أدب الرعب والعام

الغريب!!

بقلم : الليل المقدس

أصابتها الدهشة عندما شاهدت شخصاً غريباً !!

بعد تنوع الشواهد الحياتية ، و ازدحام المدن و تكثف السكان و ما تتركه تلك المستعمرات البشرية النامية من ضوضاء وصخب و تضييقات باتت لا تحتمل ، بات الفرار إلى المناطق النائية الشبه منعزلة هو الشيء الذي يجيش في صدر مارك و يختمر في عقل جين (العجوزان المنطويان عن العالم الخارجي) ، اللذان مضيا عمرهما و لم يتعرف عليهما أحد ..

لم يكن الناس يعرفون شيئاً عن طريقة حياتهم و لا حتى كان يأتي ذكرهم بمجالس النميمة كباقي الجيران ، لم يذكرهم أحد و لم يعرفهما احد ، و إذا سألت عنهما لن يجيبك أحد بمعلومة مفيدة سواء باستحسان أو باستهجان ، عاشا مجهولان و بقيا كذلك ، دفعتهم الضوضاء و صعوبة التكيف و المعيشة بتلك البيئة أن يهجرا المدن ، فاستقر الوضع  على منطقه نائية قريبة من غابه كثيفة الأشجار ، تكاد تكون معزولة عن العالم الخارجي ..

كانت حياتهما هادئة و ممتعه و سعيدة كأي زوجان متفقان بلا أطفال ، اعتادا منذ أن استقرا بالمنزل الخشبي الجديد أن يذهب مارك في السابعة مساء لإحضار احتياجاتهم المنزلية ، و بهذا الوقت كانت جين تشعل القنديل و تجلس قرب الشرفة بانتظار عودته ..

في أحد الأيام و كالعادة عند السابعة مساءاً و عندما أسدل الليل ستاره الغامض و وحشيته المقدسة .. استقل مارك سيارته القديمة التي عفا عنها الزمن متوجهاً إلى المدينة .. وبعد مضي القليل من الوقت و بعد انطلاق مارك ، طرق طارقٌ الباب ، توجهت جين لتفتحه  بتعجب و مستغربة عدم سماعها صوت سيارة مارك ، و قدومه مبكراً أيضاً !!

أصابتها الدهشة عندما شاهدت شخصاً غريباً أهلكته العاصفة و الأمطار الغزيرة بالخارج ، ظلت جين تتأمله لبرهة ، شاب في مقتبل العمر مستوي القامة ،  تشير ملامحه إلى البرود التام مع خلو تفاصيل وجهه من الحدة ، معطفه بالٍ و كأنه أمضى بضعه أيام في البرية ، جين لم ترى بشرياً غير زوجها منذ أن سكنا في البيت الجديد ، مما أثار هذا اضطرابها و توترها ..

– عفوا سيدتي هل لك أن تستضيفيني لبضع ساعات حتى تنتهي العاصفة بالخارج ؟؟ ( قال الرجل )
فأشارت جين بالقبول فدخل الأخير ..

لم تحرر جين الضيف من نظراتها التي تفحصه بفضول بالغ ، اتخذ الرجل بدوره مقعداً على الطاولة محدقاً بالشرفة ذات الزجاج الأزرق التي لم يزح ناظريه عنها ، حتى عندما أضاء وجهه بالأزرق المشع نتيجة انعكاس ضوء البرق على الشرفة..

وضعت جين كوباً من الشاي الأخضر على الطاولة التي يتوسطها القنديل  ، و بعد أن قربت أحد الأكواب بصمت من الضيف ، ينظر الضيف إلى كوب الشاي الساخن الموضوع أمامه فينزعج من البخار الذي يتصاعد منه .. فيطلب من السيدة الكريمة إبعاد الكوب عنه !

سحبت جين الكوب نحوها مع الكثير من الأسئلة التي تأبى الإفصاح عنها و كسر حاجز القلق !
قاطع الصمت صوت الغريب إذ يقول للسيدة الكريمة بهدوء :

لقد تأخر السيد مارك كثيراً ، ما كان عليه أن يخرج بتلك العاصفة !! ألا يدري أن بخروجه هذا مخاطرة كبيرة ربما ينتج عنها حادث أو تتعطل السيارة !..

تجيب جين بقلق آمل ألا تتعطل .. تعجبت جين من كون الغريب يعرف تلك التفاصيل عن زوجها ، وقبل أن تستفهم منه شيئاً أطلق صرخةً مدويةً بعد أن انتفض من مكانه ، مما أدى إلى سقوط القنديل عن الطاولة و انطفائه ، فعم الظلام أرجاء الغرفة ..

صرخ الضيف فجأة قائلاً : لم أكن أريد شيئاً ، المكابح كانت معطلة و الأمطار كانت غزيرة ، الطريق ..الطريق كان فارغاً وموحشاً.. أدركت أنني سأموت لكني حاولت ..

ثم علا صوته :حاولت حاولت حاولت ..

ذهبت جين إلى موضع سقوط القنديل و قامت بإشعاله من جديد ، لكنها لم تجد السيد غريب الأطوار بالمنزل ! رغم أنها لم تسمع صوت فتح الباب !!

أمسكت جين مظلتها  بيديها و ارتدت معطفها الأسود وتوجهت إلى الطريق السريع الذي كان قد غطته المياه لتفتش عن مارك ، فقد انتابها الخوف الشديد على مارك بعد ما رأته من الغريب ، وعلى بعدٍ من الطريق شاهدت سيارة تقبع هناك ويبدوا أنها مقلوبة  ..

أدارت جين وجهها برفق وخشية  خوف أن تكون السيارة سيارة مارك ، ولكن عند اقترابها من السيارة أدركت أنها ليست سيارة مارك ، لكنها ألقت نظره من زجاج نافذة السيارة فوجدت ضيفها و هو مفارق للحياة نتيجة النزيف المستمر ، شعرت بالخوف فلم تفكر سوى بالفرار إلى المنزل ، و بعد مدة من الركض البطيء انفجرت السيارة بعد أن تسرب كل الغاز منها و التي سرعان ما انطفأت بعد الانفجار نتيجة هطول المطر ..

وفي هذه الأثناء كانت سيارة مارك قد تعطلت عندما وصل بها إلى المدينة وكان يتوجب عليه إصلاحها ، لذلك لم يستطع العودة إلى المنزل بهذا اليوم ..

وبعد مضي تلك الليلة الباردة  أشرقت الشمس فذهب مارك لإصلاح سيارته ، وبعد أن أصلحها توجه بها إلى المنزل لكنه تفاجأ بجين فاقده للوعي أمام باب المنزل ..

حاول أن يوقظها لكنه أخفق ، فهم بحملها إلى سيارته متوجهاً بها إلى مشفى المدينة ، و عندما أفاقت جين روت لمارك كل شيء فتعجب لكونه لم يلحظ أي سيارة محترفه على الطريق ، لكنهما قررا ألا يعودا إلى المنزل الخشبي مره أخرى و أن يمضيا ما تبقى لهما من العمر وسط إزعاج وضجيج  المدينة ..

تاريخ النشر : 2016-03-24

guest
9 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى