أشباح و ارواح

الثكنة التي أرعبت الجيش

بقلم : ماريا الياس – لبنان
للتواصل : [email protected]

الثكنة التي أرعبت الجيش
كان من أكثر المباني المسكونة شهرة في البقاع ..

بسالة .. قوة .. شجاعة .. عنفوان .. كرامة .. من أجمل الصفات التي قد يتمتع بها الإنسان في حياته .. متى ما وُجدت في الشخص فستلتصق به حتى بعد مماته .. ولجنود الجيش الحصّة الأكبر في نيل هذه الصّفات .. فإنها شروط أساسية لا يمكن الاستغناء عنها كي يتمكن شاب من الالتحاق بالجيش .. وقد اتّفقت جميع دول العالم تقريباً على هذا المبدأ .. إذ يتم اختبار المتطوّع في شخصيته من خلال الدّورات التي يُدَرَّب فيها هذا الأخير .. وتكون تحت إشراف ضباط أغلبهم يتّصفون بالقسوة .. حيث قد يطلبون من المتدرّبين أكل لحم الحيّة أو الجرذان .. وأحياناً قد يأمرونهم بالغطس في بركٍ مليئة بمياه الصرف الصحي والأوساخ .. أو الاغتسال بالزيت المحروق .. وقد تكون الأوامر قاسية .. ومجرّدة من الأخلاق والمشاعر الإنسانية كأن يُطلب من الجنود أكل لحوم البشر .. مثلما حصل في الجيش الياباني أثناء احتلالهم لمدينة نانجنغ الصينية .. وذلك لإثبات مدى شجاعتهم .

الثكنة التي أرعبت الجيش
 تكون تحت إشراف ضباط أغلبهم يتّصفون بالقسوة ..

ولكن كل هذه التدريبات والشجاعة والقسوة والتجرّد من المشاعر، لم تعد بالفائدة على أبطال قصتنا ولم تسعفهم ، فترى عزيزي القارئ جيشين من أشجع جيوش العالم ، يفرّان هاربين بلا عودة ، بسبب قدرة شيطانية وكائنات ما ورائية رأت فيهم مغتصبين لأرضها ، ومحتلّين لموطنها فطردتهم بلا رأفة وأرعبتهم حتى الموت .

هيّا بنا إلى أرض البقاع اللبناني ، أرض الخصوبة والجمال ، حيث تمتدّ مساحات خضراء شاسعة ، ترى أوّلها ولا ترى آخرها ، حتّى تظن لوهلة أن لا نهاية لها ! ، هناك وتحديداً في مدينة “شتورة” البقاعية ، ينتصب مبنى ضخم ، له بوابة بيضاء كبيرة تسد مدخله ، فتظن لبرهة أنه مكان مهجور خالٍ من الحياة ، لكن لا تخدعنك المظاهر، فهذا المبنى هو من أكثر المباني المسكونة شهرةً في البقاع ، فأبناء البلدة يتجنبون المرور من أمامه حتى ، وإن اضطّروا لذلك تراهم يمرّون مسرعين دون حتى الالتفات أو التجرّؤ على النظر إلى الداخل.

وتعود قصة هذا المبنى إلى فترة بين سنة 1990 و 2004 للميلاد ، فقد اتّخذ منه الجيش السوري ثكنةً أثناء تواجده في لبنان ، وقد تخلّى عنه فيما بعد لأسباب غامضة ، إلى أن عاد الجيش اللبناني وسكنه ، لكنه أيضاً تركه بعد فترةٍ قصيرة ، أما عن الأحداث التي أدت إلى تخلّي جيشين موصوفين بالشجاعة والبسالة عن هذا المبنى ، فسنترك الحديث لجندي لبناني ليخبرنا عمّا كان يحدث هناك :

“منذ الليلة الأولى التي نقلنا فيها أغراضنا بدأت تحدث الأمور الغريبة ، بدأت أغراض الجنود بالاختفاء ، وأحياناً كنا نضع حقائبنا في غرفة في الطابق الأول لنعود ونجدها في الطابق الثالث من المبنى ، وقد ظننّا في بادئ الأمر أن شخصاً ما يقوم بدعابة سخيفة بغرض إغاظتنا ، لكن مع تكرار تلك الحوادث ، ومع أشخاصٍ عدّة ، بدأنا نشعر بأن شيئاً مرعباً يحدث لنا.

في الأسبوع الثاني من إقامتنا في ذلك المبنى ، تطوّرت الأمور حتّى بتنا نسمع أصوات خطى أقدام مجهولة المصدر ، وبدأت المصابيح تُضاء وتُطفئ من تلقاء نفسها ، في الأسبوع الثالث عشنا كابوساً مرعباً فكانت الآليات العسكرية في الباحة المقابلة للمبنى تدور وتمشي دون سائق ، يتخلل ذلك سماع دوي انفجارات وطلقات نارية و انفجار ذخائر ، يا للرعب ! .

أمّا الليلة التي حسمت أمر خروجنا سريعاً من ذلك المكان ، فقد كانت حين غفونا كالعادة في أسرّتنا ، لنستيقظ على أصوات حرّاس المبنى المذعورين ، ونجد أنفسنا مع أسرّتنا في ساحة الثكنة الخارجية ، لقد طردونا من المبنى ونحن نيام ، وتكفّلوا بنقلنا خارجاً ! .. يا لسخائهم!”

كانت هذه شهادة أحد الجنود الذين عاشوا أقلّ من شهرٍ واحدٍ في ذلك المبنى الذي يعجّ بالأرواح ، وتقول الإشاعات أن هذا بالضبط ما حدث للجيش الأخر ، وهو الجيش السوري ، وكان السبب في مغادرته المكان ، أمّا في وقتنا الحاضر فلا يسكن المبنى سوى أرواحه وأشباحه وعجوزٌ مشرّدٌ شائب ، أشعث الشعر ، يجوب شوارع المدينة في النهار سارحاً ، ويلقّب بـ”مجنون شتورة” ، أمّا في الليل فيبيت في ذلك المكان الموحش ، لا يؤنسه سوى أطياف الموتى والأرواح التي تتجوّل بحرّية في منزلها الآمن .

وفي منطقة قريبة، تسمّى “فاعور العرب” ، كان لقسم آخر من الجنود نصيبهم من الخوف والحيرة ، فبينما كان أربعة جنود يقفون في نقطة مقابلة للجبل الذي يفصل بين لبنان و سوريا أثناء نوبة حراسة ، رأوا دخاناً متصاعداً على أطراف مستنقع كان يبعد عنهم مسافةً ليست بقريبة ، وبدأ الحريق بالامتداد حتى طال قصب السّكر ، وكان ينتشر بسرعةٍ جنونيّة ، فطلب الجنود وحدة الإنقاذ ، فأتى رجال الإطفاء ووصل الدّعم ، وتوجّه الجميع إلى مكان الحريق ، حتى وصلوا وتفاجأوا لعدم وجود أي آثارٍ تدلّ على اندلاع حريق، اختفى الدخان فجأةً ! ، وزالت الرائحة ، مع العلم أنّ أكثر من عشرين شخصاً أجمعوا على رؤيتهم لألسنة النار المتصاعدة ، جُنّ جنونهم وأعلنوا فوراً أنّ منطقة المستنقع هي من بين أكثر المناطق المأهولة بالجنّ والأشباح .

فما رأيكم أعزّائي القرّاء في ما حدث؟ ، أكانت حادثة الحريق خدعة رديئة قامت بها الأشباح للتهكّم من خوف البشر وسذاجتهم؟ ، أم أنّها كانت بالفعل هلوسة جماعيّة و نُسِبت للقوى الماورائيّة؟ .

 

* تنقيح موقع كابوس

تاريخ النشر : 2015-08-18

guest
57 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى