تجارب ومواقف غريبة

سكان شجرة الحناء

بقلم : محمد مكي – السعودية

وإذا بها تقفز دون أن تقف إلى داخل شجرة الحناء

هذه القصة حدثت لي عندما كنت في سن العاشرة وكانت مواجهتي الأولى مع عالم اللامرئيات ..

ففي حينا القديم ونحن في سن الطفولة كانت حياتنا اكثر الفة ومحبه من ايامنا هذه ، فقد كان الجيران يعيشون مع بعضهم كأنهم اهل واخوان ، فكانت والدتي تسمح لي بالمبيت في بيت جيراننا والعكس ، فكم قضينا ليالي نلهو ونلعب بكل طمأنينة ورحابه صدر من اهل البيت .

في احدى الليالي ونحن في اجازة الصيف ذهبت لقضاء الليله مع ابناء جيراننا ونلعب في فناء منزلهم الكبير والذي زرعت في ركنه شجرة حناء كانت قد زرعتها امهم بنفسها قبل ان تنجب اطفالها ( عندما كانت عروس ) وكانت تعتني بها حتى كبر الاثنان معاً ومع مرور الزمن وانشغال الام باولادها بدأت تهمل الشجرة ولم تعد تعتني بها كما في السابق وكانت دائماً ما تحذرنا اذا ذهبنا للعلب في الفناء بعدم الاقتراب من شجرة الحناء او نزع اوراقها .

في تلك الليلة نصب لنا والدهم خيمة صغيرة ووضعها في الزاوية المقابلة لركن الشجرة فدخلنا فيها نحن الثلاثة نلعب ونتسامر و نتخيل اننا في مخيم كشافة ، فخرجت من الخيمة لقضاء الحاجة أجلكم الله وقد كان الفناء مضاءً بمصابيح وضعت في وسطه لتضيء الفناء كله .. فلمحت شيئا يتحرك عند شجرة الحناء فاعتقدت انه قط أو فأر ، فجرني الفضول للاقتراب والتحقق منه ، فرأيت امرأة تجلس القرفصاء تحت الشجرة وهي ترتدي ثوب اسود وتقطف من أوراقها ، ولأني لم أرى وجهها بل ظهرها فقط لذا اعتقدت انها والدتهم فناديتها : “يا خاله صالحة .. يا خالة صالحة” .. فلم ترد على ولم تلتفت لي ومستمرة في قطف ورق الحناء وتجمع أوراق الحناء المتساقطة و بدأت تسرع في الجمع وكأنها خائفة !! وأنا أقف خلفها مباشرتاً بمسافة بضع أمتار ، فتعجبت وشعرت بالخوف ، لماذا خرجت الخالة صالحة في هذا الوقت تقطف من الشجرة ، لماذا لم تصبر حتى الصباح ؟؟ ، فلم اقترب أكثر وأخذت ارقبها واكلمها : ” لماذا لا تردي علي يا خالة هل أنت غاضبة مني ؟ ” ..

وإذا بها تقفز دون أن تقف إلى داخل شجرة الحناء !! وتختفي .

صرخت بأعلى صوتي : ” يا عيااااااال .. يا عيااااااال تعالو تعالو امكم دخلت في شجرة الحناء !! ” ..

فخرج عبدالله وابراهيم من الخيمة وقالوا : ” ما بك ؟ ” . قلت لهم أن أمكم .. كذا وكذا ..

فاحضر احدهم مصباح كنا نضيء به الخيمة واخذنا نبحث حول الشجرة عما اعتقدت انها الخالة صالحة فلم نجد احداً فدخلنا الى داخل المنزل ونحن نهرول خائفين فوجدنا الخاله صالحة تجلس في صاله المنزل !! وتشرب الشاي مع زوجها وتشاهد التلفاز ، فقالت : ما بكم ؟ ، فقلت لها ما حدث معي ، فقالت : ” الم احذركم من الاقتراب من تلك الشجرة ” .. ثم سكتت قليلاً وقالت : ” تلك الشجرة مسكونة بالجان وقد ظهرت لي تلك المرأة عدة مرات وحذرتني أن اللمس الشجرة أو اقطف منها فهي تسكن الشجرة هي وعائلتها ولا تريد من احد أن يزعجهم وهم لن يؤذوننا !! ” .

طبعا كانت تلك اخر ليله أبيت في بيتهم ، ( فجن بيتنا أولى ) ، وبعد سبع سنوات تقريباً انتقلت تلك العائلة الى احد احياء جدة الجديدة وهموا بهدم ذالك المنزل ليعيدوا بناءه وحدات سكنية ، وبالطبع كان يجب عليهم إزالة شجرة الحناء ، فأخذت أتحين الوقت وأراقب العمال من فوق سطح منزلنا وهم يهدمون المنزل وانتظر موعد إزالة شجرة الحناء ، حتى جاء احد العمال من الجنسية البنجلاديشية وفي يده منشار يريد قطع الشجرة ، وعندما اقترب منها وبدا يجز في ساقها توقف فجأة وعاد يمشي إلى الوراء وألقى المنشار وانطلق مسرعا إلى الشارع يصرخ و يجري بحركة دوران كأنه فقد اتجاهه ، مفزوع وكأنه رأى شيء أرعبه !! ، فالتف حوله زملائه ومقاول البناء يهدئون من روعة ويسألوه عما به معتقدين انه اصيب بلسعة عقرب او قرصة ثعبان وهو يبكي ويصرخ : ( انا في موت .. انا في موت ) ، ولم يفهموا من كلامه شيء ، وانا اراقب الموقف من اعلى وكأن الامر لا يعنيني وليس لي علاقة بالموضوع اقول في نفسي : معليش يا مسكين سبق ان اكلتها قبلك ..

ولكن العمل يجب ان يستمر فعاد المقاول وربط الشجرة بحبل غليظ وجرها بواسطة التراكتور حتى خلعها من جذورها ، وألقاها في حاوية القمامة ..

والله شعرت بالحزن على تلك الجنية وعيالها وأتساءل اين سيجدوا مسكنا آخر ؟؟ ..

تاريخ النشر : 2015-09-08

guest
38 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى