أدب الرعب والعام

مأساه ميسم حديد

بقلم : juanna – لبنان

مأساه ميسم حديد
شعرت و كأنها وحيدة بقاعة المحكمة

وضعت “ميسم” المفتاح في قفل الباب و فجأه، إنقض عليها عدد من رجال الشرطة المدججين بالسلاح و كل منهم كان يشهر مسدسه أو بندقيته في وجهها

بينما إختلطت أصواتهم محدثه جلبة جعلت الجيران يطلون من نوافذ بيوتهم بحثا عن سبب الضجيج. كانوا يطالبونها بتسليم نفسها دون مقاومة.

رفعت “ميسم” يديها بينما سقط المفتاح و الكتب على الأرض عند قدميها. فأسرع شرطي و كبل يديها و جرها إلى سيارة الشرطي. و هي تصرخ مستفسرة

-ما الذي يحدث؟ ما الذي فعلته؟

وجدت “ميسم” نفسها في غرفة إيقاف في مركز الشرطة، بينما سمعت بعض الأصوات بالخارج و لكنها لم تتبينها، إلى أن فُتح الباب و دخل رجل في الخمسين من عمره برفقة شاب نظرا إليها ماليا لبعض الوقت ثم سحب الأكبر سنا كرسيا و جلس قائلا و هو يقرأ بيناتها

-إذا انسه “ميسم حديد”، انا المحقق “جيمس” و هذا زميلي المحقق “روبنس”..أخبرني عن جيرانك السيد و السيدة “براندون”.

نظرت “ميسم” الى الرجلين باستغراب
-ما الذي تعنيه..انا لا افهم قصدك؟”

فرد عليها الشاب بعصبيه “ساعيد صياغه السؤال بطريقه اسهل..

-ما هي علاقتك بالمجني عليهما؟”

-المجني عليهما؟؟..هل تعني بأنها قد تعرضا لسوء؟”

ابتسم المحقق الشاب في وجهها و لكن ابتسامته لم تكن بريئة

-في الحقيقة لقد قتلا .. بوحشيه، لقد اكتشفت جثتيهما اليوم صباحا في شقتهما و قد ..

و رمى على الطاوله أمامها مباشرة بضعه صور , و اكمل قائلاً :

-وقد ذبحا من الوريد إلى الوريد، و قطعت أطرافهما، فما ردك؟

لم تستطع الفتاه النظر الى صور القتيلين و أخذت تردد

-انا لا اعلم شيئا.. اقسم اني لا اعرف ما حصل لهما.. لقد كنت في الجامعه.”

عندها اقترب منها المحقق “روبنس” حاملا صوره كبيره
-انظري جيدا، هل تعرفين هذا السيف؟

تأملت “ميسم” الصوره بفزع دون ان تنطق بحرف.

-انه السيف الذي استخدم في الجريمة، و قد وجدناه في شقتك بعد تفتيش المبنى..و هو سيف عربي اقتنيته منذ فتره قصيره من متجر الكتروني و لدينا الوصل و رقم المعامله ايضا .. و قد وجدت عليه اثار دماء تعود للضحيتين ..

فقاطعته الفتاه : بلى . انا لا انكر بانه لي ، لقد وجدته معروضا في موقع على الانترنت و قد اشتريته فعلا كهديه لوالدي و لكني لم اقم بقتل السيد و السيده “براندون”.. اقسم بذلك؛

سحب المحقق الكهل كرسيه نحو “ميسم” و قال بلطف :

-انسه “حديد”، نحن نحاول هنا مساعدتك، ان اعترفتي بجريمتك و ابديتي ندمك ستحصلين على تعاطف هيئه المحلفين، و بالتالي على حكم مخفف مقارنه طبعا بالسجن المؤبد او الحقنه السامه .. وهو ما ستنتهين اليه ان اصريت على الانكار

اغرقرقت عينا “ميسم” و اخدت تصرخ :

و لكني لم اقتلهما يا سيدي اقسم بانني لم اقتلهما…لم افعل؛ انا لم اقتلهما

قبض “روبنس” على قميص الفتاة و قال و هو يصر على اسنانه :

-توقفي على التظاهر بالبراءه و السذاجه و اعترفي بجرمك، لقد إكتشفنا ما كان بينك و بين الزوجين من مشاحنات و مشاكل.. فاعترفي و جنبينا و نفسك المتاعب

طُرق الباب، و دخل شاب يرتدي بدله و يحمل حقيبة في يده اليمنى و ملفا في يده اليسرى، حيا المحققين و جلس قرب “ميسم” معرفا عن نفسه :

-مرحبا، انا “جيف كايل” محامي الدافع عن الانسه

و فتح ملفه و اخذ يتصفح اوراقه على عجل و اكمل قائلاً :

– الانسه “ميسم حديد”،… و اطلب الانفراد بموكلتي لو سمحتما.

فاشار المحقق “جيمس” لزميله بالمغادره. مسحت “ميسم” دموعها” و لكني لم اوكل محاميا “

التفت اليها “كايل” و ابتسم قائلا  :

-لا تقلقي لقد تم تعيني من قبل المحكمة و لن تدفعي فلسا واحدا..حسنا ميسم؛ اروي لي ما حدث بالضبط

-لقد عدت اليوم من الجامعه لاجد الشرطه في انتظاري، قبضوا علي دون ان يعلموني بالسبب و اقتادوني الى هنا .. و عرفت للتو باني متهمه بقتل جاري و زوجته ..

بينما كانت “ميسم” تتحدث كان المحامي يدون بعض الملاحظات، فرفع راسه مشجعا فواصلت “ميسم

-انا لم اقم بقتلهما و لا اعلم شيئا عن هذا الموضوع

توقف المحامي عن الكتابه و همس

-انسه حديد، انا محاميك و وسيلتك الوحيده للنجاه من هذا المأزق لذلك اطلب منك ان تثقي بي و تخبريني صراحه ان كنتي قد قمت بقتل الزوجين “براندون”

حدقت “ميسم” في عيني محاميها و قالت و قد نفذ صبرها

-انا لم اقتلهما، لم اكن احبهما و هما ايضا لم يحباني، و لكني لم اقتلهما.. اقسم باني لم اقتلهما.. لقد كانا يتصرفان معي بعداوة و يلقبانني بأبشع النعوت كلما التقياني و يصفانني بالإرهابيه و الهمجيه و يطالبانني بالرحيل و لكنني اعتدت الامر، لقد تحملت تصرفاتهما لخمس سنوات كامله لاقتلهما قبيل شهرين من سفري النهائي الى بلدي؟

-لا اخفيك سرا موقفك ضعيف جدا في هذه القضية، و كل القرائن ضدك،.. كسلاح الجريمه الذي وجد مخبأ في شقتك، و شهادة الجيران عن مشاكلك و مشاجراتك المتكرره مع الزوجين.. و لكن لا داعي للقلق، ما زال امامنا فتره كافيه لبناء قرائن الدفاع و تذكري بان هدفنا هو اقناع هيئه المحلفين ببراءتك

قضي المحامي “كايل” اسبوعين في استجواب سكان المبنى الذي وقعت فيه جريمه قتل الزوجين “براندون”، و لكنه لم يحقق تقدما ملحوظا، فجميع الشهود اكدوا بانهم لم يشاهدوا شخصا غريبا في المبنى، كما اتفقوا جميعا بان الزوجين “براندون” لم يكن لهما مشاكل مع احد من الجيران او الاقارب عدا مشاداتهما المتكرره مع “ميسم حديد”، الطالبه الاجنبيه التي تقطن الشقه رقم 12.

لم يطل الامر قبل ان تحتل قضيه مقتل الزوجين على يد طالبه الهندسه العربيه عناوين الصحف المحليه، و اضحت حديث الساعه، و خرج بعض المواطنين في مسيرات غاضبه مطالبه بايقاع اقصى العقوبات ب”ميسم حديد” او كما سموها ” The sword killer”.

في اول يوم لمحاكمه “ميسم” تجمع مراسلو محطات التلفاز و الصحف المحليه امام قاعده المحكمه اضافه الى بعض المواطنين و الفضوليين الذين آرادوا متابعه اطوار المحاكمه.

و كان عدد الجموع كبيرا مما دفع الشرطه الى نشر رجالها في ارجاء القاعه و الشارع لحمايه المتهمه من الجماهير الغاضبه المطالبه باعدامها.

بدأت المحاكمه كالعاده بمداخله طويله من المدعيه العامه و التي لم تدخر جهدا في اقناع اعضاء هيئه المحلفين، بان “مسيم حديد” الفتاة الاجنبيه التي فتح لها المجتمع المحلي ذراعيه و احتضنها لخمس سنوات، لتزاول دراستها في ارقى الجامعات العالميه و تحظى بافضل رعايه صحيه و تتمتع بالعيش الكريم بعيدا عن الفقر و الحرمان و التخلف الذي كانت تعيشه في موطنها الاصلي، قد اختارت مكافأه المجتمع بان مزقت بوحشيه جسد جاريها المسنين بسيف اقتنته للغرض.

كانت “ميسم” تشعر بالوجوه تراقبها بنظرات ناريه حاقده، و لو لا وجود افراد الشرطه بالقاعه لما توانى بعض الحضور على تمزيقها بيديه العاريتين.

حتى اعضاء هيئه المحلفين، لم يخفوا تاثرهم بكلمات المدعيه العامه و شهودها التي إستدعتهم الى منصه الشهاده، الذين لم يكن لهم هدف سوى ان يعززوا روايه الادعاءو يجعلوا من “ميسم حديد” وحشا مجردا من الانسانيه و الرحمه.

نظرت “ميسم” الى محاميها الشاب الذي بدا عالقا في دوامه لا نجاه منها، محاصرا من قبل المدعيه العامه المخضرمه التي تفوقه سنا و خبره و خبثا، و شعرت بانها لن تنجو من هذه الفخ الذي لا تعلم من قام بنصبه لها.

شعرت الفتاه بالدوار، فوضعت راسها بين يديها تنتظر معجزه تنقذها مما هي فيه، تذكرت والدتها و معارضتها لسفرها، و تمنت لاول مره في حياتها بانها استمعت الى نصيحتها، تمنت لو بقيت في وطنها الذي تمزقه الحروب، و لكنها على الاقل كانت ستموت بين اهلها و احبائها.. و كانها قطعت كل هذه المسافه و تكبدت كل هذا العناء، لتموت وحيده في بلد غريب، على كرسي كهربائي.

لم تعد “ميسم” تتحمل تلك النظرات الحاقده التي يرمقها بها الجميع، او تلك الهمسات الخافته التي تتسلل الى اذنها، و لا تلك اللعنات التي صبتها الجماهير الغاضبه عليها بينما كانت تشق طريقها بعسر الى قاعه المحكمه.. ببساطه لقد نفذ صبرها بعد شهور من الاستجواب و الابتزاز و التشهير.

هبت “ميسم” من مقعدها و صرخت بكل ما اوتيت من قوه :
– كا ا ا ا ا ا اذبه !!! 

و اشارت باصبعها نحو المدعيه العامه و شهودها

-كلهم كاذبون، انا لم اقتل “جيمي براندون” و لا زوجته” ماتيلدا”، لم اكن بالمبنى حتى عندما وقعت الجريمه.. لقد قبضتم على الشخص الخاطئ..

حاول المحامي “كايل” اسكاتها، بينما اخذ القاضي يضرب بمطرقته طالبا الالتزام بالنظام، و لكن “ميسم” كانت قد عقدت عزيمتها على ان لا تستسلم، فدفعت المحامي و ركضت نحو منصه المحلفين المرتعبين صارخه

-انا لست سوى كبش محرقه، تم عزله عن القطيع، مجرد شخص مناسب لتحمل عواقب عجز الشرطه عن القيام بعملها بالشكل الصحيح.. كل الذين شهدوا ضدي اليوم، يعرفونني منذ وقت طويل .. منذ خمس سنوات ، لم اقم يوما بايذاء احد منهم بل كنت الضحيه دوما انهم يعلمون تماما بانني لم افعلها، بانني لم اقتل و لكنهم سلكوا الطريق السهل، انا بريئه اتسمعون.. انا بريئه..انا..” و هنا انقض بعض افراد الشرطه على “ميسم” و اوقعوها ارضا بينما اخذت بالصراخ دون توقف مردده “انا بريئه..انا بريئه

فضربها احدهم بعقب مسدسه على راسها فغابت عن الوعي، و ضل صوتها يردد بوهن “انا بريئه”

تاريخ النشر : 2016-03-12

juanna

لبنان
guest
24 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى