أدب الرعب والعام

ثمانين ليلة رعب

بقلم : عدوشه – الأردن

سأمنعك الإقتراب من عروستك , لثمانين يوماً !!

في اجمل ليلةٍ صيفية صافية ، كان حسام في غاية السعادة .. فاليوم هو يوم زفافه من هديل , اجمل و اذكى فتيات القرية … و بعد ان انتهى العرس .. توقفت سيارة العروسين المزيّنة امام منزلهما .. و نزل حسام مُمّسكاً بيد زوجته ، التي تبدو كملاكٍ فاتن بثوبها الأبيض الناصع

و في صالة المنزل .. جلس حسام على الكنبة ..و جلست هديل امامه بخجل ..
و في ثواني ! ظهر لحسام قطٌ اسود يجلس بحضن زوجته , و عندما نظر بدهشة الى زوجته , وجد عيونها حمراء كعيون القططّ .. فأغمي عليه على الفور !

عندما استيقظ بعد قليل , وجد نفسه ينام على الكنبة ببدلة عرسه ..فقال لنفسه بدهشة :
– هل نمت ؟ يا الهي ! ما هذا الحلم المخيف ؟!
ثم نادى زوجته :
– هديل !! ..اين انت عزيزتي ؟ !!

و عندما فتح باب غرفة النوم , وجد زوجته مازالت في فستان عرسها , تجلس على طرف سريرها و هي تبكي ..
فقال (و هو مازال عند الباب) :
– لا !! رجاءً لا تبكي .. انا آسف .. يبدو انني غفوت قليلاً .. فالعرس اتعبني ..

و قبل ان يدخل .. تفاجأ بقطٍ اسود يعترض طريقه .. فصرخ بفزع :
– تباً !! لقد اخافني .. من اين اتى هذا القطّ ؟! .. هيا اذهب من هنا !!
و حاول ان يضرب القط بحذائه .. لكن زوجته منعته , صارخة :
– ايّاك ان تأذيه , يا حسام !!

و هنا !! تكلّم القط بغضب مع الشاب قائلاً :
– لن اسمح لك بالإقتراب من زوجتك بعد اليوم !!
و كاد يغمى عليه (حسام) من اثر الصدمة :
– ماذا ! …كيف …. انا لا افهم ..
فقالت هديل (من بعيد) بحزن :
– هل فعلاً قتلت زوجته ؟
فقال حسام بغضب :
– و ما ادراني بعائلته ؟!!

فصرخ القط بغضب :
– انسيت ؟!! دهست زوجتي و انت تقود بسرعة , لتذهب الى عرسك !! تركتني وحيداً مع ولدايّ …و عقاباً لك !! سأمنعك الإقتراب من عروستك , لثمانين يوماً !! …و الاّ !! احلف انني سأدفنكم احياءً .. افهمتم !!

ثم فجأة !! انغلق باب غرفة النوم بقوة في وجه حسام .. و لم يستطع العريس فتحه بأيّ طريقة .. حتى ان صوت هديل (من الداخل) اختفى تماماً ! .. و الأسوء ان الباب الخارجي لمنزله , كان ايضاً مقفولاً بإحكام ! فلم يستطع حسام الهرب , او طلب المساعدة من احد .. بل حتى هاتف المنزل و الجوّال كانا معطلين ! .. و بعد ان باءت جميع محاولاته بالفشل , رضيّ بصعوبة بعقابه القاسي : و هو الإبتعاد عن عروسه , ثمانين يوماً !

في صباح اليوم التالي .. استيقظ حسام على الكنبة .. و فوراً انتبه لصوت هديل و هي تتكّلم مع طفلٍ ما في المطبخ !

فذهب الى هناك .. ليجدها تُطعم طفلاً غريباً : احمر الشعر , بارز الأسنان , شاحب الوجه , يجلس على الطاولة و هو يشرب الحليب من الصحن بلسانه , كالقطط !
.. فتجمّد حسام امام باب المطبخ ..
ثم قال الطفل لهديل بصوتٍ اقرب للمواء :
– لقد انهيت الحليب !! …انا ذاهبٌ الآن !!

