أدب الرعب والعام

اين هو ؟!

بقلم : أمل شانوحة
للتواصل : [email protected]

اين هو ؟!
اخبريني صدقاً .. هل سأتزوج يوماً ما ؟

انظري اليّ …. بدأت اشيخ !

كانت (ايفي) لا تزال أمام المرآة تصففّ شعرها الطويل , لأكثر من ساعة .. فدخلت امها و رأتها , فقالت بعصبية :

– ايفي !! أمازلت كما انت ! هيا تحركي !! افعلي ايّ شيٍ ينفعك ,  بدل هذه السخافات !!

– و ماذا عسايّ ان افعل ؟ فسلمى نائمة طوال اليوم .. و انا احاول تضيع الوقت

 

– اذاً حاولي ايقاظها !!

– انت تعلمين كم نومها ثقيل .. و اظنها تحاول تضيع حياتها بالنوم .. و يبدو ان حياتي ايضاً ستضيع بسببها .. آه يا امي , اكاد اموت من المللّ !

– كان حظك سيء في اختيار هذه البليدة المنحوسة

– أمتأكدة يا امي , بأنها غير مسحورة

– لا ايفي .. سلمى بخير .. فلقد سألت ام البلابل عنها , و قد اكدت لي ذلك..

فنظرت ايفي في المرآة , و سألت امها بحزن :

– امي …. هل انا جميلة ؟

– ما هذا الهراء ؟! أمازلت تهتمين لهذه الأمور .. لقد اصبحت كبيرة

– بالفعل !! كبيرةٌ جداً .. انظري اليّ …. بدأت اشيخ !

– اوووف يا ايفي .. ما بك كئيبةٌ هكذا ؟

– اخبريني صدقاً .. هل سأتزوج يوماً ما ؟

– و الله , هذا يتوقف على مجهود سلمى

– ايّ مجهود امي !! انظري اليها … تظلّ قابعة في البيت .. لا تعمل .. لا تزور احداً .. لا تحضر الحفلات و لا المناسبات الإجتماعية , لكي يراها الناس .. و بسببها سأعنّس انا ايضاً !!

– ماذا نفعل ؟ قدرك ان يكون نصيبك مُرتبطاً بنصيبها

– لكني لم اعد احتمل !! ….. اتدرين ….لقد قرّرت أخذ اجازة !!     

– لا يمكنك فعل ذلك !! فعملك هو مرافقتها مدى الحياة .. و الاّ ستلقين العقاب من الرئيس

– و ما يُدري الرئيس بما افعل ؟!

– اخفضي صوتك !! الا تدرين ان له اعين و آذان في كل مكان

– اذاً عليك ان تساعديني .. هيا !! اسمحي لي بالذهاب .. و حاولي ان تُخفي غيابي عن الجميع

 

– هذا مستحيل !! هكذا سأنال العقاب معك

– فقط لبضعة ايام .. ارجوك !!

– و مالذي تنوين فعله ؟

– سأحاول ان اجد نصيبي !!

– أجننت ! أبهذه المدة البسيطة ستجدين ما عجزت عنه سلمى طوال تلك السنين !

– سلمى .. سلمى .. اللعنة عليها !! لا اريد ان اصبح مثلها .. فأنا اريد ان اتزوج , يا امي .. لقد كبرت كثيراً !! الا تريدين رؤية احفادك ؟

– و كيف لا !

– اذاً !!

– ……..حسناً .. لكن معك اسبوعٌ واحد فقط .. و الاّ و الله !! انا من سأسلمك بنفسي الى الرئيس , لتنالي عقابك

– انت اجمل ام في الدنيا .. شكراً لك !! و اعدك بأنني سأعود قريباً مع زوجي الذي ….

– بل قولي خطيبي !!

– بصراحة …..هذا لا يتوقف , لا عليّ و لا عليك .. بل على قبول سلمى به

– هذا صحيح .. طيب .. هل تريدين ايّ مساعدة مني ؟

– لا شكراً .. فأنا في بالي خطة , و اتمنى ان تنجح .. لكن عديني ان تراقبي سلمى طوال فترة غيابي

– حسناً سأفعل … و بالتوفيق يا عزيزتي

 

و في اقل من ساعة .. كانت ايفي في بلدةٍ بعيدة , لم تذهب اليها من قبل .. (لا هي و لا حتى سلمى) ..

 

و كانت تمشي بالطرقات , و كلّها تصميم

– سأجدك يا نصيبي .. فحدسي يُشعرني بأنك في مكانٍ ما هنا .. لكن اين ؟ كل ما اذكره .. ان سلمى الغبية رفضت تعينها كمُعيدة  في جامعة موجودة بهذه المنطقة .. و ربما لو قبلت الوظيفة , لوجدنا نصيبنا منذ زمن .. من يدري ؟ .. حسناً يا ايفي .. لنبدأ من هناك !!

و في دقائقٍ معدودة .. كانت ايفي تتنقل بحماس بين غرف الأساتذة  (في تلك الجامعة) لكن معظمهم كانوا من كبار السن .. و هي و ان كانت كبيرة في العمر , الا انها تريد شاباً بعد طول انتظار ..

و بنهاية ذلك النهار , شعرت ايفي ببعض الخوف .. و صارت تفكّر :

– فكري يا ايفي .. اين يمكنني ان اجده ؟ …كل ما اعرفه .. ان هذا هو المكان الذي كان مُقدّراً لسلمى العمل فيه … و ان لم اجد عريسها هنا .. فأين يمكنني ان اجده في هذا العالم الواسع , و بأقل من اسبوع ؟!

 

و قبل ان تخرج ايفي من الجامعة , سمعت حواراً بين طالبين جامعيين :

– هل فعلاً الأستاذ سعيد , اعطاك علامةً متدنية ؟!

– هذا صحيح …. آخ , كم اكرهه !! ماذا يظن نفسه .. هو مجرد شاب لا يكبرني بكثير ..

– و لوّ كان .. هو مُعيدٌ متفوق .. و الجميع يحترمه

– لا تكلّمني عن هذا المغرور .. جيد ان رِجلُه انكسرت البارحة .. و اتمنى ان يبقى في المشفى !!

 

– حرامٌ عليك يا رجل ! …كما اني رأيته اليوم صباحاً , عائداً لغرفته في سكن الطلاب 

– طيب بما ان حضرته , صار استاذاً جامعي ..فلما لا يترك غرفته القديمة , و يستأجر خارج الجامعة .. ياله من بخيل !

 

و ابتعدت ايفي عنهما , و هي تفكّر بكلامهم

– سعيد .. معيدٌ شاب .. و سلمى كانت ايضاً ستعمل كمعيدة هنا …. اظنه هو.. يبدو انني اخيراً وجدت نصيبي !! عليّ فقط ان ابحث في شقق الطلاب (التابعة للجامعة) عن شخصٍ مكسور القدم .. و لن يكون صعباً ايجاده مع هذه العلامة الفارقة

 

و بالفعل صارت ايفي تدخل من غرفة الى اخرى , و هي تحاول ان تجده .. و في بالها شكلٌ معين .. فهي تظن انها تعرفه جيداً .. لأنها شاهدته مراراً في احلام سلمى ..

 

و كانت على وشك ان تنتهي من تفتيش كل الغرف .. الى ان انتبهت بالصدفة لشخص يسير في الممرّ , و هو يستند على عكازه .. و بجانبه صديقه.. لكن كان عليها ان تقترب منه , لأنها لا ترى سوى ظهره

 

و صارت ايفي على مقربة منهما .. حين انتبه عليها صديقه , فابتعد قليلاً عن الأستاذ المصاب (الذي كان مشغولاً بجواله) ..و اقترب منها

– انا لم ارك هنا من قبل ؟!

 

فقالت ايفي بخجل , و بإرتباك

– يعني …كنت امرّ من هنا بالصدفة …

– و يالها من صدفةٍ رائعة .. انا سكيم .. و انتي ؟

– ايفي 

– اراك وحدك يا ايفي .. اين صديقتك ؟

– اسمها سلمى ..لكن للأسف , هي فقدت الأمل .. ففكرت ان اقدّم لها المساعدة , و اتكفّل انا بالبحث عن نصيبها

– نصيبها هي فقط …. آه آسف , آسف .. لم اقصد احراجك ..  فأنا ايضاً كنت انتظرك بفارغ الصبر .. اتدرين .. انت اجمل بكثير          مما تخيلت

– انت تعرف بأنه غير مسموح لنا بترك اصدقائنا مدة طويلة ..

– فهمت قصدك .. سأحاول مع هذا العنيد , ان يزور منزل صديقتك سلمى بأقرب وقت .. اهو قريبٌ من هنا ؟

– لا للأسف .. عليكما السفر للقائها

– السفر ! اووه ..هذه مشكلة .. فكما ترين هو مصابٌ الآن .. كما انه مشغول بتحضير الإمتحانات لطلابه

– فهمت .. حسناً ..سأحاول مع سلمى .. مع انه من سابع المستحيلات ان تأتي الى هنا .. فهي بليدةٌ جداً , و بالكاد تخرج من منزلها

– عليك يا ايفي ان تجدي حلاً .. لأنه عندما يتزوجان , استطيع حينها ان اتزوجك

فابتسمت ايفي بخجل..

– فهمت .. سأحاول جهدي يا سكيم

 

و في نفس اليوم , مساءً .. عادت ايفي لمنزلها

فقالت امها بإستغراب

– ايفي ! اعدتي بهذه السرعة ؟!

فقالت ايفي بفرحٍ عارم

– لأني وجدته يا امي !! وجدت نصيبي , و نصيب البلهاء ايضاً

– ممتاز !! الف مبروك يا حبيتي !! طيب …اين هو العريس ؟

– على رسلك يا امي .. عليّ اولاً ان اقنع صديقتي بالسفر , لأن عريسها مقيد بالإلتزامات .. لهذا سفرها سيكون اسهل

– و كيف ستقنعينها .. و هي ما ان تستيقظ , حتى تعود للنوم مجدداً ؟!

– اذاً !! ليس امامي سوى المنامات .. دعيني فقط افكر , كيف سأرسم تلك الأحلام في عقلها الباطن

– حسناً .. سأدعك تخططين بهدوء

 

و ظلّت ايفي طوال شهرٍ كامل , تدخل الى عقل سلمى .. و تجعلها تحلم بذلك العريس , و هو يُدرّس في نفس الجامعة التي رفضت العمل بها ..  و كانت تحاول بذلك (ايفي) ان تُفهمها : بأن نصيبها هناك .. لكن سلمى لم تُحرِّك ساكناً .. حتى كادت ايفي ان تفقد الأمل ..

 

الى ان اتى يوم .. رأت فيه سلمى , تكتب شيئاً على حاسوبها .. فأتت من خلف ظهرها , لتقرأ رسالتها (التي كانت تطبعها) و كان فيها :

 

(( الى سعادة مدير الجامعة الموقّر :

كنتم قد طلبتم مني الإلتحاق للعمل بجامعتكم , كمُعيدة في قسم الآداب .. و اعلم انه مرّ على طلبكم , خمس سنين .. لكن اردت ان اعرف :  ان كان عرضكم مازال قائماً .

منتظرة الردّ ))

 

و ما ان ارسلت الرسالة .. حتى عادت ايفي بسرعة الى غرفتها , لتُحضّر نفسها للسفر .. فدخلت عليها امها

– اهذه انت ؟! لقد ارعبتني بدخولك كالمجنونة الى البيت !

– امي !! فعلتها اخيراً .. لقد ارسلت طلباً للإلتحاق بتلك الجامعة !

– ممتاز !! لكن الى اين انت ذاهبة ؟

– عليّ السفر بسرعة , لأجبر ذلك المدير على الموافقة الفورية لطلبها ..  فهي عليها ان تُسافر الى هناك بأسرع وقتٍ ممكن , لتلتقي بنصيبها … الحمد الله , و اخيراً !!

– و هل كل هذا الحماس من اجل سلمى , ام من اجل سكيم العزيز ؟

– امي رجاءً , لا تحرجيني .. المهم ان تُغطي على غيابي .. فأنا لا اريد ان يصل الخبر للرئيس , و يحرقني !

– فهمت .. فهمت .. لكن لا تتأخري

 

و بعد يومين فقط .. تفاجأت سلمى بردّ المدير السريع بالموافقة.. حتى انه اخبرها : بأن غرفتها جاهزة في سكن الطالبات .

و بعد اسبوع ..كانت سلمى (في أواخر الثلاثينات من عمرها) تجلس في الطائرة و هي تشعر بالحماس , فهذه اول وظيفة لها بعد التخرّج … لكن حماسها لم يكن بمقدار حماس ايفي , التي كانت تجلس بجانبها .

و بأقل من شهر عمل .. و مع الكثير من التخطيط و المؤامرات من ايفي و سكيم .. حدث اخيراً اللقاء المنتظر في اجتماع المدير بالأساتذة .. و من اول نظرة , حصل الإعجاب بينهما .. تماماً كما حصل بين ايفي و سكيم

و بنهاية السنة الدراسية , كان عرس الأستاذان (سلمى و سعيد) بحضور العائلة و الأصحاب .. و في نفس الوقت … كان عرس قرينتها ايفي , و قرينه سكيم

تاريخ النشر : 2015-09-12

guest
45 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى