تجارب من واقع الحياة

نهاية رجل لم ينصت إلى قلبه

بقلم : هاشم. ع – كندا

لكنها لازالت رهف التي أحببت و أحب ..

هي المرّة الأولى التي أفتح فيها صندوق أسراري منذ وقت طويل لأتحدث عن قصّة قد يراها البعض بسيطة أو حتى ساذجة و لكنها حددت خطوط حياتي كلها و ألقت بظلالها على ماضي و حاضري و مستقبلي.

كنت في صبايا فتى غرّا و مهملا للدراسة و لذلك لم يطل بي الأمر على مقاعدها حتى غادرتها قبيل الصف التاسع، و إنصرفت إلى العمل مع والدي في محل الإلكترونيات الذي يملكه و لكنني رغم صغر سني فإنّ طموحي كان كبيرا جدا ليستوعبه محل والدي، كنت أحلم بالثروة و السفر و المنازل الفاخرة. لذلك لم يطل بي المقام قبل أن أقرر السفر إلى كندا و بالتحديد إلى مدينة كويباك، أين كان لي خال سافر منذ عشرين سنة و إستقر هناك، إتصلت به والدتي فرحب بقدومي و آوني عنده إلى حين.

و لكن و أمام صعوبة الحياة هناك و ضيق زوجة خالي الكندية من وجودي ومعهم، أشار علي خالي بفكرة إعتمدها هو بنفسه عند قدومه إلى البلد و هي الزواج من كندية حتى أتمكن من الحصول على الإقامة و عندها ستفتح أمامي أبواب الجنة كما قال. و وافقته و كان أن تزوجت إمرأة عجوزا في 59 من عمرها بينما كنت في 18 لا غير، و لكن لم يكن أمامي حل آخر فقد كنت مهددا بالترحيل و العودة إلى البلد حيث ينتظرني أبي باللوم و الثبور.

و كان القانون الكندي يقضي بأن يقضي طالب الإقامة فترة ضمن مؤسسة الزواج لا تقل عن 3 سنين و لأن زواجي كان مشكوكا فيه نظرا لفارق السن بيني و بين من تزوجتها، فقد إمتدت هذه الفترة إلى 5 سنوات و 3 شهور كاملة.

و قد ساعدتني زوجتي في تدبر عمل جيد و بدأت أولى خطواتي على سلم النجاح. و عدت لأول مرة إلى بلدي بعد ست سنوات كاملة في سن 24 سنة، محملا بكل ما إستطعت حمله معي لقد كانت لدي رغبة في أن يعلم كل من سخر من طموحي بأنني قادر على تحقيقه. و يومها سمعت و لأول مرة في حياتي كلها كلمة “أحسنت” من والدي، مما جعل عيناي تدمعان، فقد خرجت أخيرا من صورة الولد العاق، الفاشل و المتهور التي رسمها لي أبي فيما مضى.

الجميع في حارتي علموا بعودتي و خبر زواجي بأجنبية و أذكر ليلتها كيف إجتمع كل الرفاق القدامى على سطح منزلي و أنا أتوسطهم و أروي بطولاتي و نجاحاتي في المهجر و كم إستمتعت لرؤية أفواههم الفاغرة و أنا أتحدث عن مغامراتي المزعومة و تعرفي على زوجتي “ملكة جمال الجبن” هههههه و بالطبع فلقد إحتفظت بسنها لنفسي حتى أأمن سخرية الرفاق.

و لم يكن سن زوجتي السر الوحيد الذي أخفيته، فهناك سر قديم رافقني منذ نعومة أظافري و فضلت كتمانه إلى أن يحين موعد كشفه. كان حبّا طفوليا لإحدى بنات الجيران، كنت أعرفها منذ أن خطوت خطواتي الأولى في الحارة، و كم لعبنا سويا و كنت و رغم صغر سني أردد دائما و أنا أطارد كل من يقترب منها من الأولاد بعصاي :” من سيقترب من رهف سأضربه” و أعود متبخترا إليها و هي تطالعني بعنين سوداوين غاضبتين، منذ صغرها كانت متمردة و لا ترضى أن تمارس ألعاب البنات بل كانت تفضل مصارعة الأولاد و كم كانت السبب في جروح و خدوش في مختلف جسدي و مع ذلك كنت أقول دائما بأنني “أحب رهف و عندما أكبر سنتزوج”.

و كم كان سهلا الكلام، فكلما كبرت رهف كلما إزداد شغفها بالدراسة و التحصيل العلمي و كلما أصبح الفارق بيننا كبيرا. أذكر أنني سألت عن عائلتها أحد الأقارب أثناء لقائنا على السطح فعلمت بأنها تقضي فترة الإمتياز في تخصص الطب الباطني .. طبيبة مختصة! و أنا لم أجتز الفصل التاسع حتى…

عدت إلى كندا دون رؤيتها، فقد كانت تقضي فترة إمتيازها في مدينة أخرى؛و لكنني بحثت عنها في الفيس بوك و أعدت وصل ما إنقطع بيننا و كنت أقضي ساعات في الحديث معها و صارحتها بحبي و بأنني سأتقدم لها ما أن أنهي بعض المشاكل العالقة هنا. و كانت زيارتي الثانية للبلد بعد ثلاث سنوات تقريبا و بعد وفاة زوجتي التي تركت لي بعضا من الميراث في وصيتها و إن كان قليلا و لكنه كان جيدا.

فحرصت هذه المرة على إقتناء سيارة فارهة و بعض الهدايا القيمة.

و ما إن مضى أول يوم على عودتي حتى إتخذت من سطح المنزل ملاذا علي أظفر برؤية رهف و لو صدفة، و بالفعل رأيتها تعبر الطريق مرارا من و إلى بيتها. لقد تغيرت قليلا و هزل جسمها و شحب وجهها و لكنها لازالت رهف التي أحببت و أحب.

و قررت أخيرا مفاتحة أهلي برغبتي في الزواج ، و كأن الجميع كان ينتظر أن أتفوه بكلمة زواج حتى تنهال علي الإقتراحات و العروض إبنة أبو صالح، و إبنة عيسى الحلواني…

و لكن ما إن نطقت إسم رهف حتى تجهم وجه أمي و قالت :” أتصوم و تفطر على بصلة؟”

– ” و ما الذي يعيب رهف ؟”

– “أشياء كثيره و أولها شكلها الذي لا يحمل أي علامة من علامات الجمال..أريد كنة ترفع الرأس بجمالها و تكيد فلانة و علانة، لا كنة معصعصة سمراء و شاحبة “

و هنا تدخل والدي ليبرر موقف أمي و يقف في صفها و هو الحاج مرتين:” الفتاة ليست من “توبك” بعيدا عن شكلها و ما تقوله أمك، الفتاة طبيبة و تحضر رسالة الماجستير و أنت لم تصل التوجيهي حتى.. أهم مقومات الزواج التكافئ و خاصة الفكري”

و إختتم الحوار بقول أمي الحانق: “الله يسعدها و يبعدها”

و جندت أمي كل أشقائي و شقيقاتي لثني عن بالإرتباط برهف، و حجتهم جميعا أنها لا تليق بي شكلا و لا أليق بها مضمونا، فكل أشقائي الذكور يذكرونني بأسباب الزواج الأربع و يؤكدون على الحكمة من ترتيبها “الجمال أولا، فالمرأة لا تنكح إلا لجمالها، يا أخي”، “إسمع مني أنا مجرب و أعرف، تزوج الجميلة و لو كانت هبيلة”، ” ما الذي تريد فعله، هل تقلد الأجانب؟ افق أنت في ….. و هنا لا ننظر للعقل و لا للاخلاق و لا للشخصية، الجمال ثم الجمال ثم الجمال”

أما شقيقاتي فأضحين كلهن خبيرات في الطب النفسي تحدثنني عن الفروقات بيني و بين رهف و نتائجها الوخيمة على زواج سيفشل بالضرورة.

و كما يقول أشقاءنا المصريون “كثر الزن على الودان أمر من السحر” إضافة إلى أن رهف في آخر محادثة لها كانت مترددة قليلا، لم تنتهي إجازتي إلا و قد أذعنت و خطبت إبنة عمي الصغرى.

و كانت رهف حادة كالسيف فقد حظرتني في كل مواقع التواصل، دون أن تسمح لي بتبرير ما حصل.

و قبل سنة على الخطبة وجدت نفسي أحتفل بزواجي على إبنة عمي مجبرا، خوفا من غضب أهلي و تهديداتهم بمقاطعتي، و لكن رهف ظلت تحتل قلبي و عقلي، حتى فشلت في إختبار الليلة الأولى؛ أو لعلني تهربت منه لا أعلم حقيقةً ما حدث.

و ما إن علمت والدتي حتى أقامت الدنيا و أقعدتها و حلفت أغلظ الأيمان أن رهف و أمها وراء ما حدث، كم أشفقت يومها على رهف المسكينة التي رماها قدرها في طريق جبان مثلي، و كم كرهت نفسي لأنني عجزت على الوقوف في وجه الجميع من أجل من أحب. و لكن مجتمعنا بارع جدا في تدمير سعادة أفراده، و لأننا في بلدنا لا نتزوج من نحب و لا نحب من نتزوج، فأنا أذكر إلى الآن إستنكار من سمعوا بحبي لرهف و رغبتي في الزواج بها، لقد تغاظوا عن كل قبيح في فصرت كاملا مكملا، و أنكروا كل جميل فيها فأضحت مسخا. نظراتهم كانت تعج بالتشكيك و الظنون، فما الذي يدفع رجلا وسيما إلى حد ما إلى الزواج من إمرأة لا تملك أدنى درجات الجمال؟ هل هو السحر؟ هل هو عيب لا يعلمونه مني؟ و لكن لم يذكر أحدهم الحب و بأنني قد رأيت بعينه في رهف ما لم يستطعوا هم إدراكه و لكنني كنت وحيدا و كانوا كثر.

لازلت أذكر كيف نظرت إلى يوم إلتقيتها في الشارع آخر مرة، نظرتها جعلتني أتمنى أن تنشق الأرض و تبتلعني.

نفس العينين السوداوين الغضبتين و لكن نظرتهما حملت إحساسا جديدا مختلفا.. الاحتقار

عدت في زيارة بعد سنتين، و علمت بأن رهف قد تزوجت زميلا لها في مشفى عمان و أنها سافرت معه الخليج، يومها فرحت لها و شمت في نفسي، فقد عوضها القدر بمن هو أفضل مني بمراحل، فقد كان مجرد تخيلي لها زوجة لرجل آخر يكاد يذهب عقلي ظللت ليالي طويلة أعجز عن النوم و أتسلل خارج غرفة نومي حتى أبكي دون أن يفتضح أمري، عندها فقط علمت أن رهف لم تكن مجرد إمرأة بالنسبة لي بل كانت كل النساء كلهن و الآن و قد فقدتها فقد فقدت كل شيئ ;; و لو أنها ترى حالي الآن لربما كانت يوم إلتقتني في الطريق أشفقت علي بدل أن تكرهني. فهي قد نسيت و لكنني لم أنسى حتى أدق تفاصيلها.

في الحقيقة قصتي طويلة و ربما سخيفة و لكنني أردت من خلالها أن أبعث برسالة لكل شاب أو فتاة وجد نفسه في مثل موقفي، قاوم من أجل من تحب، فشعور الحرمان مر مهما حاولت تجاهله، و شعور الندم على خذلان حبك و نفسك قاس مهما تجاهلته. تمسكوا بمن تحبون مهما كان رأي العالم فيهم يكفي بأنكم ترونهم الأروع.

تاريخ النشر : 2016-01-13

guest
92 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى