أدب الرعب والعام

هل استحق هذا ؟!

بقلم : مصطفي جمال – مصر

[email protected]

هل استحق هذا ؟!
كانت امور الزوجين متقلّبة

كنت وليداً صغيراً , دون امٍ حنونة تحضنني , و لا ابٍ يعتني بي .. اُخذت الى مكانٍ غريب ! حيث يعامل فيه الجميع بقسوة .. و انا لم اكن بأحسن حالٍ منهم .. حيث كانوا يرمون لي و من دون رحمة , اسوء الطعام .. و لا يهمهم شعوري او شكوايّ ..

و من يومٍ لآخر .. كان يأتي من يأخذ احد اخوتي في هذا الملجأ القذر ..و كنت اتمنى أن يأتي من يتبناني .. لكن طال انتظاري .. و لم يكن يسلّي وحدتي غير تلك المخلوقات , التي اراها في بعض الأوقات ..

كنت اُعامل بقسوة من صاحب الملجأ ! و حينما كنت اطلب بعض الماء في المساء من احد العاملين هناك , كنت اواجه بالصراخ و الضرب .. كما كان ممنوعاً عليّ الخروج من الملجأ .. كنت حبيساً فيه .. و كلما حاولت الهروب منه , اعادوني اليه بالقوة ..

كان الطعام لا يسدّ الرمق , و كان ممنوعاً عليّ ان اطلب المزيد ..كم تمنيت ان ينتهي هذا العذاب , لكن امنياتي كانت بلا جدوى .. و صرت هناك اذبل مع مرور الأيام و الأسابيع ..حتى لم اعد احسب الوقت الذي امضيته في ذلك الجحيم .. الى ان اتى اليوم الذي ظننت فيه , بأن عذابي انتهى اخيراً .. حينما قدِمَ الى الملجأ , زوجين يبدو عليهما الطيبة , و تكلّما مع المدير .. ثم اخذوني معهم ..

كان اول شهر في بيتي الجديد , من افضل ايام حياتي .. كانت تلك السيدة تجعلني انام بجانبها على السرير الدافئ , و هي تلعب معي .. كما كانت تطعمني جيداً .. و كان زوجها يعاملني بلطف .. كانت الحياة جميلة ..

لكن من وقت لآخر , كنت اسمع صراخهما ..فأذهب لأرى ما يحصل , لأجد انهما يتشاجران , ثم ينتهي الشجار دائماً اما بصفعة , او بعد ان يضربها زوجها بقسوة ..

و في احد الأيام .. لم اعد اتحمّل ان اراها هكذا , فأسرعت للدفاع عنها .. لكنه ركلني بشدة , فأحسست بألمٍ شديد .. لكن امي لم تنتبه عليّ الا في اليوم التالي , بعد ان رأتني اعرج .. فأخذتني عند الطبيب , الذي اخبرنا بأني صرت اعرجاً طوال عمري .. و زادت حياتي سوءاً من يومها ..

اما عن الزوجين فكانت امورهم متقلّبة .. فتارةً يعاملاني بلطف , و تارةً بقسوة .. فلم يبقى امامي الا ان اشكي همّي لتلك المخلوقات , التي عادت لتزورني .. كنت اريد اخبار والدايّ الجددّ عنها ..لكن بعد ان انتبهت انهما لا يريا المخلوقات التي كانت حولهم , عرفت انني الوحيد الذي اراهم !

مضت الأيام , و تغير حالي من سيء الى اسوء .. كلما ظننت بأن الأمور تتحسن , تعود و تسوء من جديد , و كأنه محرّمٌ عليّ ان احيا حياةً جميلة و هادئة .. فهذه المشاجرات اثرّت كثيراً على نفسيّة والدايّ اللذين بدءا يعاملانني بقسوة و جفاء .. حتى انهم لم يعودا يحضران الطعام الذي احبه ..بل اكتفيا بإعطائي بقايا طعامهم , و كان عبارة عن بعض العظام الملتصق بها القليل من اللحم !..

و لم اعد انام على ذاك السرير الدافيء .. بل على بطانية وسخة و مهترئة موضوعة فوق الأرضية الباردة .. حتى امي صارت مثل موظفي الملجأ , لأني عندما استيقظ مساءً لأطلب منها الماء , كانت تبعدني بيدها دون ان تنظر اليّ حتى !.. لم يكن لديّ ايّ طريقة للترفيه , و كنت اشعر بالمللّ الشديد هناك .. كرهت حياتي من جديد .. لا طعام جيد ..لا سرير دافئ .. و لا والدين حنونين ..

اصبح الوضع اسوء بعد ان سافر والدايّ , و تركاني في المنزل مع القليل من الطعام .. كنت خائفاً كثيراً , و صرت انادي بصوتٍ عالي , علّ احد يسمعني , فأنا لم استطع فتح الباب .. لكن لا من مجيب !

رجع والديّ بعد اسبوع , و كنت على مشارف الموت .. اطعماني بعض الطعام , دون ادنى اهتمام بما فعلاه بي !

بعدها بأيام , احسست ببعض التعب ..اصبحت اتقيأ كل ما اكله .. و كان هذا يغضبهما جداً .. بل بدل ان يعالجاني , صارا يشتماني و يضرباني !.. لكن الأسوء كان عندما اسقطت الطبق دون قصدٍ مني , فانكسر و تناثر في ارجاء المطبخ .. هنا غضبت امي كثيراً , و نادت على ابي .. الذي اخذني معه الى الخارج .. و كم تفاجأت بعد ان انزلني من السيارة , و تركني فوق الرصيف في مكانٍ لا اعرفه !.. ثم قاد سيارته بعيداً .. كنت اصرخ بعلو صوتي كيّ يعود , كنت اعتذر عن الطبق و عن كل شيء !! .. لكنه لم يعد ابداً !..

بدأ المطر ينهمر بقوة في تلك الليلة التعيسة .. مشيت في الشوارع , مبلولاً و مكسور القلب .. حلّ الليل و اصبحت جائعاً .. لا اذكر انني جعت لهذه الدرجة في حياتي , فحتى بالملجأ لم تكن حالتي سيئة كالآن ..سألت المارّة ان يطعموني , لكنهم لم يهتموا بي .. فاضّطررت و لأول مرّة ان اتناول بقايا الطعام من داخل حاوية النفايات , كم كان الأمر مقززاً !!..

في اليوم التالي .. تعرّفت على شحاذ كان يجلس قرب صندوق النفايات .. كان يشتري بعض الطعام , و يعطف عليّ ببعضه .. لكن ليس كل مرّة , فأحياناً يتركني آكل من الحاوية !.. كما انه ايضاً لم يكن يرى تلك المخلوقات ..اظنّ انني الوحيد الذي اراهم ..

في احد الأيام .. رأيت بعض الرجال اللذين يلبسون ثياباً موحدة , قد اخذوا الشحاذ معهم .. و من بعدها استمعت الى شحاذين كانا يتكلمان عن الموضوع .. و قالا : بأن الشرطة سجنته , لأنه كان يسرق من المحال ليأكل .. على الأقل كان يطعمني في بعض الأحيان .. لكن الآن صار عليّ ان اكمل رحلتي التعيسة لوحدي من جديد ..

اصبحت امشي في الشوارع , و الاحق روائح الطعام المنبعثة من المطاعم .. لكن كان ممنوعاً عليّ الدخول الى احدها .. لأنهم فوراً يرمونني خارجاً , و بعضهم يضربني .. و الأسوء , هو من كان يرشّ عليّ الماء البارد في هذا الصقيع !

و بسبب ما مررت به , زاد مرضي و هزل جسمي .. و لم يرغب احدٌ بي !.. حتى ان منهم من كان يمنعني ان انام على الأرض قرب محلّه !..و ما ابقاني حيّ , هو تعاطف بعض زبائن المطاعم , حيث كانوا يعطونني بقايا طعامهم .. كم كان النوم على الأرصفة مؤلماً و بارداً ..

و في يوم , كنت جائعاً جداً .. فلحقت بشخصٍ كان يحمل كيساً فيه طعامٌ جاهز , علني استعطفه ببعض الأكل …لكني لم انتبه اثناء قطعي الشارع , فصدمتني سيارة مُسرعة.. فما كان من الناس الى ان وضعوني جانباً فوق الرصيف , لألتقط انفساي الأخيرة !..

بهذه اللحظات , بدأ شريط حياتي يمرّ امام عينيّ .. تذكّرت الملجأ و تذكّرت والدايّ .. و توقفت عند ذلك السرير الدافىء و الطعام اللذيذ الخاص لي وحدي , الذي كانت تحضره امي في بداية حياتي معها .. و الآن لم اعد اشعر بأطرافي .. و اصبحت الرؤية مشوّشة ..

لكن لحظة ! من ذلك الذي يرتدي اللباس الأبيض .. نعم تعال !! .. خذني معك , ارجوك !! فقد عانيت الكثير …

لكن قبل ان اذهب , اريد سؤالكم .. لما لم ترحمونني ؟! لما كنتم قاسيين عليّ هكذا ؟!! .. اكل هذا لأنني .. وليد قطة ؟!

تاريخ النشر : 2016-02-09

guest
44 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى