أدب الرعب والعام

تك تك تك

بقلم : البراء – مصر

الشيء الذي يمسكه هو رأس مقطوعة تقطر دما أما الشخص فيمسكها من شعرها و كأنها لعبة أو دمية ،

تك تك تك تك
كان ينام وحيدا في غرفته حين أيقظه هذا الصوت ، كان متأكد من أنه يأتي من الصالة ، قام محمود من علي سريره ببطئ ليستطلع أمر هذا الصوت ، فتح باب غرفته المغلق ، الصالة كانت مظلمة و لكنه ليس ذلك الظلام الدامس الذي يغطي كل شيء ، و علي بصيص الضوء الخفيف جدا دار بنظره في الصالة ليجد خيالا يقف في ظلام الصالة فدقق أكثر ليجد أنه خيال لشخص ما و هذا الشخص يمسك شيئا في يده ، اقترب ليرى أكثر فاستنتج أن هذا الشيء الذي كان يمسكه كان يوقع نقاط تبدو مثل نقاط المياه ، و حين أقترب أكثر و أكثر بدا له كل شئ واضحا ، الشيء الذي يمسكه هو رأس مقطوعة تقطر دما أما الشخص فيمسكها من شعرها و كأنها لعبة أو دمية ،

أما الشيء الأكثر فاجعة هو الرأس نفسه ، هذه الرأس كانت رأس شقيق محمود ، إنها هي بلا شك لقد تمكن من تمييزها رغم الظلام ، و في اليد الأخرى شئ ما يبدو و أنه سكين تقطر دما هي الأخرى ، لا داعي لمعرفة ماذا فعل هذا الشخص بتلك السكين ، أضحى الأمر واضحا ، محمود و بمجرد إدراكه لتلك الحقيقة صاح بصوت عالي و انطلق يجري نحو هذا الشخص ، سقط محمود على الأرض و هو يسأل نفسه متى حدث هذا ؟ ، متى تمكن هذا الشخص من غرز السكين في بطنه ؟ .. ترك الشخص الرأس المقطوعة لتسقط أمام أعين محمود تماما ، رأس أخيه أمامه تحدق في وجهه بملامح خالية من التعابير ، تك تك تك تك ، سمع محمود الصوت مجددا ، حرك رأسه بصعوبة كبيرة و نظر نحو الصوت ، كان الشخص هو صاحب هذا الصوت ، كانت قدميه أشبه بقدم الماعز ، و الصوت هو نتاج اصطدام قدمه بأرض الصالة ، صار الشخص أو الشيطان الآن قبالة غرفة محمود ، توقف الشخص قليلا و نظر نحو محمود ثم دخل إلي غرفته و أغلق الباب ، باب غرفة محمود .

************

كان محمود على الأرض يتألم بشدة ، حتى أتاه أباه بسرعة ، سمع صرخته فقام من نومه فزعا ، و لك أن تتخيل ردة الفعل حين يرى الأب رأس ابنه مقطوعة بينما ابنه الآخر ينزف بشدة علي الأرض ، أقيم العزاء تحت بيت محمود ، محمود لم يحضره ، آثار الطعنة كانت قوية ، حين كان يحكي محمود ما حصل لأي شخص كان يخبره بأنها أوهام ، و كانوا يتكلمون معه بلطف ، و لكنه كان يستشف ما كانوا يريدونه من وراء كلامهم ، نظراتهم تلقي عليه باتهام ، اتهام خطير و لكنه ليس في محله ، من كان و ماذا كان يريد .

– أنا أتخيل أليس كذلك ، أخبريني يا بسمة أرجوك يا بسمة أخبريني .

بسمة كانت الفتاة التي أحبها يوما ما ، كانا معا في نفس الكلية ، ماتت في حادث شنيع كان معها في ذلك اليوم منذ سنتين ، ماتت بين يديه بينما نجا هو بإصابات خفيفة ، أجهش بالبكاء و هو يتذكرها هي و ضحكتها البريئة و أشتد الأمر عليه حينما تذكر أن أخاه قد مات أيضا ، هكذا كان يفعل بينما صوت القارئ ينتشر في أرجاء الشارع كله .

بعد انتهاء العزاء ذهب لينام في غرفته و ترك الغرفة مضاءة ، نام على سريره و نظر لسقف غرفته و هو يتساءل عن ذلك الشخص الذي قتل أخيه ، يتساءل عن اختفاء هذا الشخص ، لقد اختفى ذلك الملعون اختفى و خلّف وراءه أسرة حزينة و شخص مصاب يتمنى الموت ، و فجأة سمع هذا الصوت مجددا ..

تك تك تك تك تك

************

حاول أن ينهض و لكنه لم يستطع ، ليس بسبب آلامه بل بسبب أن هناك شئ غريب يمنعه من هذا ، طاقة خفية ، يد تمسكه و تثبته علي السرير ، يسمع الصوت يقترب منه بينما هو يحاول و لكن دون جدوى ، سمع صوت طرقات على الباب ، و لكنه لم يرد ، و هكذا استمر صوت الطرق و محمود لا يحرك ساكنا و لا ينطق بحرف ، طرق هادئ يتوقف قليلا ثم سرعان ما يعود مجددا ، شخص مهذب يحاول الدخول بطريقة مهذبة ، محمود في كل مرة يتوقف فيها الطرق كان يعتقد أن الشخص الواقف على الباب قد رحل أخيرا إلا انه كان مخطئا ، استمر صوت الطرق لمدة عشر دقائق ، حتى فقد محمود أعصابه أخيرا و قال :

– أدخل .

توقف الطرق ثم انفتح الباب و دخل منه ذلك الشخص ، كان يضع غطاء على وجهه ، محمود في اليوم الذي رآه لأول مرة فيه ، لم يدقق كثيرا في ملامح وجهه كان نظره كله مركزا على رأس أخيه المقطوعة ، كان الغطاء غريبا جدا فكان عبارة قطعة قماش سميكة تم لفها حول الرأس بعناية ، مشدودة بحبل حول العنق ، أما الأغرب من هذا كله فهو أن الغطاء لم يكن لديه أي فتحات للرؤية أو حتى للتنفس ، كانت رأسه تبدو مثل رأس المصاصة الكروية تماما حينما تكون مغلفة و لم يتم فتحها بعد ، دخل و أغلق الباب خلفه ثم وقف أما محمود .
نطق محمود أخيرا :

– هل أنت من قتلت أخي .

هز الشخص رأسه بما معناه نعم .

قال محمود بنبرة غضب واضحة :
– لماذا ؟
رفع الشخص كتفيه بمعنى أنه لا يدري

ازدادت حدة نبرة محمود و قال :
– من أنت ؟
لم يرد ، و ظل واقفا قليلا قبل أن يمد يده و يفك الحبال التي كانت تربط الغطاء ، و أزاح الغطاء عن رأسه ، حينما رأى محمود وجه هذا الشخص اتسعت عيناه بشدة لأن من كان أمامه هو أخاه .

**********

إنه أخاه ، أخاه الذي مات مقطوع الرأس ، توجد أقطاب حول عنقه ، و كان من الواضح أن هذه الرأس تم لحمها على هذا الجسد بواسطة تلك الأقطاب ، أما الرأس فكانت ينقصها عين ، العين اليسرى غير موجودة ، مكانها كانت توجد فجوة سوداء و مظلمة و حول هذه الفجوة تناثرت بعض الدماء هنا و هناك ، وجه أخيه كان يبتسم له ، ابتسامة كبيرة ظهرت فيها أسنانه التي كانت حمراء بلون الدم ، أو أن هناك بالفعل دما عليها .

حاول محمود أن يقف لكي يهرب و لكن لا جدوى قال محمود و هو يرتجف :
– من أنت و ما هذه الدماء التي في فمك ؟

فتح الشخص فمه على آخره ليجد محمود خليطا مقززا داخل فمه و لكنه لا حظ وجود قطعة سوداء وسطه ، و حينها بدأت الصورة تتضح لدى محمود ، إنه يأكل عينه ، نعم لا شك بهذا ، أغمض محمود عينه و قال بخوف شديد :
– لا لا ماذا تريد ؟

مد الشخص يده و بهدوء شديد أشار بأصبعه نحو محمود .
قال محمود و هو يحاول أن يحرر نفسه :
– تريد قتلي ، لماذا ؟؟ أنا لم أفعل لك شيئا أرجوك أتركني أعيش !!

لم يرد و أنزل أصبعه و ذهب إلى ركن الغرفة ثم أحضر كرسيا من هناك و تقدم حتى أصبح أمام محمود مجددا و وضع الكرسي علي الأرض ثم جلس عليه بهدوء و هو ينظر لمحمود بنفس الابتسامة ، ظلا هكذا حوالي ربع ساعة .
تكلم محمود بعد أن هدأ :
– تكلم قل ماذا تريد .

لم يتكلم و ظل جالسا و هو يحدق في محمود بنفس الابتسامة .

ظلا هكذا حوالي ساعة أخرى ، كاد محمود أن يجن فيها ، محمود كان لا يتوقف عن طرح الأسئلة بخوف ، أما الشخص فكان لا يتوقف عن البقاء صامتا ، كان محمود بين الحين و الآخر يصرخ بأعلى صوته مناديا على أباه و لكنه كان لا يتلقى أي رد .

بعد مرور الساعة قام الشخص أخيرا و خرج من الباب و أغلقه وراءه تاركا محمود غارقا في عرقه و خوفه الشديد .
عندما رحل الشخص أدرك محمود أنه بدأ يستعيد سيطرته على جسمه ، قام محمود من على السرير و بدأ في تدوين كل ما حصل معه في ورقة من باب أن ما حدث معه للتو كان حلما .

في صباح اليوم التالي سأل محمود والده إذا كان قد سمع صوت صراخه ، استغرب الوالد بشدة و نفى سماعه لأي صوت ، تأكد محمود حينها أنه كان يحلم .
و بعد أسبوعين نام فيهما محمود كعادته في غرفته ظنا منه أن ما حدث كان حلما .

تك تك تك تك ، خفق قلب محمود بقوة حين سمع الصوت و حاول أن يقوم من علي السرير و لكن لا جدوى و مجددا بدأ صوت الطرق الهادئ المنتظم ، قرر محمود أنه لن يقول أي شئ و سيظل هكذا في الظلام حتى يرحل هذا الشخص ، و لم تمر سوي دقيقة حتى تحول صوت الطرق الهادئ تدريجيا إلى صوت ضرب قوي علي الباب ، فقد محمود أعصابه مجددا و قال :

– أرحل أرجوك .

و لكن بدا أن محمود قد أعطى إشارة لبدء الحرب ، بدأ حينها الباب يهتز بشدة من قوة الصدمات ، الصوت كان عاليا لدرجة أن محمود ظن أن الباب سوف ينكسر في أي لحظة ، ظل محمود صامتا حتى اختفى الصوت أخيرا ، أغمض محمود عينيه و هو يتنهد ، فتح عينيه حينما سمع صوت مكبس النور يتم تشغيله في الغرفة ، و حين فعل هذا وجد الشخص يجلس علي الكرسي أمامه في نفس المكان الذي جلس فيه سابقا ، بدأ محمود حينها بالصراخ بصوت عالي و لكن كالعادة لا شئ حدث ، كان الشخص يلبس نفس غطاء المرة السابقة ، يجلس علي الكرسي و محمود أمامه علي السرير يبكي و يتوسل إليه ، و لا استغراب هنا فالخوف يفعل أكثر من ذلك ، مد الشخص يده في جيبه و أخرج سكين ذو شكل غريب ، و قام من مكانه بينما محمود يصرخ و يبكي ظنا منه أنه سيقتله ، و لكن الشخص تقدم نحو محمود و وضعها علي صدره ثم رجع إلي كرسيه و جلس ، أما محمود فاستغرب و سأله :

– لماذا لم تقتلني ؟؟ و لماذا تفعل هذا بي ؟؟

لم يرد الشخص و أرجع رأسه للوراء .

و هكذا مرت ساعة أمطر محمود فيها الشخص بالأسئلة و هو يبكي ، قام الشخص من على الكرسي و خرج من الباب تاركا السكين فوق صدر محمود كما هي و أغلق الباب ورائه تاركا نور الغرفة مضاء ، و حين بدأ محمود يسيطر على جسمه مجددا نهض بسرعة و رمى السكين من على صدره و شرع في البكاء بصوت منخفض .

في اليوم التالي سأل محمود والده عن صراخه طوال الليل و لكن والده نفى للمرة الثانية سماع أي صوت ، سأله والده عن سبب صراخه هذا إذا كان قد صرخ بالفعل فأخبره محمود بكل ما حصل معه ، نصحه والده بعدها أن يذهب إلى دكتور أمراض نفسية و لكن محمود كان متيقنا من صحة عقله ، فالكراسي لا تتحرك وحدها و الأنوار أيضا لا تضاء من تلقاء نفسها و السكاكين لا تظهر من العدم ، تذكر محمود السكين فذهب و أحضره و أراه لوالده الذي برر الأمر بأن محمود يتخيل كل هذا و أن محمود نفسه قد اشتراها بنفسه ، قرر محمود أنه سينام في غرفة والده على الأرض و بالفعل نام مع والده في غرفته ، لم ينم جيدا من شدة خوفه ، و أيضا لأنه قد سمع صوت شخص يناديه و يقول” ييييين محمود ييييين ” يا محمود مرتين و توقف بعدها مباشرة ، في صباح اليوم التالي قال له والده :

– اسمع لقد ظننت أن هناك من يناديك و نحن نائمون ، أعتقد أنه كان يقول ، ” ييييين يامحمود ، ييين يامحمود ” ، بدا و كأنه صوت ….. هل ….. هل سمعته ؟؟
اندهش محمود كثيرا ، إذن فقد سمع والده الصوت الآن .

رد محمود بأنه لم يسمع الصوت ساخرا ، من منطلق أن أباه كان يتخيل أيضا ، في ذلك اليوم قرر محمود ما سيفعله و خرج كي يقوم ببعض الأشياء المهمة .. و حينما عاد صار متأكدا من أن هذا الشيء سيزوره مجددا .. كان أيضا يعرف يقينا أن هذه الزيارة ستكون الأخيرة حتما ستكون الأخيرة ، و في المساء جهز محمود كل شئ وضع الكرسي في المكان الذي يضعه فيه الشخص كل مرة و فعل ما فعله بالكرسي و ترك الباب مفتوحا و النور مضاء و جلس على السرير ينتظره و هو ينظر خارجا ليعرف من أين يأتي ، والد محمود قد نام بالفعل و كان محمود مستيقظا في انتظار الشخص .

تك تك تك تك ، كان الصوت يأتي من بعيد و لكنه يقترب حتى ظهر الشخص أخيرا من داخل الشقة ، نظام الشقة كان غرفتين في آخر الشقة و يربط الغرفتين ممر يؤدي للصالة التي يوجد فيها أربعة أبواب ، باب غرفته و باب الحمام و باب المطبخ و الباب الذي يؤدي للخارج ، و حين ظهر الشخص كان يخرج من الممر حينها ، لم يحس محمود بأي شئ يقيده كما كان يحدث سابقا ، مشي الشخص مصدرا ذلك الصوت المرعب حتى وصل لباب الغرفة و وقف ، قال له محمود بخوف :

– أدخل .
دخل الشخص و أغلق الباب ورائه و جلس على الكرسي ، كان يضع ذلك الغطاء الذي يغطي رأسه ، ارتجف محمود حينما رآه و قال :
– أريد أن أري وجهك الحقيقي .

مد الشخص يده و خلع الغطاء ببطئ ، لقد كان رأس والد محمود هذه المرة ، تثبته الأقطاب على جسد الشخص و يبتسم تلك الابتسامة المرعبة ، تزلزل كيان محمود حين رأى هذا و أزاح جسده للوراء حتى ارتطم بالحائط ، بدا و كأنه يريد أن يخترق الحائط و يهرب ، و فجأة أدرك محمود شيئا فنظر للشخص الذي كان ينظر له بابتسامته المستفزة ، نزل محمود من على السرير و انطلق يعدو نحو غرفة والده و دخل الغرفة بعد أن أضاء النور ، ليجد والده ممدا علي السرير بدون رأس ، غضب كثيرا و أتجه نحو غرفته و هو يعض علي شفته بقوة حتى سال الدم منها ، حينها اتضح له كل شئ ، لقد كان هذا الشخص في غرفة والده حين ظهر من داخل الممر ، لقد كان هناك شخص يناديه بالفعل و هو نائم لقد كان يقول السكيييين يا محمود السكييين يا محمود ،

لقد كان هذا الشخص الذي ينادي محمود هو أخ محمود نفسه ، والده قد حاول أن يخبره أن الصوت بدا و كأنه صوت أخاه و لكنه لم يفعل ، لقد كان أخاه يعطيه دلاله لما كان سيحدث لوالدهما ، و حين وصل محمود للغرفة وجده يجلس مكانه بنفس الابتسامة ، جرى بسرعة حتى صار وراءه ثم أخرج السكين التي تركها الشخص على صدره ، و بدأ بذبحه بها كما تذبح الخراف ، حين انتهى و صارت الرأس في يده رمى السكين أرضا و وضع الرأس على سريره و أخذ يبكي بحرقة على والده واضعا رأسا في كفيه ، أستمر بكائه لمدة دقيقة ، حين انتهى من البكاء اتصل بالشرطة .
حينما أتت الشرطة كان لابد من أخذ محمود لاشتباهه في جريمة قتل ، محمود حاول بكل قوته أن يدافع عن نفسه ، حتى قال لهم أنه قد زرع كاميرا في سقف غرفته و هذه الكاميرا فيها كل شئ قد حدث ، حين حصلوا على الشريط أعطوه للمحققين ليتفحصوه ، الشريط كان كالتالي – محمود ينتهي من تركيب الكاميرا ،

ينظر لها و ينزل من على الكرسي ، يضع الكرسي قبالة السرير ، بعدها يأتي شخص يضع غطاء على رأسه و يغلق الباب و يجلس على الكرسي الذي تركه محمود ، محمود يقول شيئا بعدها يبدأ الشخص بفك الغطاء ، حينما يرى محمود وجه الشخص يرجع نحو الحائط في خوف و بعدها ينزل من على السرير و يعدو خارجا ، و بعد قليل يعود مهرولا و يبدأ في ذبح رأس الشخص ، و بعدها يضع الرأس على السرير ثم يبدأ بالبكاء بجانبها ، تنقطع الصورة ثم لا تلبث أن تعود مجددا ، محمود يقاوم رجال الشرطة و يشير بيده نحو الكاميرا فينتبهون لها و يصعد واحد منهم و يحضر الكاميرا .

كان محمود قد حكم عليه بالإعدام ، الشريط أخذ كدليل ضده ، الأمر كان واضحا محمود ذبح والده ، المحققين لم يجدوا جثة والده في الغرفة الأخرى كما كان محمود يخبرهم فقط وجدوا بعض الدماء على السرير ، لقد كانت جثة والده على الكرسي و هذا هو ما أكدته المشرحة ، كان الشخص الذي ذبحه محمود هو والده ، و كل الكلام الذي أخبرهم به محمود عن الرأس الموصولة بالجسد هو كلام كاذب .

لكن هناك محقق أخذ الشريط و شاهده عدة مرات هذا المحقق توصل في النهاية إلى أن هناك شئ ما حدث في تلك اللقطة التي انقطعت فيها الكاميرا عن التصوير حينما كان محمود يبكي بجانب رأس والده ، بدا له أن الجسد حجمه قد تغير قليلا ، و حين نقل هذه الشكوك إلي المحكمة اتضحت الأمور لديهم أكثر ، فقد كانت هناك دماء على سرير والد محمود و بعد تحليلها اتضحت أنها دماء والد محمود ، استغربوا جميعهم من أين أتت الدماء إذ أن والد محمود حينما دخل عليه غرفته كان من الواضح أنه لا جراح لديه يمكن أن تترك كمية الدماء الكبيرة التي وجدوها على السرير و محمود قد ذبح والده أمامهم تماما و لم يذهب بجسده إلى أي مكان ، إذن في فترة الانقطاع هو قد ذهب بجسد والده إلى السرير حتى امتلأ بالدم و بعد ذلك أرجعه للكرسي و اتصل بالشرطة .

طبعا هذا ما كانت تعتقده الشرطة و المحكمة ، كانت كل الدلائل تشير إلى محمود لذا كان من الطبيعي أن يحصل محمود على حكم إعدام .
محمود يجلس في زنزانته وحيدا بعد أن عرف أنه قد حكم عليه بالإعدام ، يجلس و هو شارد الذهن يفكر في ما فعله .

قطع حبل أفكار محمود صوت يقول لمحمود :
– أنت حزين ، هذا يفرحني حقا .
نظر محمود نحو الصوت ليجد نفس الشخص جالسا بجانبه و هو يضع نفس الغطاء على رأسه ، قال له محمود ساخرا :
– إذن …. لقد تكلمت أخيرا ، هل ذهبت لأمك مؤخرا ؟
– أتعرف من أنا ؟
– من أنت ؟
– أنا أمير أتتذكرني ، أنا هو الشخص الذي تركته بسمة من أجلك .
– أمير …. أهو أنت حقا ؟؟
– نعم ، لقد فعلت ما فعلته بك من أجل الانتقام ، لقد حكى لي خادمي ما حصل يوم الحادثة .
– أي خادم ؟؟
– أنت لم تستطع حمايتها لقد تركتها تموت بين يديك .
– لقد كان حادث ، شيء لا يمكنني أن أتحكم فيه بنفسي .
– لا يهمني ، أنت سلبتني أكثر شخص أحببته يوما ، لذا أرسلت خادمي ليقتل أخيك .
– و لماذا بعد سنتين ، لماذا لم تفعل هذا حينها .
– كنت آمل أن تحب فتاة أخرى غيرها حتى يتسنى لي قتلها و تعذيبك كما فعلت أنت بي ، و لكن يبدو أن ولاءك لبسمة كان كبيرا .
– و لماذا اخترتهم ، لماذا لم تخترني أنا .

– قلت لك ، أردت تعذيبك ، أمرت خادمي أن يقتل أخاك و يطعنك للذكرى ، و بعد ذلك أمرته أن يتلاعب بأعصابك و يرعبك قليلا و يوهمك أنه قد وضع رأس أخاك فوق جسده ، و في زيارته الثانية لك بدأت بوضع الطعم لك و أمرته بترك السكين ، في اليوم التالي أمرته أن ينادي بصوت أخيك حتى تكتمل صورة السكين و الانتقام لديك ، و بعد ذلك حينما أخبرني أنه قد رأى كاميرا في غرفتك عرفت أنه قد حان وقت مشهد النهاية و في الزيارة الأخيرة حين ذبح والدك و أخذ رأسه ، رأيت أنت رأس والدك فتركته و ذهبت لتجد والدك هكذا ، كنت متأكدا من أنك ستذبحه .
– و ما الذي جعلك متأكدا ؟؟

– حتى لو لم تذبحه يكفي فقدانك لوالدك و لأخيك ، و حين ذبحته و بدأت أنت بالبكاء بجانب والدك كانت فرصته ، فانطلق و أوقف الكاميرا و أحضر جسد والدك بينما أنت تبكي كالفتاة و وضعه علي الكرسي مكانه بدون أن تنتبه له ثم اختفى .. كل هذا حدث في أقل من دقيقة ، ألم تسأل نفسك لماذا كان يلبس نفس الملابس التي كان يلبسها والدك قبل النوم ؟؟
– لم أنتبه لها .

– هذا لا يهم الآن ، كل ما يهم هو أنني انتقمت منك شر انتقام .
– هناك شئ لم أفهمه ، كيف لم يسمعني والدي حينما كنت أصرخ .
– لقد كان خادمي يخدره قبل أن ينام .
– نعم كما كان يثبتني في مكاني حين يزورني .
– نعم بالضبط .
– و كيف تمكنت من الدخول إلى هنا .
– أنت الآن تجلس مع خادمي ليس أنا ، إنه يتكلم بلساني .
– إنها والدتك ، هي من علمتك كل هذا ، لقد كنا نعلم جميعنا أنها ساحرة و لها علاقة بالجن .
– جميعكم من ؟؟

– أقصد نحن في الكلية .
– نعم بالفعل هي من علمتني هذا .
– أتعلم .. أنا لدي خبرة هائلة في مجال المتفجرات .
– ماذا تعني .
– ألا تقرأ الجرائد .
– لا .
– أنت ….. أنت لم ترد على سؤالي الأول ، هل ذهبت لأمك مؤخرا .
– لا لماذا تسأل .
مال محمود بجسده نحو الشخص ثم قال :
– إذن إدعو لها لأنها تحترق في نار جهنم الآن .
– ماذا تعني ؟؟
– أعني أنني ذهبت إلى منزلك و فجرته .
– حقا و كيف فعلت هذا ؟
– صنعت قنبلة بدائية .. و وضعتها في حقيبة ثم تركتها في منزلك .
– ألا تعلم أن لها عيون و خدم في كل مكان .
– أنت أحمق .. أهذا ما أخبرتك به ؟؟
– كيف عرفت مكان منزلنا ؟؟

– ألا تذكر يوم رأيتك هناك و سألتك فقلت لي أنك تسكن هنا مع أمك ، لقد سألت فقط عن مكان الساحرة التي تسكن في المنطقة ، و يالدهشتي حين لم أجدك هناك .
– إذن كيف عرفت أنني وراء كل هذا .

– في الواقع أنا لم أكن أعرف ، كل ما فكرت فيه هو أن ما حصل معي هو سحر لذا توجهت إلى المكان الوحيد في مدينتنا الذي كان يوجد فيه ساحر .. طرقت الباب فسمحت لي بالدخول .. سألتها عن ما يحدث معي فأخبرتني أنك أنت المسؤول و طردتني و هددتني بأنها سترسل خدمها لي .. هي من جنت على نفسها …. خرجت و ادعيت أنني نسيت الحقيبة التي معي .. تلك الحقيبة التي فيها القنبلة .. أتعرف لو كانت كذبت علي .. لكنت أخذت الحقيبة معي …. كنت مترددا و لكن ما قالته و ما فعلته سهل الأمر علي .
ثم بدأ محمود بالضحك و أردف :

– أتعرف ما المضحك في الأمر ؟ .. عندما خرجت من المنزل .. نادتني و أخبرتني أنني قد نسيت حقيبتي عندها .. و قالت أنني لن أحصل عليها أبدا … و بعد ذلك مكالمة هاتفية بسيطة .. ثم … بوووم .
قالها محمود ثم بدأ يضحك بصوت عالي و بهستيريا .
– و .. و خدمها كيف تركوك تفعل هذا ، كيف تركوك تفجر المنزل .
– أنت لا تفهم ، إن الخدم لا يفعلون شيئا إلا إذا أمرتهم أنت بفعله .
قالها و مد يده و فك الغطاء و سحبه من فوق رأس الخادم ثم أردف :
– أليس كذلك ؟

كان وجه الخادم عبارة عن لا شيء ، لا ملامح لا أعين فقط فم .
فجأة تحرك ذلك الفم :
– أقسم لك أنني سوف أعذبك حتى تتمنى الموت إذا كنت بالفعل قتلت أمي ، و أنت أيها الخادم ماذا تنتظر ، اذهب و استطلع إذا ما كان هذا الشخص يكذب .
اختفى بعدها و ما إن أختفي حتى فتح باب الزنزانة ليدخل منه شخص سحب محمود لتنفيذ حكم الإعدام .

******

تاريخ النشر : 2016-03-19

البراء

مصر - للتواصل: [email protected] \\ مدونة الكاتب https://baraashafee.blogspot.com/
guest
26 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى