تجارب من واقع الحياة

صديقي اليتيم بائع متجول

بقلم : محمد مكي – السعودية
للتواصل : [email protected]

اضطر للعمل يوميا بعد المدرسة لكي يساعد أهله ..

كان لي صديق وزميل في مدرستي الابتدائية ، درسنا معناً منذ الصف الأول حتى بداية الصف السادس الابتدائي ، كان صديقي كثير الغياب عن المدرسة نظراً لظروف أسرته المادية فقد عانوا من ضيق الحال بعد وفاة والدهم (رحمة الله عليه ) تاركاً للأم ولدان وثلاثة بنات ، وكان صديقي هو الولد الثاني في الترتيب و الذي أجبر على الدراسة صباحاً و العمل يومياً بعد صلاة العصر كبائع ملابس متجول ..

كان بائعنا المتجول ولد ذكي جداً ومرح و يحب الضحك ومداعبة الزبائن بحكم عملة وخاصة أمهات الحي ، وقد كنت أراقبه كثيراً بدهشة وإعجاب لمدى قدرته على التفاوض وإقناع امي بالسعر وهو يضحك ويمازحها قائلاً : ( اجبري بخاطري يا خالة ولا تغلبيني ) ..

كانت أمي واغلب نساء الحي يثقن به ويدفعن له المال لجلب بعض الأقمشة و الألبسة من السوق المركزي لقاء عمولة البيع و التوصيل واحياناً يبقي له بعض المال فيعود لاستلامه نهاية الشهر ( بيع بالآجل ) كان بالفعل تاجراً كبيراً في صورة طفل صغير ..

في يوم من أيام الدراسة غاب صديقي عن الحضور ، فسأل المعلم : أين هو ؟ قلنا له لا نعلم ، فقال غاضباً : هذه ليست المرة الأولى فقد كثر غيابة ألا يعلم أنها سنة تخرج من المرحلة الابتدائية ، سأجعله يرسب ويعيد العام كي يلتزم بالحضور إلى المدرسة ..

في اليوم التالي استمر غيابة عن الحضور!! فقررت بعد الانصراف أن اذهب إلى بيته في طرف الحي وأطمئن عليه وأعطية واجبات الدروس التي فاتته ، وعندما اقتربت من بيته رأيت أمراً غريباً حول منزله وكأنهم يقيمون وليمة أو مأدبة غداء كبيرة وأناس كثر متجمعين حول منزله !! فناديت على أخاه الاكبر وسألته عنه وقلت له : أين أخوك لماذا لم يحضر إلى المدرسة ؟ لقد هدد معلمنا ويقول إذا لم يلتزم بالحضور سيجعله يعيد العام الدراسي !! ، فرد علي قائلاً : قل له انه لن يحضر إلى المدرسة نهائياً !!!

قلت له : لماذا ؟؟ فنظر إلي بعينان تدمعان وقال : لأنه مات .. مات اخي !!!

فقلت له وانا لم استوعب الخبر جيداً : من هو الذي مات وأي أخ تتحدث عنه ؟؟

قال بحدة صوت يملئه الحزن : اخي وصديقك مات .. مات الا تفهم !! قلت لك ان اخي مات … قتلوه الوحوش !! وبداء يبكي بصوت عالي ..

بدأت اشعر بالخوف و الحزن وتنبهت أن الأمر ليس مزحة ، فقلت له والعبرة تخنق انفاسي : كيف مات ومن الذي قتله ؟

قال لي : لا اعلم اذهب الى بيتك الآن فأنا مشغول جداً مع المعزيين ..

ذهبت الى بيتي امشي ولا ارى طريقي من شدة الصدمة والبكاء وكلما صادفت احداً يعرفني يسألني ما بك يا محمد من الذي ضربك ؟؟ حتى رآني صديق لوالدي فقادني الى البيت وانا ارتجف من شدة الخوف و البكاء ..

فأنطلق نحوي والدي وحملني وضمني الى صدره وقال لي : ما بك يا ولد لماذا تبكي ؟ فقلت له ما حدث لصديقي ، فقال لي انه على علم بالأمر ولم يخبرني خوفاً علي من الصدمة ..

بعد عدة ايام قضيتها في حزن وبكاء وخوف من الخروج من البيت بدأت امل من حبس نفسي في البيت ، فتقبلت الامر خاصة وان امي كانت دائماً ما تواسيني وتخفف عني ، فذهبت الى والدي وسألته عن الموضوع وما هي خلفيته عن القضية بصفته يعمل في مركز الشرطة ، فقال لي ان القضية ما زالت قيد التحقيق ولم يتم التوصل الى الجناة !! فقلت له : لا أريد ان اعرف الجناة ، اريد ان اعرف ماذا حدث لصديقي ؟؟ قال لي : لا يهم ولا تسأل ابداً !!

بعد مدة علمت انه تم القبض على الجناة وشيع خبرهم بين الناس ، فطفت أرجاء الحي وانا اجمع المعلومات ومن لديه معلومات عن قصه موت صاحبي وكيف قتل ؟ وتجنبت سؤال اخيه حتى لا اذكره بالأمر رغم انه لا ينسى ، فأختلفت الروايات ولكني قمت بربط بعضها ببعض حتى توصلت الى التالي :

في ليله الحادثة عاد صاحبي ( رحمه الله وجعله طير من طيور الجنة ) بصرة الملابس التي كان يحملها فوق رأسه الصغير متجهاً الى بيته بعد ان انهكه المشي و الدوران في الحارة من بيت الى آخر لكسب لقمة عيشة بشرف و براءة ، واثناء عودته صادفه ثلاثة من شباب الحي العاطلين ممن يكبرونه سناً وكان من عادته ان يمازحهم خاصة انه يعرفهم فهم جيرانه في الحي ، فمد احدهم يده له بزجاجة مرطبات باردة وقال له يبدوا عليك الارهاق و التعب خذ واشرب ، اخذ صاحبي الزجاجة وشرع يشرب منها دون تردد فثقته كبيرة بابناء جيرانه ومن يعرفهم جيداً ومع شدة العطش والتعب لم تسعفه لينتبه لما يشرب !! وبعد دقائق بدأ يشعر بدوار فغاب عن الوعي فقد دس له المخدر في زجاجة المرطبات !!

قام الثلاثة بحمله داخل سيارة والقوا بصرة الملابس في صندوقها وذهبوا به إلى منطقة قريبة من البحر وانتظروا حتى خلا المكان من الزوار فعادة وفي وسط الأسبوع لا تجد كثيراً من الناس حول الشاطئ ، فأدخلوه في احد فتحات تصريف مياه الأمطار الكبيرة التي تقع على الشاطئ وبين سكر وغياب عقل قاموا باغتصابه واحداً تلوا الآخر حتى بداء يفيق ويصرخ من شدة الألم فبدئوا يضربوه بوحشية ويكتموا صوته حتى لا يسمعه احد ، وأنا اعلم أن صديقي كان مقاتلاً وكان رجلاً في جسد طفل ولم يكن ليرضى ابداً أن ينتهك واشعر انه قاومهم حتى استفزهم بمقاومته ، فقاموا أحدهم بفقء عينيه وقام الثاني بقطع لسانه الذي لم ينطق إلا بكلمات المرح و المزاح الجميل وقام الثالث بخنقه وكتم صوته حتى لا يسمعه أحد ، فبدأ المسكين يركل بقدميه ويديه الصغيرتان ويقاوم ويصارع الموت حتى خارت قواه فاستسلم وفاضت روحه البريئة الى بارئها وذهبت لمن وسعت رحمته كل شيء وترك دنيانا التي نسي اهلها الرحمة والشفقة على طفل يتيم كل ذنبه أنه كان بائعاً متجولا مرحاً .

علمت بعدها بعض التفاصيل من والدي لتكتمل قصتي فبعد القبض على الجناة وإيداعهم السجن و التحقيق معهم اعترفوا بالجريمة و تفاصيلها ، وتمت محاكمتهم بتهمة استدراج قاصر والقتل مع الترصد و تم الحكم عليهم بالقصاص قتلاً والحمد لله على عدالته ، ولن تتخيل عزيزي القارئ ان من كان يحملها على رأسه هي من دلت على قتلته ( صره الملابس ) كانت أوفى معه من بني البشر !!

تاريخ النشر : 2016-02-07

guest
52 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى