ألغاز تاريخية

لغز حراس المنارة

بقلم : ردينة العتيبي – السعودية

لغز حراس المنارة
لغز عمره اكثر من مائة عام ولا يزال يبحث عن حل

زار الواعظ فلانان  جزر الصيادون السبعة النائية والتابعة لاسكتلندا في القرن السابع الميلادي وبنا فيها كنيسة صغيرة و مد إليها جسراً و منذ ذلك الحين سميت بإسمه. احاطت بها الخرافات و الأساطير و القصص ربما لأنها نائية و خالية من السكان, كان الرعاة يذهبون لرعي مواشيهم هناك. لكنهم كانوا يعودون فزعين عند حلول الظلام خشية المبيت فيها ليلاً فالأرواح الشريرة تجوب تلك الجزر النائية بلا هوادة.

بُنيت في جزيرة اليان مور إحدى تلك الجزر منارة للسفن عام 1898 إهداء لذكرى ذلك الواعظ و اضيف لها مسار للسكة الحديدية من أجل تسهيل التنقل و توصيل إمدادات التموين و وقود الإضاءة للحراس في المنارة.

أين ذهبوا؟!

لغز حراس المنارة
الجزيرة خالية إلا من المنارة وحراسها ويحيط بها المحيط من جميع الجهات

أبحرت سفينة الإمدادت الصغيرة الى جزر فلانان وتوقفت بمحاذاة مرفأ جزيرة ايليان مور النائية والخالية من السكان باستثناء حراس المنارة الثلاثة. كانت السفينة قد تأخرت في  الابحار من أجل زيارتها الروتينية المقررة في العشرين من ديسمبر 1900 بسبب سوء الأحوال الجوية وهيجان العواصف الذي أوقف المؤشرات الحيوية في البيئة المحيطة, و لم تصل الى هناك الا في ظهيرة السادس والعشرين من ديسمبر وهو اليوم المخصص لتعبئة الصناديق من أجل الإمدادات.

لغز حراس المنارة
لا يوجد سوى مرفأ صغير لا تستطيع سوى القوارب ان ترسو فيه وبصعوبة ..

كانت أنوار المنارة مطفأة مما أثار غضب طاقم السفينة لأنهم وجودوا صعوبة في الوصول, ولاحظ طاقم السفينة حال وصولهم ان علم السارية كان منزوعاً عنها و لا أثر له حولها, و صناديق التخزين حيث توضع عادةً لإعادة تعبئتها ليست هناك. لم يظهر أحداً من الحراس لاستقبال السفينة فتعجب قائد السفينة السير جيمس هارفي لذلك لأنه منوط بالحراس استقبال سفن الامدادت عند قدومها للجزيرة, فقام بإطلاق البوق و إرسال شعلة تحذيرية للفت الانتباه لكن لم يستجب لذلك أحدا من الحراس الثلاثة.

كان على ظهر السفينة الحارس البديل جوزيف مور الذي كان مفترضا منه ان يأخذ بالإضافة الى حارسين آخرين المناوبة في حراسة المنارة,  فركب القارب واتجه الى الجزيرة ليتحقق من الحراس و عن الأسباب التي أعاقت خروجهم لاستقبال السفينة, صعد الدرجات الشاهقة شديدة الانحدار التي تصل للمنارة بخطوات متثاقلة طويلة و هو يشعر بنذير الشؤم يزداد كلما اقترب إلى أعلى الجرف حيث تنتصب المنارة.

عندما وصل الى هناك لاحظ مور شيئاً خاطئاً, فباب المنارة كان مفتوحاً, لم يستجب الحراس للبوق و لا للشعلة التحذيرية التي أطلقها الكابتن من سفينته فكيف للباب ان يكون مفتوحا هكذا من دون ظهور الحراس للترحيب بالسفينة؟ هنا شعر انه مقبل على اكتشاف شيء لا يسره.  دفع الباب متجهاً الى الداخل و كان أول ما لاحظه هو علاقة المعاطف, لم يكن عليها الا معطفاً جلدياً واحداً بينما لم يكن الاثنان الآخران هناك. مضى متجهاً صوب المطبخ فلاحظ أن طاولة الطعام في وضع مربك و قد وضعت عليها  اطباق الطعام الذي كان معداً للعشاء لكن الحراس لم يتناولوا عشاؤهم وبقي كما هو, الا ان احدهم كان قد بدأ بتناول الطعام قبل ان تتم مقاطعتهم لينهضوا على عجل و على إثر ذلك انقلب احد الكراسي على الارض.  يبدوا ان أمراً رهيباً قد فاجئهم.

خرج من المنارة و عاد الى السفينة ليخبر الكابتن بكل ما أكتشفه هناك, و على الفور عين الكابتن الحارس المساعد الآخر وأحد البحارين ليعودا مع مور الى المنارة من أجل المزيد من التحقيق والبحث عن الحراس في الجزيرة. فوجدوا أن كل الساعات الموجودة في المنارة قد توقفت عن العمل, و جميع المصابيح قد تم تنظيفها وإعادة ملئها.

لغز حراس المنارة
كان الطعام موضوعا على المائدة لكن لا أثر للحراس

ترك الكابتن مور بمعية ثلاثة بحارة في الجزيرة للتحقق من الحادث الذي وقع للحراس و لإبقاء مصابيح المنارة مضاءة حتى إجراء ترتيبات أخرى, وعادت السفينة الى المحطة و من هناك  أرسل الكابتن هارفي بسرعة برقية الى البر الرئيسي يخبرهم فيها بوقوع حادث مروع ادى الى اختفاء حراس المنارة الثلاثة و أخبر في برقيته أنه لم يكن لهم أثر في المنارة و لا في الجزيرة، و قام  البر الرئيسي بدوره بتوجيهها إلى مقر مجلس منارة الشمال في ادنبره. و أخبرهم في برقيته أنه بناء على تحقيقاته التي اجراها هو و رجاله في المنارة و في الجزيرة أشارت لهم الدلائل على ان الحادث الذي على إثره اختفى ثلاثتهم وقع منذ أسبوع.

استأنف الرجال الذين تخلفوا في الجزيرة البحث عن الحراس و عادوا للمنارة ليقلبوا كل حجرٍ فيها, كانت أسرة الحراس غير مرتبة و كأنهم قد نهضوا من أسرتهم قبل قليل, و كان هناك خيوط غريبة من الاعشاب البحرية على الدرج و في حفرة صغيرة حيث كان الحراس يحتفظون بسجل المنارة. في الجزيرة كان هناك خراب لا يوصف, كان السور المحيط بالسكة الحديدية منحنياً و قد تغير شكله, و مسار السكة الحديدية قد أُنتزع من الخرسانة التي كان مثبتاً بها تماماً.

لغز حراس المنارة
صورة الحراس قبيل اختفائهم .. ماذا حل بهم يا ترى ..

بعد ارسال البرقية بأيام قلائل حضر للجزيرة مشرف السفن روبرت ميورهد للتحقيق في الأمر, و لم يعثر على أي شيء غير الذي ذكره مور, باستثناء شيء غير ملحوظ وهو  سجل المنارة.

كانت مدخلات السجل غير عادية, ففي الثاني عشر من ديسمبر دون الحارس توماس مارشال و هو المساعد الثاني انه هبت على الجزيرة عاصفة شديدة لم يرى مثلها خلال عشرين عاماً, و أن الحارس الرئيسي جيمس دوكات كان هادئاً وصامتاً بشكل غير عادي بينما الحارس الثالث ويليام مكارثر كان يبكي كطفل صغير طوال الوقت

لغز حراس المنارة
صورة عمرها قرن من الزمان للمنارة وحراسها

و في مدخلات الثالث عشر من ديسمبر دون توماس ان العاصفة مازالت ثائرة و أنهم يصلون الى الرب لتتوقف هذه العواصف. لم تكن هذه المدخلات هي الغريبة بحد ذاتها انما تناقضها مع بعض الوقائع المعروفة لميورهيد, فالمنارة بُنيت حديثاً و تعلو فوق مستوى سطح البحر ب150 قدماً فلماذا يتضرع الرجال الثلاثة خوفا من العاصفة و هم  في مأمن تام منها؟ ليس هذا فحسب فالحارس الثالث ويليام مكارثر لم يكن مبتدئاً لينهار في نوبة بكاء جراء العاصفة فهو بحار مخضرم و معروف في البر الرئيسي الاسكتلندي بشجاعته و رجاحة عقله و خبرته الطويلة في الإبحار التي مر خلالها بالكثير من العواصف والتي تجعل من الغرابة ان ينهار بهذه السهولة.

و ما يزيد الامر تعقيداً هو ان التقارير الجوية  في الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من ديسمبر لم تظهر وجود اية عواصف في الجزيرة بل على العكس كان الجو هادئاً و لطيفاً و لم تبدأ العواصف المقرر هبوبها في الارصاد في ضرب الجزيرة الا في السابع عشر, فلماذا اظهرت مدخلات السجل وجود عواصف شديدة تهب على الجزيرة؟!. كان آخر المدخلات في السجل بتاريخ الخامس عشر و يذكر فيه توماس ان العواصف قد هدأت و البحر مستقر و " الرب كان فوق الجميع" فما الذي عناه بالرب كان فوق الجميع؟!

لغز حراس المنارة
وظيفة الحراس هي الأبقاء على هذا المصباح العملاق مشتعلا

عاد انتباه المشرف الى علاقة المعاطف الجلدية, التي كان معلقاً عليها معطف احد الحراس, فكيف للحارس في هذا الجو البارد ان يخرج من دون معطفه؟ ما الدافع او الحادث الرهيب الذي جعله يخرج من المنارة من دون معطفه؟ ثم انه حسب إجراءات البر الرئيسي على احد الحراس ان يتواجد في المنارة مهما كانت الظروف لا أن يخرج ثلاثتهم و يتركونها خالية هكذا.

لغز حراس المنارة
هناك سكة تربط ما بين المنارة والمرفأ وذلك لنقل المؤن والوقود

عُثر على صندوق الحبال الذي تحمله رافعة الامدادت مطروحاً على الأرض و الحبال مبعثرة على الصخور, وهذا جعل ميورهد يظن بأن الرجال ذهبوا لتجميع الحبال المبعثرة فوق الصخور بجانب البحر فضربتهم موجة انتشلتهم معها, لكن المتشككين تساءلوا لماذا لم تلقي الأمواج بجثة أحدهم على الأقل على الشاطئ؟ و لماذا ظهرت على اثنين من الحراس المخضرمين سلوكيات غريبة اذا كان كل ما حدث لهم هو مجرد غرقهم في موجة ضاربة؟

لغز حراس المنارة
هناك فرضيات ونظريات عديدة في محاولة معرفة ماذا حل بالحراس الذين لم يسمع عنهم احد مرة اخرى ولم تظهر جثثهم ابدا

ظلت هذه الحادثة الغامضة على مدى عقود محل كثير من التخمينات و الاسئلة, بين من يؤيد رأي ميورهد بأنهم غرقوا جراء العاصفة, و بين من يرى ان ما حدث لهم اكبر من ذلك مفسرين ذلك بتفسيرات خارجة عن الطبيعة قائلين بأنهم واجهوا كائنات اخرى خاصة و أن الجزر كانت محل للكثير من القصص عن جود الاشباح الهائمة. و هناك من يرى انه تم اختطافهم من قبل كائنات من الفضاء الخارجي و يدعم هذا الرأي ما ذكره الحارس في السجل بأن الرب فوق الجميع.

كانت هذه القصة مصدر إيحاء للكثير من الافلام و القصص و المسرحيات و الاغاني و القصائد الشعرية التي كانت تؤرخ للحادثة و تصف وقائعها

 

المصادر :

Flannan Isles Lighthouse – Wikipedia
THE FLANNAN ISLES LIGHTHOUSE MYSTERY
The Eilean Mor Lighthouse Mystery

تاريخ النشر 12 / 11 /2015

guest
68 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى