الطعنات إثنا عشر طعنة , عندها رمى وسام السكين بعيدا واستمر في الضحك وهو يهتف …

– هل تشاهدني الأن يا أحمد ؟؟ …. لقد طبقت العدالة عليه … يمكنك الأن أن ترقد بسلام في مكانك … فلقد حققت أمنيـ….

و قبل أن يتمم وسام جملته , إذا بالشرطة تقتحم الشقة و تطلب من وسام أن يرفع يده عاليا بينما هتف رجلا كان بجانبهم قائلا …

– كما قلت لكم … لقد رأيت هذا الرجل يقتحم هذه الشقة و لقد كنت محقا , حمدا لله أنني اتصلت بالشرطة قبل أن يهرب هذا المجرم …

صمت الضابط قليلا ثم غمغم في حزن …

– لم أتوقع أنك ستفعلها يا وسام ….. خذوه يا رجال

لم يستوعب وسام بعد ما حدث إلا عندما امسكه الشرطيان و أرادوا إعتقاله , عندها فقط صرخ وسام بجنون وهو يبعد عنه الشرطيان قائلا …

– ماذا تفعلون ؟؟ …. لما تقبضون علي ؟؟ … أنا لست بمجرم … لقد طبقت العدالة فقط

ورغم مقاومته إلا أن الشرطيان تمكنا من إمساكه وتقييد يداه وهو يستمر في صراخه ..

– توقفوا .. إلى أين تأخذونني ؟؟ … قلت لكم , أنا لست بمجرم … أتركوني

و تحول صراخه الجنوني فجأة إلى نحيب وبكاء مرير بعد أن وجد أن مقاومته لم تنفع و أنه ينقاد إلى سيارة الشرطة كالمجرمين تماما …

– توقفوا ….. لم تعاملوني كمجرم …. هاه ؟؟ …. لقد قتلته في سبيل العدالة … شخص مثله لا يجب أن يحيا على هذا العالم … لماذا ؟؟؟

و استمر وسام في ترديد هذه الكلمات وهو ينقاد إلى سيارة الشرطة الذي ارتفع صفيرها وهي تتوجه حاملة سجينها إلى مقصدها المعتاد ….. قسم الشرطة ..

***

السجن , وهو المكان الذي يقبع فيه المجرمين , وهناك قبع الضابط وسام الذي لطالما كان يحتقر سجناءه من خارج الزنزانة , إلا أن هذه المرة كان الضباط الأخرون هم من يرمقونه بنظرات الإستصغار وهو داخلها مرتديا بذلة السجناء البرتقالية , و يتمدد على فراش مهترئ , وضائع في أفكارا لا يعلمها إلا الله فقط … طوال فترة حبسه في السجن لم يتفوه بكلمة واحدة , إلا وأنه في ليلة سمع جميع من في قسم الشرطة تقريبا صراخه و هو يتحدث مع شخص ما , لقد كانت تلك الليلة التي ظهر بها السيد H أمامه للمرة الثانية ….

– حالك هذا … أصبح شكلك مثل المجرمين الذي كنت تقبض عليهم كل يوم ..

استشاط وسام غضبا و هم بالصياح قائلا …

– لا تقل هذا أيها اللعين … أنا لست بمجرم … لقد طبقت العدالة التي كانت يجب أن تطبق … هل كنتم تريدوني أن اترك ذلك القاتل حتى يقع على يده ضحايا آخرين … لماذا لا تفهمون .. بأنني فعلت هذا من أجل العدالة ؟؟

– لا , أنت لم تفعل هذا من أجل العدالة … لقد كان هدفك شخصيا إلا وهو الإنتقام من قاتل ابنك .. لا أكثر من هذا ولا أقل …

– حتى وإن كنت قد فعلت هذا من أجل الإنتقام … فإن النتيجة نفسها … لقد خلصت العالم من مجرم كان على وشك أن يعيث فسادا في هذا العالم …

– و ماذا عنك أنت ؟؟ … متى سيتخلص العالم منك حتى لا تعيث فسادا فيه ؟؟

صمت وسام متفاجئا , و بدأت دموعه بالإنهيار من عينيه و هو يهم راكعا على رأسه , أمام أنظار السيد H …

– أنا لست مجرما …. لطالما كنت مناصرا للعدالة … لماذا لا تصدقوني ؟؟

– على الإنسان أن يقول الأشياء التي يؤمن بها و يعتبرها واحدة من مبادئه .. ” القتل هو جريمة ” لطالما كنت تقول هذا أليس كذلك ؟؟ … المبدأ الذي كنت تفرضه على غيرك طوال الوقت هاأنت الأن تحاول إنكاره … لا تحاول تبرير ما قمت به يا سيد وسام … لقد حلّلّت لنفسك جزء من الخطأ الذي لطالما كنت تؤمن به , و ذلك لكي تحقق الهدف الذي كنت تبغاه … لقد قتلت شخصا .. و هذا يعني بأنك أصبحت مجرما .. فحاول أن تتقبل نتائج فعلتك … و لتتنظر بصبر حكم الإعدام الذي سيصدر عليك …

حالما أنهى السيد H كلامه , حتى جن جنون وسام و صار كالثور الهائج وهو يدور في زنزانته .. صراخه وهو يسّب ويشتم و يلعن جعل أفراد الشرطة يهرعون نحوه محاولين تهدئته , و قد احتاج الأمر إلى ثلاثة حراس من أجل السيطرة عليه و قيادته إلى مكتب الضابط من أجل التحقيق معه في قضيته , الغريب في الأمر أن الحراس الثلاثة سمعوا وسام وهو يصرخ على أحد اسمه ” السيد H” من داخل الزنزانة , رغم أنه لم يكن هناك أي أحد على الإطلاق معه …

***

– ” عليك أن تصدقني , أنا لم أتعمد قتله “

هكذا صرخ السجين ” وسام ” بأعلى صوته وأعينه قد أغُرقت بدموعها , صوته المرتجف والمتوسل لم يحرك ذرة مشاعر في قلب الضابط الذي جلس أمامه على مقعد وثير ينفث دخان سيجارته الذي ملأ الغرفة بإكملها , هذا قبل أن يقوم بإطفائها و التحدث بصوت بارد كالثلج وهو يقول …

– القتل هي جريمة .. سواء كانت متعمدة أم لا , مهما كانت الأعذار الواهنة التي ستقوم بتقديمها فإن العدالة يجب أن تأخذ مجراها ….

– أرجو أن تسمعني أيها المحقق , كل مافي القصة أنه ..

– اخرس , فأنا لا أحب سماع اصوات المجرمين , جميع الأدلة التي عثر عليها في مسرح الجريمة كانت تدينك أنت و هذا هو ما أحتاجه فقط , المجرمين من أمثالك الذين يعكرون صفو وسلام هذا العالم , يجب عليهم أن يقتلوا جميعا ..

إشارة من يد الضابط فقط جلبت إثنين من الحراس لينتشلوا السجين وسام من أجل إعادته إلى زنزانته , و رغم بكائه المرير و توسله المتواصل من أجل فرصة فقط ليدافع بها عن موقفه إلا أن الضابط كان قاسيا كالحجر , لم يكن يملك ذرة مشاعر كي يشفق بها على ذلك المسكين الذي كان يجرجر رغما عنه إلى حبل الإعدام ..

– ” أنا مناصر للعدالة , لا تقبضوا علي .. اقبضوا على السيد H , هو السبب .. هو من جعلني أفعل هذا “

هكذا كان يقول … هكذا كان يصرخ .. ولكن لا مستمع له على الإطلاق ……

***

(( لكل إنسان مبادئه الخاصة , و تصرفاته مع الآخرين ومعاملته لهم تندرج تحت هذه المبادئ التي إتخذها كميثاقا له , إلا أن هذه المبادئ في بعض الأحيان تتحول إلى أقنعة يخفي بها الإنسان هويته الحقيقية التي هو عليها , تجده يراقب تصرفات الناس و يناظرها و يقوم بتخطيء كل فعل لا يتماشى مع قناع المبادئ الذي قام بصنعه … إلا أنه عندما يواجه موقفا يتطلب منه التعارض مع هذا القناع , يقوم بإزالة جزء صغير منه حتى يسمح لنفسه تمرير هذا الموقف , ولهذا تجد أولئك الذين يرتدون هذا القناع أشخاص متناقضين , أقوالهم و أفعالهم مختلفة تماما , لا يمكنك معرفة ماهيتهم إلا بعد أن ينكسر هذا القناع نهائيا و تظهر وجوههم التي لطالما كانوا يقومون بإخفائها … ))

** خذ لحظة مع نفسك … ثم تمعن في الحرف H جيدا

تاريخ النشر : 2015-08-10

guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى