أدب الرعب والعام

متاهة

بقلم : مديحة – المغرب

باشرت بكسر ما تبقى من المرآة لاكتشف ماذا يوجد خلفها ..

إني خائفة و ضائعة , ست ساعات .. نعم ست ساعات بطولها و أنا أسير بهذه المتاهة و أعود لنفس نقطة البداية , ينتابني يأس و قلق شديد , هل سأخرج يوما ؟ ..

أنا لا افهم أي شيء و حتى لا أتذكر , كنت بالمدرسة وقد بدأت الحصة وفجأة وجدت نفسي هنا , إن الأمر برمته يحيرني و يخيفني , لطالما قرأت و سمعت عن قصص اختطاف الجن للبشر , وعن كائنات غيبية تلعب بالبشر و تختارهم عبثا , يا ترى هل أنا منهم أم ماذا ؟ ..

يا الهي إن بقيت هنا سأجن .. أين أنا بحق الجحيم ؟ و لمن تلك اليد المحروقة ؟ لقد أخافتني و ارتعدت لها أوصالي عندما ظهرت أمام وجهي , أظنها خرجت من مرآة ما في هذه المتاهة , و هذا يعني أني لست وحدي , أنا فعلا خائفة , ليت مريم و سلمى كانتا معي , بالتأكيد لوجدتا حلا أو بالأحرى ستكتشفان ما يجري فهما اكتر شجاعة مني .. أي ورطة أوقعت نفسي فيها ..

حسنا لا بأس يجب أن اهدأ أولا فانا مضطربة و جائعة و عطشانة و تعبت من السير بلا هدف أما تلك اليد المخيفة فسأعالج أمرها بشجاعة المرة القادمة و أنا عازمة على اقتلاعها من مكانها .. هيا تشجعي تشجعي يا نفسي نحن وحدنا .

وقفت و استعدت طاقتي و شجاعتي و أكملت طريقي اجري ثم التف ثم اجري و اجري ثم التف .. لكن لا مخرج فعلا تعبت .. و من ذاك الذي يقترب مني ؟ لا بد أنه إنسان .. نعم انه إنسان على ما اعتقد و هو عجوز بالتأكيد .. سيساعدني لا بد انه ايضا عالق مثلي , حسنا سأتقدم نحوه لأن خطواته بطيئة و أظن انه لن يصل إلا جثة هامدة ! .. ليس وقت المزاح يا غبية ! هيا نرى من هو و ربما بيدي هذا العجوز الهرم خلاصي ..

تقدمت نحوه بسرعة فاذا بي أجده عجوز قد ناهز الستين من عمره , يحمل عكازا خشبيا صلبا إن ضربني به لا اضمن اني سأعيش لحظة أخرى .. حسنا بجدية انه يبدو حكيما و لا يبدو التعب ظاهرا عليه رغم مشيته المنهارة , سأسأله إذا هو يعرف أين أنا أو بالأحرى أين هو المخرج اللعين ..

ما هذا انه لا يجيبني .. انه يبتسم بوجهي فقط .. حتى نظراته لم تطمأنني .. هل يمكن ان يكون يمشي و هو نائم .. لا أظن و قد بدأت اغضب منه و لولا تربيتي لفجرت اذنه بصراخي .. حسنا هذه آخر مرة ساسأل و ان لم يجبني سأرحل ..

طيب انه لا يجيب .. حسنا سأدعه تائها هنا او بالأحرى أنا التي سأظل تائهة هنا .. يا الهي سأجن ..

استدرت و جهزت نفسي للمشي مجددا لكن ما ان كدت امشي حتى وضع ذاك العجوز يده علي , فاستغربت لأنه قبل قليل لم يرغب حتى بمخاطبتي و الآن ها هو يقول لي أن اسمه عمر .. الحاج عمر .. و هو تائه منذ سنين , لكن لحسن حظه انه اكتشف مخزنا تحت مرآة في المتاهة فأزاحها و وجد مخزونا كافيا من الطعام عاش عليه طيلة ثلاثين سنة و هناك قوى خفية لم يعرفها تزوده بذاك المخزون و مهما ظل مستفيقا كي يعرف من يضع له الطعام يغلبه النوم فيستفيق بالصباح ليجد الطعام موجودا ..

استغربت جدا من حكايته لكنه أخافني بقوله انه تائه لثلاثين سنة , يعني انني قد لا اجد مثله طريقا للخروج .. سأظل حتى اموت هنا .. لقد ارعبتني الفكرة لكني تذكرت قصتي مع اليد المحروقة وحدثته عنها .. فاخبرني انه عاش ليالي قاسية هنا فعلى حد علمه هناك أرواح شريرة هنا يعتقد انها هي من تزوده بالمأكل و تتسلى بإرعابه غالبا فتأتي له على عدة أشكال مرعبة و تخلق له أوهاما مخيفة تسهره الليل .. لكنه اعتادها فصار يتجاهلها .. و ربما لهذا هم احضروني إلى هنا .. كي اسليهم بدل العجوز الذي قد تجاهلهم فلم يعودوا بحاجته ..

أخذني العجوز معه .. سرت معه حتى وصلنا إلى المرآة التي يزعم بأن تحتها مخزنا من الطعام .. وامتدت يد عجوز إلى المرآة فاخرج منه سندويشا من التونة و مده لي , لم اتردد لحظة بأخذه , فقد كنت جائعة و اعطاني كأس ماء فشربته كله و اكلت الخبز ثم جلست اتأمل نفسي في المرآة والعجوز ينظر لي كأنه لم يرى بشر من قبل .. لكن لا الومه .. فقد عاش ثلاثين سنة وحيدا .. ثم نهضت من مكاني و قد غضبت من عجزي فبدأت بضرب المرآة بقدمي فإذا بالعجوز يسرع نحوي و يجري بدون عكازته حتى كدت أظن انه رجل في الثلاثين من عمره .. و صرخ بوجهي بأن لا اضرب المرآة .. استغربت لأمره و بدأت الشكوك تساورني فزادني غضبه فضولا في ان اعرف ما قد يحدث إذا ضربت المرآة فتجاهلته و ضربتها بسرعة حتى ظهر شق واضح فيها .. لكن ما اذهلني هو ذاك الظلام الذي تسرب من الشق .. فباشرت بكسر ما تبقى من المرآة لاكتشف ماذا يوجد خلفها .. فإذا بي اسمع صوتا يبدو كأنه قدم من آخر الجحيم يصرخ ويطلب مني أن أتوقف و إلا قتلني .. فالتفت بذعر لأرى أن ذلك العجوز قد اختفى و هناك شاب طويل و جميل الطلعة مكانه ولكن عيناه كانتا  سوداوان بشكل مرعب و الشرر يتطاير من عينيه منذرا بالسوء .. فلم افكر كثيرا و ضربت المرآة ضربة أسقطتها وقفزت إلى المجهول لا أرى شيئا .. لا شيء إطلاقا .. و ها هو ذاك الشاب صار له جناحان سوداوان و يريد الامساك بي .. لااااااا .. سيمسك بي يا ربي ساعدني ..

– مديحة مديحة !!!! ..

– ساعدووني .. ساعدوني أنه يلاحقني سيقتلني ..

العجيب إني بدأت أسمع ضحكات عالية تتردد في أرجاء هذه الظلمة التي أهوي وأتقلب فيها ..

– لا تضحكوا أتكلم جديا! .. سيقتلني ..

– نعم يا مديحة سيقتلك من كثرة ما تنامين بالقسم و لا تحترمين استاذتك .. هيا اخرجي من القسم حتى تنتهي الحصة و تعالي معي لمكتب المدير ..

– اوووووف حسنا استاذة آسفة .. اللعنة على ذاك الحلم و لن أنام مجددا في القسم .. اووف

تاريخ النشر : 2016-05-22

مديحة

المغرب
guest
18 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى