أدب الرعب والعام

ابني الزومبي

بقلم : امل شانوحة
للتواصل : [email protected]

ابني الزومبي
لترى ابنها و قد تحوّل شكله لنفس هيئة ذلك الوحش !

ابني الزومبي

((هذه ليست قصّة مقروؤة , بل فيلمٍ قصير .. لذا رجاءً !! ليجلس كُلاًّ في مقعده , فقاعة السينما ستُطفىء انوارها بعد قليل …. نعم هكذا !! في هذه الأثناء يمكنكم تناول فوشارنا اللذيذ , فالإعلانات على وشك الإنتهاء……….. ….و الآن يا اصدقاء !! اطلب منكم بعض الهدوء .. فقد بدأ عرض الفيلم ..استمتعوا !!))

المشهد الأول :
يدخل الصبي على والدته في المطبخ (قادماً من المدرسة) :
– امي !! هل يمكن لمايكل ان ينام عندنا الليلة ؟
– جيم ! اخبرتك انني لا اريد مشاكل مع والده السكّير
و هنا يدخل مايكل الى المطبخ (و يده في الجبيرة) .. فتسأله والدة جيم بقلق :
– هل كسر والدك يدك ؟!
فطأطأ الصغير رأسه بحزن .. فأخرجت السيدة جوالها من جيبها , و قالت بغضب :
– لا !! هذا امراً لا يُمكن السكوت عنه , سأتصل بالشرطة لأبلّغ ..
لكن مايكل اسرع اليها و وقف امامها راجيّاً , و قال بعينين دامعتين :
– لا ارجوكِ !! لا تتصلي بالشرطة .. اتريدين ان يقتلني والدي ؟
– اذا تركناه هكذا دون عقاب , فربما يأتي يوم و يقتلك بالفعل !
– امي رجاءً !! دعينا لا نتدخل بحياته , فقط دعيه ينام هنا الليلة
– يا الهي ! … حسناً .. اذهبا الى الصالة , و سأحضر لكما الغداء

و بعد قليل .. جلست الأم مع ابنها جيم و صديقه مايكل في الصالة لتناول الطعام .. و بعد دقائق .. لاحظت الأم على مايكل : بأنه يأكل بحذر
– ما بك يا مايكل ؟!
– سنّي يؤلمني منذ البارحة
– لا بأس .. سأصلحه لك , بعد ان تُنهي طعامك
– لا تقلق يا مايكل .. فأمي طبية اسنان بارعة

و هنا !! تفاجأوا بطرقٍ عنيف على الباب , يرافقه صراخ والد مايكل و هو يشتم و يلعن الجميع .. فقالت الأم بحزم :
– ابقيا هنا !! و انا سأراه

و ما ان فتحت الباب , حتى دفعها الرجل بيده مُبعداً .. ثم دخل مُتجهاً ناحية الصالة .. و على الفور ! عبِقَ المكان برائحة الكحول التي تفوح منه ..و ماهي الاّ لحظات , حتى علت صرخات ابنه المتألّمة , بعد ان جرّه والده من يده المكسورة .. فعاتبته ام جيم قائلة :
– يده يا رجل ! ما بك ؟! أأنت مجنون ؟!!
– لا تتدخلي بشؤوننا , يا امراة !! هذا ابني , و سأربيه كيفما اشاء .. هيا ابتعدي عن طريقي !!
ثم سحبه بعنف الى خارج المنزل
و بعد ان اقفلت الأم الباب بالمزلاج , اخرجت جوالها من جيبها و هي مُتضايقة جداً
– امي ! ماذا تفعلين ؟
– ايّاك ان توقفني يا جيم !! عليّ ان اُنهي عذاب هذا المسكين , و حالاً !!
ثم سمع ابنها (بقلق) حوارها مع الشرطة , و هي تبلّغ عن جارها المتوحش

و بحلول المساء ..
كانت الطبيبة تُذاكر لإبنها في غرفته , حين سمعا صوت تحطّم النافذة قادماً من الطابق الأرضي ..

فهمس ابنها بفزع :
– امي ! هناك لصّاً يدخُل منزلنا !!!
تحاول تهدأته (و هي تخفي قلقها) :
– لا جيم ! اظنه والد صديقك .. سكران كالعادة .. و على الأغلب , غاضب بسبب تبليغي عنه .. ابقى هنا !! سأنزل للإتصال بالشرطة , فقد تركت جوّالي بالصالة
– امي !! رجاءً انتبهي !
فحملت الأم عصا البيسبول (لإبنها) و نزلت الدرج بإتجاه الصالة (حيث الجوّال) ..لكن ما شاهدته كان يفوق تصورها ! فهناك رجلاً مجهولاً يحاول ان يدخل عبر الزجاج المكسور , و هو يصرخ بصوتٍ غريب غير مفهوم ..و قد افزعها منظر عيناه البيضاوان و اسنانه الملوّثة بالدم !
فانطلقت عائدة الى الأعلى , و سحبت ابنها نحو القبو (حيث عيادتها) .. و قبل ان تقفل الباب , هجم ذلك المخلوق على ذراع الولد و عضّه بعنف !! فعاجلته الأم بضربةٍ عنيفة من عصا البيسبول على رأسه , لينهار جسده الضخم على الأرض , بينما ادخلت جيم (الذي كان يبكي من شدّة الألم) بسرعة الى داخل العيادة , و اقفلت الباب بالمزلاج و بالكنبة ايضاً .. ثم جعلت ابنها يستلقي على الكرسي (المخصّص لعلاج الأسنان) .. و اسرعت ناحية الأدراج تُخرج منها : المعقّم و الشاشّ في محاولة لتضميد الجرح الكبير الموجود بأعلى ذراعه .. الاّ انها لم تتمكّن من تهدأته , لأن جسده الصغير كان يتلوّى من شدة الألم .. و صوت صراخه العالي افقدها التركيز..
– توقف عن الحركة يا جيم !! يجب ان اعقّم جرحك قبل ان يلتهب .. و ان بقيت تتحرّك هكذا , فسأضّطر لإستخدام الغاز المنوّم !!
– لا امي !!! انا اكره رائحته ..
– اذاً سأقيد يدك بأصفاد والدك , و سأزيلها بعد ان انتهي .. اتفقنا !!

و بالفعل .. اخرجت الطبيبة من الخزنة الحديدية : اصفاد والده الشرطي (الذي قُتل منذ سنوات في احدى المهمّات) و قيّدت ذراعه (الغير المجروحة) بالكرسي .. بينما خدّرت الأخرى لتبدأ بخياطتها اولاً , قبل تضميدها.. و يبدو ان جيم لم يتحمّل كل هذا الألم , فأُغميَ عليه !
– جيم …جيم !! لقد انتهيت بنيّ .. هيا افتح عينيك !!
و قبل ان تفكّ القيد عن يده , تفاجأت بمحاولة ذلك المخلوق (في الخارج) بتكسير بابها من جديد (بعد ان استفاق) ..ففتحت الخزنة مرّة ثانية و اخرجت منها مسدس زوجها .. و صارت تحشوه بالرصاص , بيدها التي كانت ترتجف بشدّة .. و قبل ان تتوجّه لقتل ذلك الكائن الغريب القابع خلف بابها , احسّت بشيءٍ يجذب فستانها بقوة ! فنظرت للخلف لترى ابنها و قد تحوّل شكله لنفس هيئة ذلك الوحش ! و كان يحاول الخروج من الكرسي (المقيّد به) و هو يصرخ بكلامٍ غير مفهوم , و قد ابيضت عيناه بشكلٍ مخيف ! فأسرعت الأم الى زاوية العيادة , و جرّت قارورة الغاز المنوّم …ثم اتت من خلفه و ثبّتت رأس ابنها , و هي تحاول بصعوبة تفادي يده المجروحة (الطليقة) ..و بعد دقيقة من شمّه للمخدّر , نام من جديد .. فمسحت دموعها و هي تكاد لا تصدّق ما يحدث معها ! ثم حملت المسدس من جديد لتقتل ذلك المسخ , الذي اوشك على تحطيم باب العيادة ..
و فجأة !! دوّى ازيز الرصاص قادماً من داخل المنزل ! و من بعدها , اختفى صراخ الوحش , ثم سمعت رجلاً يقول لصاحبه :
– لقد قتلت زومبياً هنا !!!
ثم نادى (و هو يطرق على باب العيادة)
– هل هناك احداً في الداخل ؟!!
و كانت ستجيبه , الاّ انها خافت ان يقتل ابنها ايضاً (بعد ان تحوّل لزومبي) فالتزمت الصمت !

ثم سمعت صوتاً من بعيد , يقول لهذا الرجل :
– يبدو ان المنزل خالٍ !!! هيا لنسرع الى الشارع .. فهناك الكثير من الزومبيز , و علينا قتلهم جميعاً !!
و قد خرجا من منزلها , بعد ان جرّا جثة ذلك الزومبي الى الخارج .

و هنا !! لم تعد قدماها تستطيعان حملها , فانهارت باكية على الأرض , و هي تُمعن النظر بإبنها النائم , بعد ان تغيّر منظره بشكلٍ مريع !
ثم اخذت جهاز التحكّم و اضاءت التلفاز (المعلّق بسقف العيادة) لتشاهد الأخبار المحلية , علّها تفهم ما يحدث !
فشاهدت هذا المُلحق الإخباري : (( و قد اعلن المسؤول الأمني في الدولة قبل قليل : حالة التأهّب في البلاد , بعد انتشار جرثومة من احدى المختبرات الطبية , تحوّل الناس الى آكلي لحوم البشر ! كما قال في البيان : بأنه سيتمّ قتل كل الزومبيز في محاولة لتطهير المدينة ..اما صغار الزومبيز فسيساقون الى المختبرات لإجراء الأبحاث عليهم , في محاولة لإيجاد حلٍ لهذه المشكلة .. على ان يتم تهجير باقي السكان المعافون نحو الجزيرة .. و سيتم هذا الأخلاء في صباح الغد )).. ثم شاهدت النشرة بالقناة الثانية : ((هجوم الناس على محلات التسوق , و سرقة محلات اخرى .. وسط هيجان و غضبٌ شعبي ! ))

و ظلّت الطبيبة تُشاهد الأخبار , و جيم مازال غائباً عن الوعي .. حتى نامت من شدّة التعب على الأرض (قرب كرسيه)

و استيقظت في صباح اليوم التالي , بعد ان احسّت بإبنها يحاول جذب فستانها بقدميه , و كأنه يريد ان يُقرِبها اليه , ليلتهم جزءاً من جسدها بعد ان شعر بالجوع .. لكن القيد الذي مازال في يده (السليمة) منعته من الوصول اليها ..فانتفضت الأم بعد ان خافت من منظر وجهه الذي كان فوق ركبتيه .. و وقفت و هي تقول :
– اعرف انك جائع ..لكني لن استطيع اطعامك , خوفاً من ان تعضّني .. و بالطبع لن اسلّمك اليهم , ليحقنوا جسدك بمحاليلهم اللعينة !! لهذا انا مضّطرة لأن اعالجك بنفسي .. (ثم تتنهد بضيق) و تحسّباً من ان تحوّلني لزومبي مثلك , فعليّ ان اقوم بشيءٍ ضروري

ثم عادت و خدّرته مجدّداً بالغاز المنوّم بعد جهدٍ جهيد .. ثم جلست بقربه و فتحت اسنانه ..و قرّبت اليها الأدوات الطبية , و هي تبكي و تقول :
– سامحني بنيّ ! لكن لا حلّ آخر امامي
و صارت تقلع اسنانه الواحد تلوّ الآخر , و هي تشهج بالبكاء ..و بعد ان انتهت .. بدأت تقلّم اظافره .. ثم اخرجت من زاوية الغرفة , هدية كانت ستعطيه اياها بعد يومين (بعيد ميلاده) : و هي قفازيّ ملاكمة , لطالما رغِبَ بهما ..ثم وضعتهم في يديه , و الصقتهم بالشريط اللاصق .. ثم عادت و قيّدت اليد الأخرى (المجروحة) بحزامها .. لكنها لم تشدّه كثيراً , خوفاً على جرحه .. و قبل ان تخرج من عيادتها , انتبهت اليه ..
– اووووه يا الهي ! كيف نسيت امر الحمام ! آسفة بنيّ .. سأنظفك حالاً .. و سأذهب بعد قليل للسوق , لأحلّ هذه المشكلة
و بعد ان نظفته ..خرجت من القبو , و اقفلت الباب عليه بالمفتاح ..

ثم خرجت من منزلها (بعد ان تأكّدت من هدوء الشارع) و هي تنوي شراء بعض الحاجيات .. و بينما هي تقود سيارتها في الشوارع التي عمّت فيها الفوضى , و آثار الدماء مازالت موجودة على طرقات المدينة ! اذّ بها تصادف جارها (والد مايكل , صديق ابنها) عند الإشارة .. فأطلّ برأسه من نافذة سيارته : و اخبرها بأن عليها ان تُسرع , لأن الناس بدأت بالتموين للأيام القادمة , تحسّباً من هجومٍ مباغت للزومبيز في المساء .
– يعني لم يبقَ شيءٌ هناك ؟!
– اخذوا معظم المعلّبات , خوفاً من انقطاع الكهرباء ..لكن مازال هناك بعض اللحوم و الألبان
– و ماذا عن الصيدلية ؟
– اظنها مفتوحة , لكن المحلاّت الباقية مُغلقة.. آه !! لم اسألكِ .. كيف حال ابنك ؟
– بخير .. بخير !!
قالتها بعجل , قبل ان تُسرع بإتجاه الصيدلية

و هناك .. كانت صاحبة الصيدلية تُعطيها الحفاضات كبيرة الحجم , و على وجهها علامة استغراب (فهي تعرف الطبيبة جيداً)
– لا تتفاجئي سوزي ..انه لإبن قريبتي .. انه معاق
– آه فهمت .. عافاه الله

و خرجت الطبيبة من الصيدلية بإتجاه السوبرماركت التي خلت معظم رفوفها من المنتجات الغذائية , بعد ان قامت بركن سيارتها بصعوبة في الموقف الذي ضجّ بالسكان الخائفين .. و الذي كان منهم اناساً يتبضعون قبل الإنطلاق في رحلةٍ طويلة بإتجاه الطرف الآخر للمدينة , قبل ان ينتقلوا بالسفن و العبّارات باتجاه الجزيرة الآمنة

و عادت الطبيبة اخيراً الى منزلها , لتتفاجىء بالجار و هو يُثبّت لوحاً خشبي فوق نافذتها المكسورة .. ففزعت من ان يكون سمع صراخ ابنها او عرف بأمر تحوّله ..فترجّلت بسرعة من السيارة , و هي تقول بعصبية
– ماذا تفعل يا سيد ؟!!
– آسف ! لم ارد التطفّل ..فقط احببت تقديم المساعدة ..
– طيب …شكراً لك
قالتها بإرتباك .. و هي تحاول ادخال حاجياتها بسرعة , مُتجاهلة نظراته المستفسرة حول الحفاضات الكبيرة التي تحملها
– انا مستعجلة …اراك لاحقاً
– لحظة ! الا يريد ابنك ان يطمئن على صديقه ؟!
فلاحظت على الفور , الحزن البادي في عينيه.. فتنهدت بضيق .. لأن بالها مشغول على ابنها , لكنها مضّطرة لأن تعطيه بعضاً من وقتها
– حسناً .. اجلس في الحديقة .. سأدخل الحاجيات , ثم آتي اليك لنتحدّث .. لحظة واحدة
و شعر الجار بأنه غير مُرحباً به في منزلها .. لذا جلس على الكرسي (الموجود بحديقتها) و هو شارد الذهن , منتظراً قدومها

و بعد دقيقة .. جلست امامه , و بدأ يحدّثها عن ما حصل لإبنه مايكل .. و كيف ان الشرطة سحبته من المنزل , و رموه في الشاحنة مع غيره من الأولاد , بعد ان تحوّل مثلهم لزومبي ….

ثم صار الجار يعددّ لها اسماء سكان المنطقة الذين توفوا , بعد ان اطلقت الشرطة النار عليهم , بسبب تحوّلهم ايضاً الى زومبيز !
– و ما العمل الآن ؟!
– اذا كنتِ مثلي , و مثل بعض السكان الذين اصرّوا على البقاء هنا , فعلينا ان نساعد بعضنا ..فنحن لا نعلم ما ينتظرنا كل مساء .. و انا حقاً لا اريد لإبنك ان يصيبه ما اصاب حبيبي مايكل
ثم بكى بحسرة على ابنه (الزومبي)
فعاتبته بعصبية
– الآن تبكي عليه ؟! بالله عليك , كم مرة كلّمتك بخصوصه !! .. و لما كنت اصلاً قاسياً عليه لهذه الدرجة ؟!
فمسح دموعه و قال بقهر و بترددّ ..
– لأنه … لأنه ليس ابني

ثم اخبرها بأن زوجته المرحومة تعرّضت قديماً لحالة اعتداء , ادّى الى انجابها مايكل ..و بأنها اخفت الموضوع عنه .. و لم تخبره بالحقيقة , الاّ بعد ان اصيبت بإنهيارٍ عصبي , بعيد ميلاده السابع ..و قالت : بأنه يُشبه والده في كل سنة .. و بأن الصغير يُذكّرها دائماً بما حصل معها في تلك الليلة !
ثم مسح دموعه , و قال بحزن :
– و قد حاولت جاهداً ان افهمها : بأن الأمر لا يضايقني , و بأني احبه كأبني .. لكن يبدو ان كلامي هذا , احزنها اكثر ..فأنهت حياتها بعد ان تناولت قارورتي دواء .. و منذ انتحارها , صرت لا اطيقه … و صرت ..
– ارجوك لا تُكمل !! لقد فهمت .. لكنك تعلم تماماً , بأن مايكل لا ذنب له لتعاتبه على موت زوجتك …. فهيا !! امسح دموعك .. و دعنا نحلّ مشكلة الزومبيز اولاً , ثم لكل حادثٍ حديث .

و بعد ان هدأ , عرض عليها فكرة : ان تبقى هي وابنها عنده في المنزل , او ينتقل هو لعندهم لحمايتهم ..لكنها رفضت الفكرة (خوفاً على ابنها منه) ثم اعتذرت بحجّة : انها تريد تحضير الطعام لجيم ..و دخلت الى بيتها و اقفلت الباب , تاركةً الجار يعود حزيناً بذكرياته الى منزله

و في القبو .. استطاعت بصعوبة تحفيض ابنها (الذي استيقظ) .. و بعد ان انتهت .. ذهبت لتحضير سندويش بالجبن .. ثم عادت اليه
– اعرف انك جائع , و اعرف انك تريد بعض اللحم .. لكني لن اطعمك سوى الأكل الصحي , الى ان تتعافى …. و الآن !! كُن ولداً عاقلاً , و دعني اتأكّد من توقف نزيف فمك .. هيا جيم , ارني !! …تمام .. لقد توقف قليلاً .. حسناً لا بأس ..سأغمسه لك بالحليب , كي تستطيع بلعه.. هيا !! افتح فمك
و كان جيم في البداية يرفض تناول السندويش , لكنه عاد و التهمها من شدّة الجوع
و بعد ان انهى طعامه .. خرجت من عنده , بعد ان اقفلت الباب عليه مُتجاهلةً صراخه ..
و في المساء .. وضعت فِراشاً لها على ارض العيادة (بعيداً عن الكرسي , الذي ينام عليه جيم) ..و كانت مُنهكة جداً , بعد ان امضت بقية النهار و هي تُدعّم جميع النوافذ بالألوح الخشبية..
و ما ان غابت الشمس حتى نامت على الفور (من التعب) , بعد ان تناولت العشاء مع ابنها , و بعد ان قامت بتغير ملابسه .

و في منتصف الليل , عادت الأحداث نفسها ..صراخ الزومبيز بالشوارع , و الشرطة تلاحقها و تقتلها ..و هذا يعني ان السكان المدينة (الذين بقوا فيها) سيتناقص عددهم في كل ليلة ! و كان صوت الرصاص العالي يضايق جيم , فحاولت امه ان تُلهيه بأي شيء (كي لا يسمع احدهم صراخه , كما ان جسده الصغير لا يتحمّل التخدير المتواصل) .. الا ان الرسوم المتحركة و الأفلام الموجودة في التلفاز لم تهدأه , لذا خطر على بالها ان تُريه بعد الأفلام المصورة عن ذكرياتهم .. فأحضرت بعض اشرطة الفيديو و صارت تشاهدها مع ابنها (من تلفاز العيادة) .. و كان في البداية مايزال ينتفض في كرسيه محاولاً ان يفكّ قيده ..لكن ما ان رأى والده المتوفى و هو يلاعبه (عندما كان صغيراً) حتى تسمّرت عيناه الى التلفاز , و توقف عن الصراخ ..و كأنه بدأ يتذكّر الماضي !
ففرحت والدته جداً بهذا التطور , و قالت له (و هي تمسح دموعها) :
– نعم جيم !! هذا والدك ..اتذكره ؟! كان يحبك جداً , و انت كذلك .. انظر !! هنا كان يلعب البيبسبول معك ..اتذكر ؟!!
و بدأت تُحدثه اكثر عن والده و ذكرياتهم معه , و جيم هادىءٌ جداً !
و بعد ساعة … نام لوحده و من دون تخدير !
فقالت , و هي تغطيه
– هذا يعني بأن شفائك ليس مستحيلاً ! ….. اذاً !! سأجد ذلك العلاج , و ستتعافي بنيّ …اعدك بذلك !!

و مرّت الأيام … و الأم مازالت تُطعم ابنها الطعام الصحي الخالي من اللحوم ..و تمضي معه الساعات و هي تحكي القصص و تغني له , و تُريه المزيد من الفيديوهات المنزلية المصوّرة

الى ان اتى يوم .. بدأ الجيران فيه بالعودة الى المدينة , بعد ان اعلنت الحكومة تطهير المنطقة من الزومبيز .. لكن الجارة الحشرية , انتبهت على الطبيبة و هي تشتري الحفاضات ..فلحقتها الى المنزل , و ظلّت تراقبها لبعض الوقت من خلال شقوق النافذة (المغلقة بالألواح الخشبية) الى ان شاهدتها و هي تُخرج ابنها جيم من القبو , لتأخذه الى غرفته بالأعلى (و هو مُقيداً بالأصفاد) ..فأسرعت و ابلغت الشرطة ..
و على الفور ! انتشر الخبر بين الناس في مجتمعها ..و احتجّوا امام بيتها , و صارت الشرطة (في الخارج) تطالبها بتسليم ابنها .. لكن الطبيبة عاندت الجميع ..و صارت تصرخ (من داخل منزلها المقفل) بهستيريا , و هي تحمل مسدس زوجها (مهدّدة) : بأنها ستقتل ايّ احد يقترب من ابنها جيم .. فحاول الجار ان يُكلمها (من خلف الباب) و يقنعها : بأن ابنها بحاجة ماسّة للعلاج ..و بصعوبة بالغة اقنعها بإخراجه ..
لكن فور رؤيتهم له ! حتى بدأ الجميع برمي الصغير بالأحجار (خوفاً منه) و امه و الجار يحاولان حماية الصبي بأجسادهم .. و قبل ان تقبض الشرطة على الولد , سمع الجميع صراخ بنتٌ صغيرة (صديقة جيم بالمدرسة) : كانت تطلب من الجميع الهدوء !! و بالفعل ! توقف الجميع ليشاهدوا هذه الفتاة الشجاعة , و هي تقترب من جيم الخائف .. ثم همست في اذنه :
– كنت اعرف انك انت من تضع لي الحلوى في حقيبتي .. فشكراً لك ..
ثم قبلته على خدِّه .. لينتبه الجميع على ابتسامة جيم الخجولة
لكن في هذه اللحظات ..وصل والد الفتاة , و سحبها بعنف من امام جيم , صارخاً عليها (بفزع) :
– ايمي !! ابتعدي عن هذا المعاق !!
و فجأة ! صرخ جيم بعلوِ صوته :
– انا لستُ معاقاً !!!!!
و صُدِم الجميع ! خاصة والدته , بعد ان لاحظوا عودة منظر عيناه و هيئته لشكله الطبيعي ! فهلّلوا جميعاً فرحاً بشفاء الصبي !!
و مع هذا ! اصرّ رئيس البلدية (الذي كان حاضراً) بأن تأخذ الشرطة جيم للكشف عليه و معرفة سبب علاجه
لكن هذه المرّة ..وقف الجميع مع الطبيبة , و منعوا الشرطة من اعتقال الصغير , بل طالبوا ايضاً بعودة ابنائهم الصغار (المتحولين لزومبيز)
فصرخ المسؤول قائلاً :
– و كيف ستعالجون ابنائكم ؟!!
فقالت احدى الأمهات :
– سنعالجهم , كما عالجت هذه الطبيبة ابنها !!
فقال بسخرية :
– و كيف عالجته اذاً , يا طبيبة ؟
فقالت الأم (و هي مازالت تحضن ابنها جيم , و دموع الفرح في عينيها) :
– عالجته بالحب !!! و من يريد منكم علاج ابنه , فأنا مستعدة لتعليمه الطريقة !!

و ادّت هذه الحادثة الى مواجهات بين الشرطة و الأهالي على مدار شهرٍ كامل .. الى ان رضخت الحكومة اخيراً لطلبهم , و سلّمتهم ابنائهم الزومبيز (المقيدين بالأصفاد).. و كان منهم مايكل ابن الجار , الذي ابتعد اخيراً عن شرب الكحول ليتفرّغ (مثل غيره) لتطبيق العلاج الحنون , الذي علّمتهم اياه الطبيبة خلال اسابيع المظاهرات

و قد امضت الطبيبة بعدها , في صنع وجبات الأسنان : لإبنها , و لمن تعافى من الأولاد (الزومبي سابقاً)

و بعد شهور ..عادت المدينة الصغيرة الى الحياة …و صار الأطفال يلعبون بفرح في شوارعها , بعد ان تعالجوا جميعاً .. كما صار هذا العلاج يُدرّس و يُطبّق في جميع المناطق الموبوءة ..

و في احدى الأيام .. اتت صحفية و زميلها المصوّر الى هذه المنطقة ليصوّرا تقريراً لنشرة الأخبار (حول مجريات ما حصل في هذه المدينة الصغيرة) .. و حين وجدت الصحفية مجموعة من الأولاد يلعبون لعبة الكللّ (الكرات الصغيرة) في الشارع القريب من منزل تلك الطبيبة , توقفت خلفهم .. و اشارت لزميلها ببدأ التصوير ..
حيث قالت (و هي تمسك بالميكريفون) :
– يبدو ان هذه الأم الحنونة وجدت العلاج الذي عجز عنه اطباء العالم , حيث عالجت ابنها الزومبي بحنانها و حبها فقط .. و بسببها , تعهّد بعض الآباء : بأنهم لن يقسوا في تعاملهم مع ابنائهم ثانيةً.. و برأي المتواضع : فإن الحب هو بالفعل !! العلاج الوحيد .. لأن الأبناء المُعنّفين : ما هم الاّ اجساداً بلا روح , تماماً كمخلوقات الزومبي ! … كانت معكم !! مراسلتكم نانسي من محطّة …
و قبل ان تُكمل , صرخ الأولاد (خلفها) بفزع .. ثم ركضوا هاربين في كل الإتجاهات , ماعدا صبي كان يقف و ظهره للكاميرا .. فاقتربت منه (بقلق) لتسأله عن اصحابه
و ما ان وضعت يدها على كتفه , حتى فاجأها الصغير بقفزه على كاميرا المصوّر (التي سقطت معه على الأرض)
لتظهر في الشاشة : قدم المصوّر و هي تنتفض بغرابة ! صراخ المذيعة ..صوتُ لحمٍ يُنهش .. ثم انطفات الكاميرا !

النهاية

تاريخ النشر : 2015-12-12

guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى