قتلة و مجرمون

ابو طبر سفاح بغداد مهشم الرؤوس

بقلم : حسين سالم عبشل – اليمن

ابو طبر سفاح بغداد مهشم الرؤوس
سُمي ابو طبر لأنه أشيع بين الناس أنه كان يقتل ضحاياه بالفأس

أحياناً يدفع الفشل في الحياة بعض المجرمين إلى أن يكونوا سفاحين ناقمين على المجتمع ، لا همّ لهم إلا أن ينشروا الرعب بين المواطنيين .

تجمعت الأسرة على طاولة العشاء يأكلون و يتسامرون  بمنزلهم في أحد أحياء بغداد ، لم يكونوا يعلمون أنه هذا هو عشاءهم الأخير و أن الأغطية التي تغطوا بها عند نومهم سوف تكون أكفانهم ، فعندما خلدوا إلى النوم خرج ” أبو طبر ” من مخبئه و أخرج قضيباً حديدياً من بين ثيابه و انهال بضربة قوية على رب الأسرة فهشم بها رأسه ليموت على الفور ، ثم ضرب زوجته على رأسها تاركاً إياها جثةً هامدةً ، و عندما هم بالخروج لاحظ السفاح غطاء أحد الأسرة يتحرك فتوجه إليه و سمع صوت بكاءٍ مكتوم ، فرفع الغطاء ليجد طفلاً يبكي مرعوباً من هول ما شاهد ، ترجاه الطفل بصوتٍ متقطعٍ ” حباً في الله ارحمني يا عمي ” لكن أبو طبر لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبه ، فرفع الحديدة و أنزلها على رأس الصبي ليتركه يسبح في بركة من الدماء .

من هو أبو طبر ؟

ابو طبر سفاح بغداد مهشم الرؤوس
حاتم كاظم هضم ( أبو طبر )

اسمه حاتم كاظم هضم ، من مواليد عام 1932 م في قضاء المسيب بالحلة ، سُمي ابو طبر لأنه أشيع بين الناس أنه كان يقتل ضحاياه بالفأس ، لكنه بالحقيقة كان يهشم رؤوس ضحاياه بقضيب حديدي  بين عامي 1973-1974م ، أكمل دراسته الابتدائية و المتوسطة عام 1946- 1949م ، و درس في كلية المفوضين و تخرج منها عام 1951م برتبة مفوض ، و انتسب إلى شرطة لواء الحلة لكنه فصل من الخدمة بعد سنة ؛ بسبب أخلاقه السيئة ، و بنفس العام عاد للدراسة و أكمل الثانوية العامة عام 1953م ،  التحق بكلية القوة الجوية و فصل منها و هو بالصف الثالث لأنه تعمد تخريب طائرة التدريب بسبب طيشه و تهوره ، سافر إلى الكويت عام 1957م و عاد للعراق بعد عامين و عمل بوظيفة محاسب جباية في دائرة أوقاف ” كركوك ” و لكنه فصل منها بسبب اختلاسه الأموال ، و تم سجنه سنتين و نصف ، ثم سافر إلى أوروبا عام 1962م ، تنقل بين بلجيكا و النمسا و ألمانيا و سويسرا و اليونان و ايطاليا و الولايات المتحدة الأمريكية ، ثم استقر بميونخ في ألمانيا الغربية حيث أصبح يجيد عدة لغات غير العربية ، منها الانجليزية و الألمانية و الفارسية و الكردية ، عمل في تهريب السيارات و السلاح من بلجيكا و ألمانيا إلى اليونان و تركيا و سوريا لحساب مهربين ألمان و يونانيين ، كانت حياته هناك حياه عبثية من تدخين و شرب الكحول و ممارسة الجنس بالذات مع الطبيبات ، تم اعتقاله عدة مرات في أوروبا بسبب عدة جرائم منها التهريب حيث سجن عشرة شهور ، فعاد إلى العراق عام 1970م وحاول استصدار شهادة عدم محكومية لكن تاريخه كان مليء بالمخالفات لهذا زور الشهادة ، نزع الصورة و ثبت صورته ، كما محا الاسم و كتب اسمه و رسم الختم فوق الصورة حتى يصبح سجله نظيف ، سكن في بغداد هو و زوجته ” ساجدة ” بجانب مسجد أم الطبول حيث ابتدأ جرائمه عام 1973م .

مشاركه أسرته بالجرائم :

ابو طبر سفاح بغداد مهشم الرؤوس
                            العائلة الكريمة !!

أسرته المكونة من : شقيقيه حازم و غالب ، و أمه و زوجته ساجدة و ابن شقيقته ” حسين علي حسون ” – الذي كان مرافقاً له في اغلب جرائمه –  كانت تساعده في بيع الأغراض المسروقة من ضحاياه ، كما كانت زوجته ساجدة تذهب للعمل كخادمة في المنازل حيث كانت تعطي المعلومات لزوجها عن المداخل و المخارج للبيوت ، كما تدله على بيوت الأسر الغنية لغرض سرقتها ، ثم تترك العمل عندهم حتى لا يشك بأمرها ، كما أنهم كانوا يعطوه المعلومات عن البيوت التي هاجر أهلها إلى لخارج ليقوم بسرقتها ، كانت أدواته هي قضيب حديد اشتهر به و مسدس و قفزات لليد و حبال لتوثيق ضحاياه و تسلق الأسطح .

سجل جرائم ابو طبر :

 كانت جرائمه في الفترة ما بين عامي 1973-1974م و كلها حصلت في بغداد ..
– أولى جرائمه قتل رجل يهودي في منطقة ” البتاوين ” بضربه على رأسه ، ظن أنه غني لكنه لم يجد معه شيء .

– اقتحم منزل ” ماجدة الحمامي ” بمساعده ابن شقيقته ” حسين علي حسون ” و قاموا بتوثيق الضحية بالحبل و سؤالها عن مكان ذهبها و أموالها لكنها رفضت إخباره ، فغضب و شج رأسها بالقضيب الحديدي ثم قتلها و سرق بعض الذهب و الأثاث ثم هرب بسيارة القتيلة و تركها في منطقة العامرية ، اعتقلت الشرطة زوجها ” رشيد مراد رشيد ” و اتهمته بقتل زوجته ، أطلقوا سراحه بعد تعذيبه و التحقيق معه.

ابو طبر سفاح بغداد مهشم الرؤوس
صورة من مسلسل ( ابو الطبر )
الذي عرض على التلفاز

–  في يوم 1973/9/4م ارتكب جريمة قتل عميد الشرطة المتقاعد ” بشير احمد السلمان ” و عائلته في مدينة الشرطة ، حيث تسلل هو و ابن شقيقته حسين إلى حديقة الجيران و ظلا هناك من الساعة 1 ظهراً إلى 2 ليلاً من دون طعام أو شراب ، ثم تسلقوا إلى المنزل من جدار الجيران عبر السخان و بعدها من فتحة التبريد إلى سطح منزل المجني عليهم حيث كانوا نائمين على سطح المنزل بسبب الحر ، قام أولاً بقتل بشير ثم زوجته ” بشرى احمد خليل ” ، كانت معلمة في مدرسة الازدهار ، ثم قتل ابنهم أحمد البالغ من العمر 12 سنة و طالب بالصف الرابع الابتدائي .

كما قتل شخصاً رابعاً و تبين أنه ” إحسان جميل أحمد ” البالغ من العمر 21  سنة ، و هو طالب جامعي ، هو ابن شقيق زوجه بشير ، كان ضيفاً لديهم في تلك الليلة المشئومة ، بعد هذا نقل السفاح و مساعده الجثث إلى حوض الاستحمام ، و وضع جثة الزوجة فوق السرير ( السفاح يعاني من النيكروفيليا ) ثم حملوا المسروقات في سيارة المجني عليه و بعدها تركوا السيارة خلف مستشفى اليرموك .

–  في أواخر شهر أيلول لعام 1973م ارتكب جريمة قتل عائلة اليهودي ” جان آرنست ” في منطقة ” كرادة مريم ” على بعد 200 متر من بوابة القصر الجمهوري عند جسر المعلق ، داخل من الباب الخارجي ثم طرق الباب الداخلي فخرجت له زوجه جان ، سألها إذا كان أحد من الأسرة مسافراً خارج العراق ، فأجابته أنهم غداً سيسافرون ، لكن ابو طبر لاحظ علامات الشك و الاستغراب على وجهها ، خشي أن ينكشف أمره فباغتها بضربه على رأسها بالحديدة فخرت صريعة ، سمعت ابنتها أصواتاً عند الباب فأسرعت لتنجد والدتها فقتلها ابو طبر أيضاً ، دخل هو و مساعده حسين للبيت فشاهدتهم الخادمة ، هربت للمطبخ فلحقها ابو طبر و ضربها على رأسها ، لكن لحسن حظها لم تمت و نجت بعد ذلك ، ثم نقلوا الأغراض المسروقة إلى سيارة الضحية و أخفوا الأغراض بمنزلهم في ام الطبول ، ثم ترك السيارة في منطقة الشرطة و عادوا لمنزلهم بسيارة أجرة .
–  آخر جرائم القتل عندما قتل حلاقاً في منطقة ” النعيرية و الكيارة ” بمساعدة قريبه المدعو ” حمد عبد المهدي ” و قام بسرقة ما بحوزته من ذهب و نقود و سجاد و نقلها بسيارة القتيل ثم تركها في منطقة الشعلة .
–  اقتحم منزل الطبيب ” احمد العندليب ” حيث ترصد له ، لكن لحسن حظه لم يكن موجود فسرق الذهب و النقود و نقلها لمنزله .

أسطورة ابو طبر و إرعاب سكان بغداد :

عم الرعب في العاصمة بغداد و كان الناس يتناوبون على حراسة منازلهم ليلاً ، و انتشرت أسطورة الرعب شمال و شرق العراق حتى خاف الناس في الأرياف و البوادي ، حيث زعم البعض أنهم شاهدوه هناك رغم أن عمليات القتل اقتصرت على مناطق في بغداد فقط ، في حين انتشرت إشاعات أن ابو طبر عبارة عن مؤامرة ،  و بنفس الوقت كان هناك ضغط على المسئولين الأمنيين للقبض عليه ..

رُبّ ضارة نافعة :

على الرغم من جرائم ابو طبر الفظيعة و البشعة إلا أنها تسببت في عدة أمور :

–  تكاتف و تعاون الناس و الأهل مع بعضهم البعض لغرض الحراسة.
– انخفاض نسبة السرقة لخوف اللصوص من اتهامهم بأنهم هم السفاح إذا اعتقلوا .
– انخفاض أسعار المنازل في مناطق بغداد خصوصاً تلك التي وقعت فيها الجرائم ( مصائب قوم عن قوم فوائد ) .

مواقف مضحكة من جرائم السفاح :

– في حرب تشرين العاشر من رمضان 1973م و انشغال الناس بمتابعة أخبار الجيش العراقي ،  توقفت جرائم ابو طبر مؤقتاً حتى قال الناس بسخرية أنه ذهب للقتال بالجبهة .
– ذهب ابو طبر لعلاج زوجته عند أحد الأطباء ، و طلب منه الطبيب الخروج من الغرفة لمعاينه زوجته ، لكن ابو طبر رفض الخروج فطرده الطبيب بالقوة ، و بعدما عالج الطبيب زوجته ذهب ابو طبر بها لبيته و عاد لينتقم من الطبيب ، صعد في الصندوق الخلفي لسيارته و في الليل خرج ابو طبر لقتل الطبيب لكنه سمع أصوات أناس تصرخ و تبكي ، فاكتشف أن الطبيب مات  ، فعاد لمنزله ( الموت سبق ابو طبر ).
– و في أحد الأيام تشاجر مع حلاق على أجرة حلق شعره و قال له الحلاق ” لو معي صمغ لألصقت شعرك ” ، فقتله و سرق ما معه .

جهود الدولة و الشرط للقبض عليه:

في البداية اتهمت الشرطة أهالي القتلى ،  فكانوا يعتقلون زوج المقتولة أو زوجة المقتول ، لكن بعد جريمة مقتل العقيد المتقاعد بشير و أسرته بدا واضحاً أنهم يواجهون سفاحاً ،  لهذا أعلنت الدولة جائزة قيمتها 500 دينار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض على هذا السفاح ، و فرض حظر التجول في بغداد ، كما منعت حركة الطيران من و إلى مطار بغداد ، و انتشرت نقاط التفتيش و قسمت بغداد إلى مربعات أمنية ، و استعانت الدولة بمدير أمن فرنسا و مدير أمن الاتحاد السوفيتي لكنهم فشلوا و السبب أن ابو طبر كان منتسباُ للحزب الحاكم ، و لهذا كان يشارك الشرطة في عمليات البحث و التفتيش و يعرف تحركاتهم .

اعتقال ابو طبر و التحقيق معه :

رغم جهود الشرطة و المخابرات إلا أن اعتقال ابو طبر تم بالصدفة ..

ابو طبر سفاح بغداد مهشم الرؤوس
تم إلقاء القبض عليه بالصدفة !!

في تاريخ 1974/3/30م اقتحم ابو طبر منزل الطبيب ” يوسف بولص الجادرجي ” في شارع الصناعة حيث كان الطبيب مسافراً للخارج ، و لكن الحارس كان في المنزل و صرخ عندما شاهد ابو طبر الذي ارتبك بدوره و حاول الهرب ، لكن شباب المنطقة حاصروه و قامت معلمة من بيت عائلة ” أميل رؤوف ” في نفس الشارع بتبليغ الشرطة التي أرسلت دورية للمنزل و قبضت على ابو طبر  .. كان كلامه متناقضاً فتارة ادعى انه طيار متقاعد و تارة أخرى قال أنه صاحب محل في منطقة الإسكندرية ، كما ضبطت الشرطة معه حقيبة فيها مسدس مع عشر طلقات و قضيب حديدي و بعض الأدوات ، تم تسليمه إلى مكتب مكافحة الإجرام في الكرادة حيث استدعوا العقيد ” فيصل محجوب ” قائد القسم الذي حقق معه بدون تعذيب ؛ لأنه عُرف بأسلوبه الهادئ في التحقيق ، و اعترف ابو طبر بكل جرائمه ..

و عندما سأله عن أصعب جرائمه ؟ أجاب أن قتل العقيد بشير و أسرته أصعب جريمة ؛ لأنه بقي بدون طعام أو شراب لوقت طويل ، من 1 ظهراً إلى 2 ليلاً.

و سأله عن ما إذا شعر بالذنب أو تأنيب الضمير؟ أجاب أنه تردد في قتل طفل صرخ ” لا تقتلني ” لكنه قتله

و سأله عن شعوره بإرعاب الناس؟ قال أنه رمى حجر إلى أحد البيوت فأطلق السكان النار خوفاً ففرح لأنه أرعب الناس .

و سأله إن خاف أن ينكشف أمره ؟ فقال لم اخف من الشرطة لكني خفت من طفل صغير وجدته بالشارع و أشار بإصبعه إلي و قال ” هذا ابو طبر “

و سأله لماذا قتل هؤلاء الضحايا و كان يستطيع سرقتهم دون قتل ؟ أجاب أنه كان يقتحم البيوت فلهذا سوف يواجه سكانهت ، لذلك يجب قتلهم حتى يسرق و يغتصب براحته ، و قال أنه يستمتع بقتل الناس حتى لو شرب من دمائهم ، و تم نقل بعض مشاهد التحقيق على التلفاز .

و بعد تفتيش منزله وجدوا الكثير من الأغراض المسروقة منها سروال من قماش نادر سرقه من منزل ” جان آرنيست ” و راديو مسجل نادر ، كما تم ضبط تلفزيون صغير مع منشفة حمام كان قد حملها من منزل الضحية ” ماجدة الحمامي ” ، كل هذه الأدلة إضافة لشهادة الخادمة التي نجت من الهجوم في منزل ” جان آرنيست ” ، أثبتت التهم عليه و تم إعدامه و تسليم جثته لدار الطب الشرعي الذي أثبت وفاته ، ارتاح الناس من شره أما بقية أسرته فقد تم الحكم عليهم بالسجن لسنوات طويلة لمشاركتهم في جرائمه .

المصادر

موسوعة ويكيبيديا
مذكرات العقيد فيصل محجوب

تاريخ النشر : 2016-04-28

guest
96 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى