أدب الرعب والعام

30

بقلم : عبد الرحمن خليل_مصر
للتواصل : [email protected]

30
انفجار في الشركة الألمانية للمستلزمات و الأبحاث الطبية أودى بحياة 19 شخصاً و سبب الانفجار ما زال مجهولا

30 مارس 2011

يجلس عمار حسن على الأريكة في منزله مرتدياً بدلته السوداء , منتظراً زوجته حتى تنتهي من ارتداء ثياب السهرة الأنيقة , يجلس شارد الذهن تماماً , خرجت زوجته من غرفتها لتأخذ رأيه في ما ترتديه , فتلك الليلة ليلةٌ هامةٌ جداً لعماّر, و لكنها حين رأته شارد الذهن هكذا , عادت مره أخرى إلي غرفتها , فهي اعتادت منه ذلك السلوك ، في الآونة الأخيرة أصبح عمار دائم الشرود , يسرح كثيراً مع نفسه بصمت و لا يتكلم مع احد ..

***

29 يناير 2010

يخرج شريف من باب الشركة التي يعمل بها و هي ( الشركة الألمانية للمستلزمات و الأبحاث الطبية ).. يخرج مسرعاً نحو سيارته , و تبدو عليه علامات الفزع , يتصبب وجهه عرقاً , يدخل سيارته و ينطلق مسرعاً , ينظر خلفه ليري إذا كان هناك أحد يتبعه أم لا , ثم يقود و يقود لمدة ساعتين , مع أن منزله على بعد 40 دقيقةً فقط من الشركة , دخل منزله المظلم و أضاء النور الأصفر الخافت الذي يكشف عن شقةٍ بائسةٍ , فغرفة المعيشة ما هي إلا عبارة عن كرسي من الجلد الأسود المهترئ و أمامه التلفاز و طاوله خشبية يملؤ سطحها كومه من الأوراق التي لا تحوي شيئا إلا أرقام و رسومات و بضع الصور ، وهناك تلك الغرفة المغلقة بباب حديدي ، يمضي شريف بداخلها تقريبا نصف يومه .. يخلع شريف ربطه عنقه ثم يذهب إلى المطبخ و يأتي بكوبٍ من الماء ، و يجلس به علي الكرسي و ينظر إلى التلفاز بتردد , ثم يمسك بجهاز التحكم و يقلب بين قنوات الأخبار تحديدا و كأنه ينتظر شيئاً ما أو يبحث عن خبر ما , اتسعت حدقة عينه عندما جاء خبر عاجل

( انفجار في الشركة الألمانية للمستلزمات و الأبحاث الطبية أودى بحياة 19 شخصاً و سبب الانفجار ما زال مجهولا ) .. ظل شريف يشاهد المنظر و علي وجهه ابتسامه و خوف في عينيه , أغلق التلفاز و قام إلى الحمام و وقف ينظر لنفسه في المرآة لبضع دقائق ، ثم أمسك بشفرة حادة يضعها على الحوض و قام بجرح نفسه في معصمه جرح عميق و هو يبتسم .

***

30 مارس 2011

أصبح عمار دائم الشرود , يسرح كثيرا مع نفسه بصمت و لا يتكلم مع احد .. يفيق عمار من شروده على صوت الهاتف يرن .. يقوم من مقعده و يرد و يقول ( لا بد أن تأتي فاليوم هام بالنسبة لي . ) ثم ينهي المكالمة , تسأله زوجته التي ما زالت في غرفتها .. و تقول له ( من كان علي الهاتف يا عمار ؟ ) فيقول : انه أخاك أحمد كان يريد أن يعتذر فهو يقول أن زوجته متعبه من آلام الحمل , و لكني أصررت أن يأتي . تخرج زوجة عمار من غرفتها مرتديه ملابسها و تنتظر منه أي كلمه جميله يقولها لها .. و لكنه لا يلقي بالاً لما ترتديه . ينظر إليها ببرود و يقول : هل انتهيت ؟ فتقول له : نعم . و تلتفت لتأتي بحقيبتها ليتجهوا سويا نحو باب الشقة ..

***

29 فبراير2010

يرن جرس باب شقة شريف .. يفتح شريف الذي تبدو عليه علامات الإرهاق الحاد ليتفاجأ بضابط شرطه يقف أمامه … ينظر شريف إلى الضابط و يحاول أن يخفي خوفه و يقول : كيف اخدم سيادتك يا حضرة الضابط ؟
– يقول الضابط : أنت الدكتور شريف علاء ؟
– شريف : نعم !!
– الضابط : هل لي أن أدخل و أتحدث معك لبضع الوقت ؟
– شريف بارتباك شديد : تفضل .
يدخل الضابط و ينظر إلى تلك الشقة البائسة و كومه الأوراق المكدسة فوق الطاولة ، ثم يقول لشريف .

– الضابط : اعتقد انك يا دكتور لا يوجد وقت لديك إلا للدراسة و العمل ، فالحقيقة أنت فخر علمي كبير ، لقد علمنا أنك كنت الأول على جامعتك ، و بأنك أخذت الدكتوراه مبكراً عن كل دفعتك .. و أخذتها في الجراحة التكوينية للوجه البشري .. و أخذت دكتوراه أخرى من ألمانيا في أبحاث الخلايا الجلدية .. و دكتوراه أخرى من أمريكا في علوم الجراحة المتقدمة .. ثم عملت بفرع الشركة الألمانية في مصر لمده خمس سنوات .. أنت لم تتزوج و لم ترتبط قط .. لا تحب الاختلاط كثيرا و ليس لديك أي أصدقاء ، قاطعت عائلتك منذ سنين طويلة و حياتك و وقتك كله للبحث و الدراسة أليس كذلك ؟

– ينظر شريف إلى الضابط و يقول بسخرية : أعتقد أنكم قمتم بتحريات مرضية جدا عني !!

– الضابط : عند تفريغ أشرطة المراقبة في الشركة الألمانية التي حدث فيها الانفجار المؤسف منذ شهر تقريبا ، وجدنا أنك تواجدت في الطابق الذي حدث فيه الانفجار و كنت ممسكاً بحقيبة سوداء ، حين صورتك كاميرات المراقبة و أنت تخرج من الشركة قبل الانفجار بساعتين و نصف فقط لم تكن تلك الحقيبة بحوزتك .. هل تسمح أن تقول لي ماذا كان في تلك الحقيبة ؟ و لما تواجدت في هذا الطابق من الأساس و هو ليس طابق عملك بل انه طابق الفنّيين ؟

– شريف بهدوء مصطنع : هل أنا متهم ؟

– الضابط : العفو يا دكتور انه فقط حديث عادي من صديق لصديقه .

– شريف بسخرية : حسنا يا صديقي … تلك الحقيبة كانت بها معدات طبية متقدمه أخذتها قبلاً من احد الفنيين لكني استخدمها في بعض أبحاثي و في هذا اليوم كان هناك عمل ف هذا الطابق ، فرأيت أن أعيدها لهم في حاله أن احتاجوا إليها .

يكمل الضابط توجيه الأسئلة الواحدة تلو الأخرى إلى شريف الذي بدوره يجيب بهدوء و اختصار على تلك الأسئلة ، بعد مضي ساعة تقريبا يتوجه الضابط إلى باب الشقة و قد أنهى كل أسئلته و يتبعه شريف ، يلتفت الضابط قبل أن يخرج ويعطي لشريف بطاقة بها رقمه و يقول : هذا إن تذكرت أي شيء جديد يا دكتور . ثم يقع نظر الضابط على تلك الغرفة المغلقة بباب حديدي .

– الضابط : أعتقد أن تلك الغرفة بها مقتنياتك الثمينة يا دكتور و إلا لما وضع باب حديدي عليها ، أليس كذلك ؟

– يبدأ شريف بالارتباك ثم يقول : نعم ، و لكني فعلا مشغول الآن حضره الضابط و أنت بالفعل أخذت الكثير من وقتي .

– الضابط : اعتذر يا دكتور و لكن لن تضرك بضع دقائق إضافية التي ستريني بها تلك الغرفة .

ثم يترك الضابط باب الشقة و يتجه إلى تلك الغرفة ، تبدو على شريف علامات الفزع ، ثم يغمض عينيه و يأخذ نفس عميق و يغلق باب الشقة بالقفل و يتجه نحو الغرفة مع الضابط و يدخل ثم يغلق باب الغرفة خلفهم ..

***

30 مارس 2011

ينظر عمار إلى زوجته و يقول : هل انتهيت ؟ فتقول له : نعم .. و تلتفت لتأتي بحقيبة يدها و يتجهوا سويا نحو باب الشقة .
يخرج عمار بصحبه زوجته من باب العمارة و يتجها إلى السيارة ، يقف عمار للحظه شارداً ثم ينظر إلى زوجته و بعدها يركبان السيارة و ينطلقا إلى وجهتيهما ..

***

2 مارس 2010

يجلس رجل مع زوجته في الحافلة , يلهو الرجل مع ابنه الذي لم تجاوز السنة من عمره بعد و هو يجلس على حجر والده لا يلقي بالا لمشاكل الحياة ، فقط يحتاج لتصفيقه خفيفة من والده حتى يضحك من كل قلبه , يجلس بجانبهم شاب و صديقه ينظران إلى المرأة العجوز التي تجلس أمامهم و تحاول أن تقرا الجريدة التي في يدها بصعوبة فتقربها جدا من عينها حتى تستطيع أن ترى الحروف .. تجلس بجانبها امرأة في أواسط العمر و تنظر من نافذة الحافلة على الشوارع الهادئة في تلك الساعة من الليل و تبدو عليها علامات النعاس الشديد .. لكن ينبهها صوت السائق و هو يقول
(هل من احد سوف ينزل في المحطة القادمة) يتقدم من آخر الحافلة ” شريف ” و هو يرتدي معطف اسود قاتم و يلف وشاح على فمه و وجهه و كأنه مريض و يرتدي نظاره سوداء قاتمة ، توجه شريف نحو باب الحافلة ثم نظر إلى كل من يجلس فيها نظره متمعنة باردة و ترجل منها .

رجع إلى منزله بعد أربع ساعات قضاهم في السير وحده ليلاً ، أضاء نور الشقة و جلس على كرسيه الجلد يشاهد الأخبار حتى وجد ما يبحث عنه ، اقترب برأسه تجاه التلفاز حين رأى صوره الحافلة التي كان يركبها و هي مدمره تماماً ..

و ناقل الحدث يقول ..( أنا الآن في موقع انفجار الحافلة المؤسف الذي أودى بحياة ثمانية أشخاص .. ) و أكمل باقي تفاصيل الحادثة ..

يغلق شريف التلفاز و يذهب إلى الحمام ببطئ و ينظر إلى المرآة بتمعن و يتحسس وجهه الذي لم يعد مثلما كان ثم يمسك بالشفرة و يجرح معصمه جرح عميق بجانب الجرح السابق .

***

30 مارس 2011

ينظر إلى زوجته ، ثم يركبا السيارة و ينطلقا إلى وجهتيهما ..
يخيم الهدوء على السيارة فما زال عمار في صمته الذي اعتاد عليه ، فقد تغير عمار كثيراً بعد الحادثة و هذا طبيعي نظراً لمقدار الفاجعة التي مر بها ..
بعد مده من القيادة يصل عمار و زوجته إلى وجهتيهما و يترجلا من سيارتهما و يتجهوا إلى باب القاعة وسط ترحيب الحضور ..