ثم خرج مسرعاً من المطبخ مُخترقاً جسم حسام , الذي وقف مصدوماً ومرعوباً ! .. و عندما حاول الإقتراب من زوجته ليستفسر عن الموضوع ..احسّ بتعبٍ مفاجىء في صدره .. فقالت له هديل بقلق :
– لا !! ..حسام ارجوك , لا تقترب .. فقد القى القطّ بالأمس تعويذة عليّ , تمنعك من الإقتراب مني ..فأيّاك ان تفعل , و الاّ سيتوقف قلبك فجأة ! و انا لا اريدك ان تموت , حبيبي ..
– ما هذه الخرافات ؟! انا لن اسمح لهذا …

و هنا انتبه الى القط الأسود , واقفاً خلفه ..فأسرعت هديل بخوف تحضّر الطعام له ..
و هي تقول بصوتٍ مُرتجف :
– سأفتح لك حالاً علبه تونا , سيدي القطّ
فقال القطّ لحسام بلؤم :
– اذهب فوراً الى غرفة الضيوف ..فتلك ستصبح غرفتك منذ اليوم !! و لا اريد ان اراك بقرب زوجتك 79 يوماً .. و الاّ !! ستدفنا احياءً , كما قلت سابقاً .. اما زوجتك !! فستخدمني انا و عائلتي طوال هذه المدة

و هنا سمعوا طرقاً على الباب .. فقال القطّ لحسام :
– اوووفّ !! لابد انها هي … اذهب و افتح لها .. فأنا لا اريد رؤيتها.. هيا اذهب !! فقد فتحت لك قفل الباب

فعرف حسام بأنها فرصة ذهبية للهرب من المنزل , و طلب المساعدة .. لكنه تجمّد في مكانه بعد رؤيته (عند الباب) لتلك العجوز , الطويلة القامه , التي تلبس خماراً يغطي كامل جسدها , و وجهها لا يطمئن بخير !
فقال حسام بفزع : و من انت ؟!
فقالت العجوز بغضب : أأنت من قتلت ابنتي , و يتّمت ولديها ؟!!!
حسام بخوف :
– انا لم اقصد ..
لكن العجوز اشارت بعصاها في وجهه , فارتمى حسام بقوة على الأرض ..و قالت بغضب :
– ايها القاتل اللعين !! لو لم تقبل هديل بالهدنة , لكنت قتلتك و شربت من دمك ..

ثم قالت لهديل (التي كانت تطلّ من باب المطبخ , بفزع) :
– و انتِ !! هيا تعالي معي .. فأنا اريدك ان تخدميني , كما كانت تخدمني المرحومة ابنتي ..هيا امامي !!
فرأى حسام زوجته هديل , و هي تمشي متثاقلة و برعب باتجاه العجوز .. فصرخ بقلق :
– لا يا هديل !! لا تذهبي لعالم الجن !

فأقترب منه القط و همس له :
– هشششش اسكت !! لا يجرأ احد على رفض اوامر حماتي .. و الله انك ستترحّم على عقابي السهل ..
ثم قال القط لهديل :
– هيا يا هديل ..اذهبي معها , و خذا ابني الصغير معكم .. و انا سأراقب حسام بنفسي !!

***
و مضت اربعون يوماً ، و لم تعد هديل بعد ! و كان حسام قد يأس و استسلم لعقابه .. اما القط فكان يحضر لحسام الطعام من عالمه الخفي , و كان مذاقه رديئاً للغاية .. حتى التلفاز كان لا يبثّ سوى صوراً لمخلوقات مرعبة , لم يرى مثلها في اسوأ كوابيسه ! و تدهّورت صحة حسام , و ساءت حالته ..

و في احد الأيام .. جلس حسام على الكنبة .. فإقترب منه القطّ و قال : سأذيقك من العذاب ما لم تحلم بمثله !! سأقودك للجنون !! ستندم كل الندم على قتلك زوجتي !!
فأمسك حسام بمزهرية كانت بجانبه , و رفعها ليضرب القطّ .. لكنه تذكّر انه بذلك سيُحرم من زوجته للأبد , فعاد و وضعها جانباً , وهو يزمجر بغضب ….

لكن بدون سابق انذار ! قفز القط لحجر حسام , و بدت عيناه شديدة الحمرة و الغضب ! ثم غرس مخالبه في حسام , مُحدثاً خدشاً طويلاً في صدره .. فحاول حسام ابعاده , لكن القط لم يغادره الا بعد ان بال في حجره , و هو يقهقه و يضحك بصوتٍ عالٍ و مزعج .
فصاح حسام : ايها القذر اللعين !! لقد تعبت منك و من الاعيبك .. هيا اعد لي زوجتي , و ارحل عنّ عالمنا !!
لكن القط دخل المطبخ بلا مبالاة , تاركاً حسام منهاراً تماماً..

***
و مرّت الأيام ، و حالة حسام من سيء لأسوأ .. كل يوم يقابل فيه كائنات غريبة من معارف القط .. و يعيش جنوناً و رعباً , احال شعره الأسود للرمادي .. و لم يبقى سوى اسبوع واحد ليتمّ القط انتقامه..

و في مساء ذلك اليوم .. استيقظ حسام و قد شعر بشيءٍ ثقيل يجثو فوق صدره ..ففتح عيناه ليشاهد كائناً بشعاً ، اصفر اللون , ذو رائحة مقزّزه .. فصاح برعب !! لكن هذا الكائن بدأ يطوّق رقبة حسام حتى كاد ان يخنقه , لولا تدخل القط الذي ابعده قائلاً : لا بنيّ , لا تقتله !! ..
فتغيرت هيئة الكائن , ليعود قطاً اسود (متوسط الحجم) .. و قال لأبيه بغضب :
– ابي ! ..البارحة حتى عدت للمدينة , و اخبرتني جدتي بما فعله هذا الحقير بأمي .. رجاءً !! دعني اقتله يا ابي
فقال القط الأب :
– انا لا اريد قتله , فأنا استمتع بتعذيبه .. و لن ارتاح , قبل ان يفقد عقله
فصرخ حسام بهستيريا :
– اتريدني ان اجنّ .. تمام !! اذاً اعتبرني مجنون منذ الآن
و صار حسام يصفّق بيديه و يغني و يرقص كالمجنون ..
فقال القط الأب :
– اعرف انك تمثّل الآن .. لكنك قريباً جداً ستصبح هكذا .. فأنت لم ترى شيئاً بعد

و بعد قليل .. راقب حسام من زاوية غرفته ..القط الأب و هو يودّع ابنه (القط الشاب) امام باب المنزل .. فاستغل حسام انفتاح الباب .. ليركض خارجاً منه , بأسرع ما اوتي من قوة .. و عندما وصل الى الشارع ..صادف جاره ينزل من سيارته , فأبعده حسام بعنف و سرق سيارته , وسط صدمة جاره ! ليقودها كالمجنون ..

و بعد ان قادها لمسافة .. هدأ , و صار يعاتب نفسه :
– يا الهي , مالذي فعلته ؟! كان يتبقى بضعة ايام لنهاية المشكلة .. لما استعجلت ؟ كيف سأجد هديل الآن ؟ هل سينتقمون منها بدلاً مني ؟!

و فجأة !! رأى القط (الأب) يقف غاضباً في منتصف الطريق , على بعد امتارٍ قليلة من السيارة .. و بدل ان يقف حسام , داس اكثر على البنزين , منطلقاً بأقصى سرعته .. حتى دهس القط , ثم عاد و دهس جثته مراراً .

ثم فتح حسام عينيه , ليجد هديل بجانبه .. فاحتضنها بشوق و هو يحمد الله ..قائلاً :
– ياه !! ياله من كابوسٍ طويل .. يبدو ان العرس اتعبني فعلاً .. هديل يا عروستي .. هيا اضيئي النور , و دعيني ارى …. لحظة ! لما المكان يبدو غريباً ؟!
فقالت هديل بحزن :
– لأننا دفنّا احياء تحت القبور !

تاريخ النشر : 2015-12-27

عدوشه

الأردن
guest
51 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى