القسم : أدب الرعب والعام
صرخه حجر
![]() |
فمن سيسأل عن طفلٍ ضال مُشرّد يجول الشوارع ؟! |
عامر رجلٌ طموح ..لكن بطلنا طموحه من النوع الآخر ..النوع الأسود ..النوع الذي يبني سعادته على تعاسة الآخرين .. يعمل نهاراً كرسّام كاريكاتير , و ليلاً : تاجر اطفال !
تمرّ الأيام على عجل ..و يتزوج عامر..و ماهي الا لحظات من العمر الممتدّ للمجهول , حتى جاءت بشرى وليّ العهد الصغير حسام ..
و تهرول الأيام ..و مازالت الزوجه تستفسر عن عمل زوجها الليلي الغامض , فيجيبها مُقتطِباً :
-لا دخل لك !! المهم انني اوفيكم حقوقكم .. و اوفّر لكم الحياة الكريمة التي تتمناها ايّ اسرة .. امّا عدا هذا , فلا تسألي !!
و تمضي السنون ..و يكبر حسام و يصبح بدراً يخجل منه القمر ..كان مراهقاً يبلغ من العمر 15 ربيعاً ..اشتهر بين الناس بشيمة طباعه و حسن خلقه , فاستولى على حبّ الجميع و ودّهم ..و كان هذا بفضل امه التي حاولت ان تعلّمه : ان المال ليس كل شيء , فانقذته من دلال و افساد والده الغير مقصود ..
فبالرغم من كل ذاك البذخ و الدلال لم تتعكّر شخصيته العطرة , و نبت منبتاً طيباً جميلاً ..
و قد سعى عامر لتحقيق كل رغبات ابنه حسام , سواءً طلب او لم يطلب ! فلوّ تمنى نجمة من السماء , لأحضرها له .. و اذا تعرّض عامر للإنتقاد نتيجة بذخه و اتلافه لولده بالدلال الزائد , فكان يقول بكل رضا عن تصرفاته : (و كم حسامٌ انا املك !)...
و جرت عاده عامر بالتغيّب عن المنزل , من الساعة الثامنة حتى الثالثة فجراً ..
و طبعاً كان يمضي هذا الوقت في البحث عن ضحية مسكينة مشرّدة لا حول لها و لا قوة , قليلة البأس و الحيلة ..فيقتنصها , و يكون اختفائها (كأن لم يكن!)..
فمن سيسأل عن طفلٍ ضال مُشرّد , يجول الشوارع بالبرد ليلاً , و يتسوّل الرحمة من جيوب الناس .. و ان اعطوه , فقد فاز بهناء يومه ..و ان صدّوه , كان عشائه القمامة ! ..من سيسأل ؟ ..لا احد ..الاّ امثال عامر طبعاً !!
-----
لو سألتموني : ماذا يفعل المشترين من التجّار بتلك السلعة ؟
فسأقول لك : اصمت و استمع و احتقن , ان كنت تشعر في هدوء..
اولئك الأطفال : منهم من يتم قتلهم و سرقه اعضائهم , و بلغة التجّار (قطع غيار) ..
و منهم من يتم تسفيرهم الى بلاد العجم ليعملوا هناك خدماً في بيوت الأثرياء
..(تجارة عبيد ..نعم !!)..
و البعض الآخر : يتم تشويهه بكيّ وجهه بالحديد الصهد , حتى تتبدّل ملامحه 180 درجة , فيعجز ايّ احد من معارفهم او من تعامل معهم على التعرّف عليهم ..و يسومونهم للعمل بداخل المُصر (المُصر تعني : البلد , و ليس الدولة)..
طبعاً تسأل : و هل عامر يعرف كل هذا ؟..طبعاً !! لكنه لا يهتم بمصير هذا الصغير , المهم ما سيجنيه من بيعه !..
ماذا تقولون ؟! اجل اسمعكم يا من تملكون بعض الأحاسيس..تتمّتمون و تقولون : يالِقذارة هذا العالم , و تلك اللعبة الحقيرة التي يروح ضحاياها : ملائكة صغار يرحلون في عتمة الظلام , فلا ينبثّ العالم لرِثائهم بشَفَه..
طبعاً لم يكن عامر المزاول الوحيد لتلك المهنة الحقيرة (تجارة العبيد) .. فهي اصبحت مهنة لها ناسها و قوانينها ! و عصابات عالية التخطيط و السرّية , و مؤسسات بعيدة عن انظار العالم .. هم يذكّرونني بسكان جوف الأرض , تسمع عنهم لكن لا تلمحهم ! ..على كلٍ , هي مهنة تعدّ مصدر رزق لمُعّدَميّ الضمائِر..
-----
توالت الأيام ..و شاء الجبّار المنتقم ان يردّ الصفعة الى قلبٍ غشته القساوة..
ماذا حدث ؟
لقد هرب حسام من المنزل..تاركاً رسالة كالصاعقه على قلب ابيه , قبل امه !
يقول حسام فيها :
((ابي العزيز !! امي الحبيبة !! لقد ربيتماني فأحسنتم رعايتي ..و لن انسى فضلكما عليّ ما حييت ..لكن اعذراني .. فقد رأيت السعادة و رأيت غيري لا ينالها !..رأيت بُأس الكثيرين و ضعفهم و حوجتهم لي , فقرّرت.. نعم قرّرت الولوج اليهم للتخفيف عنهم ..و عيش تجربتهم بكل قسوتها و مرارتها , لعليّ استطيع ان افهم بعض معاناتهم .. هذا ان استطعت ! ..لذا اعذراني , فالشارع يناديني و طرقاته تستنّجد بي .. لأني لم اعدّ استطيع ان اتحمّل !! فالأطفال المساكين لا يفارقونني ابداً ! و خيالاتهم تتراءى لي في المنام كل يوم , و هم يستغيثون و يصرخون و يتألمون !!..ثم فجأة تنكتمّ اصواتهم و تختفي ! لا ادري ما هذا الشعور ؟! ..لكنني اشعر بأنها رسالة لي من مكانٍ ما ! ..على كلٍ , لم اعد اطيق تجاهل صراخهم ..اعذراني لأني لم اصارحكم بالأمر من قبل ..و لا تقلقا عليّ , فأنا ذاهبٌ للخلاص..
ابنكم البارّ الصغير : حسام عامر))
-----
لم ينبثّ الأب بنصف كلمة من صدمته التي شلّت لسانه ..لكنه اضّطر لصفع زوجته لتهدأتها , حيث كانت تلطم و تصرخ بهستيريا ..الاّ ان المصيبة كانت اكبر من ان تستوعبها , فأغميّ عليها !
و في تلك الليلة .. بات عامر من صدمته يجوب الشوارع , و هو يصرخ و ينادي :
-اين انت يا حسام ؟!! يا فلذه قلبي ..هل انت حيّ ام ميت ؟ هل باعوك ام قتلوك ؟ هل انت جائع ام حزين ؟ هل تشعر بالبرد القارص ؟ ..اين انت يا مُقلة عيني ؟!..فداك قلبي ..فداك يا ولدي !! انه ذنبي انا ..عدّ اليّ !!! عدّ الى احضان ابيك ..لا ترحل يا حبيبي !! رجاءً !!!!
-----
باليوم التالي ..تتصدّر احدى صفحات الجريدة (التي يعمل فيها) : رسمة عجيبة لرجلٍ يصرخ , و هو يمسك قلماً و سكيناً .. و الأطفال الملائكة من حوله يثنون يده (التي تحمل السكين) نحو صدره , فتجرحه و يسيل دمه على الأرض .. مُختلطة بدمائهم !
و بجوارها كتبت كلمتان : (صرخة حجر) !!
تمرّ الأيام على عجل ..و يتزوج عامر..و ماهي الا لحظات من العمر الممتدّ للمجهول , حتى جاءت بشرى وليّ العهد الصغير حسام ..
و تهرول الأيام ..و مازالت الزوجه تستفسر عن عمل زوجها الليلي الغامض , فيجيبها مُقتطِباً :
-لا دخل لك !! المهم انني اوفيكم حقوقكم .. و اوفّر لكم الحياة الكريمة التي تتمناها ايّ اسرة .. امّا عدا هذا , فلا تسألي !!
و تمضي السنون ..و يكبر حسام و يصبح بدراً يخجل منه القمر ..كان مراهقاً يبلغ من العمر 15 ربيعاً ..اشتهر بين الناس بشيمة طباعه و حسن خلقه , فاستولى على حبّ الجميع و ودّهم ..و كان هذا بفضل امه التي حاولت ان تعلّمه : ان المال ليس كل شيء , فانقذته من دلال و افساد والده الغير مقصود ..
فبالرغم من كل ذاك البذخ و الدلال لم تتعكّر شخصيته العطرة , و نبت منبتاً طيباً جميلاً ..
و قد سعى عامر لتحقيق كل رغبات ابنه حسام , سواءً طلب او لم يطلب ! فلوّ تمنى نجمة من السماء , لأحضرها له .. و اذا تعرّض عامر للإنتقاد نتيجة بذخه و اتلافه لولده بالدلال الزائد , فكان يقول بكل رضا عن تصرفاته : (و كم حسامٌ انا املك !)...
و جرت عاده عامر بالتغيّب عن المنزل , من الساعة الثامنة حتى الثالثة فجراً ..
و طبعاً كان يمضي هذا الوقت في البحث عن ضحية مسكينة مشرّدة لا حول لها و لا قوة , قليلة البأس و الحيلة ..فيقتنصها , و يكون اختفائها (كأن لم يكن!)..
فمن سيسأل عن طفلٍ ضال مُشرّد , يجول الشوارع بالبرد ليلاً , و يتسوّل الرحمة من جيوب الناس .. و ان اعطوه , فقد فاز بهناء يومه ..و ان صدّوه , كان عشائه القمامة ! ..من سيسأل ؟ ..لا احد ..الاّ امثال عامر طبعاً !!
-----
لو سألتموني : ماذا يفعل المشترين من التجّار بتلك السلعة ؟
فسأقول لك : اصمت و استمع و احتقن , ان كنت تشعر في هدوء..
اولئك الأطفال : منهم من يتم قتلهم و سرقه اعضائهم , و بلغة التجّار (قطع غيار) ..
و منهم من يتم تسفيرهم الى بلاد العجم ليعملوا هناك خدماً في بيوت الأثرياء
..(تجارة عبيد ..نعم !!)..
و البعض الآخر : يتم تشويهه بكيّ وجهه بالحديد الصهد , حتى تتبدّل ملامحه 180 درجة , فيعجز ايّ احد من معارفهم او من تعامل معهم على التعرّف عليهم ..و يسومونهم للعمل بداخل المُصر (المُصر تعني : البلد , و ليس الدولة)..
طبعاً تسأل : و هل عامر يعرف كل هذا ؟..طبعاً !! لكنه لا يهتم بمصير هذا الصغير , المهم ما سيجنيه من بيعه !..
ماذا تقولون ؟! اجل اسمعكم يا من تملكون بعض الأحاسيس..تتمّتمون و تقولون : يالِقذارة هذا العالم , و تلك اللعبة الحقيرة التي يروح ضحاياها : ملائكة صغار يرحلون في عتمة الظلام , فلا ينبثّ العالم لرِثائهم بشَفَه..
طبعاً لم يكن عامر المزاول الوحيد لتلك المهنة الحقيرة (تجارة العبيد) .. فهي اصبحت مهنة لها ناسها و قوانينها ! و عصابات عالية التخطيط و السرّية , و مؤسسات بعيدة عن انظار العالم .. هم يذكّرونني بسكان جوف الأرض , تسمع عنهم لكن لا تلمحهم ! ..على كلٍ , هي مهنة تعدّ مصدر رزق لمُعّدَميّ الضمائِر..
-----
توالت الأيام ..و شاء الجبّار المنتقم ان يردّ الصفعة الى قلبٍ غشته القساوة..
ماذا حدث ؟
لقد هرب حسام من المنزل..تاركاً رسالة كالصاعقه على قلب ابيه , قبل امه !
يقول حسام فيها :
((ابي العزيز !! امي الحبيبة !! لقد ربيتماني فأحسنتم رعايتي ..و لن انسى فضلكما عليّ ما حييت ..لكن اعذراني .. فقد رأيت السعادة و رأيت غيري لا ينالها !..رأيت بُأس الكثيرين و ضعفهم و حوجتهم لي , فقرّرت.. نعم قرّرت الولوج اليهم للتخفيف عنهم ..و عيش تجربتهم بكل قسوتها و مرارتها , لعليّ استطيع ان افهم بعض معاناتهم .. هذا ان استطعت ! ..لذا اعذراني , فالشارع يناديني و طرقاته تستنّجد بي .. لأني لم اعدّ استطيع ان اتحمّل !! فالأطفال المساكين لا يفارقونني ابداً ! و خيالاتهم تتراءى لي في المنام كل يوم , و هم يستغيثون و يصرخون و يتألمون !!..ثم فجأة تنكتمّ اصواتهم و تختفي ! لا ادري ما هذا الشعور ؟! ..لكنني اشعر بأنها رسالة لي من مكانٍ ما ! ..على كلٍ , لم اعد اطيق تجاهل صراخهم ..اعذراني لأني لم اصارحكم بالأمر من قبل ..و لا تقلقا عليّ , فأنا ذاهبٌ للخلاص..
ابنكم البارّ الصغير : حسام عامر))
-----
لم ينبثّ الأب بنصف كلمة من صدمته التي شلّت لسانه ..لكنه اضّطر لصفع زوجته لتهدأتها , حيث كانت تلطم و تصرخ بهستيريا ..الاّ ان المصيبة كانت اكبر من ان تستوعبها , فأغميّ عليها !
و في تلك الليلة .. بات عامر من صدمته يجوب الشوارع , و هو يصرخ و ينادي :
-اين انت يا حسام ؟!! يا فلذه قلبي ..هل انت حيّ ام ميت ؟ هل باعوك ام قتلوك ؟ هل انت جائع ام حزين ؟ هل تشعر بالبرد القارص ؟ ..اين انت يا مُقلة عيني ؟!..فداك قلبي ..فداك يا ولدي !! انه ذنبي انا ..عدّ اليّ !!! عدّ الى احضان ابيك ..لا ترحل يا حبيبي !! رجاءً !!!!
-----
باليوم التالي ..تتصدّر احدى صفحات الجريدة (التي يعمل فيها) : رسمة عجيبة لرجلٍ يصرخ , و هو يمسك قلماً و سكيناً .. و الأطفال الملائكة من حوله يثنون يده (التي تحمل السكين) نحو صدره , فتجرحه و يسيل دمه على الأرض .. مُختلطة بدمائهم !
و بجوارها كتبت كلمتان : (صرخة حجر) !!
تاريخ النشر : 2016-01-10
أحدث منشورات الكاتب : لا توجد مقالات اخرى