***

30 مارس 2010

يجلس عمار في غرفة مكتبه و الساعة تشير إلى السابعة صباحاً و هو وحده في المنزل ، فقد سافرت زوجته و ابنته إلى أقاربهما ، عمار لم ينم منذ أمس فهو ما زال يحاول أن ينهي روايته التي بدء فيها منذ عامين تقريبا و لكن دون أن ينهيها .. دائماً ما يشعر أنه هناك نهاية أفضل لروايته و بالتالي لا ينهيها أو بالأحرى يبقى يكتب بالفصل الأخير ثم يغيره و هكذا .. لكنه يشعر اليوم انه حقا سينهيها و لكن ما زال التردد بداخله .. و من سيساعده في اختيار النهاية المناسبة غير صديق عمره الطبيب رامي عزت ، صديقه منذ الطفولة و هو طبيب أمراض نفسيه و إنسان على درجه عاليه

من الثقافة ، أعطى كل حياته للعمل و الدراسة فلم يستطع إنجاح حياته الزوجية فانفصل عن زوجته منذ ثلاث سنوات و من وقتها يعيش وحيداً ، لطالما وقف الدكتور رامي بجانب عمار في مسيرته الأدبية .. و قد قام عمار في وقت سابق بإعطاء نسخه من روايته للدكتور رامي و لكن بالطبع بدون فصل النهاية فخطر لعمار أن يحادث الدكتور رامي و يريد رأيه في روايته حتى يساعده في اختيار نهاية مناسبة و بالفعل يتصل عمار على الدكتور رامي ..

– عمار : الو .. كيف حالك يا صديقي ؟
– رامي : الحمد لله أنا بخير ، كيف حالك وما جديد روايتك التي لا تنوي أن تنهيها ..
– عمار : و كأنك قرأت ما في بالي يا صديقي ، فأنا اتصلت بك من أجلها ، قل لي أولاً ما رأيك فيها ؟

– رامي : سامحني يا عمار فأنا لم أقرأها لأني بالفترة الأخيرة كنت مشغولاً في عيادتي كثيراً و لكنني اليوم و غدا في عطلة ، سأقرؤها ثم أتصل بك و أخبرك برأيي ..
– عمار : حسناً يا صديقي و أنا بانتظارك .

يغلق الدكتور رامي الهاتف و يذهب إلى عيادته التي تقع في الطابق الأول بالعمارة التي يسكن بها و يمتلكها أيضاً ، يفتحها ثم يدخل إلى المكتبة و يبدأ بالبحث عن رواية عمار و لكن بلا جدوى فيقوم بالاتصال على الممرضة شيماء علي فهي من تتولي أمور العيادة ، يسألها عن الرواية فتقول له : إن لم تجدها على رفوف المكتبة فحتما أن أحد المرضى قد استعارها . و ليتأكد فعليه أن ينظر في دفتر الاستعارات الذي فيه اسم الكتاب و اسم المريض الذي استعاره في المقابل .. و بالفعل يبحث الدكتور رامي بالدفتر و يجد ضالته ، فعلاً الرواية قد تم استعارتها و لكنه عندما نظر إلى اسم المريض الذي استعارها ارتبك فجأة و سرعان ما اتصل بالممرضة من جديد فيقول لها عند ردها : كيف قام شريف علاء باستعارة رواية ؟ لقد نبهت مراراً أن لا يحدث هذا . فترتبك الممرضة و تقول : لا أعرف كيف حدث هذا ، لا بد أنه قد أخذها بدون علمي أو من وراء ظهري . يغلق الدكتور رامي الهاتف في وجه الممرضة ثم يمسك بهاتفه و يتصل على الدكتور شريف علاء و لكن بلا جدوى فهاتفه خارج الخدمة فيتصل الدكتور رامي مسرعاً بصديقه عمار ..

– الدكتور رامي : الو .. اسمعني جيداً يا عمار أريدك أن تخبرني مضمون قصتك باختصار و في الحال .
– عمار : لماذا يا دكتور ؟ ألا تستطيع أن تمنح روايتي ساعات من وقتك حتى تقراها ؟

– الدكتور رامي : الموضوع ليس هكذا يا عمار ، باختصار قصتك تم أخذها من قبل الدكتور شريف حسن ، إنه أحد أذكى و أدهى المرضى الذين تعاملت معهم ، إنه طبيب عالمي في جراحه الوجه ، نعم هل تصدق أنه منذ أن تخرج من كليه الطب وهو يعمل على تطوير جهاز طبي يمكنه أن يغير وجه إنسان بوجه إنسان آخر إذا كان للوجهين تركيب عضلي متشابه ، كأفلام الخيال العلمي بالضبط ، ذكاء شريف الخارق نابع من تربيته و ظروفه و كذلك مرضه ، أبويه كانا يريدان له مستقبلاً باهراً منذ صغره فكانوا يغلقوا عليه غرفته طول اليوم حتى يذاكر فقط .. لم يكن يذهب إلى المدرسة إلا بوقت الامتحانات و لم تكن له أي حياه خارج منزله ، وعندما توفي والديه في حادثه و هو في الابتدائية لم يكن يعلم من هو أو ماذا يفعل ، رباه عمه المريض و بالكاد أوصله إلى الجامعة ثم توفي هو الآخر .. بشكل أو بآخر يمكنك القول بأن شريف عاش طول عمره وحيداً و لا تستهن بالوحدة خصوصاً إن كانت طوال حياتك .. هذا أدى إلى إصابته بمرض يسمي ” انتفاض الذات ” بمعنى آخر هو لا يملك شخصيه ، بالضبط كالطفل الذي يمكن أن يتأثر بمشاهدة ” سوبر مان ” فيرتدي عباءته و يصعد على السطح حتى يطير ، هكذا هو شريف حسن و قبلاً تأثر بفيلم وثائقي عن حياة متسلق جبال شهير لدرجه أنه أخذ إجازة من عمله و سافر محاولاً تسلق قمة إفرست و كاد أن يموت هناك لولا أنه تم إنقاذه ، لذا تحتم عليه أن يذهب إلى طبيب نفسي و قد جاء إلي ، أنا قد منعته بفترة العلاج من قراءة أو مشاهدة أي أفلام أو كتب بها مغامرات أو صراعات حتى لا يتأثر بها ، لكن ما يقلقني الآن أنه أخذ روايتك دون علمي منذ خمسة شهور تقريباً ( هذا كان تاريخ استعارته للكتاب ) و منذ أربعة شهور لم يأتي إلي و لم يرد على اتصالاتي حتى ظننت أنه قد سافر إلى بلد ما ، و منذ فتره حدث انفجار كبير في الشركة التي كان يعمل بها و قد انتشر الخبر في كل الجرائد فحاولت الاتصال به لأطمئن عليه و لكن بلا جدوى فهاتفه كان و مازال خارج الخدمة .

– عمار: أتقول انفجار في شركته !!

– الدكتور رامي : نعم تلك الشركة الألمانية للأجهزة الطبية ، كان انفجار ضخم يا عمار و أودى بحياة 19 شخص .

– عمار: نعم ، لقد قرأت عنه و مؤخراً تم معرفه سبب الانفجار ، قيل أنه بسبب قنبلة زرعت داخلياً ، و لكن انتظر لحظه ..

– الدكتور رامي : ماذا هناك يا عمار ؟

– عمار: يا إلهي فبطل روايتي صانع قنابل مختل و يقتل للمتعة ، الحادثة الأولى في الرواية ، تشبه حادثه الشركة .. أتظن هذا ممكناً ؟ أتطن أنه يمكن أن يتأثر برواية لدرجه أنه يتقمص شخصيه قاتل و يقتل عشرات الأبرياء ؟

– الدكتور رامي : يا إلهي ، إذن ما كنت أخشاه حدث ، و لكن يمكن أن تكون محض مصادفه ، قل لي هل في راويتك حوادث أخرى و ماذا كان عنوانها ؟

– عمار : هذا ما أخشاه يا دكتور فبطل روايتي كما قلت لك قاتل مختل ، القصة بها جرائم كثيرة يرتكبها و بعد كل جريمة يشعر القاتل بتأنيب الذات فيجرح رسغه بشفرة حادة و بعدها يهدأ و يشعر بالارتياح ثم يختار مكان جريمته التالية و هكذا ، عدد ضحايا الجرائم في الرواية ثلاثون ضحية لذا أسميتها ” ثلاثون “

– الدكتور رامي : يا إلهي لا عجب أن يتأثر شريف بتلك الشخصية ، اسمعني جيداً يا عمار ، أريدك أن تبحث بالجرائد و الأخبار عن أية حوادث تشبه بطريقه أو بأخرى الجرائم التي ارتكبها بطل روايتك ، حتى نتأكد فعلاً و إن كان ما ظنناه حقيقة فيجب أن نعلم كيف ستكون خطوتنا التالية .

– عمار : و هو كذلك يا دكتور ، سأبحث ثم أحادثك مرة أخرى ..

تنتهي المكالمة و يبدأ عمار بالبحث في كل الأخبار و الجرائد لمده أربع ساعات متواصلة حتى وجد ما أصابه بالقشعريرة ، فهناك حادثه انفجار الحافلة التي يوجد مثلها أيضاً في الرواية بتفاصيلٍ متشابهه , عدد ضحايا تلك الحادثة ثمانية أشخاص , و بالأخذ في الإعتبار حادثه الشركة بضحاياها التسعة عشر ، يجعل هذا مجموع الضحايا سبعة و عشرون ضحية .. فوراً يقوم عمار بالاتصال على الطبيب رامي …

– الدكتور رامي : ألو .. إلى ماذا توصلت يا عمار ؟

– عمار : أخشى أننا كنا على صواب …

– الدكتور رامي : إذن ما خطوتنا التالية ؟

– عمار : خطو … خطوته التالية …….. هي قتلك !!

– الدكتور رامي : ماذا تقول يا عمار ؟؟ قتلي أنا !!

– عمار: نعم يا صديقي فهذا ما خشيت أن أخبرك به منذ البداية .. فكما قلت لك بطل روايتي مختل و كان يذهب إلى طبيبٍ نفسي و في الفصل الأخير يذهب إليه حتى يقتله لأنه كان ينوي التخفي و بدء حياه جديدة فأراد أن يدفن كل ماضيه خلفه …

– الدكتور رامي : و ماذا سيجث بعد ذلك ؟؟ هل سيقتله فعلاَ ؟

– عمار: أنا لم أكتب شيئاً بعد لذلك فهذا هو فصلها الأخير الذي لم أكتبه قط ، أنظر يا صديقي لا تفزع سأبلغ الشرطة حالاً و أرجوك أن تتوخى الحذر حتى تُوّضح لنا الأمور .
تنتهي المكالمة بينهم و بعد ساعة فعلاً يأتي ضابط إلى منزل الدكتور رامي و يدخل و يبتدئ بسؤاله عن أوصاف شريف ، يبدأ الدكتور بالإجابة و وصف حالته .. يستمر الكلام بينهم لأكثر من 20 دقيقه قبل أن يقاطعهم اتصال عمار للدكتور رامي فيشير الضابط للدكتور بالرد ..

– الدكتور رامي : الو .. ماذا هناك يا عمار ؟

– عمار: لقد حادثني مركز الشرطة منذ قليل و قالوا أنهم يريدوك أن تذهب لأقرب قسم شرطه و تبلغ عن أوصاف شريف و حالته و كل ما تعرفه عنه ..

– الدكتور رامي : ماذا تقول ؟؟ أنا الآن أجلس مع أحد الضباط و قد قلت له كل شيء .

– عمار : كيف هذا ؟ أنا لم أعطهم عنوانك أو اسمك فقد قلت لهم عن القصة و هم قالوا أنه عليك أن تذهب إليهم و تبلغ في اقرب قسم .

يصمت الدكتور عمار محاولاً أن يستوعب ما قاله له صديقه ثم ينظر إلى الضابط الذي يجلس أمامه و ينظر إليه ببرود .. يا الهي أيعقل أن يكون هذا هو شريف ؟ لكن كيف ؟ هل استطاع إنجاح جهازه الذي قال لي عنه ؟ هل استطاع أن يبدل وجهه بوجه شخص آخر ؟.. و كان هذا كل ما دار في عقل الدكتور رامي في تلك اللحظة هو نفسه ما دار في عقل عمار ، فأسرع عمار و قال : إن كان هو .. إن كان الضابط هو نفسه شريف فيجب أن ترى علامات الجرح على رسغيه . ينظر الدكتور رامي إلى يدي الضابط و لكنه يخفي يده اليمني و يده اليسرى تغطيها ساعة كلاسيكيه غريبة ليست كشيء يرتديه ضابط في الخدمة .. يقول الدكتور رامي للضابط : هل استطيع أن أرى تلك الساعة ؟ فأنا كنت أريد أن أشتري مثلها .. يضحك الضابط و يقول أتقطع مكالمتك حتى ترى الساعة التي في يدي !! أمرك مفضوح يا طبيبي العزيز فأنت لا تريد أن ترى الساعة يا صديقي إنما تريد أن ترى ذلك ( و يسحب يديه اليمنى من جيبه ليري الدكتور رامي علامات جروح واضحة عليها ) .. الأمر الذي جعله يسقط الهاتف من يديه نتيجة الفزع ..

ثم يبدأ شريف بالتحدث : أتظن بأنني سآتي لقتلك دون تخطيط يا طبيبي العزيز ؟ لقد راقبت هاتفك طول الشهر الفائت و هاتف العبقري الذي يحادثك ، لكن قل لي ما رأيك ؟ لم تعرفني أليس كذلك ، أقول لك يا دكتور أنه شعور غريب أن تجد نفسك بوجه شخص آخر ، يتبدل إدراكك لذاتك لحظياً و تشعر بأنك شخص جديد ، لكن الآلام يا دكتور ، آلام تلك العملية جحيم يقظ .. تظل مستيقظاً لأيام و تعيش على المسكنات القوية .. لكن النتيجة تستحق .. لم تصدقني حين قلت لك أني سأفعلها .. قلت لي أن هذا الجهاز من وحي الخيال و لكن انظر إلي .. أنا أمامك بوجه شخص آخر ..
الدكتور رامي لم يغلق الهاتف طوال هذه المدة حتى يتابع عمار من الناحية الأخرى المحادثة ثم يقول : وجه من هذا يا شريف ؟ هل هو وجه أحد ضحاياك السبعة و العشرون أم ضحية جديدة ؟
شريف : إنه وجه ضابط متطفل لم يحترم خصوصيتي و لكن لكي أكون منصفاً فتركيبه أنسجة وجهه ممتازة و تتوافق معي بنسبه كبيره لذلك اخترته ليكون أول تجربه لي مع جهازي الذي ظل منتظراً فتره طويلة حتى أجربه .. يمكنك القول أن ذلك الضابط كان مقدراً له أن يكون الضحية الثامنة و العشرون ..

و يضحك شريف ثم ينظر إلى الدكتور رامي و يقول : أستترك صديقنا على الهاتف كثيراً ؟ فيرتبك الدكتور رامي ثم يجلب الهاتف من على الأرض و يعطيه لشريف

– شريف بعد أن أخذ الهاتف : الأديب العبقري عمار معي على الهاتف !! يا إلهي إنه لشرفٌ كبير لي .

– عمار: صدقني يا شريف يكفي ما ارتكبته من جرائم إلى الآن .. لا تزد الطين بله أرجوك إنها مجرد رواية .

– شريف : هششش ، ماذا تقول ؟ مجرد رواية !! لا لا إنها حياة ، إنها ما أنا عليه ..

– عمار : اسمعني أيها المختل ، أنا حتى الآن لم أكتب الفصل النهائي ، أنت تعيش آخر ما كتبته أنا لذلك أنت لا تعلم ماذا ستفعل لاحقا ، لا تعلم من هم الضحايا الاثنين المتبقين حتى تكتمل الثلاثون ضحية ، فأرجوك توقف الآن ..

– شريف ضاحكاً : أتوقف الآن !! لقد عجزت أنت أن تكتب نهاية لروايتك لكني سأخدمك فقد حان الوقت لبطلها أن يكتب نهايتها بيده ، لقد كتبت أنت بما فيه الكفاية ، لقد حان الوقت الآن لأكتب أنا حياتي ، أنا من سيضع خطوطها ، أنا من سيتحمل عواقبها ، أنا من سيتغير ، أنا من سيقرر ، و أنا سأجعلهم ثلاثون ضحية و أضع لك الخاتمة التي كنت تنتظرها ، الليلة سوف تنتهي حياة صديقك فقد أدى دوره و سينتهي معه شريف عزت ، الليلة قد اخترت ضحاياي و قد انتهي الأمر .

يسود الصمت للحظات ثم يسمع عمار صوت طلقتين ناريتين ، يصرخ عمار و يقول : لا لا ، أيها المختل المريض لا . ثم يخرج مسرعاً من منزله و يركب سيارته و ينطلق بأقصى سرعة إلى منزل الدكتور رامي و الدموع تملا عينيه ..

ينطلق و هو لا يصدق أنه قد مات ثلاثون شخص و منهم صديق عمره بسبب رواية سخيفة قد كتبها بيده ، يصل إلى منزل الدكتور رامي و يصعد الدرج مسرعاً فيقف أمام الباب و يدفعه بقدمه و يدخل ليصعق من هول المنظر فصديقه يجلس مقتولاً على الكرسي ، ينهار عمار و يجثو علي ركبتيه و لكن سرعان ما يدرك أن شريف غير موجود ، فيقول في نفسه : كيف ؟ ألم يقتل نفسه هو الآخر ؟ . ثم يسمع صوت الباب خلفه يُغلق فينظر عمار خلفه ليجد ذلك الشخص في ثياب ضابط ، يوجه سلاحه ناحية عمار ثم يقول ، ألم أقل لك أن اليوم سيكون نهاية روايتك و صديقك و نهايتي 

***

30 مارس 2011

بعد مده من القيادة يصل عمار و زوجته إلى وجهتهما و يترجلا من سيارتهما و يتجهان إلى باب القاعة وسط ترحيب الحضور ..
يدخل عمار وسط كل الجالسين وهم ينظرون إليه ، ثم يصعد إلى المسرح و يمسك بالميكروفون و يقول : أولاً أرحب بكل الحضور اليوم و أرحب بكل من جاء إلى هذا الحفل .. حفل توقيع روايتي التي تحمل عنوان ثلاثون .. تلك الرواية التي أحدثت ضجة و جدلاً في العالم كله .. ليس لأنها مبنية علي قصه حقيقية , بل لأنها تحولت لقصة حقيقة مفجعة .. لن أنسى أن منذ سنة تقريباً ، قد تسببت تلك الرواية بمقتل ثلاثين شخصاً علي يد شخص مختل و من ضمن الثلاثون كان أعز أصدقائي و هو الدكتور رامي .. طبعاً جميعكم هنا قرأتم عن ذلك في الجرائد و البرامج و لقد امتنعت طول هذه الفترة من التحدث لأنني ببساطه كنت بصدمه قويه أثرت علي و على صحتي و على صوتي كما تسمعون الآن ، كل ما أريد أن أقول أنني أتمنى أن أنسى ما حدث و لكني للأسف لن أنساه أبداً .. أشكركم جميعاً علي حضوركم و دمتم بصحة و عافيه ..

وبعد ساعات من التوقيع و الصور الفوتوغرافية و التهنئة ينتهي اليوم و يعود عمار مع زوجته إلى شقتهما ، تبارك له زوجته على مبيعات الرواية و الترحيب بها ثم يذهبا إلى النوم ، يظل عمار مستيقظاً وهو مستلقي على السرير ، ثم يقوم و يذهب إلى الحمام و يغلق الباب خلفه جيداً ، يخرج تلك الشفرة من أسفل الحوض و يكشف عن رسغه ثم يبدأ في صنع جرح آخر و هو ينظر إلى نفسه و يبتسم .

تاريخ النشر : 2016-03-15

guest
40 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى