تجارب من واقع الحياة

خجلي سيدمرني

بقلم : محتارة – ارض القلق و المخاوف

الخوف من نظرات الناس شيء رهيب و مرهق نفسيا خاصة إن كانت هذه الأفكار تلازمك طوال الوقت .

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أما بعد أنا فتاة في الثاني و العشرين من العمر ، مشكلتي العويصة و التي لا شك أنها ستدمرني هي الخجل الشديد و الزائد عن حده ، خجلي أبعدني عن العالم و أدخلني في عزلة و انطواء ، فأنا تلك الفتاة التي لا تذهب لا إلى الأعراس أو تزور أقاربها أو يمكنها الحديث مع أحدهم ، و لا تحب حتى الخروج من المنزل أو الذهاب إلى المدرسة أو الأسواق ، ستعتقدون أن هذا طبيعي فالكثير من الفتيات لا يملكن في بعض الأحيان الرغبة في الخروج و بعضهن لا يحبون لا الأعراس و لا الأسواق ، لكن مشكلتي لا تتلخص في كوني اكره أي من هذه الأمور المذكورة بل الخوف منها هي المشكلة الحقيقية ، فكوني أحس بضيق شديد قبل الخروج هي المشكلة و تمني وجود أي سبب سيمنعني من الذهاب إلى وجهتي، أما الرعشة في اليدين و عدم القدرة على التنفس و زيادة في نبض القلب موضوع آخر ، فأنا لا يمكنني أن امشي وحيدة في الشارع دون أن تصيبني هذه الأعراض ، فالمشي في الشارع كابوسي بل أسوا الأمور اليومية التي أتعرض إليها حسب رأيي ، فالإحساس أنك مراقب و الخوف من نظرات الناس شيء رهيب و مرهق نفسيا خاصة إن كانت هذه الأفكار تلازمك طوال الوقت .

أنا لا أستطيع حتى الدخول إلى المحلات التجارية لاقتناء بعض المستلزمات أو الأغذية ؛ فأنا أخجل من الحديث مع البائع أو سؤاله أو الوقوف أمامه للدفع ، إذا كنت مع صديقاتي هن من يتكلفن بهذه المهمة ؛ فأنا لا أجرؤ أبدا إلا في بعض الأحيان ..

أما عندما أذهب إلى الأسواق و أدخل إلى محلاتها مع أمي هي من تختار و تسأل عن الأسعار و المقاسات عوضاً عني ، بل أنا ذلك الصنم الصامت الواقف ، هذه حالتي دائما و أمي دائما ما تعاتبني و تقول لي لماذا لا تسألي و لا تتكلمي و لا تشتري ، لا احد ينظر إليك ؛ فكل واحد مشغول بعمله ، ما هذا الخوف ؟ ما هذا الخجل و الغباء ؟ انظري إلى باقي البنات ..

أما المدرسة خاصة سنوات الثانوية لم أكن أشارك أو أقوم ببعض المشاريع التي يتوجب علينا قراءتها أمام القسم ، و عندما أتشارك مع بعض الزملاء و نكون مجموعة كلهم يصعدون إلى السبورة إلا أنا ؛ فدائما ما كنت أتحجج بحجتي الملازمة لي و هي التهاب الحنجرة أو في بعض الأحيان الغياب ، لكن الحمد لله كان أبي يوصلني كل يوم ، أما في الأيام التي يتعذر عليه ذلك كنت اذهب متأخرة ؛ لأتفادى المشي أمام حشود التلاميذ ، و عند الدخول كل ما أتمناه هو الوصول إلى القسم أو بالأحرى مكاني ؛ لأنني كنت في الكثير من الأحيان أصل إلى الباب و أتردد في الدخول و أعاود المشي في الممر لكي ادخل مباشرة ، و لا ادخل إلا بعد مرور حوالي عشرة دقائق و أنا أفكر ( كيف سأدخل و الهدوء يعم القسم و ستتوجه أعينهم نحوي )

و بعد تفكير مستمر أواجه خوفي و ادخل و أتوجه مباشرة إلى طاولتي الأخيرة و إلى مجموعة أصدقائي فهم كانوا مصدر أماني ، أما عندما لا توجد مقاعد في الخلف و يتوجب علي الجلوس في المقاعد الأولى كانت تعد تلك الأيام من أسوأ أيامي ؛ لأني أحس أنني فعلا مراقبة و لا استطيع حتى التحرك {سيرونني عندما أتحرك و عندما أتنفس و لو أتكلم ، و سيفكرون في هذا و هذا ..} وساوس غريبة تجعلني اعد الوقت بالدقيقة رغم أنها غير حقيقية ، أما سنة البكالوريا لم ادرس جيدا من كثرة الغيابات و تضييع الكثير من الدروس ، لكن في الشهور الأخيرة رسخت فكرة أن كل هذا سينتهي بعد هذه السنة و لن يكون هناك أي سبب يجبرني على الخروج مجددا ، فاقتنيت الكثير من الكتب الخارجية و حببت الدراسة إلى قلبي و عملت جاهدة و تعبت و سهرت و حقا نلت شهادة البكالوريا ، كانوا يقولون عني كيف تتحصل على الشهادة و لم تكن تذهب أصلا إلى الثانوية و هي بعيدة كل البعد..

أقوال عائلتي و أساتذتي لكنني نجحت و لم يكن ذلك من اجل نيل الشهادة فقط ، بل أردت النجاح حقا ، لكن بنسبة قليلة فالنسبة الكبيرة كانت للتنعم بالانعزال حيث أحس بأمان فلن أواجه الارتباك و الخجل و الاحمرار و تسارع في نبضات القلب عند الوقوف عند فكرة الخروج المحتم .

كنت أقول أنني عندي الشهادة و سأدرس في الجامعة بعد تغير أحوالي و بعض من مخاوفي ، و للآن و بعد مرور ثلاث سنوات لا زلت في البيت و لم ادخل إلى الجامعة بعد كنت أعتقد أنني سأتغير و أنها مرحلة مراهقة فقط ، بالفعل تغيرت لكن للأسوأ ، كنت أخاف من المتوسطة و الثانوية فما بالكم بالجامعة ، لم أكن أخاف من ضياع سنوات من عمري لأنني كنت أحب البيت ، فالبيت ارحم من أي مكان في الدنيا و كنت أحس بالأمان لكن في كل موسم عطلة أندم على عدم الخروج ، أفراد عائلتي يخرجون و يستمتعون و بعد إصرارهم على خروجي معهم لا استطيع فعل ذلك بل حتى إنهم تعبوا من ذلك و يخرجون و أبقى وحيدة ،

أقوم بأعمال البيت و تحضير الطعام و إن عادوا و لم يجدوا البيت نظيف يقيمون علي الحرب ، لم تؤلمني هذه الأمور من قبل بقدر ما آلمتني في موسم الصيف الماضي ، فكم اشتقت إلى البحر و إلى الخروج في النهار ، خاصة بعد انقضاءه ، ألتقي ببعض الأشخاص ، يقولون لي لازالت بشرتك هكذا لم تكتسبي سمرة كنت مختبئة في البيت ، أجيبهم بأكاذيب كأنني لا أحب البحر أو أنني اعمل و هذا لا يتيح لي فرصة الاستمتاع أبدا ، لكن هذا حقا يؤلمني فأنا أضيع عمري بيدي ..

أنا و الحمد الله فتاة عادية لا أعاني من أية مشاكل في قبول شكلي ، و لم أعاني من صدمات أو أمور كهذه ، و لم أتلقى الإساءة ، كل ما اعرفه هو أنني ولدت هكذا ، كنت اخجل قليلا عند الصغر لكنني عشت طفولة جميلة ، المشكلة كبرت و تفاقمت عند الكبر ، أنا تعبت من هذا الخجل الذي سلب الكثير مني ، أنا لا استطيع حتى الكلام أو فتح فمي في التجمعات و لا حتى المشاركة ، أتمنى لو بوسعي أن أتغير يوما ما و التخلص من هذه المشاكل .

المقربون مني يعلمون بأنني خجولة ، لكن لا أبوح لهم بهذه التفاصيل لأنني أجدها محرجة، أمي تنصحني كثيرا عندما تراني هكذا ، لكنني أقول في نفسي { يا أماه و ما في اليد حيلة } ، كرهت حالتي و أفكاري و حاولت كثيرا حتى أنني قرأت كتبا عن علم النفس و طبقت بعضا من ما ورد فيها و ما تبدلت حالتي إلا قليلا، و جربت الكثير من الأمور فقد كنت أضع سماعات الأذن بصوت عالي و بشكل دائم لتجنب الأفكار و الوسوسة و تفادي أعين الناس الذين يراقبونني حسب تفكيري و النتيجة آلام مبرحة في الرأس و الأذنين و الكثير و الكثير من الأفكار و المواقف الغريبة في حياتي لا يمكنني ذكرها جميعها لتعددها ..

إخواني القراء لا تبخلوا علي بنصيحة طيبة ربما ستساعدني على الخروج مما أنا فيه و جزاكم الله خيرا ..

تاريخ النشر : 2016-03-21

guest
64 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى