أدب الرعب والعام

على جثتي !! الجزء الثالث

بقلم : سيبا – سوريا

التقى برجلٍ مجهول في موقف السيارات

اجتمع المحقّقون في غرفة التسجيلات , لفحص كاميرات المراقبة في يوم الحادثة .. فقد أعلم المساعد الشاب “توماس” و “جين” بأن رجل البريد سلّمه الرسالة و رحل ، قبيل قدوم المحقق “روبرتز”..

و أظهر التسجيل رجلاً يُغطّي وجهه بعناية .. فطلب الرئيس “جونسون” من المختصّ تقريب الصورة و معالجتها , للتمكّن من التعرّف على الرجل الغامض .. لكن بالرغم من ذلك , لم يتمكّن أحد من رؤية وجهه.

و فجأة !! قال المساعد :
-آه لقد تذكّرت !! كان لدى الرجل أثار قطب جراحية في جبهته ، و كأن أحداً قام بسلخه .. كيف نسيت ذلك ! كما أن صوته كان يشبه..

فقاطعه أحد المتحرّين قائلاً :
-أيشبه فحيح الثعابين ؟

فأومأ المساعد ايجاباً ..و تبادل المتحرّي الوافد , و أعضاء فريقه نظرات لم يفهمها الباقون….

و لكنه اوضح قائلاً : إنه أحد الذين عملنا على قضاياه في السابق .. و قد أدين في عددٍ كبير من جرائم إغتصاب الأطفال و المراهقين , و أظن بأنه أطلق سراحه مؤخراً…و يدعى “كريستوفر هارسون” و لدينا في ملف قضيته : عناوينه الكاملة منذ أول إعتقالٍ له , و حتى اليوم

***

رابط عناصر الشرطة و المحقّقون ينتظرون ظهور المشتبه فيه .. ترك المحقق “روبرتز” موقعه و وقف بجانب “جين” فالتفتت إليه قائلة :

-ما الذي تفعله هنا ؟! ..لا يجب عليك أن تترك موقعك أثناء المهمّة
ابتسم لها في مرارة قائلاً : سأحرص على أن لا يصيبك مكروه

و فجأه !! ظهر المجرم .. فتهيّأ الجميع ..لكنه شعر بحركةٍ مُريبة في محيط منزله ، فاندفع راكضاً .. و تبعه عناصر الشرطة , و لحقت بهم “جين” و “توماس”…

أخذت التحرّية تتجاوز الملاحقين , و تقترب اكثر من المجرم .. بينما “توماس” يناضل للحاق بهما

توغل المجرم في أزقة الحيّ الضيقة ، و تسلّق الجدران و قفز عن الأسطح , و المحقّقان مُستميتان في ملاحقته ، نظر المحقّق “روبرتز” إلى طليقته , و قال لاهثاً :
-لا أظن بأننا سنفلح في الإمساك به حيّاً , انه سريعاً جداً

فضاعفت “جين” من سرعتها لما تراءى لها المجرم و هو يحاول تسلّق السياج , قائلة بتصميم :
-انا لن أضيع فرصتي في القبض على الجزّار !!

و اندفعت في أثر الهارب و وثبت عليه في محاولةٍ أخيرة ، فأوقعته أرضاً و قيّدت يديه .. و هي تقول لاهثة :
-أنت رهن الإعتقال ، أيها المنحرف !!

***

وقفت التحريّة “جين” وراء الزجاج المانع للرؤية ، تراقب “توماس” و الرئيس “جونسون” و هما يستجوبان المجرم في غرفة التحقيق

و هناك .. كان المحقّق “توماس” يفرك شعره في عصبية , قائلاً للمتهم :
-إننا نعلم بأنك ساعدت الجزّار في تسليم رسالة التهديد , يوم الحادثه في 24 من ديسمبر سنه 2009.. لذلك أخبرنا فقط عن هويته , حتى لا تُتهمّ بالمشاركة في جرائمه .

ابتسم الرجل و قال بصوتٍ كريه :
-أنا لا أعرف عمّا تتحدث .. كما أنني لا أعلم لما قبضتمّ عليّ

ضرب “توماس” الطاولة بيده , و قد عيل صبره :
-أيها المنحرف !! تكلّم قبل أن أفقد أعصابي ، و أتصرّف معك بأسلوبٍ آخر لن يعجبك !!

فرمق المجرم المحقّق بنظرات تحدٍ قائلاً :
-ليس لديّ ما أقوله لكما .. فإن انتهيتما من طرح الأسئلة , اسمحا لي بالمغادرة

فاندفع المحقّق “روبرتز” صوبه بغضب , لكن الرئيس “جونسون” منعه و طلب منه الإنصراف .. خرج المحقّق و هو يصرّ على أسنانه ..

فيما دخلت “جين” الغرفة ، و اقتربت من المجرم و قالت بهدوء :
-أيها الرئيس ..دعني أتحدّث معه على إنفراد

تردّد المدير , لكنه غادر في النهاية… تفحّص الرجل التحرّية بنظراتٍ مُبتذلة , و قال :
– أوه !! ألست جميلة جداً لتزاولي هذه المهنة العنيفة ؟

تجاهلت المحقّقة كلامه , و قالت :
-اسمع يا “هارسون” ..لقد أصبحت أيام “الجزّار” معدودة .. فلم تريد أن تهوي معه للقاع , إن كان بإمكانك النجاة بتقديمه للعدالة ؟ لما تقف في صفّه ، و أنتما مختلفان حتى ….

فقال بسخرية :
-مختلفان في ماذا , عزيزتي ؟

-هو سفّاح مهووس , بينما أنت شخصٌ أخطأ طريقه .. لكن مازالت لديك فرصة للعودة ….

فيضحك بإستهزاء , لكنها تكمل كلامها :
-اسمع !! كل ما عليك فعله , هو الكشف عن هويته ..و سوف نقوم بحمايتك منه .

فحدّق الرجل ب “جين” , و قال بخبث :
-و ماذا ستقدمين لي في المقابل ، إن ساعدتك ؟

ثم مدّ يده ليلمس شعرها ، فانتفض “توماس” (الذي كان يتابع هذا الحوار مع مديره من خلف الزجاج) و اندفع نحو الباب يريد العودة الى هناك ، لكن رئيسه “جونسون” منعه..

و في هذه الأثناء .. كانت التحرّية قد دفعت يد المجرم بعيداً عنها ، و نهضت قائلة بنبرة تهديد :
-يبدو أنك تفضّل الطرق الصعبة !!

ثم إتجهت صوب الباب…. و هنا ابتسم الرجل بمكر , و قال لها بصوتٍ مرتفع :
-لقد رأيته !!!

فالتفتت “جين” و طالعته مُستفسرة… فأكمل حديثه المستفزّ :
-الطفل…. إنه يحتفظ به في مكانِ أمين .. انه صبي.. أكنت تعلمين ذلك ؟ له نفس عيناك الساحرتان و فمك الجميل…

توقفت “جين” و صدرها يعلو و ينخفض ، بينما اندفع “توماس” الى داخل غرفة التحقيق بغضبٍ شديد , و انهال على الرجل بالضرب ، و هو يصيح بقهر :
-أيها السافل المنحرف !! سوف أقتلك !! تكلّم أين هو الجزّار؟!!!!

***

استمر التحقيق مع المجرم عدة أيام , لجأ فيها المحقّقون لإستعمال كل الوسائل الممكنة لإنتزاع اعترافه …

حتى اعترف اخيراً : بأنه تلقّى مبلغاً مالياً ضخماً , مقابل إيصال تلك الرسالة ..و بأن رجلٌ مُلثّم التقى به في أحد مواقف السيارات , و سلّمه الرسالة دون أن يعرّف عن نفسه ..

و اضاف “هارسون” : بأن سيارة “الجزّار” كانت تفوح منها رائحة مواد التعقيم , المستخدمة عادةً في المشافي..

و ملاحظته هذه , ستحصر الشبهات حول اطباء لندن !

كما اعترف بأنه لم يرى طفل “آل روبرتز” كما إدّعى.. و انما قال ذلك , لإستفزاز التحرّية “جين” بعد أن تعرّف عليها من خلال صورتها التي كانت نُشرت في إحدى الصحف , التي وصفت تفاصيل فاجعتها .

***

جلس “توماس” يقرأ بعض ملفّات القضايا التي أثارت تساؤلاته .. ثم نظر ل”جين” التي كانت تتفحّص صور الضحايا .. فقال لها :
-الم تنتبهي لبراعة “الجزّار” في إستأصال أعضاء ضحاياه ؟! فالصور و تقارير الطبّ الجنائي تؤكّد بأن الشقّ في أجساد كل الضحايا , مناسباً تماماً لحجم العضو المستأصل ! كما أنه لم يخطأ ولوّ لمرة واحدة بمكان العضو !

صمتت “جين” برهة , ثم قالت : هذا صحيح !.. أنا أذكر بوضوح طريقة مسكه للمشرط ذلك اليوم .. كانت تماماً كطريقة الجرّاحين المحترفين !

وعادت تتمّتمّ ببطء : جرّاح ! … اتظن إن الجزّار ليس مجرّد طبيب , بل هو جرّاح ؟

فأومأ “توماس” برأسه موافقاً , ثم استطرد قائلاً :
-بل برأيّ جرّاح مخضرم و خبيرٌ ايضاً ..أراهن بأن خبرته لا تقلّ عن 15 او 20 سنة

فقالت “جين” في يأس : ان هذا الإكتشاف لن يغير شيئاً .. فهناك آلاف الجرّاحين في لندن ..

فأجابها قائلاً : لطالما استرعى انتباهي و جود بعض الرضوض حول الشقّ , بعد ان يستأصل الجزّار قلب الضحيّة.. و هذا غير طبيعي ! و قد إستشرت أحد الخبراء في أساليب الجراحة , بعد أن أعلمنا “هارسون” برائحة سيارة المجرم , و التي توصلنا من خلالها : إلى إحتمال أن يكون الجزّار طبيباً

“جين” باهتمام :
-اكمل فكرتك , رجاءً

– نعم .. المهم سألت عن تلك الرضوض , و اخبرني الخبير : ان هذا يدلّ على إستعمال الجرّاح ليديه , لجعل الشقّ اكبر… و هو أسلوب جراحي غربي قديم , كان منتشراً في الإتحاد السوفياتي في نهاية حقبة الثمانينيات و بداية التسعينات…

كما أن الخبير قد لفت انتباهي لأمرٍ مهم , و هو أن الجرّاح إعتمد في كل جرائمه أساليب و أدوات جراحية قديمة الطراز ….و هو يدلّ على ابتعاده عن ممارسة الجراحة لفترة طويلة

اقتربت “جين” منه مُعاتبة : كان عليك ان تشاركني بهذه المعلومات المهمّة يا “توماس”
-و مالذي استنتجته , يا “جين” ؟

-بأن “الجزّار” هو جرّاحٌ قد تابع تعليمه و زاول مهنته في الإتحاد السوفياتي ، في خلال الثمانينات أو التسعينيات… كما أنه يبدو انه تقاعد مبكراً لسببٍ ما.. و قد يكون ذلك في أواخر التسعينات ايضاً ..

و هذه المعلومات ستساعدنا كثيراً ..لأنه من المؤكّد بأن عدد الأطباء البريطانيين الذين درسوا في روسيا , قليلاً جداً .. (ثم قالت بحماس و بارتياح) .. ممتاز !! هذه المرّة على الأكيد , لن يفلت من ايدينا

فهزّ “توماس” رأسه موافقاً ..مع ان نظراته تعلّقت بملامح وجهها المبتسم , الذي إفتقده كثيراً في السنوات الخمسة الماضية.

و تمّتمّ في ندم : ربما لو أنني أنصتّ إلى نصيحتك و تخلّيت عن كبريائي الأجوف , لما حصل ما حصل !

فأجابته “جين” بعد ان إبتسمت له في ألم :
-لم يكن ليتغير شيء , لأنه كان سيجد وسيلة لقتل المزيد من الأبرياء ..و كنّا سنقف موقفنا هذا , عاجلاً ام آجلاً

… يتبع في الجزء الأخير

تاريخ النشر : 2016-02-15

سيبا

سوريا
guest
35 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى