أدب الرعب والعام

من يتحدث بلسان صالح -2 –

بقلم : محمد مكي – السعودية
للتواصل : [email protected]

من يتحدث بلسان صالح -2 -
وقال : انا انفضحت امام اصحابي

قلت له : خذ القنينة وتعال ساعدني لاتوضأ ، فساعدني على الوضوء وبدأت اقرأ عليه ما تيسر من آيات الذكر الحكيم ( آية الكرسي وآخر آيات من سورة البقرة والمعوذتين … كل ما أحفظ من آيات السحر والجان ) فبدأ يتلفت وكأنه استفاق فرفع كفه مشيراً بكفى !! فسقيته قليلاً من الماء فتجاوب معي ، وشعرت بقرب انقشاع الغمة والحمد لله ، بدأ الفتى ينهض حتى جلس وقدماه ممدودتان وأخواه يجلسان خلفه ، فأخذ ينظر إلى الغرفة ويجول بناظريه يتحسس من الوجود وبداء يتكلم : أين باقي الشباب ؟ ..

بادرته قائلاً : أرسلناهم يحضروا العشاء لا عليك منهم .. المهم انت كيف تشعر ؟

فنظر الي نظره لم انساها ابدا والله انها لتبكي الحجر بعين دامعة ونظرة منكسرة وقال : انا انفضحت امام اصحابي ….. واخذ يبكي كالطفل ، فقمت بحركة لا ارادية فضممته الى كتفي واحتضنته ، فبادرني بضمة حتى شعرت ان سيكسر اضلاعي ويبكي بكاء مريراً حتى بلل كتفي بدموعه .. ربت على ظهره مطمئناً ، لا تخف يا صالح فما حدث لن يخرج من هذه الغرفة ولن اسمح لاحد ان يشيع الخبر فلا تقلق المهم هو صحتك قم واجلس لأطمئن ان ما بك قد زال ..

نهض صالح وجلس في احد اركان الغرفة واخذ اخوه الاصغر احمد يصب عليه الماء ويغسل له وجهه وقام ابراهيم بترتيب المكان وتنظيم الأثاث الذي تبعثر من جراء المعركة ، بعد قليل هموا بالغادرة فأسنده أخواه ووقفا به ، فاوقفتهم قائلاً لا تخرجوا على هذه الصورة فيراكم الناس وتبدأ الأقاويل والتكهنات انتظروا حتى يتمكن صالح من السير بنفسه دون مساعده ، فاستحسنوا الرأي فعاودوا الجلوس فقلت لأصغرهم اذهب إلى بائع العصير واحضر له عصير ليمون بالنعناع ليساعده على الاسترخاء ففعل .. وبعد أن شرب صالح العصير بقليل عاد لوضعه الطبيعي وجلس كل منا في زاوية فتناولت جوالي واخذت اراسل زملائي الخونة الهاربين على الواتساب .. أين انتم ايها الجبناء ؟؟ فلم يرد علي احد إلا وليد جالب المصائب رد علي : هل أنت بخير ؟ رددت عليه : بخير يا وجه النحس ..

مضت ربع ساعة فهم الثلاثة بالخروج وغادروا المجلس بشكل طبيعي وعاد باقي الزملاء ، يسألون عما حدث ، قلت لهم : ان الرجل مريض وكل إنسان مبتلى فلا يجب علينا أن نتحدث أو نعيب على صديقنا أمر مرضه ، أغلقوا الموضوع وتعالوا نكمل لعبتنا ، برغم أن الموقف لم يغادر مخيلتي وشغل تفكيري  ..

في اليوم التالي بدأت افكر واشتعلت لدي حاسة الفضول ( اللقافة ) فزادت بشكل هستيري حتى بدأت اشعر بحكة في مؤخرة رأسي .. كيف ولماذا وماذا حدث ؟؟ انتظرت نهاية الأسبوع  للقاء الشباب على أحر من الجمر ، فحضر الجميع إلا صالح وأخوته ، فسألت وليد أين الشباب ؟ قال : لا ادري ، قلت لعل المانع خيراً

في اليوم التالي اتصلت على جوال صالح ، السلام عليكم يا صالح .. رد : وعليكم السلام ، قلت : أين انتم ولما لم تحضروا بالأمس ، قال : من انت ؟؟ قلت له : يا رجل أنسيت صوتي أم ألغيت رقمي من ذاكره جوالك ؟ قال : لا والله لقد كسر جوالي الأسبوع الماضي فاشتريت جوال مؤقت ولكني لم أحفظ به الأسماء بعد .. قلت له : أنا محمد ، رد علي : أهلا بك كيف أنت ، ماذا هناك ؟ قلت له : لا شيء يا رجل والله اني استغيبتكم ليله البارحة وودت أن اطمئن عليك لا اكثر ، قال : شكراً لك يا محمد ولكني والله تعبت وتم حجزي بالمستشفى لمدة يومين كما أن والدي مشغول في عمارة بيتنا الجديد واخوتي يساعدانه ، قلت له : لا بأس المهم انك بخير وارجوا ان القاك ان سمح وقتك ، قال لي : لا مانع لدي فاليوم ارسلتني امي لاشتري غرضاً من السوق ، قلت له : انتهي من شراء اغراضك وتعال الى الكفي شوب القريب من بيتي ووصفت له المكان وتواعدنا أن نلتقي الساعة 10 مسائاً ..

قبل ان التقيته ذهبت إلى محل بيع للجوالات واشتريت جوالاً من نفس نوعية جوالي واخذته وذهبت انتظر وصول صالح ، فوصل في موعدة ، سلمت عليه وجلسنا وقبل ان نبدأ الحوار ، قلت له هذا الجوال هدية من أخوك بدل الجوال الذي كسر ، في البداية لم يقبله واعتذر ولكن مع إلحاحي ورجائي قبله على مضض ..

وبادرني قائلاً : اسمع يا محمد لو كنت احضرتني الى هنا لترشيني بجوال وتسألني عما بي فخذ جوالك وجزاك الله خير فأنا لا ارغب في الحديث عما حدث ، قلت له يا صالح والله لم ولن أسألك عن شيء لا تود الحديث عنه ، ولكني في داخلي تعجبت من فطنته وحده ذكائه فهل قرأ أفكاري أم أني كنت مفضوحاً إلى تلك الدرجة !!؟

سار الحوار بيننا كما شاء هو فتحدثنا في كل شي ، كره القدم السياسة الحروب والربيع العربي ما تركنا شيء من كلام وطرف وضحك حتى بدأ المحل في الإغلاق وكانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل .. فغادرنا وقد بدا على محياه انه كان في قمة السعادة و السرور من لقائنا فقلت له هل سألقاك ثانية ؟ قال : إن أحيانا الله ، مع السلامة .. مع السلامة ..

انشغلت بعدها مع والدتي في الإعداد لمراسم زفاف شقيقتي وكانت أمي حفظها الله قد أشعلت جرس الإنذار وأعلنت حالة الطوارئ في البيت حتى انتهينا من مهمتنا وبما أني ابنها الوحيد فقد ألقت بالحمل كله على عاتقي ولكني كنت سعيداً بها خافضاً لها جناح الذل من الرحمة مطيعاً لكل تعليماتها حتى التي أراها تافهة كنت أنفذها دون جدال أو نقاش ..

اتصلت على صالح ادعوه لحضور حفل زفاف شقيقتي فلم يرد على فأرسلت له رسالة دعوة فلم يحضر لا هو ولا اخوته ، حضر كل الاصدقاء وكان من بينهم وليد فسألته عن صالح فقال كعادته قاصداً إغاظتي : لا اعلم عنه شيء ، فقلت له مداعباً والله ما أقول فيك إلا قول الشاعر :

سقط  اللئيم من السفينة في الدجى       فبكي علية رفاقه وترحمــــو

حتى إذا طلــــع الصباح أتت بــه نحـــو السفينــة موجــة تتقدم

قالت : خذوه كما أتاني سالمـــــاً       لم ابتلعــه لأنة لا يهضـــــــم

ومر أسبوع بعد حفل الزفاف لا خبر ولا أعذار عن صالح عن عدم تلبية دعوتي فبدأ حماسي ينطفئ من قصته وأحسست ان الرجل يتهرب مني فتناسيت امره ، ولكن في داخلي اقول لنفسي احسن الظن واوجد لاخيك المسلم الف عذر ..

بعدها بيومين وردني اتصال الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وكنت على وشك النوم فإذا بالمتصل ابراهيم شقيق صالح .. أجبته : مرحباً , قال وبدون مقدمات : محمد كيف حالك ، اين صالح ؟؟ , قلت له : على رسلك يا ابراهيم أتسألني عن مكان شقيقك ، وما أدراني انا !! , قال : المعذرة يا محمد والله من شدة خوفي لم انتقي عباراتي , قلت له : لا عليك ، ما الموضوع ؟ , قال : ان صالح مختفي منذ الظهيرة يمشي حافي القدمين وحتى الآن لا نعلم عنه شيء .. قلت له : يا ابراهيم ان اخوك رجل وليس طفلاً لتقلقوا عليه لهذه الدرجة .. قال لي : يا محمد أنت لا تعلم شيء ! ، عموماً لو اتصل عليك او وردك خبراً عنه ارجوك ان تبلغني على الفور فوالداي يكادان ان يصابا بالجنون .. قلت له : هل اتصلتم على جواله ؟ قال : نعم ولكنه لا يرد علينا ، قلت له : لا عليك استعن بالله وادعوه ان يرد عليكم غائبكم .

اتصلت على صالح : فرد علي على الفور!.. الو صالح اين انت ؟؟ رد علي انا قريب منك !! ، اين كنت اخوك ابراهيم اتصل علي وهو في غاية القلق ، قال : تعال والقاني .. قلت اين ؟ قال : قريباً من الكفي شوب الذي تقابلنا فيه .. ذهبت اليه فلم اجد احداً والمحل مغلق فالساعة تجاوزت الواحده بعد منتصف الليل ، اتصلت على جواله ، فسمعت رنه الجوال قريبه من الموقع فنظرت فإذا بشخص مختبئ خلف الشجيرات المحيطة بالمحل !!

صالح ؟؟ فخرج من خلف الشجيرات ، فنظرت إليه كدت ان أقع من هول المفاجئة من هذا ؟؟ ليس صالح الذي اعرفه هذا شخص آخر متشرد أو مجنون !! حافي القدمين ملابسة متسخة وممزقة وجهه مليء بالخدوش اشعث اغبر ..

تقدم نحوي وهو دامع العينين قائلاً نعم صالح .. قلت له ما بك لما أنت على هذا الحال ؟ قال : بالله عليك ليس هذا وقت استجواب آويني وبعدها أجيبك .. فأركبته سيارتي وذهبت به الى بقالة واشتريت ماء واعطيته كي يغتسل .. واشرت اليه اني سأتصل على اهله لأطمئنهم ، فاومأ برأسه بنعم ، اتصلت على ابراهيم : ألو ابراهيم ، رد : نعم يا محمد ، قلت له : الحمد لله وجدت صالح ، صاح ابراهيم : وجدته وجدته .. ابي .. امي .. وجدنا صالح وجدناه .. فإذا بالأصوات تعلو وتعلو ، اين هو اين بني اين وجدتوه ؟ ابراهيم : اين هو يا محمد ؟ قلت : هو ذا خذ وكلمه ، تناول صالح الجوال : الو ابراهيم انا بخير لا تقلقوا علي ، على الرغم ان جهاز الجوال كان على اذنه الا اني كنت اسمع صوت صراخ وبكاء حتى بدأ صالح يبكي فأخذت الجوال منه ، فإذا بالمتحدث والده : الو ابراهيم ، قال : لا انا والده من انت ؟ قلت له : انا محمد صديق صالح لا تقلق يا عم سأحضره لكم بنفسي ، قال : شكراً يا ولدي بالله عليك لا تتركه حتى نستلمه منك ، قلت له : اطمئن يا أبا صالح ابنك في الحفظ والصون .. مع السلامة ..

يتبع

تاريخ النشر : 2015-12-03

محمد مكي

السعودية
guest
28 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى