أدب الرعب والعام

على جثتي !! الجزء الأول

بقلم : سيبا – سوريا

و هجم عليها رجلٌ مُلثّم !!

عمّ الظلام الدامس المستودع المهجور في أطراف مدينة لندن.. تسلّلت المرأه بخوف محاولةً تفادي الظلّ المجهول الذي يتصيدها. و فجأه !! باغتتها يدٌ قوية كتمت صوتها , قبل أن تتمكن من الصراخ .

*** عودة بالأحداث إلى اليوم الثالث و العشرين من ديسمبر سنه 2009***

استعد “توماس” لمغادرة مكتبه في قسم الشرطة ، عندما اتصل به رئيسه المباشر يطلبه لأمرٍ عاجل…

فتوجه المحقق الشاب لمكتب الرئيس لمعرفة ما حدث.. كان الرئيس “جونسون” يذرع المكتب جيئة و ذهابا في قلق , و ما إن لمح “توماس” حتى قال ، و هو يسلّمه ملفاً :
– الجزّار يضرب من جديد !!

تناول المحقق الملف و تفحّصه في صمت
فواصل الرئيس قائلاً : إنه يغيّر اسلوبه ! و هذا غير مطمّئِن .. هذه جريمته الثانية في شهرٍ واحد ، كما أن الضحية مُختلفة هذه المرّة عن من إستهدفهنّ في الماضي !
تأمّل “توماس” صورة الضحيّة , و تفحّص بيانتها المُرفقة .. و تمّتم بغيظ :
-هل أصبح يستهدف المراهقات الآن ؟!

فقال الرئيس مُمتعضاً بعد ان بلع ريقه :
-لقد وكُلّنا بهذه الجرائم منذ ما يزيد عن السنة , بعد فشل الأقسام الأخرى في الإمساك بالمجرم .. لكننا لم نتوصل لشيءٍ بعد !! بل هو الآن يكثّف من نشاطه ! جريمتيّ قتل و تنكيل بالجثة في شهرٍ واحد !! ان تمكّنت الصحافة من إكتشاف الأمر , سوف يؤلّب علينا هذا الخبر الرأيّ العام ..و أنت تعلم بأن الأمر لن يطول قبل أن نقرأ تفاصيل ما حدث في الصحف .. يا إلهي !! لا أريد ان أتخيل ما قد يحصل لنا , إن لم نتمكن من القبض عليه قبل رأس السنة

قال “توماس” و هو يفرك قبضة يده : إنه يتحدّانا الآن !! انه يريدنا أن نتأكد بأنه وحده القادر على تغيير قوانين اللعبة , متى أراد ذلك … و إستهدافه لضحيّة مختلفة هذه المرة ، هي مجرّد رسالة يُعلمنا من خلالها : بأنه ملّ الإنتظار في ظلّ عجزنا على العثور على خيطٍ يدلّنا إليه .

فقال الرئيس بتمنّي : توماس .. دعنا نقوم بذلك بسرعة .. و لنحاول القبض عليه قبل نهايه العام 

***

دخل “توماس” البيت فوجد زوجته تزيّن شجرة العيد .. و التي التفتت إليه , و قالت مبتسمة :
-لقد جئت في الوقت المناسب !! هآقد أنهيت تزيين الشجرة …. فلنضيئها !!

و ضغطت “جين” زرّاً , فأنارت الشجرة ..
اقترب “توماس” و إحتضن زوجته من الخلف , و وضع يده بحنو على بطنها البارز ، مُتمّتماً :
-لقد إشتقت لكما كثيراً

فربتت “جين” على رأسه , قائلة :
-تبدو متعباً جداً .. هل كل شيءٍ على ما يرام ؟

تنهّد و هو يجلس لتناول العشاء ، و قال : لقد وجدنا جثة ضحية جديدة للجزّار , اليوم مساءً .
ـآه ! لقد سمعت عن ذلك الأمر أيضاً من الرئيس “جونسون ” , قبل أن أغادر العمل بقليل
-متى ؟
-عندما جاء للبحث عنك ، و كنت انت بالمهمّة الميدانية ..(ثم تنهّدت بقلق) .. يا إلهي ! إنه لأمرٌ مخيفٌ حقاً .. أيّ عالمٍ هذا ؟ .. امممّ … كم بلغ عدد الضحايا الى الآن ؟

ـأتعنين منذ بداية نشاطه ؟ …أظن بأن العدد 23 امرأه .
ـ يا إلهي ! هذا عددٌ كبير .. ياله من مجرمٍ خطير .. لا اظنه سيكون من السهل القبض عليه ، بعد مرور كل هذه السنوات… عزيزي .. لم لا تتخلّى عن هذه القضية ، انها تستهلك كل وقتك و جهدك .. انظر الى نفسك !! انت شاحبٌ و متعبٌ دائماً !

توقف “توماس” عن الأكل و قال مستنكراً : ماذا ! هل تريدين مني أن أستسلم و أهرب ؟ …الآن !! و بعد كل هذا الجهد الذي بذلته ! ..مطلقاً !! لن أتوقف عن ملاحقه ذلك الوغد , و إن بقيت أطارده طول حياتي !!

ـ عزيزي .. هذا السفّاح يجذبك معه إلى الحضيض .. لقد رميت كل واجباتك عليّ .. و تفرّغت لمطاردته من مكانٍ لآخر , لكن دون جدوى ! .. أنت تقضي معظم وقتك في المكتب , أو في مواقع جرائمه ، إلى أن يداهمك النعاس ، فتنام في السيارة كالمشرّدين , حتى انك لم تعد تستمتع بحياتك ! .. و انا تحمّلت كل ما يحصل , لأنني أعلم حقيقة ما تشعر به حياله .. لكن لا تنسى بأننا سنصبح والدين .. و من واجبنا حماية طفلنا , القادم قريباً .. و الأمر بات يخوفني , بعد ان قرأت رسائل التهديد التي أرسلها لك الجزّار .. و لهذا اعود و ارجوك من جديد , أن تتخلّى عن هذه القضية !!

نظر “توماس” إلى زوجته , فطاله الخوف في عينيها , لكنه تفادى التحديق في وجه “جين ” قائلاً :
-انها مجرّد كلمات , ليبث فيّ الرعب , و يحملني على الإستسلام و ترك القضيه .. لكنني لن أفعل !! و ما دام إشرافي على التحرّي في قضايا جرائمه يخيفه إلى هذا الحدّ , فذلك يعني بأنني أسير في الطريق الصحيح للقبض على هذا الجزّار اللعين !!

فنهضت زوجته غاضبة , و تركته وحيداً يفكّر :

* إنه يحاول التلاعب بي و جعلي أنهار , لكنني لن أضعف !! و لن أركن للراحة , قبل أن ألفّ حبل المشنقة حول عنقه *

***

غادر” توماس ” باكراً قاصداً عمله , بالرغم من أنه يوم عطلة رسمية .. فيما بقيت زوجته في المنزل ..

و ما لبثت ” جين” أن سمعت طرقاً خفيفاً على الباب ، فتوجهت لفتحه متمّتمة :
-هل نسي شيئاً ؟!

لكن شخصاً غريباً مُلثّماً , انقض عليها و كتم أنفاسها بيده !!!

أدخل الرجل المجهول ” جين” عنّوةً إلى غرفة النوم .. و أحكم وثاق يديها و رجليها , بعد أن وضع شريطاً لاصقاً على فمها…

نظرت المرأه إلى الرجل الملثّم في رعب ! و هي تحاول فكّ وثاقها .. لكنه إقترب منها و تحسّس بأصابعه ملامح وجهها المرتعبة , و قال مُتهكّماً :
-لم أعلم بأن ل”توماس” زوجة جميلة مثلك ! انه لمن المؤسف أن يقضي معظم وقته في الخارج

و مرّر الرجل يده على جسمها , إلى أن توقف عند بطنها .. فانتفضت “جين” و حاولت الصراخ , لكن دون جدوى.. فابتسم الملثّم لمحاولتها , قائلاً بمكر :

-زوجة جميلة ، و بيتٌ هادئ , و طفلٌ قادم …… لما لا يكفّ “توماس” عن ملاحقة المتاعب ، بالرغم انني حاولت ان أنصحه , لكنه مصرّ على ان يتحدّاني ….. ربما يجب أن تكون النصيحة أكثر وضوحاً هذه المرّة

ثم أخرج من جيبه مشرطاً ..و ما إن لمحته “جين” , حتى بدأت تصارع و تصرخ محاولةً الإفلات…

فعَلَت قهقهة الرجل , و هي تتخبّط أمامه في يأس .. و على الفور !! غرز مشرطه في بطنها , غير عابئٍ بصرخات ألمها المكتومة ..و شقّ ببرودٍ جسمها ، و هي تتلّوى بين يديه .

شعرت “جين” بألمٍ فظيع يمزّق أحشائها , و سرعان ما داهمها الإغماء .. فأغمضت عينيها ، بينما تدحرجت دموعها مُستسلمة لقدرها .

***

ما إن وصل “توماس” إلى مكتبه , حتى سلّمه مساعده رسالة وصلته صباحاً بالبريد .. تفحّص المحقّق الرسالة , و هو يدخل مكتبه .. كانت رسالة مجهولة ، لا تحمل إسم مُرسلها !

و فتح “توماس” الظرف بسرعة ، و أخرج الرسالة ..و قرأها بصوتٍ مسموع :

-هآ نحن ثانيةً !! اتعرف ما تاريخ اليوم ؟ …. إنه الرابع و العشرون من ديسمبر .. لطالما كان الرقم 24 هو رقمي المفضّل .. كما أنها ليلة الميلاد .. قد تكون ليلة مميزة لدى ملايين البشر ..لكنها ستكون إستثنائية لكلينا .. فالليلة سيُصلب الصغير قبل أن يولد ، و سيكون النصر الرابع و العشرين .

تمّتم “توماس” في حيره : سيصلب الصغير قبل أن يولد ! …. و سيكون النصر الرابع و العشرين ! … الرابع و العشرون من ديسمبر…. الضحيّة الرابعة و العش…، يا إلهي ! هذا مستحيل !!

و خرج مسرعاً…

***

اندفع “توماس” يبحث عن زوجته في كل أرجاء البيت و هو ينادي بلهفة , لكن ما من مجيب !

فأسرع الى غرفة النوم .. و سقط منهاراً من هول ما رأى !

كانت”جين” مُقيدة بالسرير ، مُكمّمة الفم .. و قد بُقِرَ بطنها ، و لوّثت دماؤها فِراشها !

لم يستطع “توماس” الوقوف , فزحف بيأسٍ نحوها , و هو يصرخ بألم :
-جييييييييين !! جييييييين !!

و أخذ يهزّها لتستيقظ…

***

بعد أسبوع من الحادثة ، وقف “توماس ” يرافقه الرئيس ” جونسون ” خارج غرفة ” جين” في المستشفى …

قال الرئيس و هو يربت على كتف موظفه :
-تحلّى بالقوة , ارجوك .. ستستفيق زوجتك قريباً .. و سوف نقبض على المجرم .. أعدك بذلك !! فكل أقسام شرطة لندن و المدن الأخرى لم تتدخر جهداً في البحث عنه ، منذ ان علمت بما حصل ل” جين” .. لقد حفر اللعين قبره بيديه !!

غطّى “توماس” وجهه بيديه قائلاً :
-لقد أخذ طفلي معه ، و حرمني من أن أودّعه في جنازه تليق به ! … ما الذي سأقوله ل” جين” ؟!

و فجأه !! دوت صرخة مزّقت هدوء المشفى ..

ففي الغرفة ، و بعد ان فتحت “جين” عينيها ببطء .. وضعت يدها تتحسّس بطنها لتطمئن على صغيرها .. و اذّ بها تصرخ بعد ان تذكرت ما حصل .. و قد لمعَ أمام عينيها المشرط , و دوّى في أذنيها , صدى ضحكات الرجل الملثّم من جديد…

اندفع “توماس ” و لحق به الرئيس إلى الغرفة ، فاعترضتهما “جين” عند الباب .. و ما إن لمحت زوجها , حتى ارتمت عليه , و أمسكت قميصه صارخة :
-أين طفلي ؟!! ما الذي حدث له ؟!!

فطأطأ “توماس ” رأسه باكياً .. و أصيبت “جين” بحالةٍ هستيرية !! و أخذت تضرب زوجها على صدره ، فيما أمسك هو بيديها محاولاً منعها من إيذاء نفسها ، لكنها لم تهدأ رغم الألم ! فحملها زوجها عنّوه و وضعها على السرير ..و إحتضنها محاولاً منعها من التحرّك ، حتى لا تفكّ قطب جراحها

فيما ضغط الرئيس “جونسون” على زرّ الطوارئ .. فقدمت الممرضة و حقنت “جين” بالمخدر , لتهدأ..

***

بعد مغادرة المشفى ..رفضت “جين” العودة للمنزل .. و قصدت منزل والديها ..

و رغم ما مرّت به , الا انها أصرّت على العودة للعمل في قسم الشرطة , لتباشر بنفسها قضيّة الجزّار ..

لكن ما لبث ان اقفل ملف الجريمة ! شأنه في ذلك , شأن بقيّة جرائم الجزّار الغامضة .. رغم مجهودات البحث و التحقيق التي دامت 7 أشهر , دون العثور على الفاعل .. أو حتى دليل بسيط , يعطي المحققين أملاً ولوّ ضئيلاً للنيل من جزّار لندن

و ما ان علمت “جين” بخبر إقفال القضية ، حتى توجّهت لمكتب الرئيس “جونسون” .. فوجدت “توماس” قد سبقها الى هناك .. لكنها تجاهلته , سائلةً مديرها بغضب :

-لقد أخطروني : بأنني يجب أن أعود للمكتب , لأن ملف القضية قد أقفل .. فهل هذا صحيح ؟!

تردّد الرئيس قليلاً , ثم قال : نعم .. صحيح .. و هو ما كنت اقوله للتوّ ل”توماس” .. لقد أمرتنا السلطات بالتخلّي عن العمل على قضيتكما .. و تسجيلها ضدّ مجهول , كما هو الحال مع باقي
جرائم الجزار ..

يتبع …

تاريخ النشر : 2016-01-30

سيبا

سوريا
guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى