أدب الرعب والعام

من جحيم إلى آخر ..!

بقلم : Seema – سوريا

من جحيم إلى آخر ..!
ككل ليله كانت تظهر لي تلك المسوخ الصغيره

الثامنة صباحا ..

استيقظت على صوت زوجتي تصرخ : انهض يا عادل سوف تتأخر على وظيفتك ..

نهضت متثاقلا من النوم بعد ان كنت أعيش رغد أحلامي لأجد نفسي في وحل الواقع بمنزل شبه متهالك وزوجه لم أطيق النظر إليها يوما ..

غسلت وجهي واستعددت لتناول الفطور ولكن آه لقد نسيت .. لماذا قد تكلف نفسها بأن تحضر ما يسد الريق لعاقر عديم الفائدة كما تقول.. كم أكرهك ..

دخلت غرفتي ووجدتها قد عادت للنوم فإرتديت ملابسي وخرجت متجها نحو وظيفتي وأنا ألعن وأشتم أبو الوظيفة على أبو المنزل ..

وقفت منتظرا لحافله أستقلها وقد طال انتظاري وانا اسمع هاتفي يرن وادرك أنه مدير عملي ولكنني لن اجيب .. فقد حفظت سيل الشتائم التي سأستصبح بها منه ..

– هل تحتاج توصيله؟

قالها سائق الحافلة أمامي فصعدت في عجل ..

جلست قرب النافذة والمقعد خالي بجانبي وأخذت أحدق في وجوه الركاب الغبية تلك ولم أكن أعلم ما الذي يضحكهم فالتفت وتناولت حبه السكري وأنا أتمتم يا لكم من حمقى فارغين اسندت رأسي للمقعد وقد غلبني النعاس ونمت فجأة..

استيقظت على صوت السائق وهو يهم بإنزال جميع من في الحافلة بإستعجال .. فاستوقفته قائلا:

– عذرا أين نحن ؟

– أجاب بسخرية: في الجنة أيها الغبي وماذا ترى .. هيا تحرك لقد عدنا ..

نزلت من الحافلة على مضض وهممت باستكشاف المكان ولكن شخص ما كان يدفعني للأمام بقوه فإلتفت وقلت له ما بالك أيها الأحمق لماذا تدفعني مع بقيه الركاب هكذا ؟

أدارني للأمام دون أن يجاوب وهو يستمر بدفعي مع الآخرين إلى أن وصلنا إلى مبنى كبير يتألف من عده طوابق وانا استفسر واستفسر دون جدوى ..

استقبلنا عدد من الأشخاض بدا من لباسهم أنهم ممرضين ثم تقدموا نحونا وبدءوا بإلباسنا شيء (كالمريول) وانا ادفعهم واصرخ من انتم ؟ ماذا تفعلون ؟ ما الذي تريدونه ؟ .. دعوني وشأني هيا أيها السفلة ..

فتقدم نحوي عدد من الأطباء وغرزوني بحقنه لم أعلم ماهيتها .. لحظات وكنت قد غبت عن الوعي ..

استيقظت بعد مدة لأجد نفسي مستلقيا على سرير أبيض يعكس لونه كل شيء حولي .. نهضت مندهشا وأنا أنظر لهم بإستغراب ..

كانت وجوههم الغبية تستفزني بشده وضحكاتهم تكاد أن تصم آذاني تصرفاتهم ليست بمستوى سنهم ولباسهم يؤكد لي أنني بمكان غريب كل الغرابة عنه .. عندها أدركت أنني ..

.

.

.

في مشفى للمجانين !!

قفزت من سريري وصرت أتنقل من زاوية لأخرى ومن جهة نحو جهة كأنني مجنون بحق وأنا أبحث عن أي منفذ من تلك الغرفة اللعينة فوجدت بابا لها وصرخت وطرقت واستنجدت حتى ذهب صوتي وكان كلما تقدم نحوي أحد من هؤلاء المجانين كنت أدفعهم بقوه ليسقطون على بعد أمتار مني إلى أن جاء إلي ممرضان سحبوني بالقوة لغرفه بها سرير وحيد وبعد أن تمكنوا من السيطرة علي غرزوني بذلك المخدر من جديد واستغرقت في غيبوبة أخرى ..

استيقظت لأجد الرجلان نفسهم في الغرفة ويبدو أنهم يتحدثون عني فاصطنعت النوم وأخذت أنصت ..

– ما الذي تقوله يا رجل أتريدني أن أطرد من المركز ..

– ولكن ماذا لو تمكن من الحديث لمدير المصح حينها سيكتشف أمرك بالتأكيد ..

– لن يتمكن من هذا إن بقي حبيسا هنا ثم إنه قد صعد للحافلة بإرادته ولا ذنب لي في ذلك والإثنان متشابهان وسنهم في الأربعينات فلن يتمكن من معرفته..

– وكيف أضعت ذلك المختل لتأتي بهذا بدلا عنه أين كان عقلك ..

– لا أعلم .. لا أعلم .. لقد أضعته عندما خرجنا من المركز .. المهم الآن إياك أن تأتي بقصه هذا المريض لأحد وإلا سيكون مصيرك أسوأ منه هل تفهم ..

ثم خرج الاثنان وأغلقا الباب بإحكام وانا في صدمه وهول مما سمعت.. فقد أدركت توا أنهم أتوا بي بدلا من مريض هارب حتى لا يعاقبوا عن إهمالهم له!! يا إلهي كيف لي أن أبقى حبيس هذا المكان !؟

نهضت من السرير وانا مازلت مخدر .. أمسكت رأسي وبدأت أنظر حولي وانا اشعر أنني في دوامه لا أدرك أولها من آخرها .. نظرت ونظرت .. سرير ابيض.. حائط ابيض.. ثوب ابيض.. مريض.حائط.سرير.ثوب.مريض… إلى أن سقطت أرضا مغمى علي من جديد …

بعد مدة كافيه استيقظت وانا مازلت على الأرض والغرفة تغرق في ظلام دامس .. بدأت أبحث عن زر للإنارة وأنا أتحسس الحائط بيدي شبرا شبرا ولكنني لم أجد أي شيء .. يبدو أن هؤلاء السفلة هم من يتحكم بالإنارة أيضا

استدرت لأعود إلى سريري بعد أن يئست محاولاتي ويا لهول ما رأيت !!

لقد كان في كل زاويه من زوايا الغرفة كتله من الضباب وما إن بدأت أمعن بها حتى اتضحت لي معالم تلك المخلوقات ..

كانت عيونهم واسعه جدا وافواههم دون شفاه ورؤوسهم أصغر من أجسادهم وجميعهم ينظرون إلي بنظرات خبيثه وابتسامات تلتمع منها أسنانهم الصفراء وهم يرددون بإسمي وأنا أرتجف من الخوف .. وفجأة بدأوا يتجهون نحوي بحركات بطيئه وغريبه واصوات كأصوات مواء القطط ورؤوسهم تتحرك كالدمى إلى اليمين ثم الشمال .. أدرت ظهري لا ألوي على شيء وأخذت بتحسس الحائط إلى أن وجدت باب الغرفة , بدأت أصرخ وأطرق الباب بكلتا يدي بكل ما أوتيت من قوه .. افتحوا الباب.. هنالك أشباح.. أرجوكم.. افتحوا.. سوف يقتلونني أرجوكم ..

أصرخ واصرخ واطرق وأخبط دون أن يجيبني أحد سوى صدى صوتي وصراخي .. التفت وإذا بي أراهم ينظرون لي بدهشة واضحة ويقفون أماكنهم دون تحرك ..

حينها لم أكن أستطيع فعل شيء سوى أن أبدأ بترديد ما أحفظه من الآيات وبعد مده اختفوا تدريجيا ..

حمدت ربي وعدت لأجلس على سريري وأنا أكلم نفسي .. هل هي مشفى للمجانين من الإنس والجن أيضا !!

استلقيت ورجعت بذاكرتي ساعات للوراء .. حين كنت نائما في فراشي وأيقظتني زوجتي لأذهب لعملي .. كم كانت نعمه جميله ، ترى هل يفتقدني أحد وراء جدران هذا المشفى اللعين .. أسمع صراخ أطفال وأنين نساء ولكن لا أعلم مصدر الصوت .. أيا كان ؛؛ أحمد الله أنه ليس بينهم رجال.. لكن مهلا ! لقد اختفى الصراخ ما إن نطقت “حمدا لله”..

هل هذا يعني !!!!؟

أغلقت عيناي وانا أرتجف خوفا.. قرأت بعضا من الآيات.. وبعد ساعتين من التفكير بالمجهول استسلمت للنوم ..

عند الصباح كان باب الغرفه مفتوح فابتهجت لاعتقادي أنني تحررت .. خرجت من مكاني وبدأت أنظر حولي لكن لا أحد .. أخذت أبحث عن مخرج من المبنى أو حتى أي وسيله للإتصال .. فإتجهت أنظاري نحو هاتف موضوع على مكتب في إحدى الغرف وحمدت ربي أنه لم يكن هناك أحد .. دخلت الغرفة بحذر والتقطت سماعه الهاتف وانا أوجه نظري هنا وهناك .. لحظات وتذكرت رقم المنزل وما إن طلبت الرقم حتى أتتني ضربة مباغتة من الخلف ارتجفت لها أركاني فسقطت أرضا بعد أن طمس بصيص الأمل الذي كان سيحررني من هذا السجن الملعون ..

نظرت للأعلى فشاهدت ذلك الممرض الذي اختطفني بدلا من المريض الذي أضاعه وبدأت أتوسل إليه ان يتركني لأذهب بحال سبيلي ووعدته أن أبحث عن ذلك المريض بنفسي إن فعل ذلك .. ابتسم ابتسامه صفراء غير مبالي وكأنني أمامه مجنونا بحق وقال جمله حقيرة  : صدقني لن تجد من يرعاك أكثر من هنا .. قل لي هل ستنزل للحديقة مع باقي المرضى أم أعود بك لغرفه الأشباح تلك .. فأنا أدرك أنك لن تحتاج وقتا طويلا لتفقد عقلك هناك ..

اتسعت عيناي حقدا وغضبا بعد أن ترقرقت بالدموع ؛؛ تناولت كرسيا حديديا بجانبي وهويت به على رأسه دون شعور فسقط أرضا مغشيا عليه والدم يقطر من رأسه .. أطلقت قدماي للريح وتوجهت نحو الأسفل عسى أن أجد بابا للمشفى .. نزلت وشاهدت المرضى في حديقة المصح والممرضين ينتشرون حولهم .. نظرت للباب الحديدي ووجدته خاليا من الحرس ولكن ما إن اتجهت نحوه حتى خرج ذلك اللعين مترنحا واضعا يديه على رأسه وبدأ يصرخ : أوقفوه لا تدعوا ذلك المجنون يهرب .. لقد كاد أن يودي بحياتي .. هيا أمسكوا به .

وما إن وضعت يدي على مقبض الباب حتى كانت الأيادي تلتف نحوي وتحاول منعي ..

– أرجوكم دعوني أخرج أنا لست بمجنون أرجوكم لا ذنب لي بهذا المكان أرجوكم ..

فتقدم نحوي والشر باد على وجهه , تناول حقنة من أحد الأطباء وغرزني بها وانا أستغيث وأصرخ دون مفر !!

بعد أن استعدت وعيي كنت قد عدت لغرفه الأشباح التي أخبرني بها تلك وبجانبي طبق الإفطار .. نظرت للباب ولكنه مغلق .. حينها هممت بتناول الوجبة لأنني كنت منهكا من شدة الجوع ..

وهكذا كنت قد أمضيت ما يقارب الشهر لا ابرح تلك الغرفة .. في الصباح أجد طبق الإفطار الوحيد الذي يقدم لي من الممرض الذي كان يشرف على وضعي ومن هو !؟ … نعم ذلك الحقير الذي أودى بي إلى هنا .. كنت أتوسله عند دخوله وخروجه بأن يحررني مقابل ما يريد دون جدوى بل على العكس.. كان حقده علي يزيد دون ان اعلم السبب في ذلك وعند عودته لي كان يأخذ الطبق الفارغ ويحقنني بالمهدئ ويذهب وهو مبتسم !! وعند استعادة وعيي أقضي ما تبقى من نهاري وانا أصرخ واستغيث وأطرق الباب حتى تتورم يداي دون مجيب وكأن الجميع صم هنا .. أما الجزء الأرعب والأخبث من كل هذا فقد كان عند المساء ..

ككل ليله كانت تظهر لي تلك المسوخ الصغيره وتبدأ في مسلسل الرعب الذي اعتادته معي .. كتل من السواد ثم تبدأ بالتشكل بشكلها المخيف وليله بعد أخرى كانت تحاول الأقتراب مني أكثر كأنها تريد طردي من ذلك الجناح .. تبا لها! أتظن أنني سعيد جدا في فندقها الغبي هذا .. أصبحوا يهددوني إما الخروج والحياة أو البقاء والجحيم.

كم أشتقت لغرفه المجانين تلك التي مكثت بها يومي الأول..نعم، بالطبع المجانين أرحم من الأشباح .. كم اشتقت لمديري في العمل..نعم، لاشك أن مدير العمل وهو يشتم ويعطي الأوامر أفضل من ذاك الممرض الخبيث الذي ألقى بي في هذا النزل الجهنمي.. كم أشتقت لمنزلي وزوجتي أوليس العيش مع زوجة حقيرة تعتبرني بلا فائدة أقل مرارة من العيش في مصح عقلي !! يبدو أنني شارفت على الجنون فقد بدأت أتكلم مع نفسي سأحاول النوم قبل أن تظهر لي تلك الكائنات من جديد .. لعلي أصبح على واقع أقل مرارة ….

***

آاااه أشعر بالدوار .. يبدو أنني نمت بشكل أفضل اليوم .

ولكن لما أنا مقيد هكذا والسرير رطب ،هل يعقل أنني بللت نفسي!! كما أن الهواء ثقيل جدا ..

فتحت عيناي بصعوبة لأجد نفسي في ظلام دامس حاولت النهوض ولكن أووه .. لقد صدمت رأسي قبل أن أرفعه وما هذا الشيء الذي يلفني بتلك الطريقة !

حاولت أن أحرر نفسي من هذه القيود ولكن يداي كانت مربوطة أيضا وهذا المكان ضيق جدا .. أخذت أفكك نفسي بشتى الوسائل إلى أن حررت يداي أخيرا ولكن يا للهول ….

أي تحرير هذا وأنا في قبر وذلك كفني !!

بعد أن استوعبت الأمر وتذكرت آخر ما جرى لي حين استفقت في منتصف الليل ورأيت مسخا كبيرا فوقي ومن حوله تلك الشياطين الصغيرة .. حين أدركت أنهم لم يكونوا سوى أطفاله حينها ….حينها …. لم أعد أذكر شيء !!

أخذت أصرخ وأستغيث وأحاول رفع ذلك الغطاء عني بكل ما أوتيت من قوه خوفا من الموت إما إختناقا أو خوفا!!

كان يستلقي بجانبي رجل أقل ما يقال عنه أنه مرعب .. يغضب عندما أستنجد بصراخي ويبتسم عند حلول الصمت وكأنه سعيد بي ضيف لديه وينتظر فقط أن يبدأ الدود بنهش جسدي كما نهشت أطرافه !! ياااااارب ..

بعد عناء دام دقائق حسبتها سنين استطعت أن أخرج من حفرتي التي لا يدخلها أحد مرتان ولكن يبدو أنني سأفعل .. تسلقت جبال تلك الأتربة الوعرة التي كانت تحيطني وخرجت استلقي جانب شاهد قبري الذي افتقر حتى لأسمي! والمقبرة التي قبعت جثتي فيها تلبس ثوب طويل من الظلام الحالك ..

لا يهم .. هذا كله لا يهم .. المهم أنني استطعت الخلاص .. نعم تخلصت من مشفى المجانين ومن غرفه الأشباح ومن قبري أيضا وانا الآن في طريقي لمنزلي .. كم أنا محارب !! ..

مضيت أمشي وانا لا أزال بكفني بين شواهد القبور التي خيل لي أن قابعيها الهياكل يجلسون فوقها وينظرون لي كيف تمكن أحد من ساكني ذلك المكان الموحش بالفرار من حفرته .. لا لن أخاف فقد قابلت أشباحا أرعبتني أكثر منكم بكثير ..

والآن وصلت … وصلت للطريق العام وتلك هي السيارات … نعم لقد وصلت ولكن ..! تووووووووووووووووووت.. ضربة قوية تناثرت لها أوصالي وأفقدتني الوعي من جديد .. وهذه المرة إلى الأبد .

تاريخ النشر : 2015-11-29

Seema

سوريا
guest
38 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